بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
المقدمة:
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، مجيب دعوة الداعي إذا دعاه، احمده -سبحانه- حمدًا يملأ أرضه وسماه، من لاذ بحماه وقاه وحماه، ومن توكل عليه كفاه، الحمد لله القوي المتين الملك الحق المبين، أشهد أن لا إله إلا الله فإياه نعبد وإياه نستعين، واشهد أن مجمدًا عبده ورسوله سيد المرسلين وأمام المتقين اصطفاه ربه واجتباه اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن نصره وآواه واقتفى أثره واتبع هداه...
أما بعد: فإن الناظر إلى حال المسلمين اليوم يجد أنه صار عندهم خللًا كبيرا في جناب التوحيد إلا من - رحمه الله - وضعف هذا الجانب العظيم في حياة الناس أمر بين لمن تأمل حال الناس اليوم وعرف حقيقة التوحيد والتي ليست هي ادعاء يدعيه المرء أو ألفاظ يتلفظ بها ومن يقرأ في كتب أئمة الإسلام خصوصا كتب الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ويرى حال الناس يجد الخلل الواضح البين في جانب التوحيد خصوصا الشرك الأصغر والذي قل أن يسلم منه احد إلا من رحم ربي ومن ذلك الخلل في تحقيق عبادة من أجل العبادات وقربة من أفضل القربات إلا وهي عبادة التوكل هذه العبادة القلبية العظيمة والتي يجب إخلاصها لله - تعالى - ومن صرف أشياء منها فهو واقع في الشرك الأصغر أو الأكبر شعر بذلك أم لم يشعر وأكثر الناس في غفلة من هذا... بل أن التوكل من أعظم أسباب انتصار الأمة على أعدائها ومن ثم تستعيد عزتها ومكانتها بين الأمم ولأهمية هذا الأمر فسيأتي له مزيد بيان.
وإذا كان الأمر كذلك فقد حركت قلمي وبذلت جهدي نصحا لنفسي المقصرة والتي هي أحق بالأمر قبل احد ونصحا لإخواني المسلمين في بيان حقيقة أو أشياء من حقيقة هذه العبادة العظيمة وقد آثرت أن تكون هذه الرسالة مختصرة مع عظم الأمر وأهميته ولكن نظرا لقلة اهتمام الناس بالقراءة فيما ينفعهم آثرت الاختصار والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به.. وألان حان أوآن الدخول إلى جوانب الموضوع.
• تعريف التوكل وضابطه [1]
اختلفت عبارات السلف في بيان حقيقة التوكل
فقال سهل: التوكل الاسترسال مع الله مع ما يريد.
وقال بشر الحافي: يقول أحدهم: توكلت على الله. يكذب على الله ولو توكل على الله رضي بما يفعل الله.
وقال ابن عطاء: التوكل أن لا يظهر فيك انزعاج إلى الأسباب مع شدة فاقتك إليها ولا تزول عن حقيقة السكون إلى الحق مع وقوفك عليها.
وقيل: التوكل قطع علائق القلب بغير الله \" ولنا نضبط معنى التوكل وتعريفه على ضوء ما تقدم فنقول:
أن التوكل: هو الاعتماد على الله - سبحانه وتعالى - في جلب المطلوب وزوال المكروه مع فعل الأسباب المأذون فيها وهذا أقرب تعريف.
ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا أنه لا بد من تحقق أمرين مهمين:
الأول: أن يكون الاعتماد على الله اعتمادًا صادقًا حقيقيًا.
الثاني: فعل الأسباب المأذون فيها.
فمن جعل أكثر اعتماده على الأسباب نقص توكله على الله ويكون قادحا في كفاية الله فكأنه جعل السبب وحده هو العمدة فيما يصبو إليه من حصول المطلوب وزوال المكروه.
ومن جعل أكثر اعتماده على الله ملغيا للأسباب فقد طعن في حكمة الله لان الله جعل لكل شيء سببا فمن اعتمد على الله اعتمادا مجردا كان قادحا في حكمة الله لان الله حكيم يربط الأسباب بمسبباتها كمن يعتمد على الله في حصول الولد وهو لا يتزوج. والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم المتوكلين ومع ذلك كان يأخذ بالأسباب فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ الزاد في السفر ولما خرج إلى أحد ظاهر بين درعيه أي لبس درعين اثنين ولما خرج مهاجرا أخذ من يدله الطريق وكان - صلى الله عليه وسلم - يتقي الحر والبرد ولم ينقص ذلك من توكله ويذكر عن عمر - رضي الله عنه - أن قدم ناس من أهل اليمن إلى الحج بلا زاد فجيء بهم إلى عمر فسألهم فقالوا: نحن المتوكلون على الله: فقال: لستم المتوكلين بل أنتم المتواكلون. فالضابط في هذه المسالة أن تعرف أن \" الأخذ بالأسباب واجب وطاعة الله - تعالى - ولكن مع ترك الاعتماد عليها بل الاعتماد على الله وحده لا شريك له في حصول المقصود بعد الأخذ بالأسباب. وبهذا يتبين أن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد وإن مما ينبغي أن يعلمه العبد تلك القاعدة الجليلة والتي ذكرها شيخ الإسلام وهي: \" الإلتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، وإنما التوكل معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع \"
• منزلة التوكل في الدين [2]
التوكل عبادة قلبية من أجل العبادات وقربة من أعظم القربات وهو فريضة يجب إخلاصه لله - تعالى - وهو أجمع أنواع العبادة وأعلى مقامات التوحيد وأعظمها وأجلها لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة فان العبد إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية دون كل ما سواه صح إخلاصه ومعاملته مع الله ولذلك أمر الله به في غير آية من كتابه بل جعله شرطا في الإيمان والإسلام كما في قوله - تعالى -\" وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين \" وقوله - تعالى -\" إن كنتم أمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين\"
وهنا أنقل لك كلامًا عظيمًا ذكره الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في مدارج السالكين فقال:
فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة التوكل
قال الله - تعالى -: \"وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين\" [المائدة: 23] وقال: \" وعلى الله فليتوكل المؤمنون\" [إبراهيم: 11] وقال: \"ومن يتوكل على الله فهو حسبه\" [الطلاق: 3] وقال عن أوليائه: \"ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير\" [الممتحنة: 4] وقال لرسوله: \" قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا \" [الملك: 29] وقال لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: \" فتوكل على الله إنك على الحق المبين\" [النمل: 79] وقال له: \"وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا\" [النساء: 81] وقال له: \"وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده\" [الفرقان: 58] وقال له: \"فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين\" [آل عمران: 159] وقال عن أنبيائه ورسله: \"وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا\" [إبراهيم: 12] وقال عن أصحاب نبيه الذين قال لهم الناس: \"إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل \" [آل عمران: 173] وقال: \"إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون \" [الأنفال: 2]
والقرآن مملوء من ذلك
وفي الصحيحين في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون\"
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين ألقي في النار وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا له: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل [آل عمران: 173] وفي الصحيحين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله: أن الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون.
وفي الترمذي عن عمر - رضي الله عنه - مرفوعا: \" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا \"
\" والتوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة.
ومنزلته أوسع المنازل واجمعها ولا تزال معمورة بالنازلين لسعة متعلق التوكل وكثرة حوائج العالمين وعموم التوكل ووقوعه من المؤمنين والكفار والإبرار والفجار والطير والوحش والبهائم فأهل السموات والأرض المكلفون وغيرهم في مقام التوكل وان تباين متعلق توكلهم.
قال الإمام أحمد: التوكل عمل القلب ومعنى ذلك: أنه عمل قلبي ليس بقول اللسان ولا عمل الجوارح ولا هو من باب العلوم والادراكات.
• وهنا مسالة مهمة ألا وهي أنه قد تضيق بالعبد السبل وتنعدم الأسباب وهنا ليس أمام العبد إلا عمل القلب وحده بصدق التوكل على الله - عز وجل - وصدق اللجوء والاضطرار إليه قال الله - تعالى - عن المسلمين يوم أحد \" الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل \" [آل عمران: 173]
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -\" والتوكل تارة يكون توكل اضطرار وإلجاء بحيث لا يجد العبد ملجأ ولا وزرًا إلا التوكل كما إذا ضاقت عليه الأسباب وضاقت عليه نفسه وظن إن لا ملجأ من الله إلا إليه وهذا لا يختلف عنه الفرج والتيسير البتة.
وتارة يكون توكل اختيار وذلك: التوكل مع وجود السبب المفضي إلى المراد فإن كان السبب مأمورا به ذم على تركه وإن قام بالسبب وترك التوكل ذم على تركه أيضا فإنه واجب باتفاق الأمة ونص القرآن والواجب القيام بهما والجمع بينهما وإن كان السبب محرما حرم عليه مباشرته وتوحد السبب في حقه في التوكل فلم يبق سبب سواه فإن التوكل من أقوى الأسباب في حصول المراد ودفع المكروه بل هو أقوى الأسباب على الإطلاق وإن كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل أو لا يضعفه؟ فإن أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت همك فتركه أولى وإن لم يضعفه فمباشرته أولى لأن الحكمة أحكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب به فلا تعطل حكمته ـ [إلى أن قال] ـ وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها كما لا ينفعه.
قوله توكلت على الله مع الاعتماد على غيره وركونه إليه وثقته به فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء \" ا.ه
صور من الخلل في التوكل:
إن المتأمل لحياتنا اليوم يجدا أنواعا وصورًا وأمثلة كثيرة على ضعف توكلنا على الله ومن ذلك أن البعض إذا كانت له حاجة دنيوية أو معاملة أو طلب وظيفة فتجدان أول من يخطر في باله هو فلان بن فلان وأنه بيده الأمر فتجده يتوجه إليه ويطلبه وربما نافق له أو مدحه أو رشاه ونسي الله الذي بيده كل شيء وهو على ما كل شيء قدير...
ومن ذلك أن من حصل عنده مرض أو مرض له احد أو كان عنده ظرف أو كرب فمن أول من يخطر في قلبه أالله أم الطبيب أالله أم فلان؟!! أالله أم المدير؟!! من أول من يتوجه إليه القلب؟!!... فتجد أن الواحد يقضي في طلب الأمر الأيام وربما الشهور وربما الأعوام.. يسأل هذا ويطلب هذا؟!!.. وهنا تسأله هل دعيت الله؟!! هل توجهت إلى الله؟!! هل سألت ربك قضاء هذه الحاجة؟!!... \" أمن يجيب المضطر إذا دعا ويكشف السوء \" أنه الله الذي الإله إلا هو الذي بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير...
ولست بهذا اقصد منع الشفعات.. أو تحريم تفريج الكربات.. بل قد يؤجر صاحب الشفاعة.. ولا يأثم السائل.. لكن المراد هنا هو الحذر من التفات القلب إلى غير الله.. وإن كان الأكمل هو ترك السؤال.. كما بايع على ذلك الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
تنبيه:
إن فعل الأسباب ليس حرامًا بل هو أمر ٌ مطلوب قدر أمر الله به بل هو من التوحيد ولكن المحذور الشرك أن يلتفت القلب إلى السبب أي كان سواءً كان بشرًا أو دابة أو طائرة أو سيارة يلتفت القلب إليها وينسى الله فهذا هو المحذور... بل الواجب على العبد أن يفعل السبب ثم ينساه ولا يلفت إليه ويفوض أمره إلي الله تعالي ويعتمد على ربه وخالقه..
وأن يعلم العبد أن البشر مهما بلوغ من العلو في الدنيوي ومهما ملكوا أنهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يقدمون ولا يؤخرون وأن ليس بيدهم شيء وليس لهم من الأمر شيء وأن يتذكر وصيته النبي - صلى الله عليه وسلم - للغلام \"واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعونك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وأن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك ألا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف \" نعم هذا هو التوكل وهذه هي حقيقة التوحيد أن يعلم العبد أن الله هو الرازق وهو الباسط الحافظ الرافع بيده كل شيء وإليه يرجع كل شيء له ما في السموات والأرض وما بينهما وما تحت الذي فارج الهم كاشف الكرب مجيب المضطرين ومفزع الأمينين وآله العالمين يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
ومن الصور أيضًا ترك الواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفًا من الناس وأذاهم فنجد الواحد يرى المنكر فلا يغيره بما يستطيع من درجات إنكار المنكر فإذا سألته قال لك إني أخاف ولا أحب أن أتدخل في شؤون الناس.
قلت: وهذا سببه ضعف التوكل وإلا فلو توكل العبد على الله حق توكله لما خشي أحدًا من الناس ولأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ولو فعل به ما فعل فالأذى في هذا السبيل يعتبر من الأذى في سبيل الله.
ولا يعني هذا أن الإنسان يأخذ عصا يضرب به الناس أو يشتمهم أو يتعدى عليهم أو على أموالهم أو حقوقهم بل هذا راجع إلى ولي الأمر.
والمقصود أن الإنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب طاقته وسعته وقدرته وحدود ما إذن به الشرع، والرجل في بيته يستخدم من درجات إنكار المنكر مالا يستخدمه في غيره.
• أسباب ضعف التوكل:
إن سبب ضعف التوكل عند كثير من الناس... هو سبب بعدهم عن طاعة الله... لأن العبد إذا بعد عن الله خلا قلبه من الإيمان واستحوذ عليه الشيطان وصار يخاف من غير الله من الشيطان وأوليائه فيترك طاعة الله وما أوجبه الله خوفًا من غير الله، وأما إذا أطاع العبد ربه واستقام على عبادته وترك معصيتة امتلأ قلبه إيمانا فصار لا يخاف إلا من الله ولا يرجو غيره ولا يخشى سواه...
وإذا توكل العبد على الله واعتمد عليه واستقام على طاعته حق الاستقامة كفاه الله كل شيء وحفظه ورعاه...
\"قصة \"
يقول طاووس بن كيسان وهو تلميذ ابن عباس واحد رواة البخاري ومسلم يقول: دخلت الحرم لأعتمر قال: فلما أديت العمرة جلست عند المقام بعد أن صليت ركعتين فالتفت إلى الناس وإلى البيت فإذا بجلبت الناس والسلاح والسيوف فالتفت فإذا الحجاج بن يوسف يقول طاووس فلما رأيت الحراب جلست في مكاني فبينما أنا جالس إذا برجل من أهل المدينة فقير زاهد عابد أقبل فطاف بالبيت ثم جاء ليصلي ركعتين فتعلق ثوبه بحربة من حراب جنود الحجاج فوقعت الحربة على الحجاج فاستوقفه الحجاج وقال له: من أنت؟ قال مسلم قال من أين أنت قال: من اليمن قال كيف أخي عندكم وكان أخوه أميرا على اليمن قال الرجل: تركته بدنيًا بطينًا قال الحجاج: ما سألتك عن صحته لكن عن عدله؟ قال تركته غشومًا ظلومًا قال الحجاج أما أتدري أنه أخي قال الرجل فمن أنت قال أنا الحجاج بن يوسف.. قال الرجل أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله؟ قال طاووس: فما بقيت في رأسي شعرة ألا قامت: قال فتركه الحجاج... لماذا لأنه توكل على الله \"فالله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين [3]
• التوكل من أعظم أسباب النصر:
إن الواجب على المسلمين جميعًا أن يعتمدوا على الله في كل شيء وأن يتوكلوا عليه في أمورهم كلها وأن يخلصوا له العبادة..
وإن كان المسلمون مطالبون بذلك في كل وقت فهم في هذا الزمان مطالبين به كثيرًا فعلينا في هذه الأيام أن نعود إلى الله وأن نتوكل عليه في وقت نرى أمم الكفر قد أحاطت بالمسلمين وظهر حقد اليهودية والنصرانية والصليبية وأصبح كثيرا من ضعاف الإيمان ومنافقي الأمة في خوف ووجل عظيم من رؤوس الكفر ونسي أولئك أن الأمر بيد الله وأنه هو الذي نصر عبده وأنجز وعده وهزم الأحزاب وحده فهو الذي أهلك عادًا الأولى وثمود مما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى، والمؤتفكة أهوى... فلا اله إلا الله... إن الله ليس بعاجز عن نصر عباده المؤمنين وأوليائه المتقين.
ولكن نصره قد يتآخر بسبب ذنوبنا وتقصيرنا وحتى يظهر الصادق من الكاذب والمؤمنين من المنافقين.... يقول - تعالى - في كتابه: \" ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا أيمانا وتسليمًا \"
وأما أهل النفاق ومرضى القلوب فاسمع ماذا يقولون \" وإذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا\"
نعم \"قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى الإستعدادت، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكًا لعدم قدرتها على حمايته طويلًا؟
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، قلا تستبقي عزيزًا ولا غاليًا، لا تبذله هينًا رخيصًا في سبيل الله.
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر. إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي التي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سندًا إلا الله، ولا متوجها إليه إلا إليه وحده في الضراء، وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتإذن به الله. فلا تغطى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.
وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحيتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها. والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئًا من المشاعر الأخرى التي تلا بسه. وقد سئل - صلى الله عليه وسلم - الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى. فأيها في سبيل الله. فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
كما قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحص خالصًا، وحده هالكًا، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار؟
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تمامًا، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارًا من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة. فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريًا للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية!
وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة. فلو نصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار. فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ من حوله لاستقبال الحق الظاهر ولاستبقائه!
من أجل هذا كله ومن أجل غيره مما يعلمه الله قد يبطئ النصر فتتضاعف التضحيات وتتضاعف الآلام مع دفاع الله عن الذين امنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية.
فعلينا أن نتقي الله وأن نتوكل عليه وأن نعود إليه ونتوب إليه وأن تعمل على أسباب النصر وأن نعلم إن الصحابة والتابعين واتباعهم بإحسان ما ملكوا الدنيا وفتحوا البلاد إلا يوم اتصلوا بالواحد الأحد وعرفوا الله - تعالى - حق معرفته.
-------------
[1] - أنظر في هذا فتاوى شيخ الإسلام 164 175، ومدارج السالكين لأبن القيم ص 119، والقول المفيد شرح كتاب التوحيد لأبن عثيمين 2/ 185 188، وكتاب التربية الجهادية لعبد العزيز الجليل ص 128- 129.
[2] - أنظر حاشية كتاب التوحيد لأبن قاسم ص 251. و أنظر مدارج السالكين لأبن القيم 112- 117.
[3] - أنظر المسك والعنبر في خطب المنبر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد