بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
انتشرت الفتن، وعمت المصائب، وكثر القول في العقائد حتى تدخل أفراد من الناس في عقائد الأمة، واصلين إلى دقائق الأمور التي لا يعرفها إلا الراسخون في العلم، وطالبوا الناس بلازمها الذي لا يلزم أحداً، وأدى ذلك بهم إلى تكفير الناس، الأمر الذي أخرج الكثيرين تبعاً لآراء هؤلاء من الملة الإسلامية، والرسول - صلى الله عليه وسلم - ترك الناس على المحجة البيضاء، والطريق السوي المستقيم، الموصل إلى رضوان الله - تعالى - وجنته ولذلك مشى سلف هذه الأمة على السنة الواضحة، وقبلوا ظاهر الناس على ما هم عليه ما لم يكن كفراً بواحاً.
معنى التكفير:
التكفير: من الكفر، وهو ضد الإيمان وجمع الكافر: كفار، وكَفَرةَ، وكافرون، كُفَّار، وكِفار.
والكفر: جحود النعمة، وهو ضد الشكر.
والكفر: بالفتح، التغطية.
وأهل الكفور: هم أهل القبور لا يشاهدون الأمصار والجُمع ونحوهما.
والكافر: الليل المظلم لأنه ستر بظلمته كل شيء.. وكل شيء غطى شيئاً فقد (كفره)(1)
ويقول فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين: "التكفير: هو الحكم بالكفر على شخص معين، أو على طائفة، أو فرقة من الفرق إذا ارتكبوا ذنباً، فأهل المعاصي التي هي الذنوب كالزنا، وأكل الربا، والقتل، والخمر، والسرقة، والقذف، وأكل مال اليتيم، ونحوها لا توصل إلى الكفر حيث إن أهلها مسلمون من أهل القبلة، وإنما فعلوا هذه الكبائر تهاوناً، وتأويلاً، ووعداً بالتوبة، واعتماداً على أحاديث الوعد، واتباعاً لهوى النفس، فهم تحت مشيئة الله، إن شاء غفر لهم ذنوبهم وأدخلهم الجنة (2)
أسباب التكفير في العصر الحاضر:
إن مسألة التكفير عموماً لا للحكام فقط، بل للمحكومين أيضاً هي فتنة عظيمة قديمة، تبنتها فرقة من الفرق الإسلامية القديمة وهي المعروفة ب (الخوارج) ومع الأسف الشديد فإن البعض من المتحمسين قد يقع في الخروج عن الكتاب والسنة، ولكن باسم الكتاب والسنة ويعود ذلك لعدة أسباب منها:
أولاً: ضحالة العلم:
إن البعض من الناس الذين وقعوا في هذه المسألة الخطيرة لم يتفقهوا في الدين ولم يعرفوا القواعد الشرعية، وهي أساس الدعوة الإسلامية الصحيحة، التي يعد كل من خرج عنها من تلك الفرق المنحرفة عن الجماعة التي أثنى عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير ما حديث، بل ذكرها ربنا - عز وجل - وبين أن من خرج عنها يكون قد شاق الله ورسوله وذلك في قوله - عز وجل-: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تول ونصله جهنم وساءت مصيرا" {النساء:115}
فاتباع سبيل المؤمنين، أو عدم اتباع سبيلهم أمر هام جداً إيجاباً وسلباً، فمن اتبع سبيل المؤمنين فهو الناجي عند رب العالمين، ومن خالف سبيل المؤمنين فحسبه جهنم وبئس المصير. ومن هنا ضلت طوائف كثيرة جداً قديماً وحديثاً لأنهم لم يكتفوا بعدم التزام سبيل المؤمنين، ولكن اتبعوا أهواءهم في تفسير الكتاب والسنة، ثم بنوا على ذلك نتائج خطيرة جداً، خرجوا بها عما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم (3)
ثانياً: الخلط بين الكفر الأصغر والأكبر(4):
لقد ورد لفظ الكفر كثيراً في القرآن والسنة، فهل له معنى واحد بمعنى الخروج عن الإسلام، والسقوط في الكفر، أم له معان أخرى ككفر النعم وأمثالها؟!
وفي هذا يقول شيخ الإسلام: "التكفير نوعان: أحدهما: كفر النعمة، والثاني: الكفر بالله، والكفر الذي ضد الشكر إنما هو كفر النعمة لا الكفر بالله، فإذا زال الشكر خلفه كفر النعمة لا الكفر بالله".
يقول الله - عز وجل -: ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم {النمل:{40 فما يقابل الشكر هو كفر النعمة وجحودها وكذلك قوله: "ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد" {لقمان:12}
ومن السنة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"(رواه البخاري 48، ومسلم 64) والله - تعالى - يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى" فقاتلوا التي تبغي حتى" تفيء إلى" أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين {الحجرات: 9}. فأثبت لهما صفة الإيمان مع اقتتالهما، فظهر أن الحديث لا يعني الكفر الأكبر.
وثبت من حديث أبي سعيد وغيره في الشفاعة في أهل الكبائر وقوله: "أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، مثقال حبة من إيمان"(رواه البخاري7001)
فهذه النصوص دلت عن أن صاحب الكبيرة لا يكفر مع الإيمان، فالخلط بين الكفرين مما وقع فيه كثير من الناس، كما خلطوا بين الفسق الذي يكون بالذنب الصغير والكفر، وبين الكفر والظلم، فجعلوها كلها بمعنى الشرك أو مرادفة له(5)
فألفاظ الفسق والظلم وحتى الكفر أحياناً أطلقت على المسلم والكافر في القرآن والسنة ولذا يجب التثبت، وعدم التسرع فهناك كفر أصغر لا يخرج صاحبه من الملة، وكفر أكبر يخرج صاحبه من الملة، وكل كافر فاسق وظالم ولكن ليس كل ظالم أو فاسق كافراً.
ضوابط أهل السنة والجماعة في التكفير؟
إنه لم يعد خافياً على أحد هذه العودة الطيبة إلى الدين الإسلامي التي يشهدها العالم أجمع، والتي حيرت الشرق والغرب رغم ما يكيدونه ويدبرونه، وينفقون في سبيل ذلك من الأموال، والسنوات الطوال، في التخطيط لإبعاد الأمة عن دينها.
إلا أنه من الملاحظ أيضاً ما يعتري الشباب العائد إلى الدين من الحماس المجرّد عن العلم والفهم، والتسرع في الأحكام. فالتكفير من أخطر الآفات، وبخاصة تكفير العلماء، والوقوع فيهم، والولوغ في أعراضهم حتى قال بعضهم: "الشيخ الفلاني كافر، والآخر خبيث... و... " وبعضهم جرى على قاعدة: (من لم يكفر الكافر فهو كافر) فجعلها قاعدة عامة مطردة أوصلتهم إلى تكفير طوائف كثيرة من المسلمين، وعدد كبير من العلماء، الأمر الذي أدى إلى فقد الثقة بعلماء الأمة، وكبار الدعاة فيها، فلم يقبلوا لهم قولاً، ولم يسمعوا لهم فتوى، فوقعوا في حبائل الشيطان الذي أفقدهم الثقة بعلمائهم، فمنهم من ضرب بالدين عرض الحائط، ومنهم من نصب نفسه بديلاً عن العلماء فهو يفتي ويحاكم على قلة ما عنده من علم فقوله الحق، وفتواه الصواب، والكل عنده مخطئون مقصرون متخاذلون (6)
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - في حال هؤلاء: "بل ويغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهداً معذوراً لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلاً سيئ القصد ليس له علم ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وتسير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - "(7)
قواعد في التكفير:
القاعدة الأولى: الأصل في المسلم بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك بيقين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "من ثبت له عقد الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين"(8)
القاعدة الثانية: أهل السنة والجماعة لا يكفرون بالمعاصي.
فلو كانت المعاصي من كبائر الذنوب لا يكفر بها أهل السنة والجماعة، وهذا ما أجمعوا عليه، وذكر إجماعهم كثير من أئمة السلف (9)
القاعدة الثالثة: أن التكفير يكون بالتكذيب والجحود كما يكون بالامتناع، ويكون بالقول والفعل والاعتقاد.
قال الإمام النووي - رحمه الله - تعالى -: "وأعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، ولا يكفر أهل الأهواء والبدع، وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره"(10)
ويقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "وإنما الكفر يكون بتكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود"(11)
القاعدة الرابعة: أنه لا يشهد على شخص معين أنه كافر إلا إذا توافرت الشروط.
يقول ابن أبي العز في شرحه على الطحاوية: "لا يشهد لشخص معين أنه من أهل النار، وأنه كافر إلا بأمر تجوز معه الشهادة فإنه من أعظم البغي أن يُشهد على معين أن الله لا يغفر له ولا يرحمه، بل يخلده في النار فإن هذا حكم الكافر بعد الموت"(12)
ثم قال: "ولأن الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهداً مخطئاً مغفوراً له، أو يمكن أن يكون ممن لم يبلغه ما وراء ذلك من النصوص، ويمكن أن يكون له إيمان عظيم، وحسنات أوجبت له رحمة الله، كما غفر للذي قال: (إذا مت فاسحقوني ثم ذروني ثم غفر الله له لخشيته)(13) وكان يظن أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته، أوشك في ذلك".
التكفير المطلق والمعين وشروط التكفير:
إن مسألة تكفير المعين من المسائل التي وقع فيها بعض الناس اليوم فإنك تجد أحدهم يقول عن فلان: إنه كافر، أو فاجر، أو ملعون، بدون تثبت، وبدون ضوابط. وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عن هذه المسألة.
هل يجوز تكفير المسلم المعين؟ وهل لذلك ضوابط وشروط أم لا؟
فأجاب بقوله: نعم، يجوز لنا أن نطلق على شخص بعينه أنه كافر، إذا تحققت فيه أسباب الكفر، فلو رأينا رجلاً ينكر الرسالة، أو رجلاً يبيح التحاكم إلى الطاغوت، أو رجلاً يبيح الحكم بغير ما أنزل الله، ويقول: إنه خير من حكم الله، بعد أن تقوم الحجة عليه فإننا نحكم عليه بأنه كافر.
فإذا وجدت أسباب الكفر، وتحققت شروطه، وانتفت الموانع فإننا نكفر الشخص بعينه، ونلزمه بالرجوع إلى الإسلام أو القتل". أ. ه.
ويقول فضيلته أيضاً: "إذا تمت شروط التكفير في حقه جاز إطلاق الكفر عليه بعينه ولو لم نقل بذلك ما انطبق وصف الردة على أحد"(14)
ويقول فضيلته أيضاً: "للحكم بتكفير المسلم شرطان:
أحدهما: أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء مما يكفر.
الثاني: انطباق الحكم على من فعل ذلك، بحيث يكون عالماً بذلك، قاصداً له فإن كان جاهلاً لم يكفر بذلك"(15)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تعالى -: "إن القول قد يكون كفراً فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال هذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قال لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر بها تاركها، وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله - تعالى - يقول: إن الذين يأكلون أموال اليتامى" ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا {النساء: 10} فهذا ونحوه من نصوص الوعيد. ولكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بالنار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط، أو ثبوت مانع، فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع"(16)
تكفير الحكام وولاة الأمور:
إن الأمر أشد خطراً إذا نسب التكفير إلى ولاة الأمور، وولاة الأمر هم العلماء والأمراء، لقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" {النساء: 59}
فأولوا الأمر كما قال علماء التفسير هم: العلماء والأمراء لأن العلماء يتولون أمور المسلمين في تنفيذ الشريعة وإلزام الناس بها.
وتكفير ولاة الأمور يتضمن مفسدتين عظيمتين:
مفسدة شرعية ومفسدة اجتماعية:
أما المفسدة الشرعية:
فهي أن العلماء الذين أطلق عليهم الكفر لن ينتفع الناس بعلمهم، أو على الأقل يحصل التشكيك أو الشك في أمورهم، وحينئذٍ, يكون هذا الرجل الذي كفر العلماء هادماً للشريعة الإسلامية لأن الشريعة الإسلامية تتلقى من العلماء ولأن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، إنما ورثوا العلم فمن أخذه بحظ وافر من ميراثهم(17)
أما تكفير الأمراء فإنه يتضمن مفسدة اجتماعية عظيمة:
وهي الفوضى، والحروب الأهلية، التي لا يعلم مدى نهايتها إلا الله - عز وجل - فيجب الحذر من مثل هذا، ويجب على من سمع أحداً يطلق هذا القول أن ينصحه، ويخوفه بالله - عز وجل - ، ويقول له: إذا كنت ترى أن شيئاً من الأفعال كفر من عالم من العلماء فالواجب عليك أن تتصل به، وأن تناقشه في الموضوع، حتى يتبين لك الأمر (18)
وسئل العلامة ابن جبرين ما نصه:
هل يجوز تكفير أعيان المسلمين والحكام، وأصحاب الكبائر والذنوب، وهل تجوز الصلاة خلف العاصي؟
فأجاب - حفظه الله - تعالى -: "لا يجوز تكفير أعيان المسلمين، ولا أعيان الولاة، ما لم يظهروا كفراً بواحاً، ولا يجوز تكفير أهل الكبائر وأهل الذنوب، فليس أحد بمعصوم. وتصح الصلاة خلف العاصي إذا لم يوجد أحسن منه، ومع ذلك يلزم نصحهم وتوجيههم ودلالتهم على الخير، فإن قبلوا وإلا برئت الذمة، ومتى أصروا على اقتراف السيئات فإن الواجب هجرهم رجاء أن يتأثروا"(16)
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين عن الشبهة التالية وهي:
هناك شبهة عند كثير من الشباب هي التي استحكمت في عقولهم، وأثارت عندهم مسألة الخروج، وهي: أن هؤلاء الحكام المبدلون، وضعوا قوانين وضعية من عندهم، ولم يحكموا بما أنزل الله، فحكم هؤلاء الشباب بردتهم وكفرهم، وبنوا على ذلك: أن هؤلاء ما داموا كفاراً فيجب قتالهم، ولا ينظر إلى حالة الضعف لأن حالة الضعف قد نسخت، كما يقولون بآية السيف(20)!! فما عاد هناك مجال للعمل بمرحلة الاستضعاف، التي كان المسلمون عليها في مكة!!
فأجاب فضيلته عن هذه الشبهة فقال: لا بد أن نعلم أولاً هل انطبق عليهم وصف الردة أم لا؟
وهذا يحتاج إلى معرفة الأدلة الدالة على أن هذا القول أو الفعل ردة، ثم تطبيقها على شخص بعينه، وهل له شبهة أم لا؟
يعني قد يكون النص قد دل على أن هذا الفعل كفر، وهذا القول كفر، لكن هناك مانعاً يمنع من تطبيق حكم الكفر على هذا الشخص المعين.
والموانع كثيرة، منها: الظن وهو جهل ومنها: الغلبة، فالرجل الذي قال لأهله: إذا مت فحرقوني واسحقوني في اليم فإن الله لو قدر عليّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين(21) هذا الرجل ظاهر عقيدته الكفر والشك في قدرة الله، لكن الله - تعالى - لما جمعه وخاطبه قال: يا رب إني خشيت منك، أو كلمة نحوها، فغفر له فصار هذا الفعل منه تأويلاً.
والمكره يكره على الكفر فيقول كلمة الكفر، أو يفعل فعل الكفر، ولكن لا يكفر بنص القرآن لأنه غير مريد، وغير مختار.
وهؤلاء الحكام، نحن نعرف أنهم في المسائل الشخصية كالنكاح والفرائض وما أشبهها يحكمون بما دل عليه القرآن على اختلاف المذاهب.
وأما في الحكم بين الناس فيختلفون.. ولهم شبهة يوردها لهم بعض علماء السوء يقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" وهذا عام، فكل ما تصلح به الدنيا فلنا الحرية فيه لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"!! وهذه لا شك شبهة. لكن هل هو مسوغ لهم في أن يخرجوا عن قوانين الإسلام في إقامة الحدود، ومنع الخمور، وما شابه ذلك؟
على فرض أن يكون لهم في بعض النواحي الاقتصادية شبهة، فإن هذا ليس فيه شبهة (22)
موقف أهل السنة والجماعة من مسألة التكفير:
منهج أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون مسلماً بما وقع فيه من الكبائر دون الشرك، مثل: قتل النفس، وشرب الخمر، والزنا، والسرقة، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات المؤمنات، وأكل الربا، ونحو ذلك من الكبائر.
فهم لا يمنعون التكفير بإطلاق، ولا يكفرون بكل ذنب، ولم يقولوا: إن تكفير المعين غير ممكن، ولم يقولوا بالتكفير بالعموم دون تحقق شروط التكفير، وانتفاء موانعه في حق المعين، ولم يتوقفوا في إثبات وصف الإسلام لمن كان ظاهره التزام الإسلام، أو ظهر منه إرادة الدخول فيه بل يحسنون الظن بأهل القبلة الموحدين وبمن دخل في الإسلام، أو أراد الدخول فيه.
ومن أتى بمكفر، واجتمعت فيه شروطه، وانتفت في حقه الموانع فإنهم لا يتحرجون من تكفيره (23)
مما تقدم يتبين لك أيها المسلم أن مسألة التكفير من المسائل الخطيرة التي لا يحكم فيها إلا الجهابذة من العلماء، ولا يجوز إطلاق أحكام التكفير على أي شخص إلا بتحقق الأسباب، وانتفاء الموانع كما قرر ذلك أهل السنة والجماعة. فينبغي التثبت في دين الله - عز وجل - ، وأن نعلم أن المعلوم من الدين بالضرورة يتفاوت زماناً ومكاناً وشخصاً.
ثم التهور والاندفاع في تكفير المسلمين لا يورث صاحبه تقى، ولا يعلي قدره، ألا يخشى ذلك الذي يطلق كلمة الكفر على إخوانه أو على الحكام أو على المجتمعات المسلمة، ألا يخشى أن تعود عليه هذه الكلمة فيكون كما أخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى (إلا ارتدت عليه) (24)
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفتح قلوب المسلمين لتفهم كلامه، والإقبال عليه - سبحانه -، والعمل بشرعه، والإعراض عما يخالفه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
الهوامش:
1- القاموس المحيط، للفيروز آبادي(605)، ومختار الصحاح للرازي (364)، والتعريفات للجرجاني (185)
2- فتنة التكفير للشيخ الألباني ص: (60)
3- فتنة التكفير للشيخ الألباني ص: (15)
4- مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (11 – 137)
5- التكفير جذوره وأسبابه للسامرائي ص: (7271)
6- ضوابط التكفير للكبى ص: (76) بتصرف.
7- منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام (5 – 255)
8- فتح الباري لابن حجر (2 – 314)
9- ضوابط التكفير للكبى ص: (20(
10- شرح صحيح مسلم للنووي (1 – 50)
11- درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام (1 – 242)
12- شرح العقيدة الطحاوية (318)
13- جزء من حديث أخرجه البخاري (3481)
14- مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (1 – 125124)
15- مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (1 – 126125)
16- مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (35 – 165)
17- فتنة التكفير للشيخ الألباني (7069) بتصرف.
18- جزء من جواب لفضيلة الشيخ ابن عثيمين، ذكر في كتاب فتنة التكفير للشيخ الألباني(70)
19- مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن جبرين، العقيدة (الجزء السادس(
20- آية السيف هي قوله - تعالى -: فإذا نسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم {التوبة:5 {
21- أخرجه البخاري برقم: (3481)
22- فتنة التكفير للشيخ الألباني ص: (3837)
23- فتنة التكفير للشيخ الألباني (78)
24- أخرجه البخاري رقم: (6045) من حديث أبي ذر رضي الله عنه. كتاب الأدب باب: (ما ينهى عن السباب واللعن(
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد