النفاق وأنواعه


 

بسم الله الرحمن الرحيم



الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا (يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا) (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولًا سَدِيدًا (70) يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا)

أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، عباد الله إن مما حذر الله - عز وجل - منه وبين أضراره ما يتعلق بالنفاق فإن الله - سبحانه وتعالى - قسم الذين خذلهم عن سبيله إلى قسمين إلى كفار ومنافقين، والنفاق ينقسم إلى قسمين إلى نفاق عقدي وهو أن يظهر الإنسان الإيمان ويبطن الكفر، وأصحابه تحت الكفار في النار يوم القيامة (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) وإلى نفاق عملي وهو أن لا يفي الإنسان لله بما عاهده عليه، وقد قال الله - تعالى -: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) وقد جاء كثير من النصوص في هذا النوع من أنواع النفاق وحذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أضراره، فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان\" وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر\"، إن هذا النوع من النفاق يخافه النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته، وقد ربى أصحابه على مخافته فقد أخرج البخاري عن ابن أبي مليكة قال أدركت ثلاثين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما منهم أحد يقول إيماني على إيمان جبريل وميكائيل وما منهم أحد إلا وهو يخشى النفاق على نفسه، وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يسأل حذيفة فيقول: يا أبا عبد الله أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو هل سماني لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين وهم يعلمون أنهم لا يدخلون في النفاق العقدي ولكنهم يخافون النفاق العملي على أنفسهم، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - خفاء هذا النفاق وخطره، فبين أنه أخفى من دبيب النمل، فلذلك كان الصحابة يخافونه على أنفسهم خوفا شديدا، وخافه جلة هذه الأمة من بعدهم، إن هذا النوع من النفاق هو الذي كان مالك يخافه على نفسه، وحذر منه كذلك في كتابه إلى الليث بن سعد، وإن هذا النفاق كثيرا ما يحصل في هذه الأمة وهو مستشر فيها مستمر، فعلينا جميعا أن نخاف هذا النفاق على أنفسنا وأن نتلمس مظاهره وعوارضه حتى نعالجها إن وجدنا بعضها في أنفسنا وحتى نراها في غيرنا حتى ندرك نعمة الله علينا إذا أنجانا من بعض هذه المظاهر، فمن مظاهر هذا النفاق أن يبيع الإنسان آخرته بدنيا غيره، فيكون أحرص على دنيا غيره، منه على آخرته هو، فيقدم لذلك الغير القرابين التي تعينه على ظلمه في هذه الحياة وعلى فجوره وعداوته لله، وبذلك يبيع هو آخرته بدنيا غيره، فيكون بذلك أشقى الناس، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها\" فالناس جميعا تجار كلهم يغدو إلى السوق فبائع نفسه فمعتقها بائع نفسه لله فمعتقها من عذاب الله أو موبقها في نار جهنم ـ نسأل الله السلامة والعافية ـ ومن مظاهر ذلك اتخاذ الكذب ذريعة لنصرة أهل الباطل، فإن الكذب من صفات المنافقين كما بين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث السابقة وأعظم الكذب الكذب على الله، وقد عده الله - سبحانه وتعالى - من أكبر الكبائر فقال - تعالى -: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك خطر الكذب على رسول الله المبلغ عن الله فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - من رواية مائتين من أصحابه أنه قال: \"من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار\" وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"إن كذبا علي ليس ككذب على أحد فمن يقل علي ما لم أقل فاليلج النار\" وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار\" وهذا يشمل الأقوال والتشريع كله، فإن التشريع كله من عند الله (إن الحكم إلا لله) (قل أفغير الله أبتغي حكما) (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) فالحكم لله الواحد القهار، ومن أجل ذلك فكل إباحة أو تحريم من دون الله بما لم يشرعه الله فهي قول على الله بغير علم، وقول على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالافتراء والكذب وهي سلوك لطريق النفاق والذين ينتهجون ذلك ويتعمدونه لا بد أن يخذلهم الله في الدنيا والآخرة، وقد أخذ الله العهد على الذين آتاهم هذا العلم أن يصدقوا فيه وأن لا يكذبوا، فقد قال - تعالى -: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) فأولئك قد اشتروا بما يقولون ثمنا قليلا، فكذبوا على الله - عز وجل - وأحلوا ما حرمه الله وحرموا ما أحله الله، وكذبوا على رسل الله فتوعدهم الله بهذا الوعيد الشديد، وبين خسرانهم وأن الله لا يتقبل منهم صالح أعمالهم، وهذا الخذلان الذي توعد الله به أولئك الذين يكذبون عليه، ويحلون ما حرمه ويحرمون ما حلله، من مظاهره أن يسلكوا طريق المشركين الذين طردهم الله عن بابه وسلك بهم طريق النار، إن طريق المشركين بين في كتاب الله، وأنتم تعلمون أن الذين يسلكون هذا الطريق يظهر عليهم سلوك طريق المشركين في كثير من الأمور البادية للعيان، فمن ذلك أنهم يحلون بعض الأمر فينسبونه إلى الله ويخرجون بعض الأمر من دائرة الانتساب إلى الله فلا يجعلونه متناولا بالأحكام الشرعية، وهذا هو طريق المشركين كما قال الله - تعالى -: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون) إن هذا الطريق قد سلكه كذلك أتباع النصرانية أتباع ماركس عند ما انحرفوا عن ملة المسيح ابن مريم - عليه السلام -، فزعموا أن مال قيصر لقصير و مال الله لله، وتناقضوا فلم يحددوا ما لقيصر وما لله، فاصطلحوا أن مال قصير هو ما غلب عليه وأن مال الله ما سوى ذلك، فلم يتركوا لله إلا المتردية والنطيحة وما أكل السبع وما لا خير فيه، نسبوا كل ما يحتاج إليه الناس في أمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة وغير ذلك إلى قيصر وأخرجوا ذلك من متناول أحكام الله - عز وجل -، وهذا النوع كثير، فيحصل في المنافقين من هذه الأمة إذا سلكوا هذا الطريق فيخذلهم الله فيتردون في طريق المشركين والنصارى، فيقسمون الأحكام والأمور إلى قسمين إلى ما يرجع فيه إلى فتوى الشرع وتؤخذ فيه الأحكام من أهلها، وما لا يرجع فيه إلا إلى أقوال الظلمة والطغاة وهذا النوع لا شك إلحاد في الدين وتفريق بينه، وهو من خذلان الله - سبحانه وتعالى-للسالكين لطريق النفاق، وكذلك من خذلان الله - تعالى -للسالكين لطريق النفاق ما يقعون فيه من التناقضات الجلية التي يطلع عليها القاصي والداني، فهم يكذبون أنفسهم ويعلنون براءتهم من الكذب، ويردون على المخالفين للحق ويجلبون النصوص الثابتة في لعن من حرف كتاب الله ومن حرف كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن وضع الكلام في غير موضوعه، يجلبون النصوص التي تدينهم وتلعنهم ويا رُبَّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، ومن مظاهر هذا الخذلان كذلك أن الله - سبحانه وتعالى-يصرفهم عن أوليائه والداعين إلى سبيله فإذا أرادوا أن يتنقصوهم سموهم بأسماء لا تنطبق عليهم ووصفوهم بأوصاف لا يتصفون بها كما كان المشركون يفعلون، فإنهم كانوا يسبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصرفهم الله عنه، فإذا أرادوا أن يسبوه سبوا مذمما، والنبي - صلى الله عليه وسلم - محمد لا مذمم، ولذلك فإن هجاءهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كان لمذمم فبرأ الله منه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وصرفهم عنه، وكذلك هؤلاء إذا أرادوا أن يتنقصوا أهل الله - عز وجل -، تنقصوا الذين يكفرون الناس والذين يتطرفون، فهم يشنون الغارة الشعواء على المتطرفين والإرهابيين وغيرهم، فيصرفهم الله عن أهل الحق فإنهم لا يتصفون بهذه الصفات ولا يتسمون بهذه الأسماء، وهم أبعد الناس عنها وعن كل مظاهرها، لكن ذلك من خذلان الله للمنافقين، فتقع رمايتهم في غير محلها، وتطيش سهامهم فلا تصيب أهدافها، وهذا من سنة الله - سبحانه وتعالى - في الدفاع عن المؤمنين وقد قال الله - تعالى -: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور) وكذلك فإن من مظاهر هذا النفاق أن أولئك يتشبثون بالظلمة الذين يشكون حالهم إلى أنفسهم وإلى من حولهم فهم في أضيق أحوالهم وأشدها، ولا يستطيع أحد منهم أن يقوم بشؤون نفسه، بل إنما حالهم ما بين الله في كتابه (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره) ضعف الطالب و المطلوب إن الذي يتقربون إليه ويتوسلون إليه بما لا يعلم ويزينون له الكذب على الله - سبحانه وتعالى - وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - مشغول عنهم ويمكن أن لا يسمع ما يقولون ولا أن ينتفع به بحال من الأحوال، وهذا من مظاهر خذلان هؤلاء، وكذلك من مظاهر خذلانهم ما يقعون فيه من التناقضات الأخرى، فإنهم يدعون إلى التشبث بما أدركوا عليه أسلافهم وآباءهم من الدين ويرون أن كل ما ليس كذلك فهو مردود على صاحبه ولا يمكن أن يكون من الإسلام في شيء، ثم نجدهم يدعون إلى تنظيم المساجد وإلى تنظيم غيرها من الأمور وإلى سن القوانين التي لم يدركوا عليها آباءهم ولا هي مما أدركوا الناس عليه بوجه من الوجوه، فهذا التناقض بين ظاهر للعيان لو كانوا صادقين لدعوا إلى التمسك بما كان عليه آباؤهم فقط، ولم يدعو إلى هذه التنظيمات المخترعة والقوانين التي لم ينزل الله بها من سلطان وهي بعيدة عن دين الله كل البعد بل الأغرب من ذلك أن ينسبوا تلك القوانين وتلك التنظيمات إلى الفقه الإسلامي الصحيح الذي عليه الأدلة من الكتاب والسنة وهو محفوظ بحفظ الله - عز وجل -، فإن حفظ الله لكتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يشمل هذا الفقه إلى يوم الدين، فلا يمكن أن يتقول أحد على الله ولا على رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا فضحه الله بالكذب، قال عبد الله بن المبارك - رحمه الله -: والله لو هم رجل بالليل بالصين أن يضع حديثا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصبح الناس ببغداد يقولون فلان كذاب وضاع، وهذه اتصالات الله - عز وجل - السريعة فتنقل الأخبار في الكذب على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة واحدة من الصين إلى بغداد، فيصبح الناس يتحدثون فلان كذاب وضاع، وذلك أن يكشف الله عنهم ستره ويعمم خذلانهم على الأرض فيفتضحون أمام الناس جميعا، إن هذا النوع من التناقض يستغرب العاقل خروجه من أفواه المفكرين، ومن أفواه الذين ينتسبون للثقافة والدراسة، لكن إذا تذكر خذلان الله - سبحانه وتعالى - لأعدائه وما يقعون فيه من التردي هان عليه ذلك وسهل، فإذا علمت الأسباب بطل العجب، وكذلك من مظاهر هذا الخذلان أن الذين يسلكون هذا الطريق يزلون زلات لو راجعوا فيها أنفسهم لعرفوا أنها خطر عليهم، فتجد بعضهم يقول إن أصول الفقه الإسلامي تضمنت أن يقتل الثلث لإصلاح الثلثين، ما علاقة أصول الفقه بهذا الكلام السخيف، ومن أين جاء به، إنما هذا الكلام من كلام الفاشية المتطرفة الإرهابية، ومن كلام كذلك الألمان عندما أرادوا التخلص من اليهود في أوربا في أيام هتلر، فهذا الكلام هو الإرهاب وهو التطرف ولا علاقة له بديننا ولا بفقهنا ولا بأصول الفقه، ليس له ذكر في أصول الفقه أصلا، فذلك إنما هو من خذلان الله لمن يتكلم على الله بغير علم، فيقع في مثل هذه الزلات العظيمة التي يمكن أن تطبق عليه هو فليس هو بمنأى عن ذلك وإذا حوكم إلى قوله فسيقع فيما وقع فيه صالح بن عبد القدوس فإنه جاء تائبا إلى المهدي، فلما وقف بين يديه قال إن الشيخ كبير قد وصل إلى دقاقة الأعمار وإن توبته مقبولة، فلما أدبر دعاه فاستنشده قصيدته السينية فأنشدها بحماس حتى بلغ قوله:

والشيخ لا يترك أخلاقه حتى *** يوارى في ثرى رمسه

فقال يا حرسي ضع له رأسه في يديه فقد حكم الشيخ على نفسه، فقد قال:

والشيخ لا يترك أخلاقه حتى *** يوارى في ثرى رمسه

إن الكذب على الله - سبحانه وتعالى - مظهر من مظاهر النفاق والخذلان وأصحابه لا يفلحون بحال من الأحوال، والذين يفترون على الله الكذب لا بد أن يفتضحوا على العيان، ولا بد أن يظهر ذلك للناس جميعا، ثم اعلموا رحمني الله وإياكم كذلك أن الذين يسلكون طريق الغواية إنما يستعملهم الله في أخس الأمور، فأنتم تعلمون أن بعض الناس يوظفون في تنظيف المساجد وبعض الناس يوظفون في تنظيف الشوارع وبعض الناس يوظفون في تنظيف الكنف، وغير ذلك، وهؤلاء لم يوظفوا إلا فيما هو أخس من تنظيف الكنف، حين سلطهم الله على أنفسهم فجعلوا من أنفسهم أخس من النعال التي يمتطيها الظلمة، ويتوصلون بها إلى طغيانهم وبغيهم ومخالفتهم لشرع الله وهذا طرد عن باب الله وحجب عنه بالكلية (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.



الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على تفضله وامتنانه وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه.



عباد الله إن الناس في العذر بين يدي الله - عز وجل - ليسو سواء فمن كان شابا فليس مثل الشيخ الفاني، ومن كان ضعيفا فليس مثل القوي، ومن كان غنيا فليس مثل الضعيف، فلذلك يعذر من كان جاهلا، ولا يعذر من كان صاحب ثقافة وعلم، ويعذر من كان ضعيفا ولا يعذر من كان قويا، ثم إن الإرتكاب للمحرمات كذلك يتفاوت الناس فيه بالعذر بين يدي الله، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، ملك كذاب وأشيمط زان، فهذان من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، نسأل الله السلامة والعافية، وهؤلاء الثلاثة ملك كذاب وأشيمط زان وعائل مستكبر أي فقير متكبر، فهؤلاء أدعى لأن لا يأخذوا فيما وقعوا فيه، فكبير السن الذي لم يبق من عمره إلا القليل وقد تزود من هذه الحياة بكل متعها وبكل ما فيها أبعد عن العذر بين يدي الله لأنه قد خاض التجارب كلها حلوها ومرها وعرف ما فيها فعلام يتعب نفسه في بقية عمره أيريد أن تزيد كفة سيئاته قبل أن يموت وهو بذلك يتدارك بقية عمره ليرجح كفة سيئاته على كفة الحسنات إن كان فيها شيء وهذا لا شك أبعد عن الله - سبحانه وتعالى - وعن محجته وسبيله، فلذلك لا بد عباد الله أن نتذكر أن بقية أعمارنا علينا أن نحسن فيها، وأن نعلم أن من لم يحسن في بقية عمره فهو مخذول مصروف عن طريق الحق، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنن أنه قال: \"بادروا بالأعمال ستا فهل تنتظرون إلا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فالدجال شر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر\" إن الذين تقلبوا في المناصب وأخذوا حظهم من هذه الحياة وهم يريدون زيادة كفة السيئات قبل الموت، هذا دليل واضح على أن الله خذلهم فسلك بهم ذات الشمال ولم يسلك بهم طريق الجنة بحال لـأنهم لا يزالون يزدادون من الله بعدا ولا يزالون تقوم عليهم الحجة بعد الحجة وهم معرضون عن حجج الله - عز وجل - لا يبالونها بالا ولا يتذكرون الموقف بين الملك الديان، ولا يتذكرون أن أعمالهم كلها ستعرض عليهم ويقرؤونها عيانا على رؤوس الخلائق أجمعين، إن هؤلاء يعلمون لا محالة أنهم سيوقفون في ذلك الموقف لكنهم ينسون ذلك أو يتناسونه عندما يخذلهم الله فيقعون في هذه الهنات ولذلك فإن من يتذكر وقوفه بين يدي الله وقراءته لطائره وهو يحمله في عنقه وإشهاده للخلائق جميعا على ما جنته يداه، إن من يتذكر ذلك الموقف لا يمكن أن يتردى في مثل هذا الوحل ولا أن يقع في أتون هذا الحضيض النائي البعيد المبعد عن الله - عز وجل - بوجه من الوجوه، فلذلك عباد الله علينا أن نخاف على أنفسنا النفاق وأن نحذر مظاهره كلها، وإذا رأينا من يتصف بها علينا أن نحمد الله حين صرف ذلك عنا وعلينا أن نذكر إخواننا من المؤمنين جميعا بخطر هذا النفاق واستشرائه وانتشاره في الناس، وعلينا أن نذكرهم بتفاوت الناس في العذر بين يدي الله وعلينا أن نذكرهم كذلك بأن الذين يسمعون الكذب فلا ينكرونه شركاء للكاذبين فيما يقولون، وقد وصف الله المنافقين بأنهم سماعون للكذب أكالون للسحت، فالذي يستمع إلى هذا الكلام ويستحليه مشارك لصاحبه فيه، ولذلك فإن الذين يهيئون لذلك ويعلنونه وينشرونه هم من المشاركين في الكذب الذين باعوا أنفسهم كذلك في الباطل وتردوا في هذا الوحل، وهم فراش لأولئك الآخرين في طريق النار نسأل الله السلامة والعافية.



عباد الله إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته وثلث بكم معاشر المؤمنين فقال جل من قائل كريما: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحب أن تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأوهن كيد الكافرين وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم أنزل رجزك وبأسك وسخطك وعذابك على كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك ويصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم آية وأخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين يا ذا القوة المتين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply