بسم الله الرحمن الرحيم
ثقافة الكراهية..الأصول والجذور
أثمرت تراكمات مفردات الخطاب الغربي، الخاص بالشرق الإسلامي، أثمرت مخزوناً من \"ثقافة الكراهية السوداء\"، التي شاعت وترسبت، بل وتكلَّست، في كثير من ميادين الثقافة واللاهوت والتعليم والإعلام بأوروبا وأمريكا.. وهو المخزون الداعم للمشاريع الغربية لاستعمار الشرق، والذي تطفح به منابر الثقافة والإعلام والتنصير الغربية إبان الأزمات الحادة في علاقة الغرب بالإسلام، على النحو الذي رأيناه ونراه بعد \"قارعة 11 سبتمبر 2001م\" في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا الميدان يستطيع العقل المسلم أن يتابع ويعي دلالات المواقف والأفكار، التي غدت مكونات أساسية في ثقافة الخطاب الغربي حول الإسلام والحضارة الإسلامية... وهي مواقف وأفكار رصدها وانتقدها علماء غربيون منصفون.. وذلك من مثل:
تصوير نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، باعتباره المنشق الكاثوليكي الأكبر، الذي اختطف الشرق من الغرب الروماني، ومن الكاثوليكية!!.. وكما يقول المفكر الألماني \"هوبرت هيركومر\" في دراسته عن \"صورة الإسلام في الأدب الوسيط\": \"فإن الأوروبيين ادَّعوا أن رسول الإسلام كان في الأصل كاردينالاً كاثوليكياً، تجاهلته الكنيسة في انتخابات البابا، فقام بتأسيس طائفة ملحدة في الشرق، انتقاماً من الكنيسة، واعتبرت أوروبا المسيحية في القرون الوسطى محمداً المرتد الأكبر عن المسيحية الذي يتحمل وزر انقسام نصف البشرية عن الديانة المسيحية\"(1)!!
وتصوير الكاثوليكية الأوروبية بلسان فيلسوفها الأكبر \"توما الأكويني\" (1225 1274م) رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بأنه \"الذي أغوى الشعوب من خلال وعوده الشهوانية... وقام بتحريف جميع الأدلة الواردة في التوراة والأناجيل من خلال الأساطير والخرافات التي كان يتلوها على أصحابه، ولم يؤمن برسالة محمد إلا المتوحشون من البشر، الذين كانوا يعيشون في البادية... \"(2)!!
وتصوير البروتستانتية الأوروبية بلسان رائدها الأول \"مارتن لوثر\" (1483 1546م) للقرآن الكريم \"بأنه كتاب بغيض وفظيع وملعون، ومليء بالأكاذيب والخرافات والفظائع\"... وحديثه عن أن \"إزعاج محمد، والإضرار بالمسلمين، يجب أن تكون هي المقاصد من وراء ترجمة القرآن، وتعرف المسيحيين عليه! \"، وأن \"على القساوسة أن يخطبوا أمام الشعب عن فظائع محمد، حتى يزداد المسيحيون عداوة له، وأيضاً ليقوى إيمانهم بالمسيحية، ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم في الحرب ضد الأتراك المسلمين، وليضحوا بأموالهم وأنفسهم\" في هذه الحروب!! (3).
وتصوير الغرب للمسلمين في الثقافة الشعبية الأوروبية، ومن خلال الملاحم الشعبية، مثل \"ملحمة رولاند\" سنة 1100م، بأنهم \"الجنس الحيواني الحقير.. والكلاب والخنازير\"!!.. وأنهم \"يعبدون أصنام الثالوث: \"أبوللين\" Apollin، و\"تيرفاجانت\" Tervagant و\"حوميت محمد\" Mahamet!! (4).
وهي الأوصاف المزيفة والكاذبة، التي لا تزال تجترها حتى الآن \"أفلام هوليود\"، والأعمال \"الأدبية\" التي يفوز أصحابها بجوائز \"نوبل\" في هذه الأعوام!!
ووضع \"دانتي\" (1295 1321م) صاحب \"الكوميديا الإلهية\" رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه \"في الحفرة التاسعة في ثامن حلقة من حلقات جهنم، وقد قطعت أجسامهم وشوهت في دار السعير، لأنهم كانوا في الحياة الدنيا \"بكذبه وافترائه\" أهل شجار وشقاق\"!! (5).
وحديث \"جوته\" (1749 1832م) عن القرآن الكريم، باعتباره \"الكتاب الذي يكرر نفسه تكرارات لا تنتهي فيثير اشمئزازنا دائماً، كلما شرعنا في قراءته\"!!
وحديث المستشرق الألماني \"تيودور نولدكه\" (1836 1930م) في كتابه \"من تاريخ القرآن\" عن \"لغة القرآن المتراخية والركيكة.. وتكراراته التي لا تنتهي، والتي لا يستحي الرسول من استخدام الكلمات نفسها فيها... والبراهين التي تعوزها الدقة والوضوح، والتي لا تقنع إلا المؤمنين من البداية بالعاقبة النهائية. والقصص التي لا تقدم إلا قليلاً من التنوع، والتي كثيراً ما تجعل آيات الوحي أقرب إلى الملل والسآمة.. فأسلوب القرآن فيه عيوب كثيرة، عيوب غير موجودة في القصائد العربية القديمة ولا في أخبار العرب.. وأفكاره ضحلة، وساذجة، وبدائية\"!!
أما \"توماس كارليل\" (1795 1881م) الذي تحدث عن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، حديثاً إيجابياً، حتى جعله كزعيم مصلح، وليس كنبي ورسول أول العظماء المائة فإنه هو القائل: \"محمد شيء، والقرآن شيء آخر مختلف تماماً.. ولا يوجد شيء غير الشعور بالواجب يمكن أن يحمل أي أوروبي على قراءة القرآن... إإنه خليط طويل، وممل ومشوش.. جاف.. وغليظ.. باختصار، هو غباء لا يحتمل\"(6).
هذه هي صورة الإسلام.. وقرآنه.. ورسوله.. وصورة المسلمين وحضارتهم، التي شاعت في الثقافة الغربية، وفي الخطاب الغربي عن الشرق الإسلامي، منذ ظهور الإسلام، وحتى العصر الحديث... والتي كوَّنت الأصول والجذور لثقافة الكراهية السوداء، التي تستكين حيناً، وتطفو أحياناً، إبان الأزمات بين الغرب والإسلام.
حدث هذا ويحدث، بينما يؤمن المسلمون ويقدسون كل الكتب والشرائع والنبوات والرسالات، ولا يفرقون بين أحد من رسل الله، ويتلون آيات القرآن التي تقول عن التوراة والإنجيل إن فيهما هدى ونوراً!
------------------------------------------------------
الهوامش
(1) (صورة الإسلام في التراث الغربي) ص23، 24، ترجمة: ثابت عيد، طبعة القاهرة سنة 1999م.
(2) المرجع السابق: ص 32، 33. (3) المرجع السابق: ص21.
(4) المرجع السابق: ص18، 25. (5) المرجع السابق: ص24.
(6) ترجم هذه النصوص عن الألمانية: ثابت عيد، ضمن ملف تحت الطبع عن \"تقييمات غربية لأسلوب القرآن\".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد