بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
قبل البدء في الكلام عن أقسام الشرك يجدر أن نبين تعريفه عند أهل العلم لغةً واصطلاحاً، ونبين أسبابه.
تعريف الشرك:
الشرك لغةً: (أصلٌ يدٌّل على مقارنةٍ, وخلاف انفرادٍ,) قاله ابن فارس.
واصطلاحاً: هو اتخاذ الند لله في أسمائه أو صفاته أو ربوبيته أو إلاهيته.
أو هو إشراك غير الله معه في أي نوع من أنواع العبادة.
أسباب الشرك:
1) الجهل بالله - تعالى -.
2) الاغترار بالمخلوق.
3) عدم التفريق بين حق الله - تعالى - وحق المخلوقين.
4) التعلق بالأسباب الموهومة.
5) مكر دعاة الضلالة.
6) التقليد.
أقسام الشرك:
الشرك قسمان: شرك أكبر، وشرك أصغر.
أولاً: الشرك الأكبر:
تعريفه: هو ما تضمن صرف العبادة أو بعضها لغير الله.
وقال ابن سعدي - رحمه الله -: (هو أن يصرف العبدُ نوعاً أو فرداً من أنواع العبادة لغير الله - تعالى -) [ القول السديد / 54 ].
حكم الشرك الأكبر:
الشرك الأكبر مخرج من الملة، لا يبقى مع صاحبه من التوحيد شيء.
أي: أنه منافي للتوحيد كلياً.
وهو الشرك الذي لا يغفره الله إلا لمن تاب منه قبل مماته، قال - تعالى -: [ إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ].
وهو الشرك الذي حرَّم الله على صاحبه الجنة ومأواه النار، قال - تعالى - [ ومن يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ].
وهو الشرك الذي يحبط الأعمال، قال - تعالى - [ ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ].
وهو كدعوة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله - تعالى - ، قال - تعالى -: [ والذين تدعون من دونه لا يملكون من قطمير وإن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ].
وقال - تعالى -: [ ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين ]
وكالاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله - تعالى - ، معتقداً أن حاجته عند من دون الله، قال - تعالى -: [ إياك نعبد وإياك نستعين ].
وكالاستغاثة بغير الله على نحو ما ذكرنا في الاستعانة، قال - تعالى -:[ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ].
وكالسجود أو الركوع لغير الله، قال - تعالى -: [ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم ].
وكالنذر لغير الله، قال - تعالى -: [ يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً ].
وكالطواف بغير بيت الله، قال - تعالى -: [وليطَّوفوا بالبيت العتيق ].
قال الشيخ الفوزان - حفظه الله -: [ وليس من الشرك الأكبر شرك خفيº لأن ما يقوم بالقلب لا يعلمه إلا الله، ونحن ليس لنا إلا حكم الظاهر، فإن ترتب على ما قام بالقلب عمل شركي كمن يذبح للجن خوفاً منهم حكمنا عليه بالشرك الأكبر لما ظهر منه].
ثانياً: الشرك الأصغر:
تعريفه: وهو تعريف الجمهور ومفهوم عبارة ابن تيمه وابن القيم واختيار الشيخ ابن باز غفر الله له.
وهو: ما ثبت شرعاً إطلاق اسم الشرك أو الكفر عليه، وعلم من دلالات الشرع عدم خروج صاحبه من الدين أو بلوغ درجة الشرك الأكبر وهو أضبط التعاريف له.
حكم الشرك الأصغر:
اعلم أن الشرك الأصغر لا يخرج صاحبه من الدين، وهو أكبر من الكبائر، وقد يمحى عن صاحبه برجحان الحسنات وقد يعاقب عليهº ولكن لا يخلد في النار، إذ هو ليس مما يوجب ذلك، وهذا الشرك لا يحبط العمل بالكلية وإنما يحبط العمل الذي قارنه، وهو مناف لكمال التوحيد الواجب.
نوعا الشرك الأصغر:
الشرك الأصغر ظاهر وخفي، والظاهر قولي وفعلي.
1) الظاهر:
أ) القولي:
وهو كالحلف بغير الله وذاك لما روي الإمام احمد وأبو داود عن عمر - رضي الله عنه - عن النبي أنه قال: ((من حلف بغير الله فقد أشرك))، صححه الحاكم وابن حبان، وكذا الشيخ ابن باز في مجموع فتواه.
وكقول ما شاء الله وشئت أو ما شاء الله وفلان أو قول والكعبة، جاء ذلك في حديث النسائي عن قتيلة أن اليهود قالوا لأصحاب الرسول: إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشاء محمد وتقولون والكعبة، فأمرهم النبي (إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة وأن يقولوا ما شاء الله ثم شاء محمد).
وروي أبو داود بإسناد صحيح عن حذيفة أن النبي قال: ((لا تقولوا ما شاء وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان)).
ب) الفعلي:
كلبس الحلقة للواهنة [إذا اعتقد أنها سبب للشفاء، ولم يعتقد أنها تشفي بنفسها ] فعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ((ما هذه؟ قال: من الواهنة. فقال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهناً وإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً)) رواه أحمد.
وكالخيط للحمى، ففي الحديث عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((من تعلَّق تميمة فقد أشرك))
2) الخفي:
كمن يعمل العمل يرائي به، جاء في الحديث أنه قال: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء، يقول الله - عز وجل - للمرائين يوم القيامة اذهبوا إلى من كنتم تراءون في الدنيا هل تجدون عندهم جزاء)). رواه أحمد بسند صحيح عن محمود بن لبيد الأنصاري.
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: ((ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك الخفي، يقوم الرجل فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه)) رواه أحمد.
وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، القارئ المرائي والمجاهد المرائي والمتصدق المرائي)).
وهذا الشرك كما قال ابن القيم - رحمه الله -: (هو البحر الذي لا ساحل له وقل أن ينجو منه أحد).
تنبيه:
اعلم أن الشرك الأصغر قد يكون أكبر، وذلك على حسب ما يقوم بقلب صاحبه، فإذا كان الحالف بالنبي أو الولي أو غيره يقصد تعظيمه مثل الله، أو أنه يُدعى مع الله أو أنه يتصرف في الكون مع الله أو نحو ذلك صار شركاً أكبر بهذه العقيدة، أما إذا كان الحالف بغير الله لم يقصد هذا ولكن جرى على لسانه من غير قصد فهذا شرك أصغر، هذا معنى كلام سماحة الشيخ ابن باز غفر الله له.
وبهذا نصل إلى آخر المباحث المتعلقة بالشرك، فأسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه وأن ينفعني به وإخواني المسلمين، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد