بيان حقيقة كفر أهل الكتاب اليهود والنصارى ونقمتهم على المسلمين


 

بسم الله الرحمن الرحيم



حين تتم النداءات الثلاثة للذين آمنوا، يتوجه الخطاب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليواجه أهل الكتاب، فيسألهم : ماذا ينقمون من الجماعة المسلمة؟ وهل ينقمون منها إلا الإيمان بالله، وما أنزل إلى أهل الكتابº وما أنزله الله للمسلمين بعد أهل الكتاب؟

هل ينقمون إلا أن المسلمين يؤمنون، وأنهم هم - أهل الكتاب - أكثرهم فاسقون؟ وهي مواجهة مخجلة. ولكنها كذلك كاشفة وحاسمة ومحددة لأصل العداوة ومفرق الطريق : (قل يا أهل الكتاب، هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل من قبل، وأن أكثركم فاسقون؟ قل : هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله؟ من لعنه الله، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، وعبد الطاغوت.. أولئك شر مكانا، وأضل عن سواء السبيل)..



إن هذا السؤال الذي وجه الله رسوله إلى توجيهه لأهل الكتاب، هو من ناحية سؤال تقريري لإثبات ما هو واقع بالفعل منهمº وكشف حقيقة البواعث التي تدفع بهم إلى موقفهم من الجماعة المسلمة ودينها وصلاتها.



وهو من ناحية سؤال استنكاري، لاستنكار هذا الواقع منهم، واستنكار البواعث الدافعة عليه.. وهو في الوقت ذاته توعية للمسلمين، وتنفير لهم من موالاة القوم، وتقرير لما سبق في النداءات الثلاثة من نهي عن هذه الموالاة وتحذير.



إن أهل الكتاب لم يكونوا ينقمون على المسلمين في عهد الرسول وهم لا ينقمون اليوم على طلائع البعث الإسلامي - إلا أن هؤلاء المسلمين يؤمنون باللهº وما أنزله الله إليهم من قرآنº وما صدق عليه قرآنهم مما أنزله الله من قبل من كتب أهل الكتاب..

إنهم يعادون المسلمين لأنهم مسلمون! لأنهم ليسوا يهودا ولا نصارى. ولأن أهل الكتاب فاسقون منحرفون عما أنزله الله إليهمº وآية فسقهم وانحرافهم أنهم لا يؤمنون بالرسالة الأخيرة وهي مصدقة لما بين أيديهم - لا ما ابتدعوه وحرفوه - ولا يؤمنون بالرسول الأخير، وهو مصدق لما بين يديهº معظم لرسل الله أجمعين.

إنهم يحاربون المسلمين هذه الحرب الشعواءº التي لم تضع أوزارها قط، ولم يخب أوارها طوال ألف وأربعمائة عامº منذ أن قام للمسلمين كيان في المدينةº وتميزت لهم شخصيةº وأصبح لهم وجود مستقلº ناشىء من دينهم المستقل، وتصورهم المستقل، ونظامهم المستقل، في ظل منهج الله الفريد.

إنهم يشنون على المسلمين هذه الحرب المشبوبة لأنهم - قبل كل شيء - مسلمون ولا يمكن أن يطفئوا هذه الحرب المشبوبة إلا أن يردوا المسلمين عن دينهمº فيصبحوا غير مسلمين.. ذلك أن أهل الكتاب أكثرهم فاسقونº ومن ثم لا يحبون المستقيمين الملتزمين من المسلمين!

والله - سبحانه - يقرر هذه الحقيقة في صورة قاطعة، وهو يقول لرسوله في السورة الأخرى : (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).. ويقول له في هذه السورة أن يواجه أهل الكتاب بحقيقة بواعثهم وركيزة موقفهم : (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا باللهº وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون؟ ).. وهذه الحقيقة التي يقررها الله - سبحانه - في مواضع كثيرة من كلامه الصادق المبين، هي التي يريد تمييعها وتلبيسها وتغطيتها وإنكارها اليوم كثيرون من أهل الكتاب، وكثيرون ممن يسمون أنفسهم \"مسلمين\".. باسم تعاون \"المتدينين\" في وجه المادية والإلحاد كما يقولون!



أهل الكتاب يريدون اليوم تمييع هذه الحقيقة بل طمسها وتغطيتها، لأنهم يريدون خداع سكان الوطن الإسلامي - أو الذي كان إسلاميا بتعبير أصح - وتخدير الوعي الذي كان قد بثه فيهم الإسلام بمنهجه الرباني القويم. ذلك أنه حين كان هذا الوعي سليما لم يستطيع الاستعمار الصليبي أن يقف للمد الإسلامي، فضلا على أن يستعمر الوطن الإسلامي.. ولم يكن بد لهؤلاء - بعد فشلهم في الحروب الصليبية السافرة، وفي حرب التنصير السافرة كذلك - أن يسلكوا طريق الخداع والتخدير، فيتظاهروا ويشيعوا بين ورثة المسلمين، أن قضية الدين والحرب الدينية قد انتهت! وأنها كانت مجرد فترة تاريخية مظلمة عاشتها الأمم جميعا!

ثم تنور العالم و\"تقدم\" فلم يعد من الجائز ولا اللائق ولا المستساغ أن يقوم الصراع على أساس العقيدة.. وأنما الصراع اليوم على المادة! على الموارد والأسواق والاستغلالات فحسب! وإذن فما يجوز للمسلمين - أو ورثة المسلمين - أن يفكروا في الدين ولا في صراع الدين!

[نقلا عن في ظلال القرآن ص 923 -927 لسيد قطب - رحمه الله -].

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply