بسم الله الرحمن الرحيم
بداية لا يسلم المسلمون بأن أحداً من الحواريين كان رسولاً، إذ لم يصرح الإنجيليون فيما سوى بولس بذلك.
والمسلمون لا يؤمنون بالشهادات التي جعلت النصارى يقولون بنبوتهم، كما لا يؤمنون بغشيان روح القدس لهم بعد خمسين يوماً من صعود المسيح “ وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا “ (أعمال 2/4).
كما لا يؤمن المسلمون بالمعجزات التي تنسبها إليهم تلك الأسفار، فكل هذه الأخبار لم ترد في دليل له اعتبار عندنا.
وننبه أولاً إلى أن بولس ولوقا ليسا من أولئك الذين تزعم النصارى حلول الروح القدس فيهم يوم الخمسين، إذ لم يكونا يومئذ من المؤمنين.
ثم عند تفحص هذه الكتب والرسائل نجدها ناطقة بأن هؤلاء التلاميذ لم يكونوا رسلاً بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، إذ هم بشر كسائر البشر، لا يتميزون سوى برفقتهم للمسيح، وأنه طلبهم أن يبلغوا دعوته بعده.
وأما المنسوب لبطرس في رسالته الثانية \" لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس\" (1/21)، وهو النص الذي يعتبره النصارى أصرح أدلتهم على إلهامية الكتبة ونبوتهم، فلا يصلح في الدلالة على إلهام الإنجيليين.
إذ أن بطرس مات قبل أن يدون مرقس (أول الإنجيليين تدويناً) - ثم بقية الإنجيليين كتاباتهم، فليس هؤلاء مَن تحدث عنه بطرس.
هل كتبة الأسفار أنبياء؟
وتمتلئ الأناجيل والأسفار بالدلائل التي تكذب القول بإلهامية هؤلاء الذين ينبغي أن تعرض نبوتهم على الميزان الذي أمر به المسيح وتلاميذه، فقد جاء في رسالة يوحنا الأولى: “ فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح، بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم لا؟ لأن كثيرين من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم “ (يوحنا(1) 4/1).
ثم كيف للنصارى أن يعتبروا بولس أو غيره من التلاميذ رسلاً، ومن هؤلاء الرسل الذين أرسلهم المسيح يهوذا الخائن، يهوذا الذي عد من الإثني عشر تلميذاً الذين أرسلهم المسيح؟ فمثل هذه الخيانة لا تصدر عن الرسل.
كما لا يصدر عنهم ما فعله بطرس عندما تخلى عن المسيح وأنكره في ليلة من أصعب الليالي ثلاث مرات (انظر لوقا 22/34) ولوقا يقول على لسان المسيح: “ من أنكرني قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله “ (لوقا 12/9) فكيف ينكره الملهم الرسول الممتلئ من الروح القدس الذي سماه المسيح في نص آخر شيطاناً؟ \" فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس\" (متى 16/23).
ونلحظ أن النصوص الإنجيلية تشكك في إيمان أخصّ تلاميذ المسيح مما يجعلهم غير جديرين بحمل أمانة الإنجيل، فضلاً عن الرسالة والنبوة، إذ يقول المسيح عن بطرس: \"يا قليل الإيمان لماذا شككت \" (متى 14/31) وإذا قيل هذا في بطرس فماذا عن بقية التلاميذ والحواريين؟ وهل مثل هؤلاء يعتد بروايتهم وتأليفاتهم فضلاً عن اعتبارها من وحي الله؟
وقد قال عيسى في هؤلاء التلاميذ لما عجزوا عن شفاء المصروع، وقالوا للمسيح: \" لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ فقال لهم يسوع: لعدم إيمانكم.
فالحق أقول لكم: لو كان إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم \" (متى 17/19 - 20) فهل هؤلاء الذين لا يملكون من الإيمان حبة خردل أنبياء وأمناء على تسجيل وحي الله؟
معجزات التلاميذ لا تصلح دليلاً على النبوة:
وإن كان اعتبار هؤلاء التلاميذ أنبياء لمجرد أن قاموا ببعض المعجزات التي لم تقترن بدعوى النبوة منهم، فهذا لا يكفي، فالأسفار المقدسة تذكر أن المعجزات والآيات قد تعطى للكاذبين الذين يدعون النبوة، فالمسيح قال: “ سيقوم مسحاء كذبة، وأنبياء كذبة، ويُعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يُضلوا - لو أمكن - المختارين أيضاً. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم “ (متى 24/24 - 25)، كما أن لوقا لم يثبت أن له معجزة، وكذلك مرقس.
كما أن الأعاجيب لا تصلح أكثر من دليل على الإيمان فحسب، إذ كل مؤمن حسب الإنجيل- يستطيع أن يأتي بإحياء الموتى وشفاء المرضى، فقد نقل متى عن المسيح قوله:: \" فالحق الحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم\" (متى17/20).
وقال: \"الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها\" (يوحنا 14/12)، فكل مؤمن من النصارى يقدر على صنع معجزات المسيح، بما فيها إحياء الموتى وشفاء المرضى! لا بل يقدر على أعظم منها!!
ويقول المسيح محذراً من الأنبياء الكذبة: \"انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح، ويضلون كثيرين…و يقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين…سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، ويعطون آيات عظيمة وعجائب، يضلون لو أمكن المختارين أيضاً\" (متى24/4-25).
و قد حذر المسيح من خداع هؤلاء الكذبة للعوام بما يزعمونه من معجزات وإيمان بالمسيح وادعاء أنهم على دينه، وبين المسيح كيفية معرفة هؤلاء الكذبة حين قال: \" ليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات.
كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب، يا رب، أليس باسمك تنبأنا؟ وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم، احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتون بثياب الحملان…من ثمارهم تعرفونهم\" (متى7/5-23).
النبوة حسب الكتاب المقدس لا تفيد العصمة من الكذب في البلاغ:
ثم إن كونهم من الأنبياء لا يعني بالضرورة عصمتهم عن الخطأ في البلاغ أو حتى الكذب، ودليل ذلك ما نسبه سفر الملوك لأحد الأنبياء من الكذب بالبلاغ \" كان نبي شيخ ساكناً في بيت إيل. فأتى بنوه وقصوا عليه كل العمل الذي عمله رجل الله ذلك اليوم في بيت إيل....(ثم ذهب يبحث عنه) وسار وراء رجل الله، فوجده جالساً تحت البلوطة فقال له: أأنت رجل الله الذي جاء من يهوذا؟ فقال: أنا هو.
فقال له (أي النبي الشيخ): سر معي إلى البيت وكل خبزاً، فقال: لا أقدر أن أرجع معك ولا أدخل معك ولا آكل خبزاً، ولا أشرب معك ماء في هذا الموضع. لأنه قيل لي بكلام الرب: لا تأكل خبزاً ولا تشرب هناك ماء، ولا ترجع سائراً في الطريق الذي ذهبت فيه.
فقال له: أنا أيضاً نبي مثلك، وقد كلمني ملاك بكلام الرب قائلاً: ارجع به معك إلى بيتك فيأكل خبزاً ويشرب ماء، كذب عليه. فرجع معه وأكل خبزاً في بيته وشرب ماء.
وبينما هما جالسان على المائدة كان كلام الرب إلى النبي الذي أرجعه... \" (ثم تحدث عن عقوبة النبي الذي أطاع النبي الكذاب) (ملوك(1) 13/11 - 29).
كما رأينا في حلقتنا الأولى من سلسلة الهدى والنور، الكثير من القبائح التي تنسبها التوراة للأنبياء والتي يستحيل أن نصدق بعدها أنهم يؤمنون بعصمتهم، فضلاً عن تلاميذهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد