الصهيونية المسيحية والسياسة الأمريكية ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم



يجع السبب الرئيسي لاضطهاد المسيحيين لليهود خلال الألفي عام المنصرمة إلى نصوص إنجيلية تدين اليهود وتدمغهم بأنهم\"أعداء الرب\"و\"قتلة المسيح\"- عليه السلام -، وتسبغ عليهم أبشع الأوصاف وأفظعها.

ولفائدة القراء غير المعتادين على مصادر الديانة المسيحية نشير إلى أن الإنجيل أو \"العهد الجديد\" يتألف من أربعة أناجيل، هي أناجيل \"متَّى\" و \"مرقس\" و \"لوقا\" و \"يوحنا\" على الترتيب، وكل منها يحكي قصة حياة المسيح - عليه السلام -، مع اختلاف وتناقض كبير في المعطيات. كما يشمل الإنجيل ما يدعى\"أعمال الرسل\"وهو سجل كتبه\"لوقا\"– حسب اعتقاد المسيحيين – تناول فيه نشأة الكنيسة وانتشارها خارج موطنها الأصلي، وما تعرضت له من اضطهاد. ثم يلي ذلك ما يعرف بـ\"الرسائل\"وهي إحدى وعشرين رسالة موجهة إلى المسيحيين في مختلف المناطق من طرف دعاة المسيحيين الأوائل، أو\"الرسل\"كما يدعوهم المسيحيون. وينتهي الإنجيل بسفر الرؤيا، وهو فصل غريب من الإنجيل يدعي المسيحيون الأصوليون أنه يتنبأ بكل ما سيحدث في المستقبل، ويفسرون من خلاله أحداث الحاضر والآتي. ويحتل هذا الفصل مكانة خاصة في قلوب المسيحيين الصهاينة، وهو مرجعهم في العديد من مقولاتهم.

وتطفح صفحات الأناجيل الأربعة، وما ألحق بها من رسائل، بذم اليهود وعيبهم، بشكل لا تخطئه عين القارئ للإنجيل. فنلق نظرة الآن على بعض هذه النصوص، قبل أن نرى – في حلقات قادمة بإذن الله - كيف يفهمها أتباع المسيحية الصهيونية اليوم، ويحاولون التخلص منها بتأويل مدلولها أحيانا، وبالتشكيك في صحتها التاريخية أحيانا أخرى.

لقد وصف الإنجيل اليهود بمختلف الأوصاف المستهجنة، ومنها:

أنهم قتلة الأنبياء: فقد كتب\"بولس\"إلى مسيحيي مدينة تسالونيكي اليونانية أثناء اضطهادهم: »إنكم أيها الإخوة، قد صرتم على مثال كنائس الله التي في منطقة اليهودية، والتي هي في المسيح يسوع. فأنتم أيضا قاسيتم على أيدي اليهود الذين قتلوا الرب يسوع والأنبياء، واضطهدونا نحن أيضا، وهم لا يُرضُون الله ويعادون الناس جميعا« (الرسالة الأولى إلى مؤمني تسالونيكي 2/14-15) وبسبب فعلهم هذا استحقت\"أورشليم\"- أي القدس - هذه الصيحة من المسيح طبقا للإنجيل: »يا أورشليم! يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين..\"(لوقا 13/34)

أنهم أبناء قتلة الأنبياء: »تشهدون على أنفسكم بأنكم أبناء قاتلي الأنبياء، فأكملوا ما بدأه آباؤكم ليطفح الكيل« (متى 23/31) »ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء ومعلمين، فبعضَهم تقتلون وتصلبون، وبعضَهم تجلدون في مجامعكم، وتطاردونهم من مدينة إلى أخرى، وبهذا يقع عليكم كل دم زكيٍّ, سُفك على الأرض، من دم هابيل البارِّ، إلى دم زكريا بن برَخيَّا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح\"(متى 23/34-35).

وأنهم\"أولاد الأفاعي\"، وقد جاء ذلك على لسان المسيح: »يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون وأنتم أشرار أن تتكلموا كلاما صالحا؟ لأن الفم يتكلم بما يفيض به القلب« (إنجيل متَّى 12/34) »أيها الحيات أولاد الأفاعي! كيف تفلتون من عقاب جهنم؟!« (متى 23/33) وعلى لسان يوحنَّا المعمدان: »يا أولاد الأفاعي! من أنذركم لتهربوا من الغضب الآتي؟\"(متَّى 3/7 مرقس 3/7)

وأنهم يفخرون بالانتماء لإبراهيم بغير حق: »لا تعللوا أنفسكم قائلين: لنا إبراهيم أباً، فإني أقول لكم: إن الله قادر أن يطلع من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم. وها إن الفأس قد ألقيت على أصل الشجر، فكل شجرة لا تثمر ثمرا جيدا تُقطَع وتُطرَح في النار\"(متى 3/5-10)

وأنهم أهل رياء وفسق: »أيها المراؤون لماذا تجربونني؟\"(متى 22/18) »أيها المراؤون! أحسن\"إشعياء\"إذ تنبأ عنكم فقال: الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فبعيد عني جدا« (متى 15/7-8 وقارن مع 23/25-27 وإنجيل مرقس 77/6) »يا مراؤون\"(لوقا 13/15) »تبدون للناس أبرارا، ولكنكم من الداخل ممتلئون من الرياء والفسق« (متى 23/28)

وأنهم أهل جهل وعمى: »أيها الجهال والعميان\"(متى 23/17) »أيها العميان\"(متى 23/19) »أيها القادة العميان\"(متى 23/24) »دعوهم وشأنهم، فهم عميان يقودون عميانا، وإذا كان الأعمى يقود أعمى يسقطان معا في حفرة« (متى 15/14)

وأنهم أهل ضلالة: »فقد رفضوا قصد الله من نحوهم، إذ لم يكونوا قد تعمدوا على يده[على يد يوحنَّا]\"(لوقا 7/30) »اذهبوا بالأحرى إلى الخراف الضالة، إلى بيت إسرائيل\"(متى 10/6)

وأنهم عديمو الإحساس بالعدل والرحمة والأمانة وذلك هو جوهر الشريعة الإلهية: »أهملتم أهم ما في الشريعة: العدل والرحمة والأمانة« (متى 23/23) نظرا لما يتسمون من أنانية: »سعوا إلى إثبات برهم الذاتي، لم يخضعوا للبر الإلهي\"(الرسالة إلى مؤمني روما 10/3) وقساوة قلوب وغيرها من الرذائل (انظر: مرقس 10/5 ومتى 19/8).

وليس كل هذا سوى غيض من فيض مما ورد حول اليهود في الإنجيل. بيد أن الذنب الأكبر والعيب الأخطر الذي يتهم به الإنجيل اليهود هو أنهم اضطهدوا المسيح - عليه السلام -، ثم..قتلوه. ورغم أن قصة مقتل المسيح على أيدي اليهود من وجهة نظر إسلامية – مجرد خرافة أنتجت ممارسات ظالمة، فقد ترسخت هذه الفكرة في العقل المسيح خلال القرون، تدعمها نصوص إنجيلية متضافرة، وظروف سياسية واجتماعية قلقة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply