أثر الأسماء والصفات في الإيمان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 





الحمد لله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وسلم الذي عرفه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وعبده بها حق العبادة، وبعد: ففي هذه العجالة ستناول عقيدة أهل السنة في باب الصفات وآثار الإيمان بالأسماء والصفات.

الفرق بين الاسم والصفة

يتميز الاسم عن الصفة بأمور منها:

أولاً: أن الأسماء يشتق منها صفات، أما الصفاتº فلا يشتق منها أسماء، فنشتق من أسماء الرحيم والقادر والعظيم، صفات الرحمة والقدرة والعظمة، لكن لا نشتق من صفات الإرادة والمجيء والمكر اسم المريد والجائي والماكر.

ثانياً: أن الاسم لا يُشتق من أفعال اللهº فلا نشتق من كونه يحب ويكره ويغضب اسم المحب والكاره والغاضب، أما صفاتهº فتشتق من أفعاله فنثبت له صفة المحبة والكره والغضب ونحوها من تلك الأفعال.

ثالثاً: الأسماء يجوز أن يتعبد الله بها فنقول: عبد الكريم، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، لكن لا يُتعبد بصفاتهº فلا نقول: عبد الكرم، وعبد الرحمة، وعبد العزة.

رابعا: الأسماء يدعى الله بها بخلاف الصفات فنقول: يا رحيم! ارحمنا، ويا كريم! أكرمنا، ويا لطيف! الطف بنا، لكن لا ندعو صفاته فنقول: يا رحمة الله! ارحمينا، أو: يا كرم الله! أو: يا لطف الله! ذلك أن الصفة ليست هي الموصوفº فالرحمة ليست هي الله، بل هي صفةٌ لله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: [إنَّ مسألة الله بأسمائه وصفاته وكلماتِه جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث، وأمَّا دعاء صفاته وكلماته فكفر باتِّفاق المسلمينº فهل يقول مسلم: يا كلام الله! اغفر لي وارحمني وأغثني أو أعني، أو: يا علم الله، أو: يا قدرة الله، أو: يا عزَّة الله، أو: يا عظمة الله ونحو ذلك؟! أو سمع من مسلم أو كافر أنَّه دعا ذلك من صفات الله وصفات غيره، أو يطلب من الصِّفـة جلـب منفعة أو دفع مضرَّة أو إعانةً أو نصراً أو إغاثةً أو غير ذلك؟!].

خامسًا: أن أسماء الله - عز وجل - وصفاته تشترك في الاستعاذة بها والحلف بها كقوله - صلى الله عليه وسلم -: [أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ] [رواه مسلم]، لكن تختلـف في التعــبد والدعاء.

إن لأسماء الله الحسنى وصفاته العلى ثمارا مستطابة على قلب العبد المؤمن، وهذا القلب كلما انطرح في ببيداء المطالعة والتبصر والاعتبار وتعرض لشمس التوحيد التي أشرقت عليه توالت عليه بشائر المعرفة فانصبغ القلب بصبغتها وعُمِرَ باطنه وظاهره بالعبودية وسلم من أدواء الشبهات وأمراض الشبهات، فغشيته السكينة ونزلت عليه الطمأنية ورزق بإذن بارئه وفاطره الثبات حتى الممات.

التعبد بالأسماء والصفات:

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: وهذا فصل عظيم النفع والحاجة، بل الضرورة ماسة إلى معرفته والعناية معرفة واتصافا وذلك: أن الإيمان هو كمال العبد، وبه ترتفع درجاته في الدنيا والآخرة.

والإيمان أعظم المطالب وأهمها وأعمها: وقد جعل الله له مواد كبيرة تجليه وتقويه، كما كان له أسباب تضعفه وتوهيه...وأعظمها: معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة، والحرص على فهم معانيها، والتعبد لله بها.فقد ثبت في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: [إِنَّ لِلَّهِ تِسعَةً وَتِسعِينَ اسمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَن أَحصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ] رواه البخاري ومسلم.

أي: من حفظها وفهم معانيها، واعتقدها، وتعبد لله بها دخل الجنة. والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون. فعلم: أن ذلك أعظم ينبوع ومادة لحصول الإيمان وقوته وثباته.

ومعرفة الأسماء الحسنى هي أصل الإيمان، والإيمان يرجع إليها. ومعرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وهذه الأنواع هي روح الإيمان وروحه، وأصله وغايته. فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانه، وقوي يقينه. فينبغي للمؤمن: أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات.



معنى إحصائها:

قال أبو نعيم الأصبهاني - رحمه الله -: [الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التعداد، وإنما هو العمل والتعقل بمعاني الأسماء والإيمان بها].

وقال العز بن عبد السلام - رحمه الله -: [فهم معاني أسماء الله - تعالى - وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والمهابة والمحبة والتوكل وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات].



مراتب التعبد بالأسماء والصفات:

تنقسم هذه العبادة إلى مراتب، وهي راجعة إلى يقين القلب وخضوعه وذله لله جل جلاله، وتفاوت الناس في هذه العبادة بحسب تفاوتهم في معرفة النصوص النبوية وفهمها والعلم بفساد الشُبَه المخالفة لحقائقها.

قال العز ابن عبد السلام - رحمه الله -: [وقد يحصل التحديق إلى هذه الصفات من غير تذكر ولا استحضار، والعارفون متفاوتون في كثرة ذلك وقلته وانقطاعه ومداومته، فهم في رياض المعرفة يتقلبون، ومن نضارة ثمارها يتعجبون، ولا تستمر الأحوال لأحد منهم على الدوام والاتصال لتقلب القلوب وتنقل الأحوال، والغفلات حجب على العارف مسدلات، إن أسدلت على جميعها نكص العارف إلى طبع البشر، فربما وقعت منه الهفوات والزلات فإذا انكشف الحجاب عن بعض الصفات ظهرت آثار تلك الصفة وأينعت أثمارها].

وأكمل الناس في هذا الباب من تعبد الله بجميع أسمائه وصفاته ونال قصب السبق في عبودية الله بها، وهذه منزلة تحقيق العبودية بالأسماء والصفات، قال ابن القيم - رحمه الله -: [وأكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر كمن يحجبه التعبد باسمه القدير عن التعبد باسمه الحليم الرحيم أو يحجبه عبودية اسمه المعطي عن عبودية اسمه المانع أو عبودية اسمه الرحيم والعفو والغفور عن اسمه المنتقم أو التعبد بأسماء التودد والبر واللطف والإحسان عن أسماء العدل والجبروت والعظمة والكبرياء ونحو ذلك وهذه طريقة الكمل من السائرين إلى الله وهي طريقة مشتقة من قلب القرآن قال الله - تعالى -: [وَلِلَّهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا[180]][الأعراف]].



ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات:

1ـ أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلِّي بها على ما يليق به، فالله كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، رفيق يحب الرفـق، فإذا علم العبد ذلكº سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله - تعالى -أن يتحلَّى بها العبد على ما يليق بالعبد.

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: [وأحب الخلق إلى الله من اتصف بمقتضيات صفاته فإنه كريم يحب الكريم من عباده وعالم يحب العلماء وقادر يحب الشجعان وجميل يحب الجمال...، وهو - سبحانه وتعالى - رحيم يحب الرحماء وإنما يرحم من عباده الرحماء, وهو ستير يحب من يستر على عباده, وعفو يحب من يعفوا عنهم من عباده, وغفور يحب من يغفر لهم من عباده, ولطيف يحب من اللطيف من عباده ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ, ورفيق يحب الرفق وحليم يحب الحلم... ومن عامل خلقه بصفة عامله الله - تعالى - تلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله - تعالى - لعبده على ما حسب ما يكون العبد لخلقه...، فكما تدين تدان وكن كيف شئت فإن الله - تعالى - لك كما تكون أنت لعباده].

2ـ تورث تعظيمه - تعالى -: قال الشيخ السعدي - رحمه الله -: وهو - تعالى - موصوف بكل صفة كمال، وله من ذلك الكمال الذي وصف به أكمله وأعظمه وأجله، فله العلم المحيط، والقدرة النافذة، والكبرياء والعظمة، حتى أن من عظمته أن السموات والأرض في كف الرحمن كالخردلة في يد المخلوق،... وهو - تعالى -... يستحق على العباد أن يعظموه بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته، والذل له والخوف منه، وإعمال اللسان بالثناء عليه، وقيام الجوارح بشكره وعبوديته. ومن تعظيمه أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، ومن تعظيمه وإجلاله أن لا يعترض على شيء مما خلقه أو شرعه، بل يخضع لحكمته، وينقاد لحكمه.

وتعظيم الله - تعالى - يورث العبد الذل والافتقار بين يديه - سبحانه وتعالى -، [ويحكى عن بعض العارفين أنه قال: دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول حتى جئت باب الذل والافتقار فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ولا مزاحم فيه ولا معوق فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته فإذا هو - سبحانه - قد أخذ بيدي وأدخلني عليه. ]

3- تورث العبد محبة الله - جل جلاله- : من تأمل أسماء الله وصفاته وتعلق بها طرحه ذلك على باب المحبة، وفتح له من المعارف والعلوم أمورا لا يعبر عنها، وإن من عرف الله أورثه ذلك محبة له - سبحانه وتعالى -.

وهذه المحبة عاطفة شرعية إيمانية وعبادة قلبية وهي محبة إجلال وتعظيم، ومحبة طاعة وانقياد يبرهن بها العبد على صدق عبوديته لمولاه - تعالى -. فالمحبة هي ثمرة معرفة أسماء الله وصفاته واعتقاد جماله وكماله وجلاله، والاعتراف بإحسانه وإنعامه.

4- تورث اليقين والطمأنينة: إن قلب العبد لا يزال يهيم على وجهه في أودية القلق وتعصف به رياح الاضطراب حتى يخالط الإيمان بأسماء الرب - تعالى - وصفته بشاشة قلبه، فحينئذ يبتهج قلبه ويأنس بقربه من معبوده جل جلاله ويحيى حياة طيبة ويصبح فارغا إلا من ذكر الله - تعالى -وذكر أسمائه وصفاته ويأتيه من روح اللذة والنعيم السرور وريحان الأمان والطمأنينة والحبور ما يعجز عن ذكره التعبير ويقصر عن بيانه التقرير.

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: [وحقيقة الطمأنينة التي تصير بها النفس مطمئنة أن تطمئن في باب معرفة أسمائه وصفاته ونعوت كما له إلى خبره الذي أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله فتتلقاه بالقبول والتسليم والإذعان وانشراح الصدر له وفرح القلب به فإنه معرفة من معرفات الرب - سبحانه - إلى عبده على لسان رسوله فلا يزل القلب في أعظم القلق والاضطراب في هذا الباب حتى يخالط الإيمان بأسماء الرب - تعالى - وصفاته وتوحيده وعلوه على عرشه وتكلمه بالوحي بشاشة قلبه فينزل ذلك عليه نزول الماء الزلال على القلب الملتهب بالعطش فيطمئن إليه ويسكن إليه ويفرح به ويلين له قلبه ومفاصله حتى كأنه شاهد الأمر كما أخبرت به الرسل بل يصير ذلك لقلبه بمنزلة رؤية الشمس في الظهيرة لعينه فلو خالفه في ذلك من بين شرق الأرض وغربها لم يلتفت إلى خلافهم وقال إذا استوحش من الغربة: قد كان الصديق الأكبر مطمئنا بالإيمان وحده وجميع أهل الأرض يخالفه وما نقص ذلك من طمأنينة شيئا، فهذا أول درجات الطمأنينة ثم لا يزال يقوى كلما سمع بآية متضمنة لصفة من صفات ربه وهذا أمر لا نهاية له فهذه الطمأنينة أصل أصول الإيمان التي قام عليه بناؤه.

ومن عبد الله بأسمائه وصفاته وتحقق معرفة خالقه- جلا وعلا-، وعظمه حق التعظيم فإنه ولا شك يصل إلى درجة اليقين، قال الحبر ابن القيم - رحمه الله -: [فاليقين هو الوقوف على ما قام بالحق من أسمائه وصفاته ونعوت كماله وتوحيده وهذه الثلاثة أشرف علوم الخلائق علم الأمر والنهي وعلم الأسماء والصفات والتوحيد وعلم المعاد واليوم الآخر والله أعلم].



5- تورث زيادة الإيمان: قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: [من عرف أسماء الله ومعانيها فآمن بها كان إيمانه أكمل ممن لم يعرف تلك الأسماء بل آمن بها إيمانا مجملا] فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانه، وقوي يقينه. فينبغي للمؤمن: أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات.







6- تورث زيادة في الطاعات البدنية: لما كان القلب للجوارح [كالملك المتصرف في الجنود الذي تصدر كلها عن أمره ويستعملها فيما يشاء فكلها تحت عبوديته وقهره وتكسب منه الاستقامة والزيغ وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يلحه] º كانت لهذه الثمرات التي يجنيها القلب من توحيد الله بأسمائه وصفاته سريان إلى الجوارح، ولا بدَّ، فكلما [قوي سراج الإيمان في القلب وأضاءت جهاته كلها به وأشرق نوره في أرجائه سرى ذل النور إلى الأعضاء وانبعث إليها فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان وانقادت له طائعة مذللة غير متثاقلة ولا كارهة بل تفرح بدعوته حين يدعوها].



7- تُطلِعُ العبدَ على خسةِ الدنيا: فالدنيا زائلة خسيسة ومن تعلق بالأسماء الحسنى والصفات العلى تبين له حقيقة هذه الدنيا، قال ابن القيم: [فأول شواهد السائر إلى الله والدار الآخرة أن يقوم به شاهد من الدنيا وحقارتها وقلة وفائها وكثرة جفائها وخسة شركائها وسرعة انقضائها ويرى أهلها وعشّاقها صرعى حولها قد بدّعت [خذلتهم] بهم وعذبتهم بأنواع العذاب وأذاقتهم أمر الشراب أضحكتهم قليلا وأبكتهم طويلا سقتهم كؤوس سمها بعد كؤوس خمرها فسكروا بحبها وماتوا بهجرها، فإذا قام بالعبد هذا الشاهد منها ترحل قلبه عنها وسافر في طلب الدار الآخرة وحينئذ يقوم بقلبه شاهد من الآخرة ودوامها وأنها هي الحيوان حقا فأهلها لا يرتحلون منها ولا يظعنون عنها بل هي دار القرار ومحط الرحال ومنتهى السير وأن الدنيا بالنسبة إليها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [مَا الدٌّنيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا مِثلُ مَا يَجعَلُ أَحَدُكُم إِصبَعَهُ هَذِهِ وَأَشَارَ يَحيَى بِالسَّبَّابَةِ فِي اليَمِّ فَليَنظُر بِمَ تَرجِعُ] رواه مسلم.

وقال بعض التابعين: [ما الدنيا في الآخرة إلا أقل من ذرة واحدة في جبال الدنيا] ثم يقوم بقلبه شاهد من النار وتوقدها واضطرامها وبعد قعرها وشدة حرها وعظيم عذاب أهلها فيشاهدهم وقد سيقوا إليها سود الوجوه زرق العيون والسلاسل والأغلال في أعناقهم... فإذا قام بقلب العبد هذا الشاهد انخلع من الذنوب والمعاصي واتباع الشهوات ولبس ثياب الخوف والحذر وأخصب قلبه من مطر أجفانه وهان عليه كل مصيبة تصيبه في غير دينه وقلبه.

8- معرفة الأسماء والصفات تجعل العبد يتنقل بين درجات الرجاء والخوف: فالخوف والرجاء جناحي الإيمان وبهما يصل العبد لمرضاة الرحمن، ويظهر أثر الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العلى في مواطن عدة منها:

* أن العبد إذا آمن بصفة [الحب والمحبة] لله - تعالى - وأنه - سبحانه - [رحيم ودود] استأنس لهذا الرب، وتقرَّب إليه بما يزيد حبه ووده له، وحبٌّ الله للعبد مرتبطٌ بحبِ العبدِ لله، وإذا غُرِست شجرةُ المحبة في القلب، وسُقيت بماء الإخلاص، ومتابعة الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، أثمرت أنواعَ الثمار، وآتت أُكُلَها كلَّ حينٍ, بإذن ربها.

* ومنها: أنه إذا آمن العبد بصفات: [العلم، والإحاطة، والمعية]º أورثه ذلك الخوف من الله - عز وجل - المطَّلع عليه الرقيب الشهيد، فإذا آمن بصفة [السـمع]º علم أن الله يسمعهº فلا يقول إلا خيراً، فإذا آمن بصفات [البصر، والرؤية، والنظر، والعين]º علم أن الله يراهº فلا يفعل إلا خيراً.

* ومن ثمرات الإيمان بصفات الله: أن لا ينازع العبدُ اللهَ في صفة [الحكم، والألوهية، والتشريع، والتحليل، والتحريم]º فلا يحكم إلا بما أنزل الله، ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله. فلا يحرِّم ما أحلَّ الله، ولا يحل ما حرَّم الله.

* ومن ثمرات الإيمان بصفات الله - عز وجل -: تَنزِيه الله وتقديسه عن النقائص، ووصفه بصفات الكمال، فمن علم أن من صفاته [القُدٌّوس، السٌّبٌّوح]º نَزَّه الله مـن كلِّ عيبٍ, ونقصٍ,.

* ومنها أن الإيمان بصفة [الكلام] وأن القرآن كلام الله يجعل العبد يستشعر وهو يقرأ القرآن أنه يقرأ كلام الله، فإذا قرأ: [يَا أَيٌّهَا الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ] [الانفطار: 6]. أحسَّ أن الله يكلمه ويتحدث إليه، فيطير قلبه وجلاً، وأنه إذا آمن بهذه الصفة، وقرأ في الحديث الصحيح أن الله سيكلمه يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمانº استحى أن يعصي الله في الدنيا، وأعد لذلك الحساب والسؤال جواباً.

9- يورث العبد حسن الظن بالله: القلب الممتلئ بأسماء الله وصفاته علما ومعرفة يضع الرجاء بالله - تعالى -وحسن الظن في محله اللائق به، فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة وإما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن. فإن قيل: بل يتأتى ذلك ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده وأن رحمته سبقت غضبه وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو قيل: الأمر هكذا والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به فإنه - سبحانه - موصوف بالحكمة والعزة والانتقام وشدة البطش وعقوبة من يستحق العقوبة فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر والمؤمن والكافر ووليه وعدوه فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه وتعرض للعنته وأوقع في محارمه وانتهك حرماته بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع وبدل السيئة بالحسنة واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ثم أحسن الظن فهذا حسن ظن والأول غرور والله المستعان.



في بستان الأسماء والصفات:

السميع البصير:

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله -: كثيرًا ما يقرن الله - سبحانه وتعالى - بين \' السميع، البصير \'، كمثل قوله: [وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً][النساء: من الآية134]. فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة والباطنة، فالسميع هو الذي أحاط سمعه بجميع المسموعات، فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات يسمعها سرها وعلانيتها، حتى كأنها لديه صوت واحد، لا تختلط عليه الأصوات، ولا تغلطه اللغات، والقريب منها والبعيد والسر والعلانية كلها عنده سواء. قال - تعالى -: [سَوَاءٌ مِنكُم مَن أَسَرَّ القَولَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَن هُوَ مُستَخفٍ, بِاللَّيلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ] [الرعد: 10]. وسمعه - تعالى - نوعان: أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والخفية، وإحاطته بها إحاطة تامة. والثاني: سمع الإجابة منه للسائلين والعابدين والمتضرعين، فيجيبهم ويثيبهم، ومنه قول العبد في صلاته: سمع الله لمن حمده، أي استجاب الله لمن حمده وأثنى عليه وعبده، ومنه قول إبراهيم - عليه السلام -: [الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الكِبَرِ إِسمَاعِيلَ وَإِسحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدٌّعَاءِ] [ابراهيم: 39].

\' وهو البصير \' أي الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسماوات، حتى أخفى ما يكون منها، فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويرى جميع أعضائها الظاهرة والباطنة، حتى أنه يرى سريان القوت في أعضائها الصغار جدا، ويرى سريان المياه في الأشجار وأغصانها وعروقها وجميع النباتات، ويرى نياط عروق النملة والبعوضة وأصغر من ذلك.

فتبارك من تنبهر العقول عند التأمل لبعض صفاته المقدسة، وتشهد البصائر كماله وعظمته ولطفه، وخبرته بالغيب والشهادة والحاضر والغائب والخفي والجلي، ويرى - تعالى - خيانات العيون بلحظها، أي حين يلحظ العبد منظرا يخفيه على جليسه، فالله - تعالى - يراه في تلك الحالة التي يحرص على إخفاء ملاحظته عن كل أحد، ويرى تقلب الأجفان حين يقلبها الناظر من آدمي أو ملك أو جني أو حيوان، وحين يطبقها ويفتحها. قال - تعالى -: [الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلٌّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ] [الشعراء: 218 - 219]. وقال - تعالى -: [يَعلَمُ خَائِنَةَ الأَعيُنِ وَمَا تُخفِي الصٌّدُورُ] [غافر: 19]

صفة الرحمة: تشمل اسم الرحمن، والرحيم، والرءوف:

المفهوم من الرحمن نوع من الرحمة هي أبعد من مقدورات العباد بالإيجاد أولا، وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السعادة ثانيا، وبالسعادة في الآخرة ثالثا، وبالإنعام بالنظر إلى وجهه الكريم رابعا.



وروى مسلم في صحيحه: [خَلَقَ اللَّهُ مِائَةَ رَحمَةٍ, فَوَضَعَ وَاحِدَةً بَينَ خَلقِهِ وَخَبَأَ عِندَهُ مِائَةً إِلَّا وَاحِدَةً].

وقد ورد اقتران الرحمن والرحيم كثيرا في القرآن كما في البسملة والفاتحة، وفي هذا الاقتران دلالة على سعة الرحمة وشمولها، كما في صحيح البخاري \'قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبيٌ فَإِذَا امرَأَةٌ مِن السَّبيِ قَد تَحلُبُ ثَديَهَا تَسقِي إِذَا وَجَدَت صَبِيًّا فِي السَّبيِ أَخَذَتهُ فَأَلصَقَتهُ بِبَطنِهَا وَأَرضَعَتهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - : أَتُرَونَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ] قُلنَا: لَا وَهِيَ تَقدِرُ عَلَى أَن لَا تَطرَحَهُ فَقَالَ: [لَلَّهُ أَرحَمُ بِعِبَادِهِ مِن هَذِهِ بِوَلَدِهَا].

وإن قام بقلبه شاهد الرحمة رأى الوجود كله قائما بهذه الصفة قد وسع من هي صفته كل شيء رحمة وعلما، وانتهت رحمته إلى حيث انتهى علمه، فاستوى على عرشه برحمته لتسع كل شيء، كما وسع عرشه كل شيء.

ومعنى الرؤوف: ذو الرأفة وهي شدة الرحمة فهذا الاسم بمعنى الرحيم مع شدة المبالغة، من رأفة الله أن يصون عباده عن موجبات عقوبته فإن العصمة من الزلل أبلغ في الرحمة من المغفرة للمعصية.

ومن رأفته ما شرعه من العقوبات لمن أخل بأمن المجتمع، كجلد الزاني في قوله - تعالى -: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ, مِنهُمَا مِائَةَ جَلدَةٍ, وَلا تَأخُذكُم بِهِمَا رَأفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَليَشهَد عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِن المُؤمِنِينَ] [النور: 2]. وقطع يد السارق في قوله - تعالى -: [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقطَعُوا أَيدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِن اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] [المائدة: 38].

ووجه الرأفة في هذا كله: هو أن الله - تعالى - يغفر لهم هذه الذنوب فلا يعاقبهم عليها في الآخرة كما في الحديث الذي رواه البخاري [..... لَا تَعصُونِي فِي مَعرُوفٍ, فَمَن وَفَى مِنكُم فَأَجرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا فَأُخِذَ بِهِ فِي الدٌّنيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ وَمَن سَتَرَهُ اللَّهُ فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِن شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِن شَاءَ غَفَرَ لَهُ].

والوجه الآخر: أنه رحمة بالمجتمع المسلم حتى لا تنتشر فيه الجرائم والموبقات.



الحي القيوم:

الحي إذا أطلق على الله - تعالى - فمعناه كامل الحياة أي لم يزل حيا ولم يسبق ذلك عدم ولن يلحقه عدم، فهي حياة أبدية، بل لا يعتريها حتى مجرد النقص بالنوم.

والقيوم هو القائم بنفسه المستغني بصفاته ونعوت كماله فلا يحتاج لغيره، وهو المقيم لغيره فكل شيء محتاج له، فهو الغنى عن كل شيء في الوجود وكل الوجود محتاج له.

فالكون كله محتاج لقيومته وحياته الدائمة الكاملة، فجميع الكائنات قائمة به وتدوم به وتبقى في الوجود به، ولو انقطع هذا الانتساب للحي القيوم طرفة عين لانمحى الوجود كله.

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - واصفا حال العبد الذي يتعبد الله بالأسماء والصفات: [.. ثم يُفتَحُ له باب الشعور بمشهد القيومية فيرى سائر التقلبات الكونية وتصاريف الوجود بيده - سبحانه - وحده فيشهده مالك الضر والنفع والخلق والرزق والإحياء والإماتة فيتخذه وحده وكيلا ويرضى به ربا ومدبرا وكافيا وعند ذلك إذا وقع نظره على شيء من المخلوقات دله على خالقه وبارئه وصفات كماله ونعوت جلاله فلا يحجبه خلقه عنه - سبحانه - بل يناديه كل من المخلوقات بلسان حاله اسمع شهادتي لمن أحسن كل شيء خلقه].

فعلى هذين الأسمين مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما يرجع معانيها فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال، فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته - تعالى - أكمل حياةٍ, وأتَّمها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضادٌّ نفيه كمال الحياة، وأما القيوم فمتضمن كمال غناه وكمال قدرته فإنه القائم بنفسه ـ كما تقدمـ فلا يحتاج لغيره، فانتظم هذا الاسمان صفات الكمال أتم انتظام.



صفة المُلك: ويشمل اسم الملك، والمالك، والمليك

ومعناها: التام الملك الجامع لأصناف المملوكات، الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ويحتاح إليه كل موجود.

وفي الأمر والنهي تتجلى كذلك صفة الملك إذ هو المعبود الحق يأمر فيطاع. ومن تأمل حديث البخاري الذي رواه عن عبد الله بن مسعود قال: \' جَاءَ حَبرٌ مِن اليَهُودِ فَقَالَ إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ جَعَلَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصبَعٍ, وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصبَعٍ, وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصبَعٍ, وَالخَلَائِقَ عَلَى إِصبَعٍ, ثُمَّ يَهُزٌّهُنَّ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا المَلِكُ أَنَا المَلِكُ فَلَقَد رَأَيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَضحَكُ حَتَّى بَدَت نَوَاجِذُهُ تَعَجٌّبًا وَتَصدِيقًا لِقَولِهِ ثُمَّ قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: [وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدرِهِ وَالأَرضُ جَمِيعاً قَبضَتُهُ يَومَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشرِكُونَ] [الزمر: 67].



 الصمد: وقيل في معناه:

الصمد هو السيد الذي يصمد إليه في الحوائج وأصل الصمد القصد، قال البخاري: قال أبو وائل: هو السيد الذي انتهى سؤدده، وقيل: معناه الدائم، وقيل: الباقي بعد فناء الخلق. قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: [الصمد الذي لا جوف له ومن قال منهم إنه السيد الذي انتهى سؤدده].

فالعبد الذي تعرف على ربه الصمد لا يسأل غيره فهو السيد للكامل في صفاته وهو الذي يسد حاجة من انطرح بين يديه، وهو الذي يرزق في العاجل والآجل، وهو الذي يشفي من الأسقام والأمراض.



صفة التَّشرِيعُ:

فالله - جل وعلا - هو المشرع فقط، فالشرع ما أمر به والدين ما سنه، وما خالف أمره فهو باطل، وهذه الصفة صفةٌ فعليةٌ ثابتةٌ لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، من خصائص ربوبِيَّتِه، من نازعه فيها فقد كفر، والله هو [[الشارع]] و هو [[المُشَرِّع]] وليسا هما من أسمائه - سبحانه - [صِفَاتُ اللهِ - عز وجل - ـ لعلوي بن عبد القادر السَّقَّاف].

والدليل من الكتاب: قولـه - تعالى -: [شَرَعَ لَكُم مِن الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوحَينَا إِلَيكَ 000] الآية [الشورى: 13].

والدليل من السنة: حديث عَبدِ اللهِ بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: [مَن سَرَّهُ أَن يَلقَى اللهَ غَدًا مُسلِمًا فَليُحَافِظ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُم - صلى الله عليه وسلم - سُنَنَ الهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِن سُنَنِ الهُدَى 000] رواه مسلم.



وقد كثر في أقوال العلماء إضافة التشريع لله - سبحانه وتعالى - ومن ذلك:

1- قول العلامة محمد الأمين الشنقيطي: [[والعجب ممن يحكِّم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام]] [أضواء البيان 3/400].

2- قول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية: [الشرك الأكبر أن يجعل الإنسان لله نداً إما في أسمائه وصفاته، و إما أن يجعل له نداً في العبادة 000و إما أن يجعل لله نداً في التشريع بأن يتخذ مشرِّعاً له سوى الله أو شريكاً لله في التشريع يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم عبادة وتقرباً وقضاءً وفصلاً في الخصومات أو يستحله وإن لم يُرِدهُ ديناً] [فتاوى اللجنة الدائمة1/516].

كما كثر إطلاقهم لكلمة [[الشارع]] و [[المُشَرِّع]] على الله - عز وجل - من باب الصفة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply