بسم الله الرحمن الرحيم
انتقد أستاذ الفقه بكلية المعلمين بمكة المكرمة الأسبق الدكتور سعد بن محمد النباتي بشدة تصريحات الشيخ عبد المحسن العبيكان في مسألة حل السحر بالسحر إذا تأكد أن الساحر يقوم بحل السحر دون الإضرار بالآخرين..وقال إن الشارع كذب الكهان كلهم ونهى عن تصديقهم وإثباتهم.وبين النباتي في تصريح (للمدينة) أن استخراج السحر بسحر وبألفاظ عجمية أو بما لا يفهم معناه أو بنوع آخر مما لا يجوز فإنه ممنوع وهذا هو الصواب
مجانبة الصواب.
ولأننا قد تعلمنا من كتاب ربنا أنه يجب بيان الحق للناس.، فأقول في مسألة \"حل السحر بسحر مثله إذا تأكد أن الساحر يقوم بحل السحر دون الإضرار بالآخرين.
إن هذا القول قد جانب ما أثر عن أهل العلم وسأبين حكم ذلك معتمدا على الأدلة من الوحيين وأقوال السلف وبيان رأي المخالف ومناقشته وما ينتج عن تلك الفتوى أولاً: الأدلة من القرآن الكريم التي تدل على النهي عن الذهاب إلى السحرة فأذكر منها قوله - تعالى -: (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) قال ابن عطية السحرة يعلمون أن لاحظ ولا نصيب لهم في الآخرة. فكيف يجوز الذهاب إليهم (وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى)
ومن نفى الله الفلاح عنهم لا يصح أن نذهب إليهم لطلب العلاج في أمور السحر.
أدلة السنة
ثانياً: الأدلة من السنة النبوية في النهي عن الذهاب إلى السحرة عموماً منها:
ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أتى عرافاً أو كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً.
وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي قال قلت يا رسول الله أموراً كثيرة كنا نضعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان قال: فلا تأتوا الكهان قال كنا نتطير قال ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم \" وغير ذلك من النصوص الواردة في هذه المسألة.
أقوال العلماء
ثالثاً: أقوال أهل العلم في النهي عن الذهاب إلى السحرة.
قال الإمام أحمد - رحمه الله - العراف طرف من السحر والساحر أخبث لأنه شعبة من الكفر.
ونقل الإمام النووي \"أن الشارع كذب الكهان كلهم ونهى عن تصديقهم وإثباتهم. قال ابن تيمية في النبوات الكهانة والسحر تناقض النبوة فإن هؤلاء تعينهم الشياطين تخبرهم وتعينهم بتصرفات خارقة ومقصودهم الكفر والفسوق والعصيان، وقال في موضع آخر \"إن الأنبياء يفتحون الأعين العمي والآذان الصم والقلوب الغلف والسحرة يفسدون السمع والبصر والعقل حتى يخيل الإنسان الأشياء بخلاف ما هي عليه فيتغير حسه وعقله.. فهؤلاء مخالفون للأدلة السمعية والعقلية.. مخالفون لصحيح المعقول وصحيح المنقول.
أما حل السحر عن المسحور أو ما يسمى بالنشرة الأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن تكون النشرة بآيات الله أو الأدعية الواردة في ذلك أو الأدوية المباحة فهذا مباح بل ذكر النووي أنها سنة وكفى دليلاً على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم \"اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك\". وكذلك قوله في صحيح مسلم من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل. وهذه مطلوبة لأنها مصلحة بلا مضرة. أما ما أخرجه أبو داود في المراسيل \"النشرة من عمل الشيطان\" فالمراد بها النشرة المحرمة التي تخالف الكتاب والسنة ويكون القصد بها الشر.
القسم الثاني: إذا كانت النشرة بشيء محرم كحل السحر بسحر مثله فهذه لا يوجد دليل شرعي على إباحتها بل هي محرمة ويدل عليها ما جاء عن أبي داود النشرة من عمل الشيطان\" وكذلك الأحاديث التي ذكرتها في النهي عن الذهاب إلى السحرة أما ما جاء عن سعيد بن المسيب \"في صحيح البخاري\" وقال قتادة قلت لسعيد بن المسيب رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر قال: لا بأس إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه. وقد توقف الإمام أحمد لما سئل عن رجل يزعم أنه يحل السحر فقال قد رخص فيه بعض الناس قيل أنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه. ويفعل كذا فنفض يده كالمنكر وقال ما أدري ما هذا قيل له فترى أن يؤتي مثل هذا يحل السحر قال ما أدري ما هذا. المغني 10/117. وذكر ابن حجر في الفتح أن الإمام الأمام أحمد سئل عمن يطلق السحر عن المسحور فقال لا بأس به والذي يظهر لي من هذه الأقوال أنه لا رخصة للمصاب بسحر أو مس أن يذهب إلى السحرة لحل السحر عنه ولا يحل له ذلك. وذلك لعدة أمور:
أولاً: أيهما نتبع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في صحيح مسلم فلا تأتوا الكهان وقوله \"من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وغيرها من الأحاديث أم كلام سعيد بن المسيب والطبري والشعبي وغيرهم من علماء السلف.
بل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالإتباع ولا اجتهاد مع النص.
ثانياً: كلام سعيد بن المسيب وغيره من علماء السلف - رحمه الله تعالى -: على النشرة المباحة كما جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل وكلام سعيد يحمل على هذا قال شارع الطحاوي \"واتفقوا كلهم أيضاً على أن كل رقية أو تغريم أو قسم فيه شرك بالله فإنه لا يجوز التكلم به وأن أطاعته به الجن أو غيره وكذلك كل كلام فيه الكفر لا يجوز التكلم له وكذلك الكلام الذي لا يعرف معناه لا يتكلم بإمكان أن يكون فيه شركاً لا يعرف لهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - \" لا بأس بالرقي ما لم تكن شركاً، وقال ابن قدامه - رحمه الله - في المغني عندما ذكر قول سعيد بن المسيب إنما نهى الله عما يضروا لم ينه عما ينفع وقال أيضاً ان استطعت أن تنفع أخاك فافعل فهذا من قولهم يدل على أن المعزم ونحوه لم يدخلوا في حكم السحرة ولأنهم لا يسمون به وهو مما ينفع ولا يضر وقال الشنقيطي - رحمه الله - التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة،،، إن استخراج السحر بسحر وبألفاظ عجمية أو بما لا يفهم معناه أو بنوع آخر مما لا يجوز فإنه ممنوع وهذا هو الصواب أن شاء الله كما ترى. أضواء البيان.
ثالثا: السحر الذي وضع للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين لم يعلم بموضعه وهو سيد الخلق إلا عن طريق الوحي كما جاء في الحديث فهل يعلم السحرة والكهان ذلك وهل لهم أفضلية يصلون بها إلى معرفة السحر أم الكذب والإثم والفجور.
رابعاً: للأسف الشديد نعلم خلقا كثيرا أصابهم مس من سحر وغيره خالفوا أمر الشريعة فذهبوا إلى السحرة والكهان فلم يزل ما أصابهم من مرض فهذا يدل على كذبهم وإثمهم وكيف تكون لهم الرخص وهم على غير هدى ولو كان السحرة يستطيعون علاجهم ما نرى مصابا أو مريضا بالسحر على وجه الأرض.
خامسا: الاضطرار والرخصة لذلك المبتلى لمن كان قلبه مطمئنا بالإيمان كما في قصة عمار بن ياسر قال : \"إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان\" أما السحرة والكهان فيذهب إليهم وقلبه غير مطمئن بالإيمان بل بتصديق الساحر وتنفيذ أوامره وطلباته الشركية وقلبه متعلق بغير الله لاسيما إن صادف تحسنا في حالته.
سادساً: الرخصة للمضطر في ذلك يصرف القلوب عن فطرتها وعقيدتها السليمة ويدخل الشك والظن وعدم الالتجاء إلى الله عند الشدائد ويتعلق الناس بغير الله - تعالى -فيلجأون إلى الكهان وربما يكون في جميع أمورهم كما كانت العرب تتحاكم إلى الكهنة في المدينة وكان منهم أبو برزة الأسلمي قبل أن يسلم - رضي الله عنه - فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أبطل ذلك.
سابعاً: يؤدي الرخصة في ذلك إلى نهب أموال الناس بالباطل ويكثر حلوان الكاهن وربما يكثر عمل السحر حتى يلجأ الناس إلى السحرة الكهنة لطلب العلاج فتصبح الأمة سلعة رخيصة بين يدي السحرة والكهنة.
ثامناً: لو أخذ بهذا القول لمهدنا الطريق لدخول السحرة إلى بلادنا لينشروا فسادهم في بلادنا وتصبح بلاد الحرمين حرسها الله وحماها مرتعاً للسحرة والكهنة والفجار أو سافر المبتلى بذلك إلى السحرة وأصبحوا لقمة سائغة وطعاماً شهياً يفترسها أهل السحر والكهانة بدون سخر وعناء وتعب أو تفتح مدارس تعليم السحر في بلادنا خفية وتفسد ما الله به عليم وكلا هذه الأحوال لا تليق ببلاد الحرمين ومهبط الوحي ومنبع الرسالة ودار التوحيد.
تاسعاً: المسلم إذا ابتلاه الله بشيء من ذلك أو غيره يذهب إلى أهل الإيمان والصلاح والعقل والتقى ليدلوه على طريق الصواب والهدي ويدعون الله أن يكشف كربته فهذا أولى وأحرى بالمخرج بإذن الله. (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
عاشراً: المسلم إذا ابتلي يجب عليه أن يلج الطرق المشروعة لدفع الابتلاء ويصبر ويحتسب حتى ينال الأجر العظيم ولا يضيع أجره قال - تعالى -: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر آية 10، ويعلم أن الابتلاء علامة محبة الله للمؤمن كما جاء في الحديث \"إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط\". ولو لا الصبر والاحتساب لضاع الأجر.
الحادي عشر: إن الاضطرار إلى فعل المحظورات أحياناً يكون في الأمور الحسية وليس في الأمور الغيبية مثل المضطر إلى أكل لحم الميتة يجوز له ذلك عند الاضطرار الشديد أما الأمور الغيبية فلا اضطرار فيها ولا يعلم بحقائق ذلك إلا الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد