اليهود وخياناتهم


بسم الله الرحمن الرحيم



الخطبة الأولى:

أما بعد:

أيها الناس اتقوا الله - تعالى - وكونوا مع الصادقين، كونوا مع الصادقين الذين عاملوا ربهم بصدق، فصدقوا في النية، وصدقوا في القول، وصدقوا في العمل، حققوا هذا الصدق بالقيام بما أوجب عليكم من نصرة دينه وإعلائه، وتقديمه على هوى النفس وشهواتها، فالجهاد جهادان: جهاد النفس، وجهاد العدو، ومرتبة الجهاد الأول قبل الثاني.

أيها المسلمون: يا أمة محمد، يا أمة دين الإسلام، الدين الذي جمع بين العزيمة والقوة والشهامة والكرامة جمع بين خيري الدنيا والآخرة، إن دينكم هذا له أعداء يتربصون به الدوائر، ويتحينون الفرص، ويغزونه من كل وجه، يغزونه من ناحية العقيدة والفكر فيغيرون العقيدة الصحيحة والأفكار القويمة إلى عقائد فاسدة، وأفكار عوجاء، إن أعداء الإسلام يغزونه من ناحية الأخلاق فيفتحون لأبنائه كل باب يغير الأخلاق الفاضلة، والمثل العليا.

إن أعداء الإسلام يغزون الإسلام أيضاً من الناحية العسكرية ليوهنوا أبناءه، ويشردوهم كل مشرد، ويمزقوهم كل ممزق، وفي هذه الأيام اعتدى اليهود على البلاد العربية الإسلامية، أولئك اليهود الذين ما زاولوا في عداوة شديدة للإسلام (( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا )).

أولئك اليهود الذين وصفوا الله - سبحانه - بالنقص فقالوا - لعنهم الله - (( يد الله مغلولة ))، أي بخيل لا ينفق فقال الله - تعالى-: (( غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ))[المائدة: 64]، فغل الله أيديهم غلاً معنوياً بحيث كانوا أبخل الناس لا يبذلون الأموال إلا إذا كانوا يرجون من ورائها أكثر مما بذلوا، أولئك اليهود الذين نقضوا عهد الله من بعد ميثاقه (( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون ))، أولئك اليهود الذين قتلوا أنبياء الله بغير حق، وسعوا في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين، وأولئك اليهود الذين غدروا بخاتم النبيين محمد، ونقضوا عهده، فإنه لما هاجر إلى المدينة قدمها وفيها ثلاث قبائل من اليهود، فعقد معهم أن لا يخونوا ولا يؤذوا، ولكن أبى طبعهم اللئيم، وسجيتهم السافلةº إلا أن ينقضوا ويغدروا، فأظهر بنو قينقاع الغدر بعد أن نصر الله نبيه في بدر، فأجلاهم النبي من المدينة على أن لهم النساء والذرية، ولرسول الله أموالهم.

وأظهر بنو النضير الغدر بعد غزوة أحد فحاصرهم النبي، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وسألوا من رسول الله أن يجليهم على أن لهم ما تحمله إبلهم من أموالهم إلا آلة حرب، فأجابهم إلى ذلك، فنزل بعضهم بخيبر، وبعضهم بالشام.

وأما قريظة فنقضوا العهد يوم الأحزاب، فحاصرهم النبي فنزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم بقتل رجالهم، وقسم أموالهم، وسبي نسائهم وذرياتهم، فقتل رجالهم وكانوا ما بين الستمائة إلى سبعمائة.

هذا لون من ألوان غدرهم بخاتم الأنبياء، ومن غدرهم وخيانته أنه لما فتح خيبر أهدوا له شاة مسمومة، فأكل منها، ولم يحصل مرادهم ولله الحمد، ولكنه كان يقول في مرض الموت: (ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر، وهذا أوان انقطاع أبهري).

أيها المسلمون: إن اليهود أهل غدر ومكر وخيانة، إنهم أهل غضب ولعنة من الله، استحلوا محارم الله بأدنى الحيل، فلعنهم وجعل منهم القردة والخنازير، لقد ضرب الله عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس.

أيها المسلمون: إن علينا أن نعد القوة لهؤلاء الأعداء ولكل عدو للإسلام وأبنائه مهما كان، وأياً كان، علينا أن نعد ما استطعنا من قوة بمحاربته بنوع السلاح الذي فتح الثغرة به على الإسلام، وإن علينا في مثل هذا الموقف أن نأخذ بأسباب النصر وهي:-

أولاً: إخلاص النية لله بأن ننوي بجهادنا إعلاء كلمة الله، وتثبيت شريعته، وتحكيم كتابه وسنة رسول الله.

ثانياً: أن نلتزم بالصبر والتقوى فإن الله مع الصابرين، وإن الله مع المتقين، علينا أن نصبر على الجهاد، وأن نتقي الله - تعالى - بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن مخالفة أمر الله ورسوله من أسباب الخذلان، فهؤلاء صحابة محمد مع رسول الله خالف بعضهم في أمر واحد من أوامر رسول الله في غزوة أحد فكانت الهزيمة عليهم بعد أن كان النصر لهم في أول الأمر، ولكن بعد ذلك تداركهم عفو الله فعفا الله عنهم.

ثالثاً: أن نعرف قدر أنفسنا وأن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، فلا يأخذنا العجب بقوتنا وكثرتنا، فإن الإعجاب بالنفس والاعتزاز بها من دون الله سبب للخذلان، ولقد أعجب الصحابة بكثرتهم في يوم حنين، فلم تغن عنهم شيئاً، ثم ولوا مدبرين، ولكن الله أنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً من الملائكة فكانت العاقبة للمؤمنين.

رابعاً: أن نعد العدة للأعداء مستعملين في كل وقت وحال ما يناسب من الأسلحة والقوة لنرد على سلاح العدو بالمثل.

فإذا تحققت هذه الأمور الأربعة فإن الله يقول: (( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ))[محمد: 7].

(( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا المعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ))[الحج:40-41].

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply