بسم الله الرحمن الرحيم
عجيب شأن هؤلاء النصارى، سواء في تمسكهم بدينهم المحرف، أو في ابتعادهم عنه ومفارقتهم له، فهم في كلتا الحالتين في شطط، فالذين فارقوا الدين حاربوه وعاندوه وتطرفوا إلى الغاية في المعاملات والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وليس أعجب ما عندهم تقنين زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء رسميا في هولندا، وإن كان في غيرها مباحًا لكنه ليس مقننا، بل عندهم من الجنوح عن الفطرة ما يتعجب له كل صاحب قلب سليم وفطرة سوية.
وأعجب من هؤلاء الذين ادعوا التمسك بالدين المهلهل، وعقيدة الثالوث المحرفة، فليست مفارقاتهم أقل غرابة من مفارقات الطائفة الأولى، وآخر هذه المفارقات ما نشره مجموعة من العلماء النصارى عن عزمهم على استنساخ المسيح - عليه السلام -!!!
ففي موقع لها على شبكة الإنترنت أعلنت مجموعة من العلماء تنتمي لطائفة أطلقت على نفسها \" العاملون علي تسريع العودة الثانية \" يعني عودة المسيح - عليه السلام -، عزمها على استنساخ المسيح - عليه السلام -، وذلك من أجل تسريع عودته إلى الأرض لتخليص الناس مما هم فيه من البلاء على حسب زعمهم، وهم يخططون لأن يبصر المسيح المستنسخ النور في ميلاد العام المقبل.
وتعتمد طائفة تسريع العودة الثانية للمسيح،، على قطعة من القماش مثيرة للجدل والمسماة \" بلاتينية الكنيسة الفاتيكانية \" أو \'القماش المبلل بالعرق المقدس\': وهي عبارة عن قماشة من القطن طولها 4 أمتار و63 سنتيمترا، وبعرض متر و 10 سنتيمترات، موجودة في كنيسة بمدينة تورين الإيطالية منذ أن عثر عليها قبل 1687 عاما.
وبعد أكثر من مائة عام من العثور على القماشة بدأت تلوح عليها وفقا للروايات المسيحية معالم جثة لرجل ملقي على موضع ما، وعلى رأسه إكليل شوك وجروح في اليدين والقدمين والخصر (!!!)، تشبه إلى حد بعيد ما وصفته الأناجيل عن صلب السيد المسيح، - عليه السلام -، حين علقه الرومان على صليب بعد غرز مسامير في قدميه ويديه ثم طعنه برمح بعد الصلب للتأكد من أنه فارق الحياة.
وفي عام 1898 التقطت أول صورة للقماشة، وظهر عليها الوجه يعلوه إكليل من الشوك جليا، وساد الاعتقاد من وقتها بأن هذه القماشة هي التي تم لف جسد المسيح بها بعد صلبه ووفاته، وبدأ مئات آلاف من المسيحيين يزورونها في تورين كل عام، وبتشجيع روحي من الفاتيكان، وإلى أن اتضح منذ 4 سنوات عند إجراء الفحوص عليها بالكربون 14 بأنها من قطن كان يستخدم في فلسطين القديمة حقا، ولكن الوجه مع الجسد الواضح فيها ليسا من عهد المسيح منذ ألفي عام، بل يتأخران عن عصر المسيح بحوالي 800 سنة، مما يشير إلى إن أحدهم استخدم القماشة المستوردة من فلسطين في ذلك الوقت، ليعالجها بطريقة يبدو عليها المسيح مصلوبا، وربما يكون مصدر الرسم فنانا أراد أن يرسم لوحة عن مشهد الوفاة بعد الصلب، فوضع التصميم المبدئي ثم عدل عن الفكرة..
ولم تُجد محاولات العلماء لإثبات أن \'القماشة المبللة بالعرق المقدس\' ليست مقدسة في شيء، فظل الفاتيكان يصــر على موقفه ووصل صدى إصراره إلى طائفة (العاملون على تسريع العودة الثانية) في الولايات المتحدة، والذين كانت رؤيتهم كالتالي:
ما دامت التكنولوجيا الحيوية أصبحت متاحة، فلماذا ننتظر ونحن قادرون على أخذ عينة من خلايا المسيح لنستنسخه ونسرع في عودته المرتقبة إلى الأرض، وبذلك ننقذ سكانها من خطاياهم، وتتحقق نبوءة الإنجيل بعودة المسيح مرة ثانية للأرض!!
الطائفة تحاول الآن بشتى الوسائل العلمية المتاحة الحصول على عينة من الحمض الأميني الموجود على القماشة، وتطلب عبر صفحاتها على الإنترنت أنثى تتبرع بأن تكون أم المسيح الذي يأملون في ولادته قبل ميلاد العام المقبل \'كأكبر هدية للبشرية عرفتها في تاريخها\' وفقا للتعبير الحرفي الذي استخدمته الطائفة التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مركزا لها.
ويري أعضاء الطائفة أنه لا يوجد مبرر أخلاقي أو قانوني (دون نظر إلى رأي الدين) يمنع محاولة استنساخ المسيح حتى يعود إلى الأرض وينقذ العالم من خطيئته. والبرنامج الزمني الموضوع لمشروع استنساخ المسيح يتسم بدقة متناهية، فإذا كان مقدرًا للميلاد أن يكون في شهر ديسمبر القادم، فإن زيجوت المسيح المنتظر يلزم أن يكون جاهزا للزرع في رحم أنثوي قبل إبريل 2001، والأنثى المرشحة لحمل المسيح المنتظر وولادته لا يشترط أن تكون عذراء، وشرعت الطائفة من ناحية أخرى في جمع التبرعات المادية على الشبكة لتمويل المشروع.
المعارضون لفكر الطائفة يذهبون إلى صعوبة التنفيذ بسبب وجود مشكلة في بدء عملية الاستنساخ من حمض أميني قد يبلغ عمره 2000عام، كما أن هناك شكوكا لن تنتهي حول مدى مصداقية الحامض الأميني وانتسابه للسيد المسيح.
والأهم من هذا وذاك أن عودة المسيح يجب أن تتم بصورة طبيعية وليس من خلال استخدام تكنولوجيا قادرة على تخليق زيجوت من أي خلية بجسم الإنسان.
وفي إطار المعركة الفكرية المشتعلة حول هذا المشروع، ردت الطائفة على الزعم الأخير بقولها: إن المسيح كان يدعو للاستنساخ، ويستشهدون على ذلك بقول المسيح: \'خذ وكل.. هذا جسدي\'!!
اليهود وعودة المسيح
تعود جذور نظريات عودة المسيح في بدايات الألفيات إلى بدايات الألفية الأولى حيث كان الاعتقاد السائد بين جماعات من المسيحيين أن المسيح سيرجع بعد ألف سنة ثم يحكم العالم ألف سنة، وعلى هذه العقيدة اجتمعت آمالهم واتجهت أنظارهم سنة 1000 ميلادية، ولكن المسيح لم يظهر فهدأت المسألة وتلاشت في الواقع لكنها بقيت عالقة في العقائد والأفكار. وفي القرن التاسع عشر عادت الفكرة للظهور مرة أخري سنة 1900 وبدأت الدعوات تظهر من جديد، واعتقدوا أن المسيح إن لم يظهر في أول القرن العشرين فسيظهر في آخره أي عام 2000، وبما أن ظهوره سيكون في موطنه الأصلي فلا بد للإعداد لقدومه بتجميع بني إسرائيل في أرض فلسطين التي ستكون عليها المعركة الكبرى الفاصلة (معركة هرمجدون)، ويرجع أصل التسمية إلى سهل مجيدون وهو سهل صغير في فلسطين، تنبأ الإنجيل أن معركة كبيرة ستدور عليه بين الخير والشر قبل يوم القيامة.
وهناك جماعات أخرى أصولية إنجيلية تؤمن بحرفية التوراة والإنجيل، مثل الجماعة التي تطلق على نفسها (السفارة المسيحية الدولية) وتعتقد هذه الجماعة أن الله وحده هو الذي أنشأ هذه السفارة ومقرها في القدس وتنتشر فروعها في جميع أنحاء العالم، ويقول مؤسس هذه الطائفة: \'إننا صهاينة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، لأن القدس هي المدينة الوحيدة التي تحظى باهتمام الله، وإن الله قد أعطى هذه الأرض لإسرائيل إلى الأبد\'. وتؤمن هذه المنظمة بأنه إذا لم تبق إسرائيل فإنه لا مكان للمسيح عند مجيئه الثاني، ولا تكتفي هذه المنظمة بمساندة إسرائيل، بل تدعم سياساتها التوسعية وتعتبر أن الضفة الغربية والقطاع حقوق أعطاها الرب للشعب اليهودي. ولذلك تسعى اليهودية لاستثمار فكرة عودة المسيح سياسيا لدعم مصالحها، في الوقت الذي يغفل فيه تاريخ اليهود الديني وكتبهم أي ذكر لعيسي بن مريم أو دعوته أو أحداث القبض عليه وصلبه.
ويذهب عدد من المفكرين الغربيين إلى أن مسألة قتل المسيح كانت موجودة بالتلمود، ولكن اليهود أزالوها حتى لا يعتد بها أحد من الأمم المسيحية التي كان اليهود يعيشون أقليــة بينهم. (آخر ساعة 16/1/2001).
الإسلام وعودة المسيح
قبل أن نتكلم عن عودة المسيح ينبغي أن نقرر أولا أن عقيدة المسلمين في المسيح أنه لم يقتل ولم يصلب، بذلك أخبر الله - تعالى - في كتابه: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم)، وقال - سبحانه -: (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما)، فكل ما قيل عن هذه القطعة من القماش وكون الموجود عليها من أثر المسيح ما هو إلا كذب لا علاقة له بالحقيقة عند أهل الإسلام.
وأما عودة المسيح في آخر الزمان أو بالتعبير الأصح نزوله من السماء فهي ثابتة في كلام النبي صلى الله - تعالى عليه وسلم -، وهي علامة من العلامات الثابتة ليوم القيامة، وردت بذلك الأحاديث في الصحيحين البخاري ومسلم وسنن أبي داوود وغيرها.
وقد أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه ينزل عند (باب لُدٍّ,) بعدما يحصر المسيخُ الدجال ومن معه عصبة المسلمين، فيقتل سيدنا عيسى بنُ مريم - عليه السلام - المسيخَ الدجال، ثم يحكم بشرعةِ الإسلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، أي لا يقبل من الناس إلا الإيمان، وهذا على خلاف ما يعتقده اليهود والنصارى... ونزول المسيح عند أهل الإسلام لا يعرف زمانه فهو لا يرتبط بألفيه ولا غيرها.
وقد زعم بعض المفكرين المتنتسبين للإسلام أن عودة المسيح فكرة مسيحية تسربت إلى الإسلام، وقاموا بإنكارها على اعتبار أنها أحاديث \" آحاد\" أي ليست متواترة، وأنه لا يصح الاعتماد عليها في إثبات العقائد. وهذا مسلك باطل مردود على أصحابه، لأن فعل النبي مع أصحابه وإرسالهم إلى الآفاق بالرسائل ولتبليغ الناس أمور العقائد والشرائع يدل على بطلان مذهب هؤلاء الزاعمين، ويدل أيضا على أن الحديث متى صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب على المسلمين الأخذ به في العقائد أو غيرها.
وربما تتوافق البقايا الصحيحة من الديانة المسيحية مع هذا الذي ذكرناه من عقائد أهل الإسلام الثابتة بالكتاب والسنة.
وقد صرح القمص إلياس يوسف سكرتير بطريركية الأقباط الكاثوليك بمصر بأن عودة المسيح عقيدة دينية ثابتة بنصوص الإنجيل، وخاصة الإشارات الواردة في إنجيل متى. ولكن لم يرد أي نص في الإنجيل يحدد زمان ومكان العودة، وخاصة مسألة ارتباط العودة بالألفية. ولذلك فإن الجماعات المسيحية التي تؤمن بفكرة عودة المسيح في بدايات الألفيات تعتبر جماعات دينية منحرفة. وتتبني هذه الرؤية معظم المذاهب المسيحية.
وفي تعليقه على أفكار الجماعة الأمريكية التي تعمل على تسريع عودة المسيح للأرض من خلال عملية استنساخ يقول القمص الياس يوسف: هذا الانحراف تنبأ به المسيح في الإنجيل، ويتضمن إشارة أيضا لظهور المسيخ الدجال: \' كثير مَن سيأتون باسمي، ويضلون كثيرا \'.
وقال: زمن عودة المسيح للأرض لا يزال مجهولا، دون صلة تذكر ببدايات الألفيات الجديدة، ودون سند من نصوص دينية، فقط هي أوهام جماعات تصنع أديانا جديدة وفقا لرؤاها وأهوائها.
وختاما: فإن ما يفعله هؤلاء المنتسبين إلى المسيحية إنما يدل في الحقيقة على استهانة هؤلاء الناس بالمسيح - عليه السلام -، وعدم توقيرهم وتعظيمهم له، هذا مع سوء اعتقادهم فيه وجهلهم به وبديانته الصحيحة، والحمد لله على نعمة الإسلام.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد