عداوة اليهود


 

بسم الله الرحمن الرحيم



الخطبة الأولى:

أما بعد: فما أحوج المسلم إلى تجديد تقواه لربه في كل حين، ولا سيما عند اشتداد المحن، وتوالي الكروب (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجاً ))[الطلاق: 2]، وما أشد حاجة المسلم إلى السلاح المَضّاء الذي يحميه من كيد الكفرة والفجرة والمنافقين (( وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرٌّكُم كَيدُهُم شَيئاً ))[آل عمران: 120]، فهل سألنا أنفسنا عن هذه الحقائق، وهل عرضناها على هذه الموازين، فالصبر والتقوى سلاحان لمن أراد النجاة والخلاص والرفعة في الدنيا والآخرة.

أيها المؤمنون: إن من قرأ كتاب ربه، وتأمل في آياته، واتعظ بعظاته، واهتدى بهداه، يرى أن هناك آيات كثيرة حذرت المسلمين من أعداء كثر، وأن هناك صنفاً هو الأكثر عداءً للمسلمين، فقد ورد الحديث عنهم في أكثر من خمسين سورة من سور القرآن الكريم، وما ذاك إلا لتحذرهم أمة الإسلام أشد الحذر، وتتنبه لألاعيبهم وحيلهم التي تخصصوا فيها على مر التاريخ، فمن هم أيها المسلمون؟

إنهم اليهود، وما أدراك ما اليهود.

إنهم القوم المغضوب عليهم، الملعونون على لسان الرسل والأنبياء، قوم تفنن آباؤهم وأجدادهم في قتل الأنبياء والمصلحين، عرفوا على مر التاريخ بالإفساد والتخريب ونقض العهود، وصفهم ربهم - تعالى- وذكر بعض افتراءاتهم قائلاً في محكم كتابه: (( وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغلُولَةٌ غُلَّت أَيدِيهِم وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَل يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مّنهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبّكَ طُغيَـاناً وَكُفراً وَأَلقَينَا بَينَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغضَاء إِلَى يَومِ القِيَـامَةِ كُلَّمَا أَوقَدُوا نَاراً لّلحَربِ أَطفَأَهَا اللَّهُ وَيَسعَونَ فِي الأرضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبٌّ المُفسِدِينَ ))[المائدة: 64]، فهم أحفاد اليهود الذين نقضوا عهد الله من بعد ميثاقه (( وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـابَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِم وَاشتَرَوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئسَ مَا يَشتَرُونَ ))[آل عمران: 187].

وهم قتلة الأنبياء ومكذبوهم، وهذا من تخصصهم القبيح، ألم يقل ربنا - سبحانه -: (( وَلَقَد ءاتَينَا مُوسَى الكِتَـابَ وَقَفَّينَا مِن بَعدِهِ بِالرٌّسُلِ وَءاتَينَا عِيسَى ابنَ مَريَمَ البَيِّنَـاتِ وَأَيَّدنَـاهُ بِرُوحِ القُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُم رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهوَى أَنفُسُكُم استَكبَرتُم فَفَرِيقاً كَذَّبتُم وَفَرِيقاً تَقتُلُونَ ))[البقرة: 87]، أولئك اليهود الذين غدروا بخاتم النبيين محمد، ونقضوا عهده، فإنه لما هاجر إلى المدينة قدمها وفيها ثلاث قبائل من اليهود، فعقد معهم أن لا يخونوا ولا يؤذوا، ولكن أبى طبعهم اللئيم وسجيتهم السافلة إلا أن ينقضوا ويغدروا، فأظهر بنو قينقاع الغدر بعد أن نصر الله نبيه في بدر، فأجلاهم النبي من المدينة على أن لهم النساء والذرية، ولرسول الله أموالهم.

وأظهر بنو النضير الغدر بعد غزوة أحد فحاصرهم النبي، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله أن يجليهم على أن لهم ما تحمله إبلهم من أموالهم إلا آلة حرب فأجابهم إلى ذلك.

وأما بنو قريظة فنقضوا العهد يوم الأحزاب في يوم عصيب، وكرب شديد حين اجتمعت العرب على حرب النبي، فحاصرهم النبي بعد انتهاء المعركة، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بقتل رجالهم، وقسم أموالهم، وسبي نسائهم وذرياتهم، فقتل رجالهم وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة.

هذا لون من ألوان غدرهم بخاتم الأنبياء، ومن غدرهم وخيانتهم له أنه لما فتح خيبر أهدوا له شاة مسمومة، فأكل منها، ولم يحصل مرادهم ولله الحمد، ولكنه كان يقول في مرض الموت: (ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر، وهذا أوان انقطاع أبهري) رواه أبو داود بسند حسن.

فعلينا نحن المسلمين أن نعلم ونتذكر أن العداوة بيننا - نحن المسلمين - وبين اليهود مبدأ ثابت لا يتغير ولا يزول، كما قرره كتابنا، وأخبرنا به ربنا - عز وجل -، ولذلك فالحرب بيننا وبينهم مستمرة منذ بعثة سيدنا محمد إلى أن تقوم القيامة، ومن المحال أن تحل المحبة محل العداوة، وأن يحل السلام محل الحرب فيما بيننا وبين اليهود، كيف والله - عز وجل - يقول: (( وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَـارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم ))[البقرة: 119]، يقول سيد في ظلاله بتصرف يسير: \"فتلك هي العلة الأصيلة، ليس الذي ينقصهم هو البرهانº وليس الذي ينقصهم هو الاقتناع بأنك - يا محمد ويا أيها المسلم - على الحق، وأن الذي جاءك من ربك الحق، ولو قدمت إليهم ما قدمت، ولو توددت إليهم ما توددت، لن يرضيهم من هذا كله شيء، إلا أن تتبع ملتهم، وتترك ما معك من الحق، إنها العقدة الدائمة التي نرى مصداقها في كل زمان ومكان، إنها هي العقيدة، هذه حقيقة المعركة التي يشنها اليهود والنصارى في كل أرض وفي كل وقت ضد المسلمين، إن معركة العقيدة هي المشبوبة بين المعسكر الإسلامي وهذين المعسكرين - اليهود والنصارى - اللذين قد يتخاصمان فيما بينهماº وقد تتخاصم شيع الملة الواحدة فيما بينها، ولكنها تلتقي دائماً في المعركة ضد الإسلام والمسلمين! إنها معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها، إنها معركة العقيدة، إنها ليست معركة الأرض، فلا الغلة، ولا المراكز العسكرية، ولا هذه الرايات المزيفة كلها، إنهم يزيفونها علينا ليخدعونا عن حقيقة المعركة وطبيعتها، فإذا نحن خدعنا بخديعتهم لنا فلا نلومن إلا أنفسنا، وإن فعلنا ذلك خالفنا توجيه الله لنبيه ولأمته، وهو - سبحانه - أصدق القائلين: (( وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَـارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم )) فذلك هو الثمن الوحيد الذي يرتضونه، وما سواه فمرفوض ومردود!.

ولكن الأمر الحازم، والتوجيه الصادق يأتي مباشرة من رب العالمين (( قُل إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدَى )) على سبيل القصر والحصر، وما عداه ليس بهدى، واختر لنفسك أيها المسلم أي الطريقين والمنهجين\".

عباد الله: اليهود هم أشد الأعداء لهذه الأمة بنص القرآن الكريم: (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا ))[المائدة: 82]، فهم أشد الناس عداوة للمسلمين، هم أشد من المشركين وأشد من النصارى، وأشد من جميع الأمم، وفي الآية إشارة إلى طول الصراع بين المسلمين واليهود، وأنه صراع ليس مؤقتاً ولا سهلاً بل هو صراع طويل، ويكفي المسلم أن يعلم ما تميز به اليهود وعرفوا به على مر الزمان ألا وهو الخيانة، قال الله - تعالى- عنهم: (( فَبِمَا نَقضِهِم مّيثَـاقَهُم لَعنَّـاهُم وَجَعَلنَا قُلُوبَهُم قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّواضِعِهِ وَنَسُوا حَظَّاً مّمَّا ذُكِرُوا بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ, مّنهُم إِلاَّ قَلِيلاً مّنهُمُ ))[المائدة: 13]، وبعد هذا يخدع بعض السذج بعهود اليهود ومواثيقهم، ويظنون أن اليهود قد استقاموا وتخلوا عن خياناتهم.

أما عن نقض العهود والمواثيق فلن تجد قوماً مثل اليهود في الاستخفاف بالعهود والمواثيق، وفي عدم مراعاتها وترك الالتزام بها، بل جرأتهم على نقضها وإبطالها عجيبة، وإليكم نماذج من العهود والمواثيق التي أخذت على اليهود، ومع ذلك نقضوها قال الله - تعالى-: (( وَإِذ أَخَذنَا مِيثَـاقَ بَنِى إِسرءيلَ لاَ تَعبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالوالِدَينِ إِحسَاناً وَذِى القُربَى وَاليَتَـامَى وَالمَسَـاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسناً وَأَقِيمُوا الصَّلَواةَ وَءاتُوا الزَّكَواةَ ثُمَّ تَوَلَّيتُم إِلاَّ قَلِيلاً مِنكُم وَأَنتُم مٌّعرِضُونَ وَإِذ أَخَذنَا مِيثَـاقَكُم لاَ تَسفِكُونَ دِمَاءكُم وَلاَ تُخرِجُونَ أَنفُسَكُم مّن دِيَـارِكُم ثُمَّ أَقرَرتُم وَأَنتُم تَشهَدُونَ ثُمَّ أَنتُم هَـؤُلاء تَقتُلُونَ أَنفُسَكُم وَتُخرِجُونَ فَرِيقاً مّنكُم مّن دِيَـارِهِم تَظَـاهَرُونَ علَيهِم بِالإِثمِ وَالعُدوانِ ))[البقرة: 83، 85].

وقال - عز وجل - أيضاً في نقضهم للعهود والمواثيق: (( لَقَد أَخَذنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسراءيلَ وَأَرسَلنَا إِلَيهِم رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُم رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهوَى أَنفُسُهُم فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقتُلُونَ ))[المائدة: 70]، وقال - تعالى-: (( وَلَقَد أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ بَنِى إِسراءيلَ وَبَعَثنَا مِنهُمُ اثنَى عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنّى مَعَكُم لَئِن أَقَمتُمُ الصَّلواةَ وَءاتَيتُم الزَّكَوةَ وَءامَنتُم بِرُسُلِى وَعَزَّرتُمُوهُم وَأَقرَضتُمُ اللَّهَ قَرضاً حَسَناً لأكَفّرَنَّ عَنكُم سَيّئَـاتِكُم وَلأدخِلَنَّكُم جَنَّـاتٍ, تَجرِى مِن تَحتِهَا الأنهَـارُ فَمَن كَفَرَ بَعدَ ذلِكَ مِنكُم فَقَد ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ فَبِمَا نَقضِهِم مّيثَـاقَهُم لَعنَّـاهُم وَجَعَلنَا قُلُوبَهُم قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّواضِعِهِ ))[المائدة: 12، 13]، فهل بعد هذه الآيات الواضحات حجة لأحد، فإن للقوم تاريخاً أسود في نقض المعاهدات، وربهم - سبحانه - أعلم بهم، يقول الله - سبحانه وتعالى -: (( أَوَ كُلَّمَا عَـاهَدُوا عَهداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مّنهُم بَل أَكثَرُهُم لاَ يُؤمِنُونَ ))[البقرة: 100]، فكلمة [كلما] تدل على التكرار، وأنهم كلما عقدوا عهداً أو ميثاقاً أو صلحاً نبذه أي ألغاه وكفر به ونقضه فريق منهم، والفريق قد يكون طائفة منهم، وقد يكون جماعة، وقد يكون حزباً أو حكومة، وهذا ما يلمسه كل متابع لأحوال اليهود خلال خمسين عاماً مضت ولا زال هذا هو ديدنهم ودأبهم.

نسأل الله - تعالى- بمنه وكرمه ولطفه أن يلطف بالمسلمين، ويكفيهم شر أعدائهم من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين.



الخطبة الثانية:

أما بعد: فيا عباد الله، إذا أيقنا بتلك العداوة الدائمة مع اليهود والنصارىº فما المخرج من هذه العداوة، وما سبيل النصر في هذه المعركة العقدية، ومن أين نستمد النصر والغلبة؟ ومن أين نستمد النصر على أعدائنا؟

هناك حقيقة قرآنية واضحة يفهمها المسلم الحق (( إِن يَنصُركُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم وَإِن يَخذُلكُم فَمَن ذَا الَّذِى يَنصُرُكُم مّن بَعدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ ))[آل عمران: 160]، والنصر ليس بيد شرق ولا غرب، وإنما كما قال ربنا - تعالى- (( وَمَا النَّصرُ إِلاَّ مِن عِندِ اللَّهِ ))[الأنفال: 10]، فهل سألنا النصر ممن يملكه، أم تطفلنا على ولائم من لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، بل ويضمر لنا كل مكر وكيد يراه كل بصير، ويتعامى عنه كل أعشى وضرير لم يرد سلوك المحجة الربانية والطريقة القرآنية.

وإن لنيل نصر الله أسباباً كثيرة أهمها:

الاستقامة على طاعة الله، وإعلان الولاء لله - تعالى-، والسعي في طريق إعداد المسلم القوي بإيمانه وعتاده، ومتى تخلفت تلك الوسائل والأسباب، وضعف إيماننا وتمسكنا بتقوى ربنا، وتخلينا عن هدي نبينا، فإن هناك سنة ربانية بالمرصاد لكل من تولى وأعرض (( هَا أَنتُم هَـؤُلاَء تُدعَونَ لِتُنفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبخَلُ وَمَن يَبخَل فَإِنَّمَا يَبخَلُ عَن نَّفسِهِ وَاللَّهُ الغَنِىٌّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوا يَستَبدِل قَوماً غَيرَكُم ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمثَـالَكُم ))[محمد: 38].

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply