بسم الله الرحمن الرحيم
أشرف المهن العلم، وأشرف العلوم ما اتصلت بالإيمان عقيدة وشريعة \"يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات\" [المجادلة: 11]، وغاية العلم الخشية { إِنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28) سورة فاطر، وليس شيء أفضل من أن تطلب الزيادة منه غير العلم{ وَقُل رَّبِّ زِدنِي عِلمًا} (114) سورة طـه، وأجل العلوم على الإطلاق علم القرآن الكريم: \"خيركم من تعلم القرآن وعلمه\" رواه البخاري، ومما تضمنه القرآن الكريم من العلوم العلم بالله - سبحانه وتعالى -، لأن مدار حياة الإنسان وموته وآخرته بيده، وهو مالكه وسيده وربه وصاحب الشأن والأمر والنهي فيه: {فَاعلَم أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاستَغفِر لِذَنبِكَ وَلِلمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعلَمُ مُتَقَلَّبَكُم وَمَثوَاكُم} (19) سورة محمد، والعلم بالله أشرف مراتب العلوم على الإطلاق، كما أن الجهل به - سبحانه - من أعظم دركات الجهل والعمى.
وخلاف الطوائف الإسلامية اليوم في الإيمان بالله ترتكز حول ادعاء كل طائفة بأنها الأعلم بالله، وبما يليق في حقه من الأوصاف والأسماء والنعوت، وأنها - بالتالي - الأخشى له، ويصل الخلاف إلى حدّ النزاع والتشاجر والخصومة وتضليل وتكفير بعض الطوائف لبعض.
وللوصول إلى توحيد المسلمين وجمع كلمتهم في أهم ما يجب أن يعلموه لا بد من النظر في أسباب الخلاف لعلاجها وسدّ منافذها، وتنحصر أهم أسباب الخلاف في مسألة الأسماء والصفات والإيمان بالله في ثلاثة أمور:
1- اختلاف مصدر التلقي.
2- اختلاف كيفية التلقي.
3- اختلاف النوايا والأغراض.
وعلاج هذه الأسباب في ثلاثة أمور:
1- توحيد مصدر التلقي.
2- توحيد كيفية التلقي.
3- توحيد النوايا والأغراض.
ونبسط فيها القول:
1- توحيد مصدر التلقي:
الكل يعلم بأن الإيمان بالله جزء من الإيمان بالمغيبات، لأن أحداً منا لم يره - سبحانه -،وإنما جاءنا البلاغ عنه بما يوافق فطرنا فآمنا واتبعنا، ولتحديد مفهوم المغيبات نعرض الأشياء بحسب وجودها من عدمه واقعا وذهناً:
الأشياء
صفتها
في الواقع
في الحس
موجودة
مدركة
الموجودات المحسوسة (عالم الشهادة)
موجودة
غير مدركة
الموجودات المغيبة (عالم الغيب)
غير موجودة
مدركة
التخيلات
غير موجودة
غير مدركة
العدم
فالغيب هو عالم موجود في الحقيقة إلا أن الإنسان لا يدركه ولا تقع عليه حواسه وبالتالي فليس يملك عنه أي معرفة وتصور ذهني، ويفقد حال مشاهدة المرء له أو إحساسه به هذه الصفة.
والمعنى أن الإنسان يجهل كثيراً من المغيبات، ولا يمكنه الوصول إلى علم المغيبات إلا بأحد أمرين لا ثالث لهما:
إما أن تتجلى هذه المغيبات للنظر والمشاهدة فتصبح في عالم الشهادة ويتم إدراكها بالحواس.
وإما – وهذا الأمر الآخر - أن يخبر الإنسان عن هذه المغيبات من ثقة تحقق له معرفة المغيب بالطريق الأولى أو بالطريقة الثانية هذه.
ومن أراد غير هاتين الطريقتين لمعرفة الغيب فقد أخطأ وضل، ولذلك قال تعالى حاصراً قنوات العلم في هذين الأمرين {وَلاَ تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلٌّ أُولئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولاً} (36) سورة الإسراء، فالسمع - وهو الطريقة الثانية التي يتوصل بها لمعرفة الغيب - هناك ما هو أعلى منها في مراتب العلم مرتبة – ألا وهي البصر – وهي الطريقة الأولى، قال تعالى: \"كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لتروُنَ الجحيم ثم لترونَّها عين اليقين\" [التكاثر:2-7]، فعين اليقين أعظم من علم اليقين، وعندما يرى الكفار يوم القيامة ما كانوا يكذبون به من المغيبات بعد أن كشف عنهم الحجاب {وَجَاءت سَكرَةُ المَوتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنهُ تَحِيدُ} (19) سورة ق إلى قوله: {لَقَد كُنتَ فِي غَفلَةٍ, مِّن هَذَا فَكَشَفنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ اليَومَ حَدِيدٌ } (22) سورة ق عندها يقولون : {وَلَو تَرَى إِذِ المُجرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِم عِندَ رَبِّهِم رَبَّنَا أَبصَرنَا وَسَمِعنَا فَارجِعنَا نَعمَل صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } (12) سورة السجدة، فيقدمون البصر على السمع، ويلومون أنفسهم بعد أن تبينت لهم الحقائق المغيبة عنهم ليروها بأعينهم أنهم لو أخذوا في دنياهم بالطريقة الثانية المتاحة التي كانوا ينادون إليها: {وَقَالُوا لَو كُنَّا نَسمَعُ أَو نَعقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصحَابِ السَّعِيرِ} (10) سورة الملك، فالسمع معتبر في الدنيا لأن الدين تلق عن مغيب.
والفؤاد والعقل في الآيتين هو المستقبل الأخير لما ينقله السمع والبصر، وهو الشاهد الداخلي الذي جعله الله في قلب كل مؤمن، بمعنى أن العقل بذاته ليس قادراً على إدراك العلم بدون آلة السمع والبصر، ولذلك فإنه إذا ختم الله على سمع المرء وبصره فقد الهدى كما قال تعالى: {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهم وَعَلَى سَمعِهِم وَعَلَى أَبصَارِهِم غِشَاوَةٌ وَلَهُم عَذَابٌ عظِيمٌ} (7) سورة البقرة، لكن العقل يظل هو الحكم في إثبات صحة ما تراه العين أو تسمعه الأذن، ونقصد هنا بالعقل الذي هو على الفطرة لم تشبه شوائب الضلال والبدع، ولذلك يقول العلماء إن العقل الصحيح لا يخالف النقل الصريح.
والخلاصة، أن جميع طوائف الإسلام متفقة على أن الإيمان بالله إيمان بالغيب الذي مدح الله به المؤمنين المتقين: \" ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ....\" \"وأولئك هم المفلحون\"[ البقرة: 1- 5].
وإذا كان الإنسان جاهلاً بنص الآية: \"إنه كان ظلوماً جهولاً\"[ الأحزاب: 72]، ويخرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً ومصدر علمه هو الله ابتدءاً وانتهاءً قال تعالى: \"وعلم آدم الأسماء كلها\" [البقرة:31]، بل إن الأنبياء في باب علم الغيب كبقية البشر لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله إياه: \"ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء\"[الأعراف: 188] و:\"ولا أعلم الغيب\" [الأنعام:50]، والملائكة الذين هم رسل الله إلى رسله من البشر كذلك مصدر علمهم هو الله: \"قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم\" [البقرة:32]، إذن كل من خلا الله متصف بالجهل، والجهل وصف لازم له أما الله - عز وجل - فهو العليم الحكيم: \"أحاط بكل شيء علماً\"[ الطلاق: 12]، والعلم وصف قائم به.
فإذا أردنا تحقيق العلم وجب الرجوع إليه سبحانه: {وَلَولاَ فَضلُ اللّهِ عَلَيكَ وَرَحمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مٌّنهُم أَن يُضِلٌّوكَ وَمَا يُضِلٌّونَ إِلاٌّ أَنفُسَهُم وَمَا يَضُرٌّونَكَ مِن شَيءٍ, وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيكَ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَم تَكُن تَعلَمُ وَكَانَ فَضلُ اللّهِ عَلَيكَ عَظِيمًا} (113) سورة النساء [النساء:113]، \"واتقوا الله ويعلمكم الله\"[ البقرة :282].
من هنا نعرف أن علمنا عن الله وأسماءه وصفاته لا بد أن يعود بإسناد إلى الله - تعالى - وحده، لا شك فيه ولا ريب في أهله، ولا خفاء ولا لبس، وهذا غاية أهل السنة والجماعة في العلم، وميدانهم الذي فيه يبارزون، فهم يقولون: حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقاه عن جبريل، وجبريل تلقاه عن الله رب العالمين.
وحجتهم في العلم القرآن الكريم الذي هو قول الله وحكمه الذي لا ضلال معه ولا اختلاف فيه، وقد أخذته الأمة بالتواتر عن نبيها، بما لا يدع لأحد ريبة ولا شك فيه: \"ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين\" [البقرة:2]، {إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر.
فمستند علمنا إذن هو القرآن الكريم، والسنة المطهرة تابعة له وداخلة في حكمه، لأن كليهما وحي عن الله: \"وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى\" [النجم:4،3]. ومن أسند علمه للقرآن أسند علمه للأعلم: \"قل ءأنتم أعلم أم الله\"[ البقرة : 140]، وقال تعالى { أَم تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعلَمُ فِي الأَرضِ أَم بِظَاهِرٍ, مِّنَ القَولِ بَل زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكرُهُم وَصُدٌّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن هَادٍ,} (33) سورة الرعد، ونهى - تعالى - عن أن نقول في الله بغير علم منه: {قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثمَ وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ وَأَن تُشرِكُوا بِاللّهِ مَا لَم يُنَزِّل بِهِ سُلطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعلَمُونَ} (33) سورة الأعراف، فمن أراد العلم الصحيح بالله وأسماءه وصفاته فليقف عند علم الله فإنه أعلم بنفسه من غيره {فَلاَ تَضرِبُوا لِلّهِ الأَمثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ} (74) سورة النحل، وقد قال ابن تيمية: فإنه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً (الواسطية).
والقرآن الكريم الذي هو إخبار من الله - تعالى - أحق أن يتبع، ويصدق به، ويسلم له، فإنه الحجة الواضحة البينة المحكمة المفصلة، \"لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه\" [فصلت:42].
وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحيٌ من الله يجب الأخذ بها وعدم العدول عنها، فإذا كان القرآن الكريم كلام الله لفظاً ومعنى فإنها – أي السنة – كلام الله معنى واللفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى، ولذلك يقول الله - عز وجل -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ, فَرُدٌّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً} (59) سورة النساء، وقال أيضاً: {وَمَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءٍ, فَحُكمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ} (10) سورة الشورى، وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجًا مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا} (65) سورة النساء، ويقول كذلك: \"وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ... \" [المائدة:92] وفي الأخرى: \"وإن تطيعوه تهتدوا .. \" [النور:54].
2- توحيد كيفية التلقي:
يقصد بكيفية التلقي أي منهجية الفهم وقواعد الاستدلال بمعنى أن اختلاف هذه الكيفية أو هذه المنهجية هو سبب للاختلاف وهذا هو الحاصل اليوم.
إن القرآن الكريم يثبت لله - عز وجل - الأسماء والصفات تارة بذكرها وإيرادها هي كقوله: \"وهو العزيز الحكيم\" [فاطر: 2]، وقوله : \"وربك الغفور ذو الرحمة\" [الكهف:58]، وتارة بإيضاح أن لله أسماء حسنى وصفات عُلى قال تعالى: \"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها\" [الأعراف:180]، ويقول{وَمَن أَظلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُم أَن يَدخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُم فِي الدٌّنيَا خِزيٌ وَلَهُم فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (114) سورة البقرة، ويقول أيضاً: \"سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين ...\"[الصافات:181] ، وقال في آية أخرى: \"سبحانه وتعالى عما يصفون إلا عباد الله المخلصين\" [الصافات:159].
إذن فأعرف الناس بأسماء الله وصفاته هم الرسل وأتباعهم، وقد مدح الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فقال: \"{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَّبِّهِ وَالمُؤمِنُونَ كُلُّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ, مِّن رٌّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَا غُفرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ المَصِيرُ} (285) سورة البقرة، فإذا جاء الثناء من الله - تعالى - على إيمانهم ظاهراً وباطناً، وفهماً وعملاً كان في هذا حجة على غيرهم ليسلكوا منهجهم، ويتبعوا سبيلهم قال تعالى: {فَإِن آمَنُوا بِمِثلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا هُم فِي شِقَاقٍ, فَسَيَكفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ } (137) سورة البقرة.
ونريد هنا – أن نذكر أن الله قد عاب على اليهود والنصارى ما يسمى بعلل التلقي والفهم، وقد كرر الله - عز وجل - علينا هذه العلل، وبالغ في تحذيرنا منها لأنها سبب في الضلال والخلاف فمن هذه العلل ما يلي:
1- التبديل: سواء كان ذلك بتبديل لفظ مكان لفظ كما فعل اليهود عندما بدلوا لفظ \"حطة\" بقولهم \"حنطة\"، أو بتبديل معنى عن معنى، فإنهم لما سمعوا الله - عز وجل - يستقرض المؤمنين ليحثهم على الإنفاق قالوا: \"إن الله فقير ونحن أغنياء\" [آل عمران:181] وهذا كثير في بني إسرائيل.
2- التحريف: قال تعالى: {أَفَتَطمَعُونَ أَن يُؤمِنُوا لَكُم وَقَد كَانَ فَرِيقٌ مِّنهُم يَسمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُم يَعلَمُونَ} (75) سورة البقرة، والتحريف قرين التبديل، ومن ذلك تحريفهم اسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، وصدق الله إذ يقول: \"يحرفون الكلم عن مواضعه\" [النساء: 46] فإن لكل قول معنى ظاهر فيه.
3- إلباس الحق بالباطل أو كتمان الحق: قال تعالى في حق اليهود: {وَلاَ تَلبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمُونَ} (42) سورة البقرة.
4- الإيمان ببعض الآيات والكفر ببعضها الآخر: قال سبحانه: { أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرُونَ بِبَعضٍ, فَمَا جَزَاء مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إِلاَّ خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدٌّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ, عَمَّا تَعمَلُونَ} (85) سورة البقرة.
5- ومن ذلك القول على الله بغير علم، ونسبة أقوالهم إلى الله قال تعالى{فَوَيلٌ لِّلَّذِينَ يَكتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيدِيهِم ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِن عِندِ اللّهِ لِيَشتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَت أَيدِيهِم وَوَيلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكسِبُونَ } (79) سورة البقرة، ومن قولهم على الله بغير علم شأنهم عندما أخبروا بأن الله - عز وجل - خلق السماوات والأرض في ستة أيام، تكلفوا معرفة ماذا عمل الله في اليوم السابع، فقالوا: استراح ولم يعمل، ومعلوم أن نسبة الارتياح إلى الله لازمها إثبات التعب واللغوب، ولذلك نفى الله - عز وجل- في القرآن الكريم ما نسبه إليه أهل الكتاب بغير علم فقال: {وَلَقَد خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ, وَمَا مَسَّنَا مِن لٌّغُوبٍ,} (38) سورة ق.
ومن هنا ندرك خطورة أن يتعامل الإنسان مع النصوص بدون علم ومعرفة.
3- توحيد النوايا:
أما توحيد النوايا والأغراض فهو الباب العظيم في المسألة: \"فالأعمال بالنيات\"[ متفق عليه] كما قال - صلى الله عليه وسلم-، ولا يستوي عند الله راغب في الدنيا وراغب في الآخرة، كما أنه لا يستوي من يتلقى العلم من الكتاب والسنة بنية الانتفاع وتحقيق مراد الله - عز وجل - من هذين الوحيين، ويقف أمامهما وقوف المـُسلِم لهما، المـُصدِق بهما، المـُحكِّم لأقوالهما، والمؤمن بمرادهما.. يختلف هذا عمَّن يأخذ العلم من الكتاب والسنة للطعن واللمز والجدال والمراء وصرف وجوه الناس إليه، قال صلى الله عليه وسلم: \"من تعلم العلم ليماري به العلماء، ويجاري به السفهاء، ويصرف إليه وجوه العامة كبه الله في النار\"، ذلك أن العلم الذي سيتوصل إليه هو علم هوى، علم مراء وجدال، علم رغائب النفس وشهوات الذات، وكم يعجب المرء من وقوع أهل الباطل في رد نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة إما بإنكار اللفظ تارة، أو المعنى تارة، أو كليهما تارة أخرى، ثم بعد ذلك هم يعتمدون على أقوال رجالهم فيجعلونها لا تحتمل التأويل ولا التغيير وليتها تثبت لهم بسند أو طريق بل هي أقوال بلا خطام ولا زمام، وفوق هذا وذاك فإن أقوال رجالهم وتأويلاتهم الفاسدة فوق أنها تصادم النقل الصريح فهي تصادم العقل الصحيح ولا أظن أنهم بلغوا ذلك إلا بسوء نواياهم ولو أرادوا الخير لبلغوه.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد