خلاصة عن المسيحية والكنيسة


بسم الله الرحمن الرحيم

 



حين يستعرض الإنسان هذا التـاريخ النصراني الحافل بالمخازي والخطايا والأخطاء..من طغيان روحي وفكري ومالي وسياسي وعلمي، وفساد خلقي، وانحراف فكـري وسلوكي، ومسانـدة للظلم في جميع ألوانه، وتخذيل للمصلحين وتخدير للمظلومين، وصد عن سبيل الله، وتشويه لصورة الدين..هل نعجب من النهاية التي وصلت الأمور إليهـا من انسلاخ الناس في أوروبا من ذلك الدين ونفورهم منه، وثورتهم على رجاله، وإبعادهم له عن كل مجالات الحياة؟



وهذا البطء في قيام رد الفعل هو الذي يغري الطغاة بالاستمرار في طغيانهم، ظانين أن الأمور ستظل في أيديهم أبداً، وأنها غير قابلة للتغيير.



ولكن عبرة التاريخ قائمة لمن يريد أن يعتبر.. وما يعتبر إلا أولوا الألباب.. أما الطغاة مطموسو البصيرة فأنى لهم أن يعتبروا؟!

\" قل انظروا ماذا في السموات والأرض. وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون! \".

\" وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبيّن لكم كيف فعلنا بهم، وضربنا لكم الأمثـال، وقد مكروا مكرهم! وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال \".



وهذا البطء في قيام رد الفعل هو الذي أغرى كذلك بعض \" العلمـاء \" أن يقولوا إنه لا توجد فطرة للإنسان! وإن الإنسان ليس له قال محـدد. وإنما هو يصب في أي قالب يراد له فيتشكل بشكله، ويظل قابعاً فيه حتى يصب في قالب جديد.



ولله في خلقه شئون. وتركيبه للنفس الإنسانية على الصورة التي ركبها عليها فيه حكمة ولا شك... ولكنا نتحدث هنا عن الواقع التاريخي ودلالاته.

إن النفوس تخضع لجبروت الطغيان خوفاً وطمعاً في أول الأمر، لأن الطغاة يحمون جبروتهم بشتى وسائل الحماية من ترغيب وترهيب... ثم تتبلد النفوس من جهة، ويأخذ الطغيان صورة الأمر الواقـع من جهة، فيستقر في الأرض فترة تطول أو تقصر، هي التي يتخيل الطغـاة فيها أنهم باقون أبداً، مسيطرون أبداً، لا يمكن زحزحتهم ولا تبديل الأحوال التي مكنت لهم في الأرض.



ثم تبدأ نفوس تتململ.. هي أكثر وعياً وأكثر حساسية أو أصلب عوداً أو أكثر مخاطرة... أو ما يكون من الأسباب.

وهنا يلجأ الطغاة إلى جبروتهم مرة أخرى، ويستخدمون وسائل الإرهاب لوقف هذه الظاهرة \" المنكرة \" عن الانتشار، وتأديب الخارجين لكي يكونوا عبرة للآخرين.



ثم يكون هذا ذاته هو بدء النهاية! يشتد الجبروت وتتولد مقاومة متزايدة له في داخل النفوس بمقدار ما يشتد ويمعن في الطغيان.



وفي لحظة معينة يحدث الانفجار.. ويكون كالطوفان!



\" أول لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها؟ والله يحكم لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب \".



ولقد بدأت نذر الثورة على الكنيسة ورجال الدين، وعلى الدين المزيف الذي تقدمه الكنيسة، بدأت منذ عصر النهضة. وبدأ الكتـاب يتمردون على سلطان الكنيسة الطـاغي ويهاجمون رجال الدين، بل يهاجمون كذلك خرافات ذلك الدين الكنسي ومعمياته.



ولكنها كانت أصواتاً متناثرة، فظن القوم أنهم قادرون عليها وعلى إسكاتها.

ولكن سنة من سنن الله كانت تجري، وما يستطيع أحد أن يقف سنة الله عن الجريان.



كانت هذه الأصوات تهز النائمين ليصحوا... تزيل عنهم تبلد نفوسهم.. وتزيل ثقلة \" الأمر الواقع \" من حسهم، وتشعرهم أن التغيير ممكن، وأن هذا الأمر الواقع ليست له صفة الخلود، ولا هو كذلك في منعة من النقد والتجريح.



وبذلك الكنيسة جهدها في محاولة إسكات هذه الأصوات، مستخدمة في ذلك نفوذها على قلوب الناس وعقولهم وأرواحهم، وسلطانها \" التقليدي \" الذي كانت تأمر به فتطاع، وينظر إلى كلمتها على أنها موضع التقديسº لأنها مرتبطة في حس الجماهير بالدين... وما أعظم سلطان الدين على النفوس. كما استخدمت محاكم التفتيش حين اشتد فزعها وخافت على ما في يدها من السلطان.



ولكن رويداً رويداً زادت الأصوات عدداً، وزادت جرأة، وزادت استخفافاً بالجبروت.

علماء... ومفكرون... وفلاسفة.. ومصلحون... وحاقدون! حاقدون على سلطان الكنيسة الطاغي وما تتمتع به من المزايا بغير استحقاق.



وكانت العملية بطيئة... بطيئة!! فقد كان حجم الطغيان هائلاً مخيفاً، وكان له في الأرض تمكن طويل يبلغ عدة قرون.



ولكن في النهاية حدث الانفجار!

وكان بشعاً في شدة انفجاره، بشعاً في سرعة اكتساحه، بشعاً في قسوة الحمم الذي تفجر من بركانه.



كانت الثورة الفرنسية بكل ما تضمنت من ألوان العنف والبطش والقتل وإسالة الدماء..

واكتسحت الثورة الفرنسية في طريقها ما كان قد تراكم من المظالم خلال ألف وأربعمائة عام! وأزالت الطبقتين الحاكمتين الطاغيتين المتحالفتين! رجال الإقطاع (الأشراف)، ورجال الدين!



ومع ذلك فإن الأمور - في تلك الثورة - لم تسر في مسارهـا الطبيعي... فعـلى الرغم من كل الظلم المتراكم أكثر من ألف عام، من الإقطاعيين ورجال الدين سواء، وعـلى الرغم من كل الحقد المشحون في الصدور تجاه هاتين الطبقتين، وعلى الرغم من وحشية الجماهير حين تتولى هي القيادة.

على الرغم من ذلك كله فقد كان يمكن أن تسير الثورة في تمردها وقضائها على الظالمين مساراً آخر... لولا أن يداً خبيثة تدخلت لتتجـه بالثورة في مسار معين، يخدم أغراضها هي قبل كل شيء آخـر.. سواء خدم أو لم يخدم أهداف الآخرين !! تلك هي أيدي اليهود .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply