الاستعانة بالجن


بسم الله الرحمن الرحيم

 



تمهيد:

كانت النظرة - لبعض الطوائف المنحرفة - للجن قائمة على تصورات فاسدة، فمن قائل: إن الجن شركاء لله في الخلق والتدبير. ومن قائل: إن إبليس مع جنده يمثلون الشر في جهة، ويحاربون الله وملائكته في جهة أخرى. وكان الاعتقاد السائد أن الجن يعلمون الغيب، وذلك بما كانوا يلقونه إلى الكهان عندما كانوا يسترقون أخبار السماء، فيزيد الكهان على الكلمة من الحق مائة كذبة كما ورد في الحديث، فيصدق الناس ذلك.

وكانوا يتصورون أن للجن سلطانا في الأرض، إلى غير ذلك من هذه التصورات المنحرفة الجائرة.هذه التصورات المختلفة عن الجن كان لها تأثير على تفكير وسلوك هؤلاء الناس وأعمالهم وإرادتهم كمـا أخبرنا القرآن الكريم عن ذلك بقوله - تعالى -: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِن الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ, مِن الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا)، (سورة الجن - الآية 6) .

ومن خلال أقوال أهل العلم في تفسير هذه الآية، يتضح أنه كان للجن تأثير على سلوك مشركي العرب، حيث كان أحدهم يعوذ بالجن عند المخاوف والأفزاع، وأثر ذلك على عقائدهم من حيث التوجه إلى عبادة الجن والذبح لهم، محاولين استرضائهم بأي شكل من الأشكال، ولا يخفى أن التوجه بالعبادة والتعظيم لغير الله من سائر الخلق فساد أي فساد في السلوك! ناشئ عن فساد التصور والاعتقاد الذي أرسل الله رسله وأنزل كتبه لإنقاذ البشرية من مغبته، بتصحيح تصوراتهم وتقويم سلوكهم، بما بينوه من أن الله هو خالق الجن والإنس وسائر الموجودات، وأنهم يستوون جميعا في عدم قدرتهم على تغيير سنة من سنن الله - سبحانه وتعالى - التي وضعها في هذا الكون، وأنهم جميعا واقعون تحت سلطان الله وقهره، وأن التوجه لغيره - سبحانه - بعبادة أو تعظيم شرك كبير، يستحق فاعله الخلود في النار.



ونتيجة لتلك العلاقة القائمة بين الإنس والجن منذ أمد بعيد، كانت الاستعانة. والمتأمل للكلام السابق يرى أن العلاقة التي تقوم بين الطرفين بمجملها لا تأتي بخيرº وذلك لقيام هذه العلاقة بين عالم محسوس وآخر غيبي لا نعرف كنهه ولا طبيعته إلا ما أخبر به الحق - جل وعلا - في محكم كتابه أو قررته السنة المطهرة، فالإسلام حدد السلوك والعلاقة والتصور الكامل بين هاذين العالمين .

وقد تكلم الكثير من عامة الناس وخاصتهم عن موضوع الاستعانة، فمنهم من أباحها، ومنهم من توقف عنها، ومنهم من لم يبحها وحذر منها وبين خطورتها . ولأهمية ذلك ... كان لا بد من وقفة جادة نستعرض فيها التصور الكامل المبني على النصوص القرآنية والحديثية ومنهج السلف الصالح وأقوال أهل العلم قديما وحديثا، دون تحكيم عقل أو منطق، أو تحقيقا لأهواء أو نزوات أو شهوات، وبحث هذه المسألة ضمن الأطر الشرعية، ببصيرة وبينة، لكي يتسنى الوقوف على الحقيقة والطريق السوي المستقيم .



وأبدأ بعرض بعض الآيات التي ذكرت علاقة الإنس بالجن وحقيقة هذه العلاقة بالمفهوم الذي بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ذكره الصحابة والتابعون والسلف وعلماء الأمة وأئمتها - رضوان الله عليهم - أجمعين: -



علاقة الإنس بالجن كما بينها الحق- تبارك وتعالى -في محكم كتابه: -

1)- يقول - تعالى -: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِن الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرجَالٍ, مِن الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا) .(سورة الجن - الآية 6) .

* أقوال أهل العلم في تفسير الآية الكريمة: -

أ - قال الطبري: (قال حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِن الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ, مِن الجِنِّ) قال: كانوا في الجاهليـة إذا نزلوا بالوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي، فيقول الجنيون: تتعوذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا! ) . (جامع البيان في تأويل القرآن - 12 / 263) .



ب- قال ابن كثير: (أي كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس، لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها، كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسؤهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقا، أي خوفا وإرهابا وذعرا حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم كما قال قتادة (فزادوهم رهقا: أي إثما وازدادت الجن عليهـم بذلك جـراءة، وقـال الثـوري عن منصور عن إبراهيم (فزادوهم رهقا): أي ازدادت الجن عليهم جراءة . وقال السدي: كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا أو مالي أو ولدي أو ماشيتي . قال قتادة: فإذا عاذ بهم من دون الله رهقتهم الجن الأذى عند ذلك . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي حدثنا الزبير بن حرب عن عكرمة قال: كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد، فكان الإنس إذا نزلوا واديا هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي . فقال الجن: نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون فذلك قول الله - عز وجل -: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِن الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ, مِن الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا) أي إثمـا: وقال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم (رهقا) أي خوفا . وقال العوفي عن ابن عباس (فزادوهم رهقا) أي إثما وكذا قال قتادة، وقال مجاهد زاد الكفار طغيانا.



وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا فروة بن المغراء الكندي حدثنا القاسم بن مالك - يعني المزني - عن عبد الرحمن ابن اسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله - صلى الله - تعالى -عليه وعلى آله وسلم - بمكة فأوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم، فوثب الراعي، فقال: يا عامر الوادي جارك، فنادى مناد لا نراه يقول: يا سرحان أرسله. فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة، وأنزل الله - تعالى -على رسوله بمكة: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِن الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ, مِن الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا) قال وروى عن عبيد بن عمير ومجاهد وأبي العالية والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي نحوه. وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل وهو ولد الشاة كان جنيا حتى يرهب الإنسي ويخاف منه، ثم رده عليه لما استجار به ليضله ويهينه ويخرجه عن دينه والله - تعالى -أعلم) (تفسير القرآن العظيم 4 / 429 43.) .



ج - قال القرطبي مثل ذلك.

د- وذكر مثل ذلك الشوكاني في كتابه (فتح القدير) .

هـ - قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: (كان الرجل من الإنس ينزل بالوادي، والأودية مظان الجن، فإنهم يكونون بالأودية أكثر مما يكونون بأعالي الأرض، فكان الإنسي يقول: أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، فلما رأت الجن أن الإنس تستعيذ بها زاد طغيانهم وغيهم . وبهذا يجيبون المعزم والراقي بأسمائهم وأسماء ملوكهم، فإنه يقسم عليه بأسماء من يعظمونه، فيحصل لهم بذلك من الرئاسة والشرف على الإنس ما يحملهم على أن يعطونهم بعض سؤلهم، لا سيما وهم يعلمون أن الإنس أشرف منهم وأعظم قدرا، فإذا خضعت الإنس لهم واستعاذت بهم، كانت بمنزلة أكابر الناس إذا خضع لأصاغرهم ليقضي له حاجته) (إيضاح الدلالة في عموم الرسالة - 2 / 12.) .



2)- يقول - تعالى -: (وَيَومَ يَحشُرُهُم جَمِيعًا يَا مَعشَرَ الجِنِّ قَد استَكثَرتُم مِن الإِنسِ وَقَالَ أَولِيَاؤُهُم مِن الإِنسِ رَبَّنَا استَمتَعَ بَعضُنَا بِبَعضٍ, وَبَلَغنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثوَاكُم خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) .(سورة الأنعام - الآية 128) .



* أقوال أهل العلم في تفسير الآية الكريمة: -

أ - قال الطبري: (ما قاله الإمام البغوي وزاد عليه: (وأما استمتاع الجن بالإنس، فإنه كان فيما ذكر، ما ينال الجن من الإنس من تعظيمهم إياهم في استعاذتهم بهم، فيقولون: (قد سدنا الجن والإنس) . (تفسير الطبري - جامع البيان في تأويل القرآن - 5 / 343) .



ب - قال البغوي: (قال الكلبي: استمتاع الإنس بالجن هو أن الرجل كان إذا سافر ونزل بأرض قفر وخاف على نفسه من الجن قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فيبيت في جوارهم. وأما استمتاع الجن بالإنس: هو أنهم قالوا: قد سدنا الإنس مع الجن، حتى عاذوا بنا فيزدادون شرفا في قومهم وعظما في أنفسهم، وهذا كقوله - تعالى -: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِن الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ, مِن الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا) وقيل: استمتاع الإنس بالجن ما كانوا يلقون إليهم من الأراجيف والسحر والكهانة وتزيينهم لهم الأمور التي يهوونها، وتسهيل سبيلها عليهم، واستمتاع الجن بالإنس طاعة الإنس لهم فيما يزينون لهم من الضلالة والمعاصي. قال محمد بن كعب: هو طاعة بعضهم بعضا وموافقة بعضهم لبعض) (تفسير البغوي - معالم التنزيل - 3 / 188) .



ج - قال ابن كثير: (يقول - تعالى -: واذكر يا محمد فيما تقصه عليهم وتنذرهم به (ويوم يحشرهم جميعا) يعني الجن وأولياءهم من الإنس الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ويعوذون بهم ويطيعونهم ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا (يَا مَعشَرَ الجِنِّ قَد استَكثَرتُم مِن الإِنسِ ...) أي يقول: يا معشر الجن وسياق الكلام يدل على المحذوف ومعنى قوله: (قَد استَكثَرتُم مِن الإِنسِ ...) أي من اغوائهم وإضلالهم كقوله - تعالى -: (أَلَم أَعهَد إلَيكُم يَابَنِىءادَمَ أَن لا تَعبُدُوا الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُم عَدُوُّ مُبِينٌ * وَأَن اعبُدُونِى هَذَا صِرَاطٌ مُستَقِيمٌ * وَلَقَد أَضَلَّ مِنكُم جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَم تَكُونُوا تَعقِلُونَ) (سورة يس الآية 6. 62) .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يَا مَعشَرَ الجِنِّ قَد استَكثَرتُم مِن الإِنسِ) يعني أضللتم منهم كثيرا . قال مجاهد والحسن وقتادة: (وَقَالَ أَولِيَاؤُهُم مِن الإِنسِ رَبَّنَا استَمتَعَ بَعضُنَا بِبَعضٍ,) يعني أن أولياء الجن من الإنس قالوا مجيبين لله - تعالى -عن ذلك بهذا، قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة حدثنا عوف عن الحسن في هذه الآية قال: استكثرتم أهل النار يوم القيامة . فقال أولياؤهم من الإنس: ربنا استمتع بعضنا ببعض، قال الحسن وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت وعملت الإنس . وقال محمد بن كعب في قوله: (رَبَّنَا استَمتَعَ بَعضُنَا بِبَعضٍ, ...) قال: الصحابة في الدنيا . وقال ابن جريج: كان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي . فذلك استمتاعهم، فاعتذروا به يوم القيامة وأما استمتاع الجن بالإنس فإنه كان فيما ذكر ما ينال الجن من الإنس من تعظيمهم إياهم في استعانتهم بهم فيقولون: قد سدنـا الإنس والجن} وَبَلَغنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلتَ لَنَا ...) قال السدي: يعني الموت (قَالَ النَّارُ مَثوَاكُم ...) أي مأواكم ومنزلكم أنتم وإياهم وأولياؤكم (خَالِدِينَ فِيهَا) أي ماكثين فيها مكثا مخلدا إلا ما شـاء الله . قال بعضهم: يرجع معنى الاستثناء إلى البرزخ، وقال بعضهم هذا رد إلى مدة الدنيا، وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني معاويـة بن صـالح عن علي بن أبي حاتم بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (قَالَ النَّارُ مَثوَاكُم خَالِدِينَ فِيهَا إِلإ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) قال: إن هذه الآية آية لا ينبغي لأحـد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا) .(تفسير القرآن العظيم - 2 / 167 - 168) .



د - قال القرطبي: (الجامع لأحكام القرآن - 7 / 84): \" قَد استَكثَرتُم مِن الإِنسِ) أي من الاستمتاع بالإنس، فحذف المصدر المضاف إلى المفعول، وحرف الجر، يدل على ذلك قوله: (رَبَّنَا استَمتَعَ بَعضُنَا بِبَعضٍ,) هذا يرد قول من قال: أن الجن هم الذين استمتعوا من الإنس، لأن الإنس قبلوا منهم . والصحيح أن كل واحد مستمتع بصاحبه. والتقدير في العربية: استمتع بعضنا بعضا، فاستمتاع الجن من الإنس أنهم تلذذوا بطاعة الإنس إياهم، وتلذذ الإنس بقبولهم من الجن حتى زنوا وشربوا الخمور بإغواء الجن إياهم\"



هـ- قال الشوكاني: (أما استمتاع الجن بالإنس فهو ما تقدم من تلذذهم باتباعهم لهم، وأما استمتاع الإنس بالجن فحيث قبلوا منهم تحسين المعاصي فوقعوا فيها وتلذذوا بها، فذلك هو استمتاعهم بالجن، وقيل: استمتاع الإنس بالجن أنه كان إذا مر الرجل بواد في سفره وخاف على نفسه قال: أعوذ برب هذا الوادي من جميع ما أحـذر، يعني ربه من الجن، ومنه قوله - تعالى -: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِن الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ, مِن الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا) وقيل: استمتاع الجن بالإنس أنهم كانوا يصدقونهم فيما يقولون من الأخبار الغيبية الباطلة، واستمتاع الإنس بالجن أنهم كانوا يتلذذون بما يلقونه إليهم من الأكاذيب وينالون بذلك شيئا من حظوظ الدنيا كالكهان) . (فتح القدير - 2 / 234).



و - قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير الآية: - أنواع الاستمتاع: -

1)- الاستمتاع الجنسي: \" الاستمتاع بالشيء \" هو أن يتمتع به فينال به ما يطلبه ويريده ويهواه، ويدخل في ذلك استمتاع الرجال بالنساء بعضهم ببعض كما قال: (فَمَا استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فَأتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) . (سورة النساء - الآية 24) .

2)- الاستمتاع بالاستخدام: ويدخل بالاستخدام أئمة الرئاسة كما يتمتع الملوك والسادة بجنودهم ومماليكهم، ويدخل في ذلك الاستمتاع بالأموال كاللباس ومنه قوله: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقتِرِ قَدَرُهُ) (سورة البقرة - الآية 236) .

وكان من السلف من يمتع المرأة بخادم فهي تستمتع بخدمته، ومنهم من يمتع بكسوة أو نفقة، ولهذا قال الفقهاء: أعلى المتعة خادم وأدناه كسوة تجزي فيها الصلاة .



3)- الاستمتاع بالأمور الغيبية: قال شيخ الإسلام ومن استمتــاع الإنس بالجن استخدامهم في الأخبار بالأمور الغائبة كما يخبر الكهان، فإن في الإنس من له غرض في هذا لمـا يحصل به من الرئاسـة والمال وغير ذلك) .(مجموع الفتاوى 13 / 81) .



الجن يعتبر بالنسبة للناس غيبا، فكيف يعرف الإنسان أنه يتعامل مع جن مسلم أو جن صالح، وقد يكذب الجن على الإنسان، فمن باب سد الذرائع ألا يتعامل المسلم مع الجن، وأن يعيش واقعه، وأن يأخذ بالأسباب مع الاستعانة بالله - تعالى -. وقد خلق الله - تعالى -الإنس عالما، والجن عالما آخر، وإن كان الناس يستعينون بالجن فيما غاب عن بعض الناس، ويعرفه غيرهم، فما الداعي للالتجاء إلى الجن للمعرفة؟! ولماذا لا يستعين الجن بالإنس أيضا فيما يخصهم من أمور؟



إن في إحداث علاقة بين الإنس والجن بنوع من التعامل فيما بين الفريقين خرق لسنة الكون، وهو أمر لم يألفه السلف، وما أقره الخلف، ومن الخير تركه. كما أنه هروب من الواقع، والإغراق في الغيب بغير حق وترك الأخذ بقانون السببية، وهو مما بني عليه كثير من الأمور في حياة الناس، كما قضت سنة الله في الكون.



* الاستعانة بالجـن:

إن مسألة الاستعانة بالجن هي من المسائل الخلافية بين أهل العلم والتي أجازها بعض العلماء بشروط ومنعها آخرون.

ففي مجموع الفتاوى الجزء الحادي عشر يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

والمقصود هنا أن الجن مع الإنس على أحوالº

فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به رسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ويأمر الإنس بذلك فهذا من أفضل أولياء الله - تعالى -وهو في ذلك من خلفاء الرسول ونوابه.

ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك. وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله - تعالى - فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.



ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك وإما في قتل معصوم الدم أو في العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك من الظلم، وإما في فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر.



وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق.

وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن انه من الكرامات مثل أن يستعين بهم على الحج أو أن يطيروا به عند السماع البدعى أو أن يحملوه إلى عرفات ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله، وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة، ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به. وكثير من هؤلاء قد لا يعرف أن ذلك من الجن بل قد سمع أن أولياء الله لهم كرامات وخوارق للعادات وليس عنده من حقائق الإيمان ومعرفة القرآن ما يفرق به بين الكرامات الرحمانية وبين التلبيسات الشيطانية فيمكرون به بحسب اعتقاده فان كان مشركا يعبد الكواكب والأوثان أوهموه انه ينتفع بتلك العبادة ويكون قصده الاستشفاع والتوسل ممن صور ذلك الصنم على صورته من ملك آو نبي أو شيخ صالح فيظن انه صالح وتكون عبادته في الحقيقة للشيطان قال الله - تعالى -\"ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك آنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون\".

ويقول في الجزء الأول من مجموع الفتاوى:

وهؤلاء المشركون قد تتمثل لهم الشياطين وقد تخاطبهم بكلام وقد تحمل أحدهم في الهواء وقد تخبره ببعض الأمور الغائبة وقد تأتيه بنفقة أو طعام أو كسوة أو غير ذلك كما جرى مثل ذلك لعباد الأصنام من العرب وغير العرب، وهذا كثير موجود في هذا الزمان وغير هذا الزمان للضالين المبتدعين المخالفين للكتاب والسنة إما بعبادة غير الله، وإما بعبادة لم يشرعها الله، وهؤلاء إذا أظهر أحدهم شيئا خارقا للعادة لم يخرج عن أن يكون حالا شيطانيا أو محالا بهتانيا، فخواصهم تقترن بهم الشياطين كما يقع لبعض العقلاء منهم وقد يحصل ذلك لغير هؤلاء لكن لا تقترن بهم الشياطين إلا مع نوع من البدعة إما كفر وإما فسق وإما جهل بالشرع فإن الشيطان قصده إغواء بحسب قدرته فإن قدر على أن يجعلهم كفارا جعلهم كفارا وإن لم يقدر إلا على جعلهم فساقا أو عصاة وإن لم يقدر إلا على نقص عملهم ودينهم ببدعة يرتكبونها يخالفون بها الشريعة التي بعث الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - فينتفع منهم.

ولهذا قال الأئمة لو رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشى على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهى، ولهذا يوجد كثير من الناس يطير في الهواء وتكون الشياطين هي التي تحمله لا يكون من كرامات أولياء الله المتقين ومن هؤلاء من يحمله الشيطان إلى عرفات فيقف مع الناس ثم يحمله فيرده إلى مدينته تلك الليلة ويظن هذا الجاهل أن هذا من أولياء الله ولا يعرف أنه يجب عليه أن يتوب من هذا وإن اعتقد أن هذا طاعة وقربة إليه فإنه يستتاب فإن تاب والا قتل لأن الحج الذي أمر الله به ورسوله لا بد فيه من الإحرام والوقوف بعرفة ولابد فيه من أن يطوف بعد ذلك طواف الإفاضة فإنه ركن لا يتم الحج إلا به بل عليه أن يقف بمزدلفة ويرمى الجمار ويطوف للوداع وعليه اجتناب المحظورات والإحرام من الميقات إلى غير ذلك من واجبات الحج، وهؤلاء الضالون الذين يضلهم الشيطان يحملهم في الهواء يحمل أحدهم بثيابه فيقف بعرفة ويرجع من تلك الليلة حتى يرى في اليوم الواحد ببلده ويرى بعرفة ومنهم من يتصور الشيطان بصورته ويقف بعرفة فيراه من يعرفه واقفا فيظن أنه ذلك الرجل وقف بعرفة فإذا قال له ذلك الشيخ أنا لم أذهب العام إلى عرفة ظن أنه ملك خلق على صورة ذلك الشيخ وإنما هو شيطان تمثل على صورته ومثل هذا وأمثاله يقع كثيرا وهى أحوال شيطانية.

وفي مجموع الفتاوى \" ج13/ص89 \" يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

قد قال - تعالى -عن قول الجن: \" منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا وقالوا وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن اسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا\".

ففيهم الكفار والفساق والعصاة وفيهم من فيه عبادة ودين بنوع من قلة العلم كما في الإنس وكل نوع من الجن يميل إلى نظيره من الإنس فاليهود مع اليهود والنصارى مع النصارى والمسلمون مع المسلمين والفساق مع الفساق وأهل الجهل والبدع مع أهل الجهل والبدع، واستخدام الانس لهم مثل استخدام الإنس للإنس بشيء.

منهم من يستخدمهم في المحرمات من الفواحش والظلم والشرك والقول على الله بلا علم وقد يظنون ذلك من كرامات الصالحين وإنما هو من أفعال الشياطين. ومنهم من يستخدمهم في أمور مباحة أما إحضار ماله أو دلالة على مكان فيه مال ليس له مالك معصوم أو دفع من يؤذيه ونحو ذلك فهذا كاستعانة الانس بعضهم ببعض في ذلك



والنوع الثالث أن يستعملهم في طاعة الله ورسوله كما يستعمل الإنس في مثل ذلك فيأمرهم بما أمر الله به ورسوله وينهاهم عما نهاهم الله عنه ورسوله كما يأمر الإنس وينهاهم وهذه حال نبينا - صلى الله عليه وسلم - وحال من اتبعه واقتدى به من أمته وهم أفضل الخلق فإنهم يأمرون الإنس والجن بما أمرهم الله به ورسوله وينهون الإنس والجن عما نهاهم الله عنه ورسوله.



إذ كان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - مبعوثا بذلك إلى الثقلين الإنس والجن وقد قال الله له قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين وقال قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم وعمر - رضي الله عنه - لما نادى يا سارية الجبل قال إن لله جنودا يبلغون صوتي وجنود الله هم من الملائكة ومن صالحي الجن فجنود الله بلغوا صوت عمر إلى سارية وهو أنهم نادوه بمثل صوت عمر والا نفس صوت عمر لا يصل نفسه في هذه المسافة البعيدة وهذا كالرجل يدعو آخر وهو بعيد عنه فيقول يا فلان فيعان على ذلك فيقول الواسطة بينهما يا فلان وقد يقول لمن هو بعيد عنه يا فلان احبس الماء تعال إلينا وهو لا يسمع صوته فيناديه الواسطة بمثل ذلك يا فلان احبس الماء أرسل الماء إما بمثل صوت الأول إن كان لا يقبل إلا صوته والا فلا يضر بأي صوت كان إذا عرف أن صاحبه قد ناداه، وهذه حكاية كان عمر مرة قد أرسل جيشا فجاء شخص وأخبر أهل المدينة بانتصار الجيش وشاع الخبر فقال عمر من أين لكم هذا قالوا شخص صفته كيت وكيت فأخبرنا فقال عمر ذاك أبو الهيثم بريد الجن وسيجيء بريد الإنس بعد ذلك بأيام.



وقد يأمر الملك بعض الناس بأمر ويستكتمه إياه فيخرج فيرى الناس يتحدثون به فإن الجن تسمعه وتخبر به الناس، والذين يستخدمون الجن في المباحات يشبه استخدام سليمان لكن أعطى ملكا لا ينبغي لأحد بعده وسخرت له الإنس والجن وهذا لم يحصل لغيره والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما تفلت عليه العفريت ليقطع عليه صلاته قال فأخذته فذعته حتى سال لعابه على يدي وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد ثم ذكرت دعوة أخي سليمان فأرسلته فلم يستخدم الجن أصلا لكن دعاهم إلى الإيمان بالله وقرأ عليهم القرآن وبلغهم الرسالة وبايعهم كما فعل بالإنس والذي أوتيه - صلى الله عليه وسلم - أعظم مما أوتيه سليمان فإنه استعمل الجن والإنس في عبادة الله وحده وسعادتهم في الدنيا والآخرة لا لغرض يرجع إليه الا ابتغاء وجه الله وطلب مرضاته واختار أن يكون عبدا رسولا على أن يكون نبيا ملكا فداود وسليمان ويوسف أنبياء ملوك وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد رسل عبيد فهو أفضل كفضل السابقين المقربين على الأبرار أصحاب اليمين وكثير ممن يرى هذه العجائب الخارقة يعتقد أنها من كرامات الأولياء. أ. هـ



وفي نفس المرجع في كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان يقول: وكل من خالف شيئا مما جاء به الرسول، مقلدا في ذلك لمن يظن أنه ولي لله، فإنه بنى أمره على أنه ولي الله، وان ولي الله لا يخالف في شيء، ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله، كأكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، لم يقبل منه ما خالف الكتاب والسنة، فكيف إذا لم يكن كذلك؟! وتجد كثيرا من هؤلاء، عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله، أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور، أو بعض التصرفات الخارقة للعادة، مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها، أو يمشي على الماء أحيانا، أو يملأ إبريقا من الهواء، أو ينفق بعض الأوقات من الغيب، أو يختفي أحيانا عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه، فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سرق لهم، أو بحال غائب لهم أو مريض، أو نحو ذلك من الأمور، وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي الله، بل قد اتفق أولياء الله، على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يعتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وموافقته لأمره ونهيه..... أ. هـ



*وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - يرحمه الله تعالى -: ما حكم خدمة الجن للإنس؟

فأجاب بذكر كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - في المجلد الحادي عشر من مجموع الفتاوى، ثم قال: \"وقد اتخذ بعض الرقات كلام شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -متكأ على مشروعية الاستعانة بالجن المسلم في العلاج بأنه من الأمور المباحة ولا أري في كلام شيخ الإسلام ما يسوغ لهم ذلك، فإذا كان من البديهيات المسلم بها أن الجن من عالم الغيب يرانا ولا نراه الغالب عليه الكذب، معتد ظلوم غشوم لا يعرف العذر بالجهل، مجهولة عدالته، لذا روايته للحديث ضعيفة، فما هو المقياس الذي نحكم به على أن هذا الجنى مسلم وهذا منافق أو كافر وهذا صالح وذاك طالح، لذا الاستعانة بالجن المسلم (كما يدعى البعض) في العلاج لا تجوز، قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رقى ورقى له وأمر أصحابه بالرقية فأجتمع بذلك فعله وأمره وإقراره - صلى الله عليه وسلم -، فلو كانت الاستعانة بالجن المسلم كما يدعى البعض فضيلة ما ادخرها الله عن رسوله يوم سحرته يهود - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته رضوان الله عليهم وهم خير الخلق وأفضلهم بعد أنبيائه.



*وهذا سؤال طرح على مركز الفتوى حول الاستعانة بالجن. \" فتوى رقم 7369\"

ما حكم من يتعامل مع شخص يتعامل مع الجن في الخير فقط في علاج بعض الأمراض وفك السحر. ولا يستخدم الجن إلا في عمل الخير وعرف عن هذا الشخص التقوى والورع. وهل هناك أشخاص يتمتعون بكرامات من الله - عز وجل -. وهل يكون تسخير الجن للشخص في عمل الخير كرامة له من عند الله - سبحانه -؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا بأسرع وقت ممكن.

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإنه لا يجوز الاستعانة بالجن ولو كان في أمور يظهر أنها من أعمال الخير، لأن الاستعانة بهم تؤدي إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم من الأمور الغيبية التي يصعب على الإنسان فيها الحكم عليهم بالإسلام، أو الكفر، أو الصلاح، أو النفاق، لأن الحكم بذلك يكون بناء على معرفة تامة بخلقهم ودينهم والتزامهم وتقواهم، وهذا لا يمكن الاستيثاق منه لانعدام مقاييس تحديد الصادقين والكاذبين منهم بالنسبة إلينا.



ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا خلفائه الراشدين، ولا الصحابة ولا التابعين، أنهم فعلوا ذلك، أو استعانوا بهم، أو لجؤوا إليهم في حاجاتهم. ومع انتشار الجهل في عصرنا وقلة العلم قد يقع الإنسان في الشعوذة والسحر، بحجة الاستعانة بالجن في أعمال الخير، وقد يقع في مكرهم وخداعهم وهو لا يشعر، إلى ما في ذلك من فتنة لعامة الناس، مما قد يجعلهم ينحرفون وراء السحرة والمشعوذين بحجة الاستعانة بالجن في أعمال الخير.

وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه من أن استخدامهم في المباح والخير جائز كاستخدام الإنس في ذلك، فإنه في آخر كلامه ذكر أن من لم يكن لديه علم تام بالشريعة قد يغتر بهم ويمكرون به.

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: \" قال أحمد في رواية البرزاطي في الرجل يزعم أنه يعالج المجنون من الصرع بالرقى والعزائم، أو يزعم أنه يخاطب الجن ويكلمهم، ومنهم من يخدمه. قال: ما أحب لأحد أن يفعله، تركه أحب إلي\"

وأما من يدعي أن تسخير الجن له من باب الكرامة فدعواه ليست صحيحة، لأن الكرامة لا تأتي لإنسان يريدها، وإنما هي تفضل من الله على أوليائه، قد يطلبونها فتحصل، وقد يطلبونها فتتخلف، وعلينا أن ننظر إلى حال الشخص للحكم عليه لا إلى كراماته.



قال الشيخ خالد بن علي المشيقح:

الاستعانة بالجن قسمها بعض العلماء إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يستعين بهم في أمور محرمة، فإن هذا محرم، كما لو استعان بهم على إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم أو أموالهم ونحو ذلك.



القسم الثاني: أن يستعين بهم في أمور مشروعة، فإن هذا مشروع ولا حرج فيه، كما لو استعان بهم في ما يتعلق بالدعوة إلى الله - عز وجل - ونحو ذلك.



القسم الثالث: أن يستعين بهم في أمور مباحة، كفقدان ضالة والبحث عنها فإنه مباح، وقد استدلوا على ذلك بأن الصحابة رضي الله - تعالى -عنهم، لما فقدوا عمر رضي الله - تعالى -عنه، كانت هناك امرأة لها رئيُّ من الجن، فذهبوا إليها وأمروها أن تسأل هذا الجن عن مكان عمر، فأرشد إلى أنه يسم إبل الصدقة، هذا ذكره بعض العلماء - رحمهم الله -، كشيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله -، لكن لا يستحب أن يقوم الناس بهذه الأمورº لأن غلبة الجهل وقلة العلم، جعلت الناس تتوسع في هذه الأمور حتى خرجوا عن الحدود الشرعيةº لذا فلا بد عند الاستعانة بالجن الرجوع إلى أهل العلم، واستشارتهم في الاستعانة وكيفيتها وبم تكون ونحو ذلك، حتى لا يقع فيما حرَّم الله - تعالى -من الشرك وغيره.

وفى مجلة الدعوة عدد رقم 2479 يقول الكاتب وقد ظهر في الأونة الأخيرة بعض القراء يقرئون على برميل ماء كبير وينفث فيه وبعد ذلك يملأ المرضى أو قل إن شأت الضحايا



أوعيتهم، ناهيك عن القراءة المركزة وفى هذه الطريقة يقوم القارئ بالقراءة على الماء والزيت عدة مرات وهذه القراءة لها اجر خاص ومرتفع جدا وبعضهم يقرأ على العلب وهى مغلقه وذلك لكسب الوقت والجهد والمال الحرام، يقول الدكتور عبد الله السبيعى لا نستغرب إذا ظهر لنا من يقرأ على البحر لنسبح فبه فيذهب عنا كل العلل، وقد استخدم بعضهم جهاز الكمبيوتر في عيادته وذلك ليواكب عصر التطور والتكنولوجيا.

وبكل جراه أعلن أحدهم بالصحف الاعلانيه بالكويت انه على استعداد لقراءة الرقى الشرعية

وكذلك في الإنترنت وأي جرأة بعد هذا حتى اختلط الأمر لدى المرضى فأصبحوا لا يميزون الذي يرقى بالقرآن من الذي يرقى بالطلاسم والخرافات فوقعوا فريسة للمشعوذين والسحرة يا قوم اتقوا الله بمرضى المسلمين.



*سئل الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - عن الاستعانة بالجن وقولهم: خذوه، انفروا به الخ، فقال في مجموع فتاويه: وهذه كلمات لا تجوز من ثلاثة أوجه مأخوذة من ظاهر هذه الألفاظ: -

(إحداها) محبة ضرر هذا المسلم المطلوب أخذه وشرب دمه .

(الثاني) إنه طلب من الجن فيدخل في سؤال الغائبين الذي يشبه سؤال الأموات، وفيه رائحة من روائح الشرك .

(الثالث) تخويف الحاضر المقول في حقه ذلك، ولولا تغلب جانب التخويف مضافا إلى أنه قد لا يحب إصابة هذا الحاضر معه لألحق بالشركيات الحقيقية) .(فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم -1 / 114، 115 - (51، 52) .



سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز عن حكم استخدام الجن من المسلمين في العلاج إذا لزم الأمر؟

فأجاب - رحمه الله -: (لا ينبغي للمريض استخدام الجن في العلاج ولا يسألهم، بل يسأل الأطباء المعروفين، وأما اللجوء إلى الجن فلاº لأنه وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم، لأن في الجن من هو كافر ومن هو مسلم ومن هو مبتدع، ولا تعرف أحوالهم فلا ينبغي الاعتمـاد عليهم ولا يسألون، ولو تمثلوا لك، بل عليك أن تسأل أهل العلم والطب من الإنس. وقد ذم الله المشركين بقوله - تعالى -: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِن الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ, مِن الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا)، (سورة الجن - الآية 6) .

ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم، وذلك كله من الشرك) . (مجلة الدعوة - العدد 16.2 ربيع الأول 1418 هـ ص 34) .



*ويرى الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - عدم جواز ذلك، وقد بين أن هذا من الأمور المغيبة عن الإنسان ولا نستطيع أن نحكم على هؤلاء بالإسلام أو الكفر، فإن كانوا مسلمين لا نستطيع أن نحكم عليهم بالصلاح أو النفاق، وقد استشهد - حفظه الله - بالآية الكريمة من سورة الجن: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِن الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ, مِن الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا)، (سورة الجن الآية 6) .



* سئل فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عن الحكم الشرعي للاستعانة بالجن في الكشف عن الجرائم والسرقات الخطيرة ونحو ذلك؟



فأجاب - حفظه الله -: (لا شك أن في الجن مسلمون وصالحون، ولا شك أنهم جميعا يروننا ونحن لا نراهم، وأنهم يتكلمون وقد نسمع كلامهم وقد لا نسمعه، فعلى هذا لا ينكر أنهم يخبرون بعض البشر بأشياء لا يعلمها الإنسº لأنهم لخفتهم يقطعون المسافات الطويلة في زمن قصير، وقد حكى الله عنهم قولهم: (وَأَنَّا لَمَسنَا السَّمَاءَ فَوَجَدنَاهَا مُلِئَت حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقعُدُ مِنهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمعِ ...)، (سورة الجن جزء من الآية 8 9) .



ففي الإمكان أن يعلموا عن السارق ومكان الضالة ومجتمع أهل الإجرام ومكائد الأعداء وموضع ذخائرهم ونوعها، ولكنهم لا يعلمون الغيب (... وَمَا تَدرِى نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا ...)، (سورة لقمان - جزء من الآية 34). فأما الاستعانة بهم فأرى أنه لا يجوزº لأن في ذلك استخدام لهم وقد لا يخدمون إلا بتقرب إليهم واستضعاف لهم، فأما إن تلبس أحدهم بإنسان وسألناه عن بعض ما لا نعلمه فلا مانع من اعتبـار خبره، مع أنه قد يظن ظنا، وقد يتعمد الكذب أما إن تحقق من بعض الصالحين منهم خبر بواسطة بعض الصالحين من البشر فلا مانع من قبوله دون طلب ذلك من أحدهم وقد تواتر عن بعض الصالحين من الناس أن هناك من يوقظهم للصلاة آخر الليل ولا يرون أحدا وإنما هم من صالحي الجن والله أعلم) . (فتوى مكتوبة بتاريخ 24 شعبان سنة 1418 هـ) .



وقال أيضا: (لا أرى ذلك فإن المعتاد أن الجن إنما تخدم الإنس إذا أطاعوها ولا بد أن تكون الطاعة مشتملة على فعل محرم أو اقتراف ذنب فإن الجن غالبا لا يتعرضون للإنس إلا إذا تعرضوا لهم أو كانوا من الشياطين).(الفتاوى الذهبية - جزء من فتوى ص 198)



*وقد سئل فضيلته السؤال التالي: (جاء إلينا شاب مريض يقول إن عليه جني وعندما أحضرنا له أخ ليقرأ عليه وحضر الجن وعلمنا أن عليه واحد قسيس وابنته وابنه، وقد نطق الجميع، واستمر الأخ مع هذا المريض من قبل صلاة المغرب إلى الساعة الواحدة مساء، فلم يقدر له الله أن يخرج هؤلاء الجن، وفي اليوم الثاني أحضرنا أخ آخر لهذا الرجل ولقد فوجئنا جميعاً أن الأخ بمجرد دخوله على المريض لم يقرأ قرآنا نسمعه ولكنه أخذ يتمتم في أذن المريض بكلام لا نسمعه، ثم أخذ يضغط على أسنانه بشده لدرجة أنه أحدث صوتاً عالياً، ثم قال: هيا يا عبد الله هات هذا الكلب، وهنا أخذ المريض ينتفخ جسمه وتبرز عروقه، ثم وضع عند رقبته وقام بذبح الأول، ثم قال: هيا يا عبد الرحمن وحدث كما حدث في المرة الأولى تماما، ثم أحضر كوب ماء وقرأ عليه دون أن نسمع صوته أيضاً، ثم قام بنفخ الماء في وجهه حتى أفاق، وقال: خلاص لقد ذبحتهم جميعاً، وعندما قلنا له أن ما فعلت حرام، قال: ليس حرام وأنـا معي فتوى من السعودية تجيز لي هذا العمل، وأن هؤلاء من الجن المسلم وهم معي منذ عشر سنوات، ويصلون معي ويقيمون الليل أيضاً، ولا شيء في الاستعانة بهم ما داموا مسلمين، وما دمت لا أقوم بطاعتهم في أمور معينة لإحضارهم، وهنا اختلف الإخوة بين معجب لهذا الأمر مقراً به، وبين مخالف منكر هذا الأمر، لذلك رأينا عرض الأمر بالتفصيل على فضيلتكم وإفتاؤنا بهذا العمل وجزاكم الله خيراً ونفع بكم المسلمين؟ .



فأجاب - حفظه الله -: (وبعد نختار عدم الاستعانة بالجن المسلمين أو غيرهم، وذلك أنه قد يحتاج استخدامهم إلى شيء من التقرب إليهم أو تعظيمهم أو نحو ذلك، فالأصل علاجهم بالرقية الشرعيـة، وتنفع بإذن الله لأهل الطاعة والإيمان، فإذا كان القارئ من أهل الصلاح والعلم والزهد والخير، وأخلص في قراءته وعرف الآيات والأدعية والأحاديث التي تؤثر في العلاج، وكان المريض من أهل الخير والصلاح والاستقامة والإيمان الصحيح نفع ذلك بإذن الله وتوفيقه، وقد يستعمل القراء بعض الأعمال كالخنق والضرب والكي ودخان النار ونحو ذلك ولهم تجربة وأعمال يحسنون السير عليها دون الحاجة إلى استخدام الأرواح الخبيثة، والله أعلم)



*قال فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - في كتابه \" السحر والشعوذة \": (لا يستعان بالجان، لا المسلم منهم ولا الذي يقول أنه مسلم، لأنه قد يقول مسلم وهو كذاب من أجل أن يتدخل مع الإنس فيسد هذا الباب من أصله، ولا يجوز الاستعانة بالجن ولو قالوا أنهم مسلمونº لأن هذا يفتح الباب والاستعانة بالغائب لا تجوز سواء كان جنيا أو غير جني وسواء كان مسلما أو غير مسلم إنما يستعان بالحاضر الذي يقدر على الإعانة كما قال - تعالى -عن موسى: (... فَاستَغَاثَهُ الَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِن عَدُوِّهِ ...) (سورة القصص - الآية 15) . هذا حاضر ويقدر على الإغاثة فلا مانع من هذا في الأمور العادية.(السحر والشعوذة ص 86 - 87) .



*قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ: (والاستعانة بالجن الأصل فيها المنع، وقد أجاز بعض العلماء أنه إذا عرض الجني أحيانا وهذه نادرة للمسلم في إبداء إعانة له فإن له أن يفعل ذلك وهذا ليس من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته، وقد أدت الاستعانة بمن زعموا أنهم من مسلمي الجن من قبل بعض الراقين إلى فتن وشحناء ومشكلات بين الناس فيقول الراقي إن الجن يقول إن الحاسد أو العائن هو الزوجة الثانية أو السحر من قبل أهل الزوجة أو من فلان من الأقرباء وهكذا، مما يؤدي إلى القطيعة والشحناء والشرور .. وهنا أمر نلفت إليه وهو أن عدالة الجن لا تعلم حتى لو كان قرينا للإنسان وهل الجن فيما يخبر به عدل أو غير عدل، ولهذا ذكر علماء الحديث في كتب المصطلح أن رواية مسلمي الجن ضعيفة لأن الرواية في صحتها موقوفة على معرفة العدالة والثقة في الراوي وهذا لا سبيل للوصول إليه بالنسبة للجن فكيف يقبل من يقولون بأنهم مسلمي الجن إما فلان مسحور على يد فلان أو أنه محسود بعين فلان) . (مجلة الدعوة ـ صفحة ـ 23 ـ باختصار ـ العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ).



* قال الدكتور أحمد بن ناصر بن محمد الحمد: (إن المؤمنين من الجن كالمؤمنين من الإنس من حيث أنهم مأمونو الجانب، فلا يدعون إلى غير عبادة الله - تعالى -، ولا يكونون عونا على الظلم والعدوان، وحصول الخير منهم غير مستنكر، بل هو مأمول، وعونهم لإخوانهم من الإنس ممكن، وقد يحصل من غير أن يراهم الإنس، أو يشعروا بمساعدتهم حسيا بحسب قدرتهم، كما يعين الإنس بعضهم بعضا، وكثيرا ما يعدم التعاون بين الإنس مع اتحاد جنسهم! فعدمه حال اختلاف الجنس أقرب وأحرى، لكن أن تحصل السيطرة والتسخير من الإنسي للجني فهذا أمر ليس ممكنا للاختلاف في الخلقة، من حيث أن الإنسي لا يرى الجن، ومن ثم لا يستطيع السيطرة والتحكم، وهذا الأمر ليس من متطلبات النفوس، فلا أحد تميل نفسه إلى أن يسخر ويكون عبدا إلا بالقوة والقهر، وعليه .. فلن يرضى هذا الأمر أحد رغبة له ويحصل من الشياطين نتيجة سيطرة بعضهم على بعض فيكون المسخر للإنسي من الجن مستذلا من قبل أمثاله من ذوي السيطرة من الشياطين، وذلك مقابل تحقيق الإنسي لذلك المسيطر من الشياطين ما يريد منه، من الكفر والفسوق والعصيان، والخروج على تعليمات الدين، فيكون المستعبد في الحقيقة الإنسي للشيطان) . (كتاب السحر بين الحقيقة والخيال ص 211) .



*قال عبد الرحمن حسن حبنكه الميداني: (وليس ببعيد أن يوجد في الجن كذابون، وقد أثبت الله أن منهم العصاة والكافرين . ومن جهة ثانية فإنه لا يصح الثقة بشيء من أخبارهم، لانعدام مقاييس تحديد الصادقين والكاذبين فيهم بالنسبة الينا) . (العقيدة الإسلامية وأسسها 29.) .

ومن زعم أنه يستخدم الجن بالقرآن فقط - دون سواه - فهو كاذب مدلس مخادع.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply