التحضر الأمريكي الزائف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



إن الدول والإمبراطوريات لا ينظر إليها إلا من خلال حضارتها، والتي هي عبارة عن نتاج فكري وثقافي وأدبي ومعرفي وموروث تاريخي وغير ذلك من مكونات الحضارة، وفي هذا العصر - وبالأخص العقود المتأخرة منه - ظل ولا يزال البعض مخدوعاً بالحضارة الغربية الزائفة ومنبهراً بها، ووجد من أذناب الغرب وسماسرته من يبشر بتلك الحضارة، ويفاخر بها، ويدعو إلى اللحاق بركابها - كيفما كان -، ولم يدم الأمر لهؤلاء طويلاً حتى تكشفت لنا الحقائق في الأحداث الأخيرة التي يشهدها العالم - بل ويشاهدها عياناً - عن حقيقة تلك الحضارة المزعومة!!

ومن الأمثلة القائمة اليوم قضية العراق التي حبك مأساتها الأمريكان وحلفائهم، الذين زعموا أنهم أتوا لتحرير العراق وشعبه من الظلم والقهر والديكتاتورية! وأعلنت تلك القوات عند دخولها إلى أرض الرافدين أنها جاءت محررة! فلم تلبث حتى أصبحت قوى استعمارية غاشمة تهلك الحرث والنسل، تقتل الإنسان لأدنى شبهة أو شك، ويتفنن جلاوزة القرن الحادي والعشرين في التعذيب والإذلال والإهانة للإنسان العراقي المعتقل، وغاب القانون والدستور عن أرض العراق! وأصبحت القوة العسكرية هي الحاكمة المطلقة!

وما ظهر مؤخراً على شاشات قنوات العالم، وما تسرب إلى الصحف ووكالات الأنباء من مشاهد خزي وعار انطبعت على هاماتنا المنحنية حد الركوع، صور لمساجين عراقيين أحرار يتبول عليهم البرابرة بلا أدنى مراعاة لأبسط القيم - سماوية كانت أو إنسانية، تعارف عليها البشر - وبحيوانية قذرة، ووحشية منحدرة، قام أولئك السفلة بتعرية الرجال، ثم العبث بعوراتهم، ووضعهم فوق بعضهم، بمنظر ينبئ عن نفسياتهم المريضة، ولم يكتفوا بهذا بل عمدوا إلى تعرية النساء، وجلدهن وإجبارهن على القيام بأعمال تجعل الإنسان الحر يتمنى الموت على أن يحدث هذا لامرأة مؤمنة عفيفة حرة من أبناء ملتنا!!

إن تلك الصور التي أوصلنا إليها هؤلاء البرابرة لم تعتبر للمسلم أي قيمة أو كرامة في عرفهم، فالكل منهم يعمل على إهانته وتمزيق ما بقي فيه من كرامة! وهذا الأسلوب الوحشي والتعامل الإجرامي الخسيس مع الأسرى العراقيين ليس من الأمور الغريبة على \"حظيرة\" الحياة الغربية التي يسمونها \"حضارة\"!! فأجدادهم كانوا يجمعون العبيد في أثينا وروما وغيرهما من مدن إمبراطورياتهم البائدة القديمة، ويجعلونهم يقتتلون مع الأسود، والقوم يتسلون ضاحكين، وما فعله مؤسسوا \"الويلات\" المتحدة بالهنود الحمر من السكان الأصليين أدلّ وأوضح على نفسيتهم الحاقدة!!

أنهم - بما ظهر من هذه الممارسات في العراق وغيرها - لا يمتون إلى الآدمية بصلة، بل هم في الحقيقة حيوانات، وإنما الذي زينهم وحسن من مظهرهم هو القانون وسطوته، ولولا عصى القانون المفروض عليهم لكانوا كما ظهروا مؤخراً في تعاملهم مع الأسرى العراقيين، فعندما انتقلوا إلى بلاد الرافدين حيث لا يوجد فيها أثر لقوة القانون وسطوته، ولا العقوبات الرادعةº قاموا بما قاموا به من الأعمال الوحشية، والتصرفات القذرة!!

وإذا كانوا قد مارسوا هذه الأعمال البشعة في العراق فلا شك أنهم سيمارسونها في أي مكان آخر يحلون فيه، ومطامعهم لا حدود لها، وأخشى ما أخشاه أن تتحول هذه الصور البشعة والمشاهد التي فاقت الخيال، وحارت منها العقولº إلى ظاهرة مستمرة تتبلد تجاهها الأحاسيس، وتتحول النظرة الإنسانية إزاءها إلى نظرة اعتيادية دونما تلمس للبعد الإنساني فيما يجري! بحيث لا تبعث في النفس ما يثير الغيرة، وثورة الانتقام، فلقد قتل فينا هؤلاء أغلى ما نملك! فهل يصح الصمت بعد هذه الكلمة؟! ما بالنا اليوم نرى هؤلاء البرابرة وهم يعبثون بأعراضنا ولا نتحرك لنجدة إخواننا؟! هل هُنَّا على هؤلاء المجرمين إلى هذا الحد؟

لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان

لقد آن الأوان لتفاعل من قبل الجميع يرتقي إلى مستوى الحدث، لأننا أمة تملك عقيدة سليمة، وفكراً نيراً، وعندنا من العزيمة والإرادة والطاقة الشيء الكثير، فوقوفنا مع الشعب الفلسطيني وقضايا المسلمين سابقاً أثر على مستوى الأحداث، فلماذا نتراجع الآن وقد باتت المشاهد المأساوية أقرب إلينا من ذي قبل؟! إننا إذا ما سكتنا على هذه الجريمة فإننا نكون بهذا السكوت قد قبلنا أن يمارس هؤلاء جرائم أخرى في كل مكان من بلادنا العربية والإسلامية، وإذا تحركنا صفاً واحداً حفظنا هيبتنا، ورددنا إلى إخواننا كرامتهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply