النهي عن البدع ومحدثات الأمور


بسم الله الرحمن الرحيم

 




الحمد لله الذي أرسل رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - للعالمين بشيرًا ونذيرا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن الله - جل وعلا - أمرنا في كتابه الكريم باتباع النبي الصادق الأمين، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم، وذلك بقوله سبحانه:\"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا\"(الحشر/7).

وقال - تعالى -:\"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم\"(آل عمران/31).

والآيات التي تحثنا على اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرة، فلذلك كان واجبًا على المسلمين أن يتبعوا هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن لا يبتدعوا في دين الله ما ليس منه.



والبدع في اللغة: هي الأشياء التي يبتدعها الإنسان.

وأما في الشرع: فهي كل من تعبَّد لله - سبحانه و تعالى - بغير ما شرع عقيدة أو قولاً أو فعلاً.

وعرف بعض أهل العلم البدعة على أنها كل شئ كان سببه موجود في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يأت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو بدعة.

وخطر البدعة عظيم حتى قال فيها ابن القيم - رحمه الله -:\"تزوجت بدعة الأقوال ببدعة الأعمال، فاشتغل الزوجان بالعرس، فلم يفجأهم إلا وأولاد الزنا يعثون في بلاد الإسلام، تضج منهم العباد والبلاد إلى الله - تعالى -\"

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:\"تزوجت الحقيقة الكافرة بالبدعة الفاجرة فتولَّد بينهما خسران الدنيا والآخرة\"

ولا شك أن الإنسان المسلم إن اتبع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وسار على نهجهم كان من الفائزين، وإن خالفهم وابتعد عن طريقهم كان من الخاسرين.

فعن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:\"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد\"(متفق عليه).

وهذا الحديث يعني أنه من أحدث في شرع الله وفي دين الله ما ليس منه فهو مردود على صاحبه غير مقبول منه.

والأعمال إما ظاهرة أو باطنة، فالأعمال الظاهرة ميزانها حديث عائشة هذا\"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد\"، والأعمال الباطنة ميزانها حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:\"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى\"(متفق عليه).

فلو علم المسلمون معنى هذين الحديثين والتزموا بهما لاستقام حال الأمة الإسلامية، ولما ظهر فيها البدع

وعند مسلم عن جابر - رضي الله عنه -، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول:\"صَبَّحَكُم ومسَّاكم\"ويقول:\"بُعثت أنا والساعة كهاتين\"ويقرن بين أصبعيه، السبابة والوسطى، ويقول:\"أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديُ محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة\".

ويعني بقوله - عليه الصلاة والسلام -\"بعثت أنا والساعة كهاتين\": أي أن أجل الدنيا قريب وأنه ليس ببعيد، فلذلك ينبغي على المسلم أن ينتبه ويحذر، فيجتنب البدع ويجتنب الذنوب كبيرها وصغيرها، وأن يجاهد نفسه على ترك المعاصي والالتزام بشرع الله.

والبدعة من أخطر الوسائل التي يستخدمها الشيطان في استدراج الإنسان، ولذلك احتجز الله التوبة عن صاحبها، فعن أنس ابن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:\"إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة\"رواه ابن أبى عاصم في السنة والطبراني وذكره الألباني في الصحيحة رقم (1620) وقال: حسن).



ولا شك أن الإنسان المبتدع يقع في محاذير كثيرة:

أولاً: أن ما ابتدعه فهو ضلالة بنص القرآن والسنة، وذلك أن ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الحق، وقد قال الله - تعالى -:\"فماذا بعد الحق إلا الضلال\"(يونس/32)، هذا دليل القرآن، ودليل السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -:\"كل بدعة ضلالة\"(رواه مسلم)، ومن هذا الحديث يتبين أن البدع كلها ضلالة، وأن ليس هناك بدعة حسنة.



ثانيًا: أن في البدعة خروجًا عن اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله - تعالى -:\"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم\"(آل عمران/31)، فمن ابتدع بدعة يتعبَّد لله بها فقد خرج عن اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشرعها، فيكون خارجًا عن شرعة الله فيما ابتدعه.

وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما يُحتاج إليه في أمر الدين والدنيا، وهذا كما قال الشاطبي –رحمه الله- في كتابه (الاعتصام) لا مخالف عليه من أهل السنه، بل وجاء في الحديث الذي رواه الترمذي وأبوا داود وأحمد وابن ماجة بإسناد صحيح عن العرباض بن سارية: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة ذرفت منها الأعين ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله: إن هذه موعظة مودِّع، فما تعهد إلينا؟

قال:\"تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عضٌّوا عليها بالنواجذ\".



ثالثاً: أن هذه البدعة التي ابتدعها تنافي تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله، لأنه من أراد تحقيق هذه الشهادة لا بد له أن يلتزم بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن لا يتعبَّد بما لم يصح عنه.



رابعًا: أن مضمون البدعة الطعن في الإسلام، وذلك لأن المبتدع تتضمن بدعته أن الإسلام لم يكتمل، وأنه كمل الإسلام بهذه البدعة، وقد قال الله - تعالى -:\"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا\"(المائدة/3).



خامسًا: أنه يتضمن الطعن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأن هذه البدعة التي زعمت أنها عبادة إما أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم بها، وحينئذٍ, يكون جاهلاً، وإما أن يكون قد علم بها ولكنه كتمها، وحينئذٍ, يكون كاتمًا للرسالة أو لبعضها، وهذا خطير جدًا، إذ كيف نأخذ من الأفعال أو الأقوال ما يكون طريقًا إلى هذا الظن في النبي - صلى الله عليه وسلم -.



سادسًا: أن البدعة تتضمن تفريق الأمة الإسلامية، لأن الأمة الإسلامية إذا فتح الباب لها في البدع صار هذا يبتدع شيئًا، وهذا يبتدع شيئًا، كما هو الواقع الآن، وكل منهم يظن أنه على صواب، وكل منهم فرح ببدعته، فمثلاً: الذين ابتدعوا عيد ميلاد الرسول - عليه الصلاة والسلام -، وصاروا يحتفلون به يطعنون في الذين لا يحتفلون بهذا اليوم، ويقولون هؤلاء يبغضون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكرهونه، ولهذا لم يفرحوا بمولده، والحقيقة خلاف ذلك، إذ أن المبتدع هو الذي تتضمن بدعته أنه يبغض الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان يدَّعي أنه يحبه، لأنه إذا ابتدع هذه البدعة والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يشرعها للأمة، فذلك كأنما يتهمه بالجهل أو الكتمان، وحاشاه أن يكون كذلك - عليه الصلاة والسلام -، بل الخير في اتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والشَّر في تعدِّيها، ولا ينبغي للمسلم أن يشرِّع كيف شاء ومتى شاء، فيجعل نفسه شريكًا مع الله في التشريع، بل في هذه البدع تعدٍّ, صريح على الشريعة وعلى الشارع.



سابعًا: أن البدعة إذا انتشرت في الأمة اضمحلت السنة، ولهذا قال بعض السلف:\"ما ابتدع قوم بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها أو أشد\"وذلك لأن البدع تؤدي إلى نسيان السنن واضمحلالها بين الأمة الإسلامية.

ولذلك كان المسلمون يخشون البدع، ويخشون الوقوع فيها، ويَحذَرُونَها ويحذِّرون المسلمين منها، فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -يقول:\"إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي، فَضَلٌّوا وَأَضلٌّوا\"

وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -:\"قد أصبحتم على الفطرة، وإنكم سَتُحدِثُون ويُحدَث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الأوَّل\"، وقال - رضي الله عنه -:\"الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة\"، وقال - رضي الله عنه -:\"إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر\"وقال:\"عليكم بالطريق فالزَمُوه، ولئن أخذتم يمينًا وشمالاً لَتَضِلٌّنَّ ضلالاً بعيدًا\"، وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -:\"كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة\"، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - يوصي عثمان الأزدي:\"عليك بتقوى الله - تعالى - والاستقامة، اتبع ولا تبتدع\"، وقال:\"إن أبغض الأمور إلى الله - تعالى - البدع\"، وقال:\"عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والبدع\"، وقال عبد الله بن الديلمي - رضي الله عنه -:\"بَلَغَني أن أول ذهاب الدين ترك السٌّنة، يذهب الدين سُنَّةً سُنَّة كما يذهب الحبل قُوَّةً قُوَّة\"، وقال الحسن البصري - رحمه الله -:\"السٌّنَّة -والذي لا إله إلا هو- بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السٌّنَّة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي: الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا\"، وقال - رحمه الله -:\"لا يقبل الله لصاحب بدعة صومًا ولا صلاةً ولا حجًا ولا عمرة حتى يدعها\"، وقال:\"صاحب البدعة لا يزداد اجتهادًا، صيامًا وصلاةً، إلا ازداد من الله بعدًا\"، وقال:\"لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك\"، وقال حسان بن عطية:\"ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنَّتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة\"، وقال يحيى بن أبي كثير:\"إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر\"، وقال سفيان الثوري:\"البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها\"، وقال:\"دع الباطل، أين أنت عن الحق؟ اتبع السٌّنَّة، ودع البدعه\"، وقال ابن الماجشون -رحمه الله-:\"سمعت مالكًا - رحمه الله- يقول:\"من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالة، لأن الله يقول:\"اليوم أكملت لكم دينكم\"(المائدة/3) فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا\"، وقال الفضيل بن عياض:\"من جلس إلى صاحب بدعةً فاحذروه، وقال: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه\"، وقال - رحمه الله-:\"إذا رأيت مبتدعًا في طريق فخذ في طريق آخر، ولا يُرفع لصاحب البدعة إلى الله - عز وجل - عمل، ومن أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام\"، وقال:\"من زوَّج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها\"، وقال:\"اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين\"، وقال الشافعي - رحمه الله -:\"لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خيرٌ له من أن يلقاه بشئ من الأهواء\"وأقوال أهل العلم أكثر من أن تحصى في ذلك.



عباد الله، إن هذه الآثار الواردة عن السلف الصالح رحمهم الله - تعالى - كلها تدعوا إلى التمسك بالكتاب والسنة، وتُحذِّر من البدع والمحدثات صغيرها وكبيرها.

يقول الإمام أبو محمد البربهاري- رحمه الله - في كتاب\"شرح السنة للبربهاري\":\"واحذر صغار المحدثات، فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارًا، وكذلك كل بدعة أحدثت في الأمة كان أولها صغيرًا يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت، وصارت دينًا يدان به فخالف الصراط المستقيم.

فانظر - رحمك الله - كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة، فلا تعجلن، ولا تدخلن في شئ منه حتى تسأل وتنظر هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من العلماء، فإن أصبت فيه أثرًا عنهم فتمسَّك به ولا تجاوزه لشئ، ولا تختر عليه شيئًا فتسقط في النار\".



من مضار الابتداع:-

حبوط الأعمال وإن كانت كثيرة.

من لوازمه دعوى عدم كمال الدين.

صاحبه من أعوان الشيطان ومن أعداء الرحمن.

أبغض إلى الله - عز وجل - من كثير من المعاصي.

صاحبه لا يرجى له التوبة بخلاف أهل المعاصي.

كل البدع ليس فيها شئ حسن.

أنواعها في العقيدة والعبادة وشرها بدع العقيدة.

البدع تركية وفعلية، وكلها مذمومة.

إثمها متجدد لا ينقطع ما دام يعمل بها في الأرض.

من أقرب مداخل الشيطان للإنسان.

تؤدي إلى خلط الحق بالباطل وحيرة الأغرار في التمييز بينهما.

تؤدي إلى نفرة من ليس له قدم في فهم الإسلام منه لكثرة ما يظن من تكاليفه.

هذا ويجب عليك يا عبد الله أن تعلم علم اليقين أن أعظم زاجر عن الذنوب وعن المعاصي وعن البدع والمحدثات هو خوف الله - تعالى - وخشية انتقامه وسطوته، وحذر عقابه وغضبه وبطشه، كما قال- جل وعلا -\"فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم\"(النور/63).

فاتقوا الله عباد الله. اتقوا الله حق التقوى، واتبعوا ولا تبتدعوا، واتقوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله.



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply