أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى أن حل السحر ودواء العين لا يكون بسحر مثله وهو ما يعرف بالنشرة وهي حلّ السحر عن المسحور، وقد سئل عنها - صلى الله عليه وسلم - فقال \"هي من عمل الشيطان\" مشيراً أن علاج السحر يكون بالأدوية الشرعية ولا يلزم أن يكون من يرقى معروفًا أو مشهورًا وفي تعاطي السحر وإتيان السحرة جمعٌ بين الكفر بالله والإضرار بالناس والإفساد في الأرض وما حلت أعمال الشعوذة في قلوب إلا أظلمتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها.
وقال في حديث لـ (المدينة) إن أعمال الشعوذة خصلة شيطانية، وخُلّة إبليسية ولوثةٌ كفرية لقد أمِر أمرهم وتعاظم خطرهم، وتطاير شرهم، واستفحل شررهم، فكم من بيوت هُدِمت، وعلاقات زوجية تصرّمت، وحبال مودة تقطعت بسببهم حسيبهم الله: (فيتعلمون منهما ما يُفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحدٍ, إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون). قال موسى - عليه السلام -: (ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين* ويُحق الله الحق بكلماته ولوكره الكافرون).
وأضاف: المستقرئ للتأريخ البشري والمتأمل للتراث الإنساني يجد أن ثمة حقيقة مُرّة مؤلمة، وهي أن العقول البشرية قد تعرضت لعمليات وأدٍ, واغتيال خطيرة عبر حقبٍ, طويلة، يتولى كبر أسلحتها خناجر الوهم والخرافة، وألغام الدجل والشعوذة، وتلك لعمر الحق أعتى طعنة تسدد في خاصرة الإنسان العقلية وقواه الفكرية والمعنوية، ومن ثم فإن التحرر الحقيقي من أغلال الوهم والخرافة وآصار الدجل والشعوذة، إنما يمثل السياج المحكم والدرع الواقي والحصن الحصين لحق من أهم حقوق الإنسان وهو تحصين عقله من الخيالات، وحفظ فكره من الخرافات. ومن هنا كانت أنبل معارك العقيدة، تحرير العقول الإنسانية من كل ما يصادم الفطر، ويصادر الفكر، ويغتال المبادئ والقيم. وهيهات أن تُعمر الحياة وتُشاد الحضارات بالمشعوذين البله الذين لا يرعون للإنسان كرامة، ولا للعقول حصانة وصيانة.
وقال السديس: إنه مع طول الأمد وحصول التخلف المشين لدى فئات كثيرة في الأمة، ووقوع أنواع من التغافل والتزييف للحقائق مع غلبة الجهل الذريع عند كثير من الناس في أعقاب الزمن. صحب ذلك تلاعب بالألفاظ وتغيير للمصطلحات تحت ستار مسميات معسولة، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
نتج عن ذلك كله تمرير بعض الصور الشركية وتسويق بعض الطقوس البدعية ولعل مظاهر السحر والشعوذة من أوضح النماذج على هذا التزييف الذي أصاب الأمة في أعز ما تملك من الثوابت والمسلمات، وأغلى ما لديها من المبادئ والمقومات وهو تمسكها بعقيدتها الإسلامية الصافية من اللوثات الشركية، والصور الخرافية.
وأضاف السديس: ما حلت أعمال الشعوذة في قلوب إلا أظلمتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها. ويزداد ذهول أهل التوحيد حينما تجد هذه الأوهام رواجًا لدى جيلٍ, كثيرٍ, من العامة ممن ينساقون وراء الشائعات، ويلغون عقولهم عند جديد الذائعات، ويتهافتون تهافت الفراش على النار على الأوهام، ويستسلمون للأباطيل والأحلام، حتى أضل سُرادق الشعوذة عقول كثيرٍ, من أهل الملّة والديانة.
وقال فضيلته: في تعاطي السحر وإتيان السحرة جمعٌ بين الكفر بالله والإضرار بالناس والإفساد في الأرض. فكم في كثير من المجتمعات من محترفي هذا العفن، ممن يعملون ليل نهار لإفساد عقائد الأمة، مُقابل مبلغ زهيد يتقاضونه من ضعاف النفوس، وعديمي الضمائر الذين أكل الحسد قلوبهم، فيتفرجون على إخوانهم المسلمين، ويتشفون برؤيتهم وهم يُعانون آثار السحر الوخيمة.
فلا براحةٍ, يهنأون، ولا باستقرار يسعدون، حتى حقق هؤلاء المشعوذون رواجًا كثيرًا، وانتشارًا كبيرًا فتارة يأتون من باب العلاج الشعبي والتداوي، وأخرى من باب التأليف والمحبة بين الزوجين، وهو ما يُسمى بالتولة، وهي أشياء يزعمون أنها تُحبب الزوجين لبعضهما. وتارة من باب الانتقام بين الخصمين، ومنه الصرفُ والعطف، فاستشرى فسادهم حتى على كثيرٍ, من المتعلمين والمتعبدين. فكم من جناياتٍ, حصلت بسبب هؤلاء التُعساء، وعداوات دُرعت بسبب هؤلاء الأشقياء ـ عليهم من الله ما يستحقون - مُتظاهرين للناس بشيء من الخوارق موهمين السُذّج بشيء من القدر والعلائق.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: \"من أتى عرافًا فسأله لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا\" خرّجه مسلم في صحيحه، وقد عـدّ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - السـحر من السبع الموبقات أي المهلكات، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. ومن ذلكم التعلق بالنجوم والمطالع والأبراج والكواكب، فمن وُلِدَ في برج كذا فهو السعيد في حياته، وسيحصل على ما يريد من مال أو جاهٍ, أو حظوظ، ومن وُلِدَ في برج كذا فهو التعيس المنحوس، وسيحصل له كذا وكذا من الشرور والبلايا، في سردٍ, للفضائح وإعلان بالقبائح، لا يُقره شرع ولا عقلٌ ولا منطق.
وإنك لواجدٌ في بعض الأسواق والمدارس وعند الخدم من ذلك شيئًا عجيبًا.
ومن هنا يأتي الواجب العظيم في تكثيف الحصانة العقدية الإيمانية ضد هذه الأعمال الشيطانية. كما أن الواجب القضاء على هذه الفئة الضالة لما تُمثله من خطر على الأمة وإخلال بأمن المجتمع وإفساد لعقائد الناس واستهانة بعقولهم وابتزاز لأموالهم. روى الترمذي عن جُندب مرفوعًا وموقوفًا: \" حد الساحر ضربةٌ بالسيف \"، وفي حديث بجالة التميمي قال: كتب عمر - رضي الله عنه -: \" أن اقتلوا كل ساحرٍ, وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر\" خرّجه أحمد والبخاري وأبو داود والبيهقي. وصح عن حفصة - رضي الله عنها -: أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فَقُتِلت. وثبت قتل الساحر عن عدد من الصحابة والتابعين:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ - رحمه الله - (أكثر العلماء على أنه يُقتل الساحر) وهو قول أبي حنيفة وأحمد ومالك - رحمهم الله -. قال ابن قُدامة - رحمه الله -: (وهذا اُشتُهِرَ فلم يُنكَر، فكان إجماعًا).
كما أن واجب المسلمين جميعًا التكاتف في القضاء على هؤلاء المشعوذين والإبلاغ عنهم، والتعاون مع الجهات الاحتسابية والأمنية في ذلك، حتى لا يحلّوا عقد ثوابت الأمة ويُشتتوا لآلئ أمنها ونظامها واستقرارها، ويقضون على البقية الباقية من تألُقِها.
وقال السديس: أن أشد ما ابتليت به النفوس وأصيبت به المجتمعات دخول النقص عليها في أعز ما لديها في عقيدتها وثوابتها ومن ذلك أعمال السحر والشعوذة والتطير والتشاؤم والتعلق بالأوهام من بعض الشهور والليالي والأيام وذوي العاهات والأمراض والأسقام. والمؤمن الحق يعيش نقي السيرة صافي السريرة لا يعرف الوهم إلى نفسه سبيلا ولا يجد الهلع عليه مدخلاً وطريقا.
وأضاف السديس: ومع أن السحر حقيقة واقعة والمس والتلبس والإصابة بالعين كلها حقائق شرعية وواقعية إلا أن بعض الناس يعيش حياة الوهم في كافة أموره، فكثيرون هم صرعى الأوهام والوساوس إذا آلم أحدهم صداع قال: هذا مسُّ وإذا أُصيب بزكام قال: أوّه هذه عين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد