حرم الله السحر تعلما وتعليماً وعملاً به .. ولا يصح القول بجواز حَلّه بسحر مثله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء


ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الكثير من الأسئلة والاستفسارات عن حُكم السحر وعن إتيان السحرة، فنقول: حرم الله السحر تعلماً وتعليماً وعملاً به، وحيث تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم السحر، وكفر الساحر، يقول الله - سبحانه - عن اليهود: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلكِ سُلَيمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ وَلَكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِن أَحَدٍ, حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحنُ فِتنَةٌ فَلاَ تَكفُر فَيَتَعَلَّمُونَ مِنهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ المَرءِ وَزَوجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِن أَحَدٍ, إِلاَّ بِإِذنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرٌّهُم وَلاَ يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِمُوا لَمَنِ اشتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن خَلاَقٍ, وَلَبِئسَ مَا شَرَوا بِهِ أَنفُسَهُم لَو كَانُوا يَعلَمُونَ} (102) سورة البقرة.

فقد أخبر - سبحانه وتعالى - بكذب الشياطين فيما تلته على ملك سليمان - عليه السلام - ونفى عنه ما نسبوه إليه من السحر، بنفي الكفر عنه، مما يدل على كون السحر كفراً، وأكد كفر الشياطين، وذكر صورة من ذلك وهي (تعليم الناس السحر) ومما يؤكد كفر متعلم السحر قوله - تعالى -عن الملكين اللذين يعلمان الناس السحر ابتلاء لمن جاء متعلماً: {نَّمَا نَحنُ فِتنَةٌ فَلاَ تَكفُر} أي لا تكفر بتعلم السحر.

ثم أخبر - سبحانه - أن تعلم السحر ضرر لا نفع فيه، فقال: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرٌّهُم وَلاَ يَنفَعُهُم} وما لا نفع فيه وضرره محقق، لا يجوز تعلمه بحال.

ثم يقول - سبحانه -: {وَلَقَد عَلِمُوا لَمَنِ اشتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن خَلاَقٍ,} أي لقد علم اليهود فيما عهد إليهم، أن الساحر لا خلاق له في الآخرة، قال ابن عباس: ليس له نصيب، وقال الحسن: ليس له دين.

فدلت الآية على تحريم السحر، وعلى كفر الساحر، وعلى ضرر السحرة على الخلق، وقال - سبحانه -: {وَلَا يُفلِحُ السَّاحِرُ حَيثُ أَتَى} ففي هذه الآية الكريمة، نفي الفلاح نفياً عاماً عن الساحر في أي مكان كان وهذه دليل على كفره، ومن السنة ما ورد ف الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات: قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) وهذا يدل على عظم جريمة السحر، لأنه قرنه بالشرك، وعده من السبع الموبقات، التي نهى عنها، لكونها تلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من الأضرار الحسية والمعنوية وتهلكه في الآخرة بما يناله بسببها من العذاب الأليم.

ومن السنة أيضاً حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -) رواه أحمد والأربعة والحاكم وقال صحيح على شرطهما.

وروى البزار وأبو يعلى بإسناد جيد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - موقوفاً (من أتى عرافاً أو ساحراً أو كاهناً فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -)

ومنها حديث عمران ابن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ليس منا من تطير أو تُطير له، أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحِر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -) رواه البزار بإسناد جيد وهنا أحاديث أخرى في النهي عن إتيان الكهان والعرافين، وبيان حكم آتيهم ومصدقهم، وإلحاق ذلك بالسحر.

فهذه النصوص الصريحة من الكتاب والسنة، تدل على كفر الساحر، مما يدل على أنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وذهب بعض العلماء إلى قتله بدون استتابة. وروى الترمذي عن جندب - رضي الله عنه - موقوفاً (حد الساحر ضربة بالسيف) وورد عن طائفة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل السحرة، أو الأمر بذلك، ولم يوجد بينهم خلاف فيه حيث قد روي القتل في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، لثلاث سواحر، عندما كتب لجزء ابن معاوية عم الأحنف بن قيس (أن اقتلوا كل ساحر وساحرة)، وروى الإمام مالك أن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها، فأمرت بها فقتلت. كما روى البخاري في التاريخ الكبير بسند صحيح عن أبي عثمان (كان عند الوليد رجل يلعب فذبح إنساناً وأبان رأسه فعجبنا، فأعاد رأسه، فجاء جندب الأزدي فقتله) كما روي قتل السحرة عن غير هؤلاء من الصحابة، فروي عن عثمان بن عفان، وابن عمر، وأبي موسى، وقيس بن سعد - رضي الله عنهم -، كما روي عن سبعة من التابعين، منهم عمر بن عبد العزيز وهذا الفعل من الصحابة، - رضي الله عنهم -، ثم من التابعين يعد إجماعاً منهم على ذلك يقول الشيخ الشنقيطي.. (فهذه الآثار التي لم يعلم أن أحداً من الصحابة أنكرها، مع اعتضادها بالحديث المرفوع المذكور، هي حجة من قال بقتله مطلقاً والآثار المذكورة والحديث فيهما الدلالة على أنه يقتل، ولو لم يبلغ به سحره الكفر، لأن الساحر الذي قتله جندب، - رضي الله عنه -، كان سحره من نوع الشعوذة، والأخذ بالعيون، حتى أنه يخيل إليهم أنه أبان رأس الرجل، والواقع بخلاف ذلك. وقول عمر (اقتلوا كل ساحر) يدل على ذلك لصيغة العموم) أضواء البيان ج4 ص 461.

ولما كان السحر داءً يؤثر، فيمرض الأبدان، ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، شرع أن يسعى في علاجه، والأخذ بالأسباب المباحة المؤدية إلى الشفاء، لأن الله - تعالى -جعل لكل داء دواء، كما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) وفيما رواه مسلم عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله - عز وجل -) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

ويعالج السحر بالقرآن والأدعية المشروعة، والأدوية المباحة، وأما علاجه بالسحر فهذا حرام لا يجوز لعموم النصوص الواردة في تحريم السحر، لأنه من عمل الشيطان، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين، واستعمال ما يقولون، لأنهم لا يؤمنون لأنهم كذبة فجرة، يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس. وقد حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم. وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن النشرة فقال (هي من عمل الشيطان) رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد، والنشرة هي: حل السحر عن المسحور والمراد بالنشرة الواردة في الحديث: النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية وهي سؤال الساحر، ليحل السحر بسحر مثله، أما حله بالرقية والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بذلك، وكل ما ورد عن السلف في إجازة النشرة، فإنما يراد به النشرة المشروعة، وهي ما كان بالقرآن والأدعية المشروعة، والأدوية المباحة ولا يصح القول بجواز حل السحر بسحر مثله بناء على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، لأن من شرط هذه القاعدة، أن يكون المحظور أقل من الضرورة، كما قرره علماء الأصول، وحيث إن السحر كفر وشرك، فهو أعظم ضرراً، بدلالة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك) أخرجه مسلم، والسحر يمكن علاجه بالأسباب المشروعة، فلا اضطرار لعلاجه بما هو كفر وشرك.

وبناءً على ما سبق فإنه يحرم الذهاب إلى السحرة مطلقاً، ولو بدعوى حل السحر. واللجنة إذ تنشر هذا لبيان وجه الحق في هذا الموضوع إبراء للذمة ونصحاً للأمة.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:

صالح بن فوزان الفوزان

عبد الله بن عبد الرحمن الغديان

عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

عبد الله بن محمد المطلق

أحمد بن علي سير المباركي

سعد بن ناصر الشثري

محمد بن حسن آل الشيخ

عبد الله بن محمد بن خنين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply