استكمالا لقضية حل السحر بالسحر والتي أفتى بجوازها الشيخ العبيكان نورد عدد من ردود العلماء والمشايخ حيال الفتوى.
كمال التوحيد
حرّم فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي أن يحل السحر بسحر مثله لأنه كفر بالله، والله - تعالى -لم يجعل شفاء الأمة فيما حُرِّم عليها.
وقال فضيلته: إن الوقاية من السحر هي بكمال التوحيد والتوكل على الله - تعالى -والدعاء والاستعاذة منه والتحصن بتلاوة القرآن وأنواع الذكر الصحيحة صباحاً ومساءً.
وأوضح أن السحر من الذنوب العظام وكبائر الآثام وهو كفر بالله - تعالى - وشرك برب العالمين، حرّمه الله في كل ملة وحذر منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أشد التحذير.
وقال الحذيفي: إن السحر يفسد أعمال الساحر ويبطلها لأنه يتضمن الشرك بالله - تعالى -فلا يكون الساحر ساحرًا إلا إذا تقرب إلى الشياطين بطاعتهم، بالذبح لهم أو السجود للجني أو الاستغاثة بالشياطين أو الاستعاذة بهم أو دعائهم من دون الله أو البول على المصحف أو أكل النجاسات والخبائث وفعل الفواحش والموبقات.
فإذا أشرك بالله - تعالى -هذا الساحر وأطاع الشيطان خدمته الجن وأطاعته الشياطين وقضت له حوائجه في مقابل شركه بالله - تعالى -والإضرار بالبرآء، و الساحر دائماً يجمع بين صفة الكذب وخبث القلب والجرأة على الآثام قال الله - تعالى -: (هل أنبئكم على من تنـزل الشياطين تنـزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون).
السحر والنساء
وأضاف الحذيفى: وينتشر عمل السحر بين النساء الشريرات الجاهلات اللاتي ينخدعن بالسحرة، فتعطي المرأة بعض السحرة جُعلاً ليسحر لها زوجها أو أحداً بقصد أن يحبها زوجها، أو يسحر لها من تكرهه طلبًا للانتقام وإلحاق الأضرار بالمسحورين، وأن حد الساحر والساحرة: القتل في الإسلام على الصحيح من قولي أهل العلم وهو مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة، وصح عن جندب بن كعب الأزدي: أنه كان عند الوليد ساحر يلعب بسحره فاشتمل جندب على سيفه من الغد فضرب عنق الساحر وقال: إن كان صادقاً فليُحيي نفسه، ثم قتله.
وأوضح: أن قتل الساحر لحماية الناس من ضرره وشره وللوقاية من كثرة مفاسده ولاقتلاع جذور الشرك بالله - تعالى - من المجتمع المسلم وللحفاظ على صفاء عقائد المسلمين وعقولهم وأموالهم ودرء المفاسد عن المسلمين.
أولياء الله وأولياء الشيطان:
وقال متسائلاً: أعجب أيها المسلم المعافى من أناس جهال التبس عليهم حال السحرة الكذابين والمشعوذين فتحيروا فيما يصدر من السحرة من خوارق العادات كالطيران في الهواء والمشي على الماء وقطع المسافة الطويلة في زمن قصير والإخبار عن الغيب فيقع الخبر كذلك، وشفاء المرضى فيظن هؤلاء الجهال أن هذا الساحر من أولياء الله وقد يؤول الأمر إلى أن يعبد من دون الله ويرجى منه النفع والضر والعياذ بالله، فظن بعض الناس أن خوارق العادات التي تجري من السحرة والعرافين كرامات من الله فالتبس عند الجهال حال أولياء الرحمن بحال أولياء الشيطان.
والشرع فرق بين أولياء الله وأولياء الشيطان، فأولياء الله هم الحافظون لحدود الله المتمسكون بشرعه ظاهراً وباطناً الممتثلون لأوامر الله المجتنبون لنواهيه المحافظون على صلاة الجماعة قال الله - تعالى -(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون).
الفاتحة علاج السحر:
وممن يدخل في ذم السحرة: الكهان والعرافون والمنجمون والذين يخطون في الرمل، وكل هؤلاء يدّعون علم الغيب وهم كفرة خارجون عن الإسلام بادعائهم الغيب قال الله - تعالى -(قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) ومن صدقهم في دعواهم فهو كافر بالله مشرك.
ومما يدفع السحر: التوكل على الله ودعاؤه والتحصن بالقرآن الكريم وأنواع الذكر الثابتة وكمال التوحيد والحذر من الوقوع في شَرَك الأشرار والفجار ومجانبة المفسدين الظالمين قال الله - تعالى -(يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين).
ومما يعالج به السحر مداومة قراءة الفاتحة والمعوذات و(قل هو الله أحد) وآية الكرسي فإنها تضعف سلطانه حتى يضمحل وسواءً قرأ المسحور على نفسه أو قرأ عليه أحد الصالحين.
من عمل الشيطان:
أكد الأستاذ أحمد قاسم الغامدي مدير الهيئة بمكة المكرمة سابقا ومدير فرع الرئاسة بمنطقة مكة بالإنابة أنه مما لا شك فيه أن السحر محرم تعلمه وتعليمه والعمل به لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال (اجتنبوا الموبقات: الشرك بالله والسحر) ولقوله - تعالى -(ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) فجملة يُعَلِّمون خالية من الفاعل وهم الشياطين فالشياطين كفروا حال كونهم يعلمون الناس السحر فتعليمهم السحر كفر في ذاته، والعمل به أعظم وأغلظ حرمة وكفراً وقد بين الله - جل وعلا - أن تعلمه يضر ولا ينفع بقوله (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) بل عظم الله مآل صاحبه بقوله (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون) والخلاق الحظ والنصيب فإن صاحبه لاحظ له ولا نصيب في الآخرة والساحر لا فلاح له كذلك لقوله - تعالى -(ولا يفلح الساحر حيث أتى) فإذا علمنا هذا كله ثبت لنا قطعا أن السحر محرم.
فكان لابد علينا أن نعرف ما هو هذا السحر الذي حرمه الله وحرم تعلمه وتعليمه فوجدنا بأن السحر يطلق ويراد به ما يستميل النفوس من كل حسن يسمع أو يرى فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما سمع خطبتين بليغتين قال (إن من البيان لسحرا) ومثله ما يستميل أنظار الناس من الحيل بخداع الحواس أو سرعة الحركة وخفة اليد فما كان منه يستعان فيه بالشياطين فهو محرم وما ليس فيه استعانة بالشياطين فليس محرما في الأصل وإنما هي أنواع من الرياضات تدرك بها تلك الأمور.
لا دليل على فك السحر بالسحر
فنظرنا بعد هذا في قول من أجاز حل السحر بسحر مثله فلم نجد له دليلا إلا ما تعلق به من تفسير بعض الفقهاء للنشرة التي ورد ذكرها في حديث عائشة في الصحيح في قولها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (هلا تنشرت) فقد فسرها بعض الفقهاء بأنها حل السحر بسحر مثله فأخطأ من أخطأ في الفتيا بجواز ذلك تقليدا لا تحقيقاً، والحق الذي لا شك فيه أن النشرة ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرا أو مسا من الجن وسميت بذلك لأنه يكشف بها عن المريض ما خالطه من الداء سواء كان التداوي فيها بمباح أو بمحرم وقد كان أهل الجاهلية يعملون بها بالأدوية المباحة وغير المباحة والدعوات والرقى المباحة وغير المباحة فيعملون فيها بما هو حق وبما هو باطل من عمل الشيطان وهو حل السحر بسحر مثله وكل ذلك يطلقون عليه اسم النشرة.
فأخطأ من جوز النشرة عموما..وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك قال كنا نرق في الجاهلية قلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك فقال: (أعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا).فقد أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كانوا عليه من الرقى ما لم يكن شركا وأمرهم أن يعرضوا عليه رقاهم حماية لجناب التوحيد وهذا لا يعني أن كل رقى الجاهلية حق والنشرة كذلك ما كان منها مباح فهو مباح والمحرم منها كحل السحر بالسحر محرم لا يجوز العمل به ولا تعلمه ولا تعليمه.
عالم مجهول
أكد الدكتور قيس المبارك عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل أن السحر كلام يقوله الساحر يُعظِّم فيه غير الله - تعالى -وتُنسب إلى هذا المُعَظَّم المقادير والكائنات، فيقع بسببه أذىً على المسحور، والذي عليه جمهور العلماء أن السحر ليس أوهاماً ولا تخيٌّلات، بل له حقيقة ثابتة، يخلق الله - تعالى - عنده ما يشاء، قال - تعالى -(وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ) فالسحر دالٌ على كفر الساحر.
والسحر أمرٌ خفيُّ لأن الساحر لا يعلم من السحر إلا أن يقول كلمات وتعاويذ وطلاسم لا يدري معناها، فيقع بسببها السحر.
فالسحر إذاً تعاملٌ مع عالَمٍ, مجهول، والنٌّفوسُ ترى في المجهول ما لا تراه في المعلوم، وتظنٌّ أنه ينطوي على أمرٍ, عظيم، فيقع الناس في اعتقادات باطلة في الساحر، وربما ظنَّت أنه يملك من الأمر شيئا، وهو أمرٌ مناقضٌ لحقيقة التوحيد وهو أن نعتقد أنَّ الذي يملك النفع والضّر هو الله وحده.
ثم إن عمل السحر مقترن بالأذى للناس، فهي صنعةٌ غايتها إذاية الناس في أبدانهم ابتداءً، ويترتَّب على هذا لجوء الناس للسحرة طلباً للشفاء ممن كان السبب في الإذاية، وربَّما انتهى الأمر إلى فساد عقائد الناس، وهو ضرر في الدِّين، وكلها مفاسد عظيمة يعلمها المجتمع الذي تتفشَّى فيه.
وهكذا كان نهي الإسلام عن السحر في كثير من المواضع من باب حماية أبدان الناس وأديانهم، وليس من باب إنكاره لحقيقته، بل لو كان السحر علماً له أصوله وقواعده المبثوثة بين الناس، وكان عصيَّاً على الحِيَلِ والخداع لكان شأنه شأن سائر العلوم.
بل شدَّد الإسلام في عقوبة الساحر، وجعلها القتل إذا ثبت أن سِحرَه قائمٌ على كفر لا على تخييلات أو خِفَّة يد، ففي هذا يكون الأدب الموجع من حبسٍ, وضرب، أما ما كان قائماً على الكفر ففيه القتل.
بل إن الإمام مالكاً - رحمه الله - لَم يقبل توبة الساحر قضاءً، فيقضي القاضي بقتل الساحر إذا ثبت عليه ذلك، ويقتل ولو تاب.. زجراً لأمثاله، أما ديانةً فإنه إن كان صادقاً في توبته فالله تواب رحيم.
أما حَلٌّ السحر بسحرٍ, مثله، فهي مسألة من مسائل الفقه، وقد حرَّمها جمهور العلماء، وقد أغنانا الله - تعالى -لعلاج السحر بكتابه الكريم، وفيه المعوّذتان وآية الكرسي.
ومن العلماء مَن أجاز حلَّ السحر بسحرٍ, مثله للضرورة، فقد روي عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه توقَّف فيه، وروي أنه قال لا بأس به، أجازه للضرورة، وهو ما رواه البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب - رضي الله عنه -.
غير أن فتح هذا الباب مدعاةٌ إلى مفاسد كبيرة على أبدان الناس وأموالهم وأديانهم، وسيجعل في البلاد سوقاً رائجةً للمشعوذين والدَّجالين، ويفتح على الناس شَراًّ وبلاءً على بلاء.
ذلك أن تعامل الناس مع الساحر والأصل في الساحر الكفر، فلا يؤمن عليه الكذب، بل إنه لو صَدَقَ في قوله فإنه يتعامل مع الشياطين، ولا يدري صدقهم من كذبهم، فما أبأسها من وظيفة مبناها الكذب والاستغلال.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد