الإيمان بالله وأسمائه وصفاته


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 




لا غرو أن صفات الله وأسماءه غير محـصــــورةº لأن كمالاته غير متناهية، وما أخبرنا به الشرع منها يكفي لصحة الاعتقاد في الله وتحقـيـق العبودية له والإحساس بعظمته وجلاله وكماله، وملازمة خشيته ومراقبته في السر والعلن. عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: (لله تسعة وتسعون اسماً ـ مئة إلا واحداً ـ لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر)(1).

والراجح أن المقصود بحفظ أسماء الله هو العمل بها ومراعاتها على الدوامº قال ابن بطال: (طريق العمل لها أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم، فإن الله يحب أن يرى حـلاهـــا على عبدهº فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها، وما كان يختص بالله ـ تعالـى ـ كالجبار والعظيم فيجب على العبد الإقرار بها والخضوع لها وعدم التحلي بصفة منهـــا، وما كان فيه معنى الوعد نقف منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد نقف منه عند الخشية والرهبة، فهذا معنى أحصاها وحفظها)(2).

فالمؤمن وهو يـطـالـع أسـمـاء الله الحسنى وصفاته العلى في القرآن والحديث ويتكرر ذكرها على مسامعه مرات عـديـــدة، ترســخ معانيها في نفسه فيزيد إيمانه بالله ومعرفته بصفاته وبتغير سلوكه بما يناسبها ويتجاوب معها.

أسماء الله وكيف تقوي بها المراقبة:

يمكن تحديد العلاقة بين أسماء الله الحـسـنى وتحقيق المراقبة الإلهية واستشعار المسؤولية تجاه العلي القدير، بتمييزها إلى مجموعات بحـســب أثرهـــا المرتقب في تكوين الإحساس بالمسؤولية وتنميته:

1- مجــمـوعـة تضم أسماء الله الحسنى التي تشتمل على معاني القدرة والجبروت والملك والتدبير والخـلــق ، مـثـل: الـقـــادر، القاهر، الملك، الجبار، المتكبر، العزيز، المهيمن، الخالق، المصوِّر، الرزاق.

وهذه الأسماء تثير في النفس الإحساس بعظمة الله واستحقاقه للطاعة والعبودية.

2- مجموعة تضم أسماء الله الحسنى التي تحمل معاني العلم ومراقبة أفعال العباد ، مثل: الـعـلـيـم، الرقـيـــب، الحفيظ، السميع، البصير، الخبير، الشهيدº فهذه الأسماء توحي بانكشاف أحوال العباد الظاهرة والباطنة لعلم الله، فتقوى بها مراقبة النفس لما يصدر عنها من إرادات وأعمال في جميع الأوقات والظروف.

3- مجموعة تضم أسماء الله الحسنى التي تفيد معاني الحلم والعفو والمغفرة ، مثل: الحليم، الرحيم، الغفور، الحنان، المنان، العفو، التواب.

وهي أسماء تملأ مـعــانـيـهــا قـلـب الـمـذنـب أملاً ورجاء في الرحمة والمغفرة وقبول التوبة لاستئناف السير على الصراط المستقيم.

4- مجموعة تضم أسماء الله الحسنى التي تنطوي على معاني المحاسبة والعقاب والعدل والحكم ، مثل: الحسيب، الحكم، العدل، الخافض، الرافع، الحق، مالك الملك... فالمكلّف الذي يؤمن بهذه الأسماء تذكِّره بأن الله سيبعثه بعد الموت ويعرض عليه أعماله، من خير وشر، ثم يجازيه عنها بعدل وإنصاف، فيحمله ذلك على مراقبة نفسه والمسارعة إلى فعل الصالحات.

الصفات الإلهية وتقوية المراقبة:

وبتمعن كل صفة على حدة يتضح أثرها في تـقــويـــــة الإيمان بالله ـ تعالى ـ وإحياء معاني الأمانة والتكليف في أعماق النفس، وتذكّر يوم القيامـــــة، ومــــا ينتظر النفس من فوز أو خسران. وفيما يلي أمثلة عن ذلك:

أولاً: الوحدانية:

ومعناها أن الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله لا شريك له في خلق الخلائق وتدبير أمرها، وهي جميعاً ملكه ورهن قبضته وطوع مشيئته الغالبة. وكل هذا الإحساس الذي تنشئه صفة الـوحــــدانية في النفس الإنسانية يخدم مبدأ المسؤولية ويجلِّيه في الفكر والشعور. فالخالق الواحد هــو: الآمر، الناهي، الرقيب، الحسيب، المعز، المذل، الحكم، العدل، لا شريك معه يُخشى فيطاع أو يُرجى فيسألº وإنما هو إله واحد فرد صمد.

فالإنسان إذا تحقـــق من معنى الوحدانية، أشرقت في قلبه معاني المسؤولية العظمى تجاه الذي خلقه فسواه ثـم أطـعـمـــــه وسقاهº فأدرك أن الذي يستحق الطاعة والعبادة هو الله الواحد الديان، وأنه وحده أهلٌ للخشية والتقوى والشكر والإنابة، فإذا أسلم وجهه إليه اطمأن على نفسه من كل الشرور، وأمن عليها من كل الأخطار، وتيقن أنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراد واختار. فالتوحـيــــد الذي تقوم عليه الديانات السماوية ينسجم تماماً مع مسؤولية الإنسان بحيث تتحدد به وجهته في الحياة، ويحتمي في ظله من التمزق النفسي والتشتت الفكري الملازم لتعدد الأربـــــاب وتضارب مراداتهم ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ, هَــل يَستَوِيَانِ مَثَلاً الحَمدُ لِلَّهِ بَل أَكثَرُهُم لا يَعلَمُونَ)) [الزمر:29].

إن وحدانية الله ـ تعالى ـ تحقق التوحيد في مصدر المسؤولية ومقاييسها ونتائجها، وتقيمها على أساس العدل المبين. ويبرز ذلك في متعلقات التكليف من الجهات التالية:

ـ توحيد مصدر التكليف: فمصدر المسؤولية الشرعية هو الله وحده، وكل تكليف يتوجه إلى الإنسان في إطار الشرع المستوعب لقضايــا الحياة يلزم أن يؤسس على مراد الله من عباده، وكل اجتهاد تشريعي لا بد أن يوصل بكـلـيـــات الدين ومقاصده العامة، ويربط إلى الأدلة الشرعية المعتبرة ((شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوحَينَا إلَيكَ وَمَا وَصَّينَا بِهِ إبرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَن أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشرِكِينَ مَا تَدعُوهُم إلَيهِ اللَّهُ يَجتَبِي إلَيهِ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي إلَيهِ مَن يُنِيبُ)) [الشورى: 13]. وقال ـ سبحانه ـ ((أَم لَهُم شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَم يَاًذَن بـِـــهِ اللَّهُ وَلَولا كَلِمَةُ الفَصلِ لَقُضِيَ بَينَهُم وَإنَّ الظَّالِمِينَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)).[الشورى: 21]

وزادت السنة هذا الأمر تأكيداً ووضوحاً. فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(3).

ـ توحيد التكليف: الناس كلهم موحدون تجاه مسؤوليات الدين وتكاليفه العامة الاعتقادية والـعـمـلـيــــةº فلا يملك أحدهم أن يزيد عليها أو ينقص منها إلا وفق ما يسمح به الشرع وضوابطه الثابتة، وهذا ما يسقط أعذار المتقاعسين أمام الله، ويجعلهم خاضعين للمحاسبة الاجتماعية التي وكل أمرها للسلطان.

ـ توحيد المكلِّــف: فـالـمكلِّف هو الله ـ تعالى ـ في جميع أوامر الدين ونواهيه بحيث يكون امتثال العبد في جميع مـسـؤولـيـاته لله وحده، ولمن أذن الله في طاعته وجعلها دليلاً على تنفيذ أمره، كطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأولـي الأمـــر: ((يَا أَيٌّهَا الَذِينَ آمَنُوا أَطِـيـعُــــوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ, فَـــرُدٌّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَاًوِيلاً)) [النساء:59].

وأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما: ((وَوَصَّينَا الإنسَانَ بِوَالِدَيهِ حُسناً وَإن جَاهَدَاكَ لِتُشرِكَ بِي مَا لَيــسَ لَــكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُمَا إلَيَّ مَرجِعُكُم فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ)) [العنكبوت: 8].

فطاعة غير الله مشروطة بإذن الله ومقيدة بدليل الشرع عليهاº لذا فإنها تمنع عندما تؤدي إلى معصية الله ومخالفة ما أمر به. وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه تحت باب: (لا تطيع المرأة زوجها في معصية)، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن امرأة من الأنصار زوجت ابنتها فتمعط شعر رأسها فجاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له فقال: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها، فقال لا، إنه قد لعن الموصلات)(4).

بـل إن الإنـســان مـطـالــــــب بأن يعصي نفسه، ويخالف هواها إذا خالف تعاليم الشرع وتوجيهاته: ((وَأَمَّا مَن خَــــــــافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى (40) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَاًوَى)) [النازعات: 40، 41].

ثانياً: العلم:

يعرف علم الله بكونه صفة ينكشف بها المعلوم على ما هو به انكشافاً لا يحتمل النقيض بوجه من الوجوه. فلا تغيب عن علم الله كليات الوقائع والحقائق ولا جزئياتها الدقيقة، كما لا تنحجب عنه أحوال الظاهر ولا أحــوال الباطن، ولا يحول دونه زمان ولا مكان، وإنما كل ذلك أمام علم الله سواء. وتعتبر صفــة العلم من الصفات التي يحكم بها الشرع والعقل لله ـ تعالى ـ، لأنها توجب له ما هو أهله من العظمة والكمال.

ولقد حظيت هذه الصفة في نـصـــــــوص القــرآن الكريم بمكانة خاصة لارتباطها الشديد بالمسؤولية الإنسانية، وما تنبني عـلـيـــــه من الإحساس بمراقبة الله المطبقة على أعمال الإنسان الظاهرة والباطنة، لذلك نجد الإشارة إليها تتخلل آيات القرآن من أوله إلى آخره، مع التركيز على علم الله بأفعال العباد حسـنـهـــا وسيئها، لكي يظل الوعي بها قائماً في أعماق النفس، وباعثاً لها على الإجادة والإحسان في القصد والعمل. ثم إنه يربط دائماً بين الاعتقاد في هذه الصفة وإصلاح السلوك الإنسانـــي: ((وَاعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُم فَاحذَرُوهُ وَاعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)) [البقرة: 235].

ويسوق الحديث عن العلم الإلهي المحيط بكل شــيء، مشفوعاً بما يترتب عنه من إحصاء للأعمال والمحاسبة عليها، والمجازاة بالنعيم والجـحـيـم: ((وَإن تُبدُوا مَا فِي أَنفُسِكُم أَو تُخفُوهُ يُحَاسِبكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَـــــاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ)) [البقرة:284]. وقال أيضاً: ((قُل إن تُخفُوا مَا فِي صُدُورِكُم أَو تُبدُوهُ يَعلَمهُ اللَّهُ وَيَعلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ (29) يَـــومَ تَجِدُ كُلٌّ نَفسٍ, مَّا عَمِلَت مِن خَيرٍ, مٌّحضَراً وَمَا عَمِلَت مِن سُوءٍ, تَوَدٌّ لَو أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُ أَمَـــــداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ)) [آل عمران:29-30].

فتيقن المؤمن بأن الله عليم بما يصنع بجوارحه وما يعزم عليه في قرارة نفسه، يجعله دائماً نـازعـــــاً إلى الطاعة وفعل الصالحات، مجانباً للمعصية بعيداً عن الخبائث، مراقباً لنفسه بنفسه وحذراً من نفسه على نفسه، متعبداً بمقتضى أسماء الله التي ترتبط بصفة العلم. قال ابن قيم الجـــــوزية: (والمراقبة هي التعبد باسمه: (الرقيب) (الحفيظ) (العليم) (السميع) (البصير). فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة)(5).

ولقد أبرز القرآن العلاقة القوية بين الاعتقاد الصحيح في صفة العلم الإلهية والامتنــاع عـن الآثـام والأرجـاس، والمسارعـة في أعمـال البـر والطـاعـات، فقـال ـ تعالى ـ: ((وَلا تُجَادِل عَنِ الَذِينَ يَختَانـُــــونَ أَنفُسَهُم إنَّ اللَّهَ لا يُحِبٌّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَستَخفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَستَخفُــــونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم إذ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرضَى مِنَ القَولِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطاً)) [النساء:107-108]. وقال أيضاً: ((وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السٌّوءُ)) [الأعراف:188].

فبقدر قوة إيمان المرء بحقيقة علم الله تزداد خشيته وورعه ويحسن عمله، وترتدع نفسه عن المنكرات والفواحش، وبقدر ضعف إيمانه وجهله بصفات الله وأسمائه الحسنى تكثر زلاته ، ويتوالى انحرافه.

ثالثاً: العدل:

إن الله ـ تعالى ـ أحكم الحاكمين وأعدل العادلين، بل لا عدل إلا عدل الله الذي من أنواره يقبس العادلون، وبهديه يهتدي المقسطون إلى الحق والإنصاف.

ويمكن إبراز أثر صفة العدل الإلهية في سلوك المؤمن في اتجاهين:

أ- اتجاه الاطمئنان: فالمؤمن يطمئن إلى حكم الله وعدله فيما أوجب ومنع وما أمر ونهى، وإلى أن شرع الله ملائم لواقع الإنسان متجاوب مع طبيعته محقق لمصلحته، ودافع لمضرته، فإذا حصل اليقين فـي النفس بعدل الله نشطت الجوارح في الطاعات ونهضت بالواجبات، ولم تتثاقل في أدائهـــا، وعزفت عن المحرمات والمنهيات، وتورعت عنها لأنه ما خامرها شك في عدالة التكالــيـف الشرعية، وعدالة إفراد الله وحده بالعبودية الحقة: ((مَن عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبٌّكُ بِظَلاَّمٍ, لِّلعَبِيدِ)) [فصلت: 46].

ويطمئن الإنسان على نيل الأجر الموعود عن عمله المبرور وسعيه المشكور في الدار الآخرة: ((وَاتَّقُوا يَوماً تُرجَعُــــونَ فِـيـــــهِ إلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلٌّ نَفسٍ, مَّا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ)) [البقرة:281].

ب- اتجاه الخوف: فإذا استحضر المرء أن عدل الله يقتضي المجازاة على قدر العمل: إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً، تملّكه الخوف من عقاب الله الشديد وخشي أن يقصر عمله عن استحقاق النجاة، فيكون من المعذبين ((سَيُصِيبُ الَذِينَ أَجرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَــدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمكُرُونَ)) [الأنعام: 124]. وأدى به التفكير في ذلك إلى أن يُحكم المراقبة علـى نفـسـه ويتشدد في محاسبتها على الكبيرة والصغيرة من الذنوب، ورام الاستكثار من الطاعة والعبادة حتى يضمن لنفسه يوم القيامة الدخول في زمرة الفائزين المنعمين.

رابعاً: القدرة:

إن قدرة الله تامة كاملة لا تحدها حدود أو تقيدها قيود، فإذا أراد الله أمراً كان كما أراد من غير نقصان، وإذا وعد بشيء وفى به وفاء تاماً كاملاًº وما يعجزه ـ سبحانه ـ شيء في الأرض ولا في السماء.

فالقدرة الإلهـيــة التي بها خلق الإنسان أول مرة وخلقت السماوات والأرض، هي ذاتها القدرة التي تبعث الأموات من قبورهم وتعرض عليهم أعمالهم غير منقوصة، وهي القدرة أيضاً التي خلقت نعيم الجنة الأبدي وعذاب جهنم السرمدي. والإيمان بقدرة الله يجعل المكلّف واثقاً مــن علم الله المحيط بكل شيء وبعدله الذي لا تشوبه شائبة ظلم، وبصدق وعده ووعيده وتحققه في الدنيا والآخرةº إذ إن قدرة الله ـ تعالى ـ عامة شاملة تتكامل مع صفات الله الأخرى وتتضافر آثارها جميعاً في بناء النفس الأمينة المؤمنة المستقيمة.

ولهذا اقترن ذكر علم الله وحسابه للإنسان بذكر قدرته المطلقة في آيات عديدة منها قوله ـ تعالى ـ: ((يَا أَيٌّهَا النَّاسُ إن كُنتُم فِي رَيبٍ, مِّنَ البَعثِ فَإنَّا خَلَقنَاكُُم مِّن تُرَابٍ, ثُمَّ مِن نٌّطفَةٍ, ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ, ثُمَّ مِن مٌّضغَةٍ, مٌّخَلَّقَةٍ, وَغَيرِ مُخَلَّقَةٍ, لِّنُبَيِّنَ لَكُم وَنُقِرٌّ فِي الأَرحَامِ مَا نَشَاءُ إلَى أَجَلٍ, مٌّسَمًّى ثُمَّ نُخرِجُكُم طِفلاً ثُمَّ لِتَبلُغُوا أَشُدَّكُم وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدٌّ إلَى أَرذَلِ العُمُرِ لِكَيلا يَعلَمَ مِن بَـعــــــدِ عِلمٍ, شَيئاً وَتَرَى الأَرضَ هَامِدَةً فَإذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت وَأَنبَتَت مِن كُلِّ زَوجٍ, بَهِيجٍ, * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقٌّ وَأَنَّهُ يُحيِي المَوتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبُورِ)) [الحج: 5 - 7].

فالإيمان بعلم الله المطلق وعدله التام، لا ينتج عنه إحساس النفس بالمسؤولية دون الإيمان بقدرة الله العظيمة، التـي تصــاحب علم الله وعدله وباقي صفات الذات الإلهية، محققة وحدانية الله ـ تعالى ـ الذي يُعبد ويتقى ويُسأل بجميع أوصافه وأسمائه.

الهوامش :

(1) صحيح البخاري، الدعوات، باب لله مئة اسم غير واحد، فتح الباري، ج11، ص218.

(2) فتح الباري، ابن حجر، ج11، ص 226.

(3) صحيح البخاري، الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، وصحيح مسلم الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور.

(4) صحيح البخاري، كتاب النكاح.

(5) مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، ج2، ص 66.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply