تحت تأثير اللوبي اليهودي المحلي: (إسرائيل) تغزو كازاخستان اقتصادياً، والتعاون يشمل النواحي العسكرية



بسم الله الرحمن الرحيم


يعود تاريخ الوجود اليهودي في كازاخستان إلى القرن الثامن عشر، ففي ذلك الوقت تم احتلالها من قبل روسيا، وكان ضمن صفوف الجيش الروسي المحتل عدد من العسكريين اليهود الذين آثروا الاستقرار هناك بعد انتهاء خدمتهم، وأدى هذا الأمر إلى تشكيل نواة للوجود اليهودي هناك، وازداد عدد اليهود في تلك الجمهورية خلال الحقبة الشيوعية حين نقل الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين آلاف اليهود إليها للعمل في المزارع الجماعية، كما قصدها أكثر من 100 ألف يهودي خلال الحرب العالمية الثانية هرباً من القوات الألمانية.

يقدر عدد اليهود في كازاخستان في الوقت الحالي بما يقارب 15 ألف شخص, علماً أن الآلاف كانوا قد هاجروا إلى فلسطين المحتلة خلال السنوات الخمسة عشرة الأخيرة.

ويتركز اليهود في كازاخستان في المدن الرئيسية مثل ألما - آتا (11 ألف شخص), قاراكندا, أستنا, جمبول, سيميبلاطنسك، تشمكنت وغيرها.

لم يكن لليهود في كازاخستان أي كيان اعتباري حتى وقت قريب، فقد كانت الشعائر وطقوس العبادة تؤدى بشكل انفرادي في المنازل، رغم وجود كنيس يهودي في العاصمة تم بناؤه عام 1882، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وقيام جمهورية كازاخستان المستقلة، أسّس اليهود عدداً من الجمعيات الهادفة إلى إقامة كيان واضح المعالم، وأقام اليهود عدداً من أماكن العبادة في أماكن تجمعاتهم الأساسية، وأسسوا أكثر من 20 جمعية تعمل على لمّ شملهم، وربطهم بحكومة (إسرائيل)، كما تم إنشاء 20 مدرسة تضم أكثر من 700 تلميذ, تركز مناهج التدريس فيها على مبادئ الدين اليهودي، واللغة والأدب العبري، إضافة إلى الثقافة والعادات والتقاليد اليهودية.

فقد صرح الحاخام الكازاخي مئير شيينر أن هذه المدارس تقدّم مذاقاً يهودياً لطلبتها، وتابع متسائلاً: كيف يمكن لشخص لا يعرف سوى القليل عن ثقافته أن يحب أو يحترم التقاليد اليهودية؟

ويقوم العديد من هذه المدارس بإقامة مخيمات صيفية لطلبتها يتم خلالها تدريبهم على ألعاب رياضية قاسية، تعتبر مقدمة لتدريب عسكري لاحق، وتتكفل الوكالة اليهودية لدعم (إسرائيل)، ولجنة التواصل اليهودي الأمريكيº تمويل هذه المخيمات التي تستقبل كذلك يهوداً من جمهورية قيرغيزستان المجاورة.



تشكيلات سياسية:

وتم تشكيل المؤتمر اليهودي لعموم كازاخستان في كانون الأول/ديسمبر 1999، وحضر الجلسة التأسيسية عدد من السياسيين الكازاخ، والسفير الأمريكي المعتمد لديها، وقد تم انتخاب رجل الأعمال ألكسندر مشكيفيتس رئيساً للمؤتمر. وفي آذار/مارس 2002 انتخب مشكيفيتس كذلك رئيساً للمؤتمر اليهودي الذي يضم الجاليات اليهودية في آسيا وأوروبا.

وكما هو معروف فإن مشكيفتس الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية يسيطر على ما يقارب من ربع الإنتاج القومي في الجمهورية، وهو من المقربين من الرئيس نزرباييف، ويقوم مشكيفيتس بتمويل بناء أماكن العبادة اليهودية في المدن الرئيسية في كازاخستان.

وتعتبر الجمعية الكازاخية للجاليات اليهودية الإطار الذي يجمع اليهود في كازاخستان، وتشرف الجمعية على أكثر من 20 مركزاً صحياً لليهود، وعدد من دور رعاية المسنين من أبناء الجالية، ومكتبة يغلب عليها الطابع اليهودي، ومسرحاً مخصصاً للأعمال الفنية اليهودية.

وتنشر الجالية اليهودية في كازاخستان أربع صحف ومجلة تستغلها أحسن الاستغلال في الترويج للدعاية الصهيونية، وتمجيد اليهود ودولة (إسرائيل)، وبالمقابل الإساءة للإسلام والفلسطينيين الذين تصفهم (بالإرهابيين).

وتعمل الوكالة اليهودية لنصرة (إسرائيل) على الحفاظ على الهوية اليهودية لليهود في كازاخستان من خلال مكتب فرعي أقامته في ألما آتا.

يصف الزعماء اليهود في كازاخستان علاقاتهم بالحكومة بالإيجابية، وكانوا قد أثنوا ثناء حسناً على الرئيس نور سلطان نزرباييف الذي قام شخصياً بتسليم الأرشيف الشخصي للحاخام اليهودي ليفي شنيرسون - المدفون في كازاخستان - والد ميناحيم ميندل شنيرسون أحد أبرز علماء الدين اليهود، لحفيده خلال زيارة الرئيس للولايات المتحدة عام 1999، أثناء تلك الزيارة وفي خطوة غير مسبوقة وتحت تأثير اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، طلب نزرباييف من مندوب كازاخستان في الأمم المتحدة التصويت ضد أي قرار يدين (إسرائيل).

وكان زعماء الجالية اليهودية في كازاخستان قد حاولوا توسيط الحكومة الكازاخية مع إيران لحل أزمة الجواسيس اليهود الذين اعتقلوا هناك، كما وعد الرئيس نزرباييف إسرائيل سنغر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي بتوسيط رجال الدين الشيعة الكازاخ لدى (حزب الله) في محاولة للإفراج عن العسكريين الإسرائيليين المحتجزين لديه.



خدمة الكيان الصهيوني:

ويعمل اليهود في كازاخستان كطابور خامس للحكومة الإسرائيلية، ويعملون ليل نهار على التقريب بين بلدهم القومي والكيان الصهيوني، فبعيد اعتراف دولة الكيان الصهيوني بجمهورية كازاخستان عملوا على قيام وزير الاتصالات الإسرائيلي بزيارة للعاصمة السابقة وذلك في أواسط كانون الثاني/يناير عام 1992 لبحث سبل تطوير العلاقات بين الجانبين، وخاصة في مجال الاتصالات، وفي شهر نيسان/أبريل من نفس العام قام وزير التجارة الكازاخي بزيارة جوابية تم خلالها توقيع اتفاقية لتطوير القطاع الزراعي، وتدريب الخبراء في هذا القطاع، وكذلك الاتفاق على تأسيس شركات تعنى بالتكنولوجيا الصناعية الحديثة, وبعد أسبوع على هذه الزيارة تم الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين.

وتقدَّر قيمة الاستثمارات الإسرائيلية في كازاخستان بما يقارب 300 مليون دولار، وكان الكنيست الإسرائيلي قد وافق على قرار الحكومة بضمان الاستثمار الخاص للشركات الإسرائيلية العاملة في كازاخستان بنسبة 65%, ابتداء من شهر يونيو 1993، كما قام الكنيست بالمصادقة على تقديم قرض للحكومة الكازاخية هو الأول من نوعه في تاريخ الدولة العبرية.

وتقوم شركة الطيران الكازاخية بتسيير رحلة أسبوعية إلى مطار اللد حاملة على متن طائراتها رجال الأعمال، والسواح، والمهاجرين اليهود، ويقيم أكثر من 20 خبيراً إسرائيلياً بصورة دائمة في كازاخستان لتقديم استشارات للحكومة والقطاع الخاص.

أما أبرز الشركات الإسرائيلية العاملة في كازاخستان فهي:

1. شركة (ليفاييف غروب) العاملة في مجال الصناعات الكيميائية، ومناجم الذهب، واليورانيوم.

2. شركة (أورمات) النشطة في مجال الطاقة، وقد قامت الشركة مؤخراً بإهداء الحكومة الكازاخية مستشفى ميدانياً، وتعهدت بتمويل تدريب الأطباء الكازاخ في (إسرائيل).

3. شركة (غيلات) المختصة بالاتصالات، وتعتبر واحدة من أكبر الشركات العالمية في هذا المجال، ويغطي نشاطها القارات الخمس.



تعاون عسكري:

وسارعت شركات الإنشاءات الإسرائيلية لتقديم عروضها للحكومة الكازاخية عندما أعلنت عن نيتها بناء منشآت عسكرية على طول حدودها الجنوبية، أما الشركات العاملة في المجال العسكري فقد سال لعابها لدى إعلان كازاخستان عن نيّتها تحديث قوتها العسكرية، وتقدمت (شركة إلبيت) للأنظمة، وشركة الصناعات الجوية المملوكة للحكومة الإسرائيلية بعروض لتحديث الطائرات المروحية الروسية الصنع التي تملكها كازاخستان، إلا أن عدم وجود السيولة الكافية لدى الحكومة الكازاخية أرغمها على التـقدم بعروض لتحديث جزء من هذه الطائرات مقابل الجزء الآخر، وهو عرض رحبت به الشركات الإسرائيلية.

وكانت (شركة صبتون المحدودة) إحدى أفرع (شركة أفريقيا - إسرائيل المحدودة للاستثمار) قد اشترت أكبر مصنع لمعالجة اليورانيوم في كازاخستان، في صفقة بلغت 300 ألف دولار، وأثارت العديد من الأسئلة، ذلك أن القيمة الحقيقية للمصنع كانت قد قدرت قبل الشراء بسنتين بمبلغ يزيد على 20 مليون دولار، ويعالج المصنع ما يتراوح بين 130 و150 طن من اليورانيوم الخام سنوياً، وذكر ليف ليفاييف مدير الشركة أن الصفقة تمت بعد لقائه بالرئيس نزرباييف والعديد من المسؤولين الكازاخ رفيعي المستوى.

وشهد عام 2000 ذروة النشاط الإسرائيلي في كازاخستان, ففي بداية آذار/ مارس من ذلك العام باشر (مركز التعاون الدولي) التابع لوزارة الخـــارجية الإسرائيلية (ماشاف) خطته الخمسية لتطوير مناطق قيزيل أرديني والمتعلقة بوقف التصحر عن طريق التشجير, استخدام البيوت البلاستيكية في الزراعة, تطوير مصادر المياه، ومد شبكات جديدة لتوصيل المياه إلى بحيرة باسكار المهددة بالجفاف، وزراعة آلاف الهكتارات عن طريق استغلال تلك المصادر, والحفاظ على البيئة, وغيرها من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية, مثل التوسع في إنشاء أحواض لتربية الأسماك، وحظائر لتربية الإبل، والاستفادة من ألبانها.

ويعمل المركز على التوسيع في زراعة القطن، ومكننة الزراعة باستخدام الآلات، وتطوير نظم الري الحديثة وخاصة الري بالتنقيط، ويقوم مركز ماشاف بتنفيذ القسم الأكبر من هذه المشاريع بتمويل أمريكي وأوروبي.

وفي 29 – 30 أيار/مايو من ذات العام عقد مؤتمر علمي تطبيقي للتعاون بين العلماء الكازاخ ونظرائهم الإسرائيليين برعاية أكاديمية العلوم الكازاخية, وزارة الطاقة, وزارة الصناعة والتجارة وجمعية كازاخستان – إسرائيل، ومركز التعاون الدولي ماشاف، ووكالة العون الأمريكية، تمت خلاله مناقشة سبل التعاون في مجالات الصحة العامة, الزراعة, الطب, الكيمياء, الأحياء, تطوير نظم الري الحديثة, والتعاون العلمي والتقني، إضافة إلى متابعة المشاريع في مجالات الطاقة, الإلكترونيات, الطب, التقنية الحيوية, الزراعة, الحفاظ على البيئة, السياحة والقطاع المصرفي.



النفط والتكنولوجيا:

واتفق المؤتمرون على تطبيق الاختراعات العلمية الكازاخية عن طريق مؤسسات إسرائيلية، وإنشاء مراكز أبحاث علمية مشتركة على غرار تلك القائمة بين (إسرائيل) والدول الأوروبية.

وفي 22 – 29 من شهر أيار/مايو قام الدكتور الإسرائيلي أندريه وايزمان بعلاج عدد من المدمنين الكازاخ، وتدريب عدد من الأطباء المحليين على طرق علاج خاصة للتخلص من الإدمان ضمن فعاليات (القرن 21 دون إدمان)، والذي جرى في كازاخستان.

في محاولة منها لتثبيت أقدامها تسعى (إسرائيل) إلى التمركز في كازاخستان مستغلة أية فرصة تساعدها على ذلك، ورغم المنافسة الحادة فقد استطاعت (إسرائيل) التغلغل وتثبيت أقدامها في مجال الصناعات النفطية، وقامت شركة (ميتيك ميتال تكنولوجي) ببناء وتشغيل مصفاة لتكرير النفط طاقتها 400 ألف طن سنوياً قابلة للزيادة، ميزة هذا المشروع قربه من مصادر استخراج النفط, الأمر الذي يحول دون إعاقة الضخ، وقد قام بتمويل المشروع عدة مصارف تجارية من (إسرائيل) وكندا وتشيكيا، بضمان من الحكومة الكازاخية، ووزارة الصناعة والتجارة الإسرائيلية.

وقامت شركة كازاخ تيليكوم للاتصالات بتوقيع عقد مع شركة غيلات الإسرائيلية لتوصيل 250 مركز سكني بخدمات الهاتف والإنترنت، والتحويل المصرفي الإلكتروني بواسطة الأقمار الصناعية, و قد بلغت قيمة العقد عشرات ملايين الدولارات, واتفق الجانبان على أن يتبع ذلك مشاريع أخرى في المستقبل.

وقامت (إسرائيل) ببناء مصنع آلات لجمع القطن، و4 مصانع للزيوت النباتية، ومصنع لصهر الألومنيوم طاقته 250 ألف طن، ومصانع لإنتاج الإثيلين, والبولياثلين, والبوليكلورفينيل، وتســعى (إسرائيل) لتسويق إنتاج هذه المصانع في دول شرق أوسطية على اعتبارها كازاخية المنشأ.

ونظراً للصعوبات المالية التي تواجهها كازاخستان تتقاضى (إسرائيل) ثمناً لمشاريعها هناك من المواد الأولية كالقطن، والنفط، وأحجار كريمة، ومعادن، ومواد غذائية وغيرها.

وأخيراً أعلنت (إسرائيل) في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي عن إطلاق قمر صناعي للاتصالات من طراز (عاموس) من (قاعدة بايكانور الفضائية) في كازاخستان.



جشع وتلاعُب:

ورغم كافة التسهيلات التي تقدمها الحكومة الكازاخية للإسرائيليين فإن هؤلاء يسعون إلى جني الأرباح بأي طريقة، سواء كانت قانونية أو غير قانونية، هذا الجشع أدى إلى إحراق كل من شاؤول إيزنبيرج، ويوسي مايمانº وهما من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين العاملين في كازاخستان، وقد أصيبا بحروق بالغة، أما آل ميلكينز الذين يعملون في مجالات الحبوب والمبيدات الزراعيةº فقد تم طردهم من هناك، وقد رفعوا دعوى قضائية في تل أبيب ضد الحكومة الكازاخية حصلوا نتيجتها على تعويض بلغ عشرة ملايين دولار.

ولم يقتصر هذا الجشع على الأفراد فقد استمرت (إسرائيل) في العمل على إبقاء الميزان التجاري لصالحها، ولم تعمل على رفع الحواجز الجمركية بوجه الصادرات الكازاخية كما نصت الاتفاقيات التجارية بين البلدين.

وفي السياق نفسه تأتي دعوة رئيس المصرف المركزي الإسرائيلي بوروخوف - وهو يهودي من أصل أوزبيكي - الحكومة الإسرائيلية إلى المبادرة لتشكيل صندوق مشترك مع البنك الدولي للإنشاء والتطوير لتمويل مشاريع في آسيا الوسطى عامة وكازاخستان بشكل خاص، فهل يأمن البنك الذئب على غنمه؟

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply