جاسوس إسرائيلي في البنتاجون؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم





هل إسرائيل بحاجة إلى التجسس على الولايات المتحدة الأمريكية؟

ولماذا تحتاج لذلك في ظل إدارة تبنت أجندة سياسية بالأخص فيما يتعلق بكل قضايا الشرق الأوسط تماهت فيها المصلحة الأمريكية مع المصلحة الأسرائيلية تماماً؟

السؤال مشروع بسبب القضية الأخيرة التي جاءت في توقيت قاتل، فهي تأتي قبل يومين من انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري الذي سيعلن فيه الرئيس بوش قبوله بالتنصيب بعد أن قدم كل ما يستطيع - آخر تنازلاته هو شطب موضوع الدولة الفلسطينية من جدول أعمال الحزب إرضاءاً لضغوطات اللوبي الصهيوني - تزلفاً ليهود أمريكا، ولكن مجرد فكرة أن دولة حليفة مثل إسرائيل تقوم بخيانة الولايات المتحدة من خلال سرقة الأسرار تشكل أمراً شديد الإحراج، على حد قول صحيفة \"لوس أنجلوس تايمز\" اليوم لإدارة الرئيس بوش، فلماذا تجد إسرائيل نفسها مازالت بحاجة للتجسس على إدارة الرئيس بوش؟

قصة الباحث الجاسوس الذي تم توقيفه في وزارة الدفاع الأمريكية بتهمة تسريب معلومات سرية لإسرائيل قد تقدم تفسيراً ما، وإن كان لا يرقي إلى درجة الإجابة الواضحة.

كانت قناة السي بي إس أول من كشف عن الخبر، حيث اعتبرته \"أسوأ خرق أمني منذ سنوات\"، ثم توالت التقارير الصحافية في مختلف وسائل الأعلام الأمريكية، وتراوحت التغطية من الصدمة الأولية إلى محاولة قراءة أبعاد الحادثة، والتنبؤ بالتأثير الذي يمكن أن تحدثه على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية التي تنعم تحت إدارة الرئيس بوش بأفضل أوقاتها.

لم يكشف عن هوية الباحث الجاسوس بعد، فلا يعرف عنه سوى أنه باحث خبير بالشؤون الإيرانية، ويعمل أيضاً على ملفات سياسية على درجة كبيرة من الأهمية بما في ذلك سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران والعراق، ويشتغل في وحدة البنتاجون لشئون الشرق الأدني وجنوب آسيا، وقد عمل سابقاً مع وكالة المخابرات الحربية.

وتأتي خطورة الأمر من نقطيتن أساسيتين:

أولاهما: أن وحدة البنتاجون تلك هي المنوط بها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر القيام بالتخطيط للسياسيات الدفاعية في الحرب على أفغانستان والعراق، وبالتالي فقرار الذهاب للحرب مرتين في أفغانستان والعراق كان مصدره هذه الإدارة.

وثانياً: أن الباحث قام بتسليم وثيقة تشتمل على تعليمات رئاسية حول سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران إلى شخصين ينتميان إلى منظمة إيباك المنظمة الأم للوبي الصهيوني بالولايات المتحدة، والتي مررتها بدورها للحكومة الإسرائيلية، الأمر الأكثر خطورة هنا - علي حد تعبير الصحافة الأمريكية - أن هذا الباحث الجاسوس قد نقل الوثيقة في صورتها الأولية حينما كانت نقاطها لا تزال محل نقاش بين خبراء السياسة الأمريكية، وبالتالي تنقل لإسرائيل النقاشات في صورتها الأولية والمبدئية حتى قبل أن يصل الأمريكيون أنفسهم لقرار بشأن النقاط المطروحة، فالخطورة هنا أنه يعطي لإسرائيل الفرصة حتي تمارس ضغوطاً بهدف التأثير علي القرار النهائي، لأنها تعلم سلفاً ما انطوت عليه النقاشات السرية بين الأمريكيين.

والجاسوس يعمل في مكتب دوجلاس فيث الرجل الثالث في وزارة الدفاع الأمريكية، وأكثر الشخصيات ليكودية في أروقة البنتاجون، ففيث معروف بمواقفه اليمنية المتطرفة، ودائماً يوجه انتقادات حادة للسياسات الأمريكية التي تهدف لممارسة ضغوط على إسرائيل، وكان أحد أهم المؤيدين لغزو العراق وإزالة نظام صدام حسين، كما وأنه يناصر فرض إجراءات عقابية ضد سوريا حتى تسحب جيشها من لبنان، وقبل أن ينضم فيث لوزارة الدفاع كان معظم العمل الذي يقوم به مكتب الإستشارات الذي أسسه منصبّ على تمثيل والدفاع عن الشركات والمصالح الإسرائيلية في الولايات المتحدة، سيما تلك الشركات التي تصنع الأسلحة الإسرائيلية.

وبالتالي إذا كان مرؤوس هذا الباحث الجاسوس بهذه الخلفية، لا يكون مستغرباً أن يقوم أحد موظفيه بتسريب معلومات سرية لإسرائيل، حتي إن جريدة لوس أنجلوس تايمز لمحت إلى أنه ربما يكون فيث بل ودونالد رامسفيلد نفسه \"متورطين في تعريض المعلومات الحكومية حول تلك الدولة - أي إيران -، والمجهود الحربي الأمريكي للخطر\".

ورغم أن هذا الجاسوس لم يتم اعتقاله إلا أن التحقيق مازال قائماً، وقد ذكرت بعض الصحف أن هناك توجهاً إلى عدم توجيه تهمة بالجاسوسية، وإنما فقط تسريب معلومات سرية، غير أن من يقوم بعملية التحقيق هي وحدة مكافحة الجاسوسية في الـ إف بي أي.

وقد أثارت قصة هذا الجاسوس المجهول التذكير بقصة مشابهة وقعت منذ حوالي عقدين من الزمان حينما تم القبض على ضابط المخابرات البحرية الذي قدم أيضاً وثائق سرية لإسرائيل، وأثارت القضية آنذاك جدلاً شديداً وغضباً أمريكياً، وتم إعتقال بولارد في واشنطن 1985 بعدما فشل في اللجوء السياسي للسفارة الإسرائيلية في واشنطن.

ولكن بالعودة للسؤال الأول: لماذا تحتاج إسرائيل للتجسس على الولايات المتحدة، والاختراقات الإسرائيلية لهذه الإدارة بالذات على مستوى سياسات الشرق الأوسط على وجه التحديد واضحة للعيان؟

هذا بدوره يقود إلى سؤال أخر: هل إن السياسات الموالية لإسرائيل التي تبنتها الولايات المتحدة - وبالذات إدارة الرئيس بوش - هي بالأساس نتاج لهذه الخروقات الأمنية الإسرائيلية؟

ولكن لماذا يتم الحديث عن هذا الجاسوس في الوقت الذي يتم فيه التغاضي عن الخروقات الكبرى التي تتمثل في وجود معظم الليكوديين والمتصهيينين على رأس هذه الإدارة، إن الاختراق الإسرائيلي لهذا الإدارة قد بلغ مستويات غير مسبوقة من خلال ما وصفه بات بيوكانن أحد أركان حركة المحافظين الأمريكيين بالعصابة \"التي تسعى لتوريط الولايات المتحدة في سلسلة من الحروب التي لا تخدم المصالح الأمريكية، ونتهمهم بأنهم يتعاونون مع إسرائيل لإشعال هذه الحروب\".

ولا نكون قد كشفنا سراً حين نقول: إن معظم أركان حركة المحافظين الجدد هم من اليهود شديدي الولاء لإسرائيل، ابتداء من نورمان بودهورتز، وريتشارد بيرل، وبول ولفوفيتز، ودوجلاس فيث، ومايكل ليدن، وهل يمكن أن تؤدي هذه القضية إلى اعتبار اللوبي الصهيوني ويهود أمريكا الذي ينضوون تحت لوائه طابوراً خامساً مشكوك بولاءاته، وأنه يعلي المصلحة الإسرائيلية على المصلحة الأمريكية؟

مازال هناك نفي إسرائيلي تام، وهناك أيضاً تقليل من شأن الأمر لدى البنتاجون الذي اتخذ موقفاً دفاعياً، وقلل من شأن المكانة الوظيفية للجاسوس، بل ونفي أن يكون في مكانة تؤهله لأن يؤثر على السياسية الخارجية الأمريكية، ثم أضاف مسؤول البنتاجون بطريقة من ينفي عن نفسه التهمة تماماً بأنه \"ليس بإمكان أي قوة خارجية أن تؤثر على السياسة الأمريكية\"، ولكن قد يكون من قبيل الإسراف في التمني القول بأن هذه الأزمة من شأنها أن تؤثر سلباً على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، قد يكون هناك توتر لن يلبث طويلاً إذ أنه بدأت للتو آلة الدعاية المناصرة لإسرائيل تنشط في التغطية على الحادث، والتقليل من شأنه، والتركيز على قوة ومتانة وعمق العلاقات الإسرائيلية الأمريكية.

بالتأكيد هناك من سرب هذا الخبر عمداً من البنتاجون إلى الصحافة، فالأمر ليس محض مصادفة، وهو ربما يكون مصدر أقلقه النفوذ الإسرائيلي المتزايد داخل أروقة وزارة الحرب الأمريكية، ودفعه لتسريب الأمر حتى ترتدع إسرائيل بعض الشيء، وتكتفي بما حققته من اختراقات داخل الإدارة الحالية، كما أن الرئيس بوش في موقف لا يحسد عليه، إذ ليس بإمكانه أن يدلي بتعليق من شأنه أن يثير حنق اللوبي اليهودي الذي يعول عليه بشكل كبير.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply