إن الشرك لظلم عظيم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



(وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله..إن الشرك لظلم عظيم) 13 سورة لقمان.

هذه هي الوصية الأولى من وصايا نبي الله لقمان – عليه السلام –وهي ليست خاصة بابنه فقط بل هي موجهة للبشرية كلها على مر الأزمان والعصور..وقد بدأها عليه السلام بالنهي عن الشرك بالله.. وكأنه ينكأ جراح أمتنا اليوم.. ويشخص داءها العضال.. شأنه في ذلك شأن كل الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه.. فقد كان لب الرسالات السماوية كلها ومحورها الأساسي هو هذا الهدف.. إخراج الناس من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده لا شريك له.. سواء كان هذا الشريك صنما أو حجرا أو شجرا أو حيوانا أو بشرا.. سواء كان هذا الشريك ماديا أو معنويا..

والعبادة ليست صلاة ونسكا وشعائر فقط.. وإنما هي في الطاعة والخوف والرجاء والتنزيه وابتغاء العزة.. وغير ذلك من المعاني التي لا يجوز أن يعطيها البشر لغير الله عز وجل.. وقد وصف القرآن الكريم بني إسرائيل أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله رغم أنهم لم يكونوا يركعون أو يسجدون لهم.. ولكنهم كانوا يطيعونهم فيما لم يأمر به الله (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)

وقضية الشرك بالله هي القضية الأولى في القرآن الكريم.. إذ أن الإيمان بالله واليوم الآخر لا يكون صحيحا إلا إذا خلص من كل أنواع وأشكال الشرك المختلفة.. وما كانت دعوة المصطفى ) عليه الصلاة والسلام ) وجهاده وغزواته وحياته كلها.. إلا لتخليص الناس من هذا الشرك الذي جرف البشرية كلها إلى الهاوية والهلاك

.. والمشركون بالله ليسوا كفارا أو ملحدين – كما يخيل للبعض – بل هم مؤمنون.. وربما يؤدون الشعائر كاملة.. يصلون في المساجد.. ويصومون الفروض والنوافل.. يقومون الليل.. ويكثرون من الدعاء والأذكار.. ويتمسكون بالمظاهر والعادات الإسلامية.. ويدعون إلى الله صباح مساء.. ولكنهم يعطون لغير الله من الصفات والأفعال مالا يجب إلا لله وحده.. وهذه هي الطامة الكبرى.. والمصيبة الطاغية التي يقع فيها أغلب الناس.. وتودي بهم إلى الإخلال بجوهر الإيمان ونقاءه حتى يجهز عليه تماما.. (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) 106 سورة يوسف

وقد قسم العلماء الشرك إلى شرك أكبر وأصغر.. والى شرك جلي وخفي.. وهكذا.. ولكن ما يعنينا في هذا المقام الآن هو الحال المزري للأمة الذي سببه وقوع الأغلبية العظمى في ظلم وظلمات الشرك.. وانتشار مفاهيم فاسدة وأفكار مغلوطة حول أنماط التدين.. وتشويه ثوابت العقيدة الإسلامية.. وغربة وغرابة أصحاب العقيدة الصحيحة وسط هذه المجتمعات التي باتت تعبد المال.. وتؤثر الحياة الدنيا على الآخرة.. وتسودها المصالح والنفعية.. وتعلو فيها أصوات الزيف والنفاق.. ويحتل مكان صدارتها وسلطتها مفسدوها ومتر فوها.. بينما يطارد المجاهدون.. ويغيب المخلصون.. ويتهم المصلحون

هذا الواقع المهين الذي تعانيه الأمة الإسلامية بأسرها ناتج عن طغيان آفة الشرك.. واستفحال خطرها.. وجعلها – رغم كثرة العدد – كغثاء السيل لا وزن لها ولا قيمة – كما وصفها الرسول الكريم ( عليه الصلاة والسلام ) في حديث القصعة المعروف.. وأوضح سبب هذه الغثائية وهو الوهن وفسره بحب الدنيا وكراهية الموت

مليار ونصف مليار مسلم يرزحون تحت نير أنظمة وحكومات موالية لأعداء الله.. مناقضة لشريعته.. معطلة ومعوقة لمواكب الإصلاح والنهضة.. لا يهمهم إلا الحفاظ على كراسيهم.. والثمن هو قهر الشعوب.. والارتماء تحت أقدام الكفار اللصوص.. ومساعدتهم على سرقة ونهب ثروات ومقدرات أوطانهم.. مكتفين بالفتات الذي يتركونه لهم.

هؤلاء الحكام الذين يجندون أعدادا غفيرة لحراستهم.. وتزيين باطلهم.. والتستر على عوراتهم.. لا يجدون من يقف أمامهم ليصدع بكلمة الحق.. ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر – إلا من رحم الله – وهؤلاء الذين رحمهم الله قليلون جدا.. فإذا تعرضوا لبطش الحكام لا يجدون من يناصرهم أو يدافع عنهم.. بل يلقون جحودا ونكرانا وتجنبا وتهكما.. الخ..

كل هذا بسبب ثقافة الجبن والخوف التي غرسها السلاطين وحواشيهم في أذهان الجماهير العريضة.. وبسبب العقائد الشركية الباطلة التي سممت عقولهم وشوهت فطرهم.. فمازال السواد الأعظم من الناس يعتقدون أن الحاكم بيده إنهاء الأجل.. وبيده التحكم في الأرزاق.. وإلحاق الضرر لمن يخالفه.. وجلب المنافع لمن يسير في ركابه.. وان لم يقولوا ذلك بألسنتهم لكنهم يرددونه بأفعالهم وتصرفاتهم.. حين ينافقون.. ويتجنبون مواطن الجهاد الفعلي.. ويسكتون عن كل ما يغضب الرحمن خوفا من غضب السلطان.. هذا والله هو الشرك الأكبر.. والذنب الأعظم الذي يفتك بالعقيدة فتكا.. ويكاد يخرج من الملة..

هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله لأنه مصدر كل ظلم وفساد (إن الله لا يغفر أن يشرك به.. ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.. ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) 116 سورة النساء

أي ضلال أبعد مما نحن فيه؟ وأي سوء ينتظرنا أفدح؟ إذا لم نغير ما بأنفسنا.. ونجدد إيماننا.. ونصحح عقيدتنا..

لابد أن نوقن – قولا وعملا – أن الله وحده هو المحيي المميت.. الخافض الرافع.. القابض الباسط.. المعز المذل.. وهو وحده الرزاق ذو القوة المتين.. مالك الملك.. يدبر الأمر.. لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.. ولا ينازعه أحد من خلقه أي صفة من صفاته.

ولابد أن نوقن – قولا وعملا – أن الحكام وأجهزة الأمن والمخابرات.. وغيرها لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا.. وبالطبع لا يملكون ذلك لغيرهم.. ولا ينبغي أن يكون الخوف منهم عقبة في سبيل الإصلاح والتغيير المنشود.

نعم.. هم يقتلون.. ويحبسون.. ويعذبون.. ويلفقون التهم.. لكن ذلك لا يتم دون إرادة الله وقدره (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) 29 سورة التكوير

فالله يبتلينا بهم ليمحصنا.. ويملي لهم ويستدرجهم ليزدادوا إثما فيحق لهم العذاب في الدنيا والآخرة (ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض) 4 سورة محمد

وإذا قصرنا آمالنا وأعمالنا على متاع الحياة الدنيا وزخارفها.. وجعلنا جهودنا وسعينا من أجل ذلك فقط.. وزهدنا فيما عند الله من خير وجزاء فالويل لنا كل الويل (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله.. فتربصوا حتى يأتي الله بأمره.. والله لا يهدي القوم الفاسقين) 24 سورة التوبة

لابد أن نلحق بركب الجهاد وقوافل المجاهدين الذين تخلصوا من عوالق الدنيا وأوحالها.. وبدءوا يصنعون الفجر الساطع.. وينسجون خيوط شمس العزة المشرقة التي تقهر أوكار الظلام.. وتلهب ظهر الطغيان.. وتطهرنا من كل الأمراض والأوهام (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه.. إن الله لغني عن العالمين) 6 سورة العنكبوت.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply