هل قررت إسرائيل ذبح البقرة ؟



بسم الله الرحمن الرحيم




حراك سياسي مفاجئ في القضية الفلسطينية

من دعوة بوش لمؤتمر في الخريف إلى تنظيم رايس لقاءات دوريه كل أسبوعين بين أولمرت وعباس بهدف تحريك عملية السلام إلى تسريبات في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن انسحاب من الأراضي المحتلة عام 67 (الضفة وغزة والقدس الشرقية) إلى تصريح الرئيس الإسرائيلي بيريز حول طرحه على أولمرت (رئيس الوزراء) مشروع الانسحاب بنسبة 100% من الضفة الغربية والقدس الشرقية على أن يتم مبادلة الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة بكتل من البلدات العربية داخل نطاق الأراضي المحتلة عام 48 بنسبة 5%. وربط الضفة بقطاع غزة من خلال نفق.



كما ذكرت جريدة «الشرق الأوسط» أن المشروع طرح أيضا على السلطة الفلسطينية ومصر والأردن. وأنه يلقى حماسا من جميع الأطراف.



ويعترف المشروع بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية، بأن يصبح جزء من القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح، من خلال نقل الأحياء العربية في شرق القدس للفلسطينيين، فيما تبقى الأحياء اليهودية والقدس الغربية بيد إسرائيل. على أن تتولى إدارة الحوض المقدس هيئة ثلاثية تضم ممثلين عن الديانات الثلاث، الإسلامية والمسيحية واليهودية، مع إتاحة الفرصة لكل ديانة أن تدير شؤونها الدينية ومقدساتها.



فهل حقا سيتم حل القضية الفلسطينية؟

أم أنها لا تعدو أن تكون خدع وألاعيب سياسية قد تعودناها حتى مللناها؟

إن فهم ما يجري من هذا الحراك يحتاج إلى أن نفهم طريقة العقلية اليهودية في حل المشكلات وقد بين الله لنا ذلك في قصة بقرة بني إسرائيل في سورة البقرة (من الآية 67 إلى الآية 73) عندما قتل منهم رجل ولم يعرفوا قاتله فأمرهم الله - عز وجل - بذبح بقرة وضرب القتيل ببعضها ليحييه الله فيخبرهم بمن قتله.

وبدلا من تطبيق الحل اتجهوا إلى اتهام نبيهم بالسخرية منهم والمماحكة والسؤال عن ماهية البقرة ولونها والشكوى من تشابه البقر عليهم فعاقبهم الله على تلكئهم بعدم توفر صفات البقرة إلا في واحدة لم يستطيعوا شرائها إلا بالثمن الغالي فذبحوها وما كادوا يفعلون.

وفي عصرنا تتكرر نفس الطريقة فمابرحت الأنظمة العربية تستجدي الصهاينة منذ حوالي ثلاثين سنة أن يعيدوا أقل من ربع فلسطين (%22) وهي الضفة وغزة المحتلتين عام 67 مقابل السلام الدائم والتنازل عن %78 من فلسطين لكن بني صهيون يرفضون إلا إعادة %10 فقط لا غير وبنو جدارا فاصلا على هذا الأساس.

فما الذي تغير ليوافق اليهود على إعادة كل الضفة وغزة التي تشكل %22 من فلسطين؟

وهل فعلا قد وصلوا إلى مرحلة (فذبحوها وما كادوا يفعلون)؟

لا يستبعد أن يكون هذا الحراك السياسي حول القضية الفلسطينية كسابقاته وعلى طريقة: ما هي... ما لونها.. إن البقر تشابه علينا...

فيكون الهدف من هذا الحراك والمؤتمر فقط محاولة للتهدئة والتسكين تهيئ الظرف أمام تحرك عسكري ضد المشروع النووي الإيراني.

وقد يكون فعلا توجه نحو تصفية القضية الفلسطينية نظرا لما تواجهه الدولة الصهيونية من مخاطر تهدد بزوالها وهذه المخاطر هي:

1 ـ توجه الفلسطينيين نحو أسلمة القضية لاسيما من جهة العمل الجهادي والسياسي وتطور المجاهدين من حيث التسليح ونزع السيطرة الميدانية والسياسية من عملاء الصهاينة وبصورة مفاجئة وسريعة كما في فوز حماس بالانتخابات ثم صمودها على الحصار ثم استيلائها على غزة في يومين وتهديدها بالسيطرة على الضفة الغربية.

2 ـ التحولات الخطيرة في دول الطوق العربية مع الكيان الصهيوني من حيث ضعف تلك الأنظمة التي طالما حرست اليهود وصعود نجم الإسلاميين في تلك الدول المجاورة وما يشكله ذلك من خطر على دولة يهود.

3 ـ خطر المجاهدين في العراق الذين استطاعوا هزيمة أقوى جيش في العالم وليس بينهم وبين فلسطين سوى رمية حجر.

4 ـ ظهور مؤشرات انهيار أمريكا أكبر قوة يعتمد عليها الصهاينة في بقائهم من حيث التسليح والدعم السياسي والمال (أمريكا تمنح إسرائيل عشرة ملايين دولار يوميا) {ضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ أَينَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبلٍ, مِنَ اللهِ وَحَبلٍ, مِنَ النَّاسِ... ] {آل عمران: 112}

5 ـ ظهور ضعف جيشهم وانهيار سياسة الردع التي كان ينتهجها حيث عجز عن إيقاف سقوط صواريخ القسام على المستوطنات وكذا ظهر ضعفه في حربه مع حزب الله رغم انتصاره.

6 ـ ضعف القادة الصهاينة وعدم وجود قائد قوي ويعتبر شارون آخر القادة الأقوياء في إسرائيل

7 ـ تزايد سيطرة حماس على المستوى السياسي الفلسطيني وخطر أن تصبح الممثل الوحيد للفلسطينيين فلا يستطيع الصهاينة انتزاع تنازلات من حماس كما حصلوا عليه من تنازلات العلمانيين المجانية فعباس أضعف رئيس فلسطيني وهو مهندس اتفاق أوسلو الذي أسس السلطة الفلسطينية لتخلص الصهاينة من عبء الانتفاضة الفلسطينية ويخشى اليهود ألا يخلفه إلا إسماعيل هنيه ليكون أقوى رئيس فلسطيني لا يقبل تمرير ما قدمه أسلافه من تنازلات في طريق خرافة السلام.

وفي ذلك تخلص من عبء التسوية مع ممثلين أقوياء للقضية الفلسطينية، ودفع جهود التطبيع مع عدد من الدول العربية الأساسية وفى مقدمتها السعودية صاحبة المبادرة العربية.

فعباس مستعد للتنازل عن ثلاثة أرباع فلسطين مقابل ربعها للفلسطينيين ومن ثم منح حق ثلاثة أرباع فلسطين لليهود في اتفاقية سلام جائر لكن هنية لن يقبل بهذا التنازل وأقصى ما سيوافق عليه اتفاق هدنة لزمن محدد ليواصل بعدها الفلسطينيون تحرير بقية فلسطين.

ومما يؤمله الصهاينة وعملاؤهم من هذا المشروع كسب التأييد الواسع من الشعب الفلسطيني وسحب البساط من تحت أقدام حماس.

بالإضافة إلى أن عباس مستعد (وكذا الدول العربية عبر المبادرة العربية) للتنازل عن حق عودة الفلسطينيين المهجرين من بلادهم وهذا ما ترفضه حماس وكان بوش قد تعهد لشارون في رسالة تهدئة بأن الحل سيكون بإسكانهم في الدولة الفلسطينية وليس في إسرائيل.

وهذه مسألة ليست بالهينة حين تعلم أن ثلاثة أرباع الفلسطينيين مهجرين من ديارهم (نصفهم أي خمسة ملايين خارج فلسطين ومليونين مطرودين من مدنهم داخل الأراضي المحتلة عام 48 إلى مخيمات في الضفة وغزة وذلك بحسب دائرة الإحصاء الفلسطينية) ومن ثم فهذا السلام المعروض يعني قيام دولة فلسطينية على ربع فلسطين لا يسكنها سوى ربع الفلسطينيين والثلاثة أرباع الباقين عليهم الرضى بالتشرد والطرد والنفي إلى أقاصي المعمورة، باسم التوطين والتطبيع والتعويض والاحترام الدولي ليحل السلام.

لقد طرد الصهاينة الفلسطينيين من 530 قرية ومدينة فلسطينية وعددها هذا حسب التقسيم البريطاني.

إن هذا المشروع المطروح من جهة الصهاينة إنما هو مؤشر جديد على تراجع قوتهم وانحدارهم نحو الانهيار فبعدما كانوا يرفضون رسم حدود لدولتهم للاستمرار في التوسع وتحقيق حلم إقامة إسرائيل الكبرى من النيل للفرات تراجعوا إلى إقامة جدار يحد دولتهم ويمنع عنها هجمات الفلسطينيين وكان الجدار يستولي على %58 من أرض الضفة والآن يتراجعون عنه بمشروعهم الجديد.

لكن كيف ستتعامل إسرائيل وعملائها مع غزة؟

غزة لا تشكل سوى 1.5 % من فلسطين بينما تشكل الضفة %20 فمساحة غزة 365 كم² ويسكنها مليون ونصف بينما مساحة الضفة 5690كم² ويسكنها مليونين ونصف.

ومن ثم فهدف مشروع السلام الحالي إقامة دولة في الضفة ويتم دعمها اقتصاديا بينما يستمر حصار غزة حتى ينبذ أهلها حماس ويطالبون بالعودة لحكم العلمانيين بالضفة وقد يسبق ذلك هجوم إسرائيلي لمحاولة القضاء على حماس وإعادة غزة لعملاء إسرائيل.

أما حماس فهي غير معنية بهذا الاتفاق الجديد وقد تحصد ثمرته في الضفة كما حصدت غزة من اتفاق أوسلوا وكان شعار الصهاينة حينها: غزة أولاً

وقد يسبق كل ذلك تحول دراماتيكي في المنطقة تحرر على إثره فلسطين كلها لاسيما مع مؤشرات ضعف أمريكا وإسرائيل وحكومات الطوق وهذه مسألة يطول الحديث حولها [...وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ] {يوسف: 21}

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply