بسم الله الرحمن الرحيم
رأينا زعم البعض أن عزرا قد أعاد كتابة التوراة بإلهام من الله، وهو أحد مزاعم كثيرة يتعلق بها الغريق، وهو يصارع في الأنفاس الأخيرة.
إذ لا يمكن الجزم بأن التوراة الموجودة (الأسفار الخمسة) من كتابة عزرا لأمور من أهمها وجود تناقضات فيها وأخطاء، لا يقع فيها كاتب واحد.
ولكن الأهم من ذلك، الفحص الجديد الذي قام به المحققون النصارى عبر دراسات طويلة، يؤكد أن هذه الأسفار لها كتبة يربون على المائة، وينتمون إلى أربع مدارس ظهرت في القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد في مملكتي إسرائيل ويهوذا. وتسمى هذه الدراسات نظرية المصادر الأربعة.
وقد تبلورت هذه النظرية بعد سلسلة من الدراسات، بدأت بدراسة جان استروك عام 1753م وقد نشرها من غير أن يجرؤ على ذكر اسمه، وسار على خطاه الباحث اينهورن وذلك في سنة 1780 - 1783م. وأيضاً إيلجن في عام 1798م. ثم العالم كار داود الجن 1834م ثم هرمن هوبفلد في عام 1853، ثم العالم لودز عام 1941م. وقد أضحت هذه النظرية مسلمة عند العلماء المحققين.
وقد اعترف بنظرية المصادر الأربعة مدخل الكاثوليك للكتاب المقدس.
وتتلخص نظرية المصادر الأربعة أنه ثمة أربع مدارس مختلفة ساهمت في كتابة التوراة ثم ضمت نصوص هذه المدارس إلى بعضها، وكون نص موحد لا يخلو من كثير من التناقضات والأخطاء، وقد استطاع المحققون التفريق بين هذه النصوص المتداخلة، ونسبوا كل فقرة إلى مصدرها، وهذه المصادر الأربعة هي:
1) المصدر الأول: (اليهودي):
وكتب نصه فيما بين القرن العاشر والثامن قبل الميلاد، ورجح البعض أنه في التاسع قبل الميلاد وقد كانت كتابته في مملكة يهوذا الجنوبية.
ولغة هذا النص قديمة فجة، تتحدث عن الله بصورة بشرية سيئة، ويتحدث هذا النص عن بدء الخلق ويمتد إلى موت يعقوب، ويظهر فيه الشعور القومي، وسيطرة إسرائيل على كنعان، وشغله الشاغل التأكيد على وعد الله لإسرائيل بأرض كنعان.
ويطغى هذا النص في سفر التكوين، ويشترك مع الثاني والرابع في سفري الخروج والعدد.
وأهم ما يميز هذا النص تسميته الإله (يهوَه).
2) المصدر الثاني: (الألوهيمي):
وهو متأخر عن المصدر الأول في زمن كتابته، إذ يرجع للقرن الثامن أو السابع قبل الميلاد، وكتب هذا النص عن الإله، وجنّبه النشاطات البشرية، ويظهره بصفات مهيبة نسبياً، ويركز النص في الأحداث الخاصة بإبراهيم ويعقوب ويوسف، وهذا المصدر موجود في الأسفار الثلاثة التكوين والخروج والعدد، ويعود لهذا المصدر والأول معظم سفري التكوين والخروج.
وأهم ما يميز هذا النص تسميته الإله (ألوهيم).
3) المصدر الثالث: (سفر التثنية):
وقد عمل هذا المصدر في سفر التثنية فقط، وبه سمي، ويعود تاريخه للقرن الثامن أو السابع قبل الميلاد، ولغة هذا المصدر خطابية داعية لاتباع الشريعة، وتطبيق العهد، ويكثر فيه \" اسمع يا إسرائيل \"، ويمتلئ بالتشريعات، وغايته تركيز عبادة يهوه في مكان خاص هو أورشليم.
وقد خضع سفر التثنية لإصلاحات متأخرة جداً يمكن الوقوف عليها بمقارنة السفر مع بقية الأسفار الأربعة.
4) المصدر الرابع: (الكهنوتي):
ويعود تاريخ كتابته لما بعد النفي البابلي، أي للقرن السادس قبل الميلاد، وهو من عمل بعض الأحبار. وموضوعه ذكر الشرائع والتعاليم الطقسية، وكيفية تطبيق تعاليم الدين.
ويتميز بأنه يذكر الخبر ونقيضه بحسب كاتبه من الكهان (انظر العدد 4/3، والعدد 8/24)، ويستخدم هذا المصدر اسم: ألوهيم وهو يتحدث عن الله.
ولهذا المصدر دور كبير في سفري اللاويين والعدد، كما شارك قليلاً في سفري التكوين والخروج.
وقد بين الأب دوفو أرقام الفقرات التي تتبع النص الألوهيمي، وتلك التي تتبع النص اليهوي، وهكذا......
ويقول الأب دوفو: \" لقد تكونت أسفار موسى الخمسة من أقوال موروثة لأمم مختلفة، جمعها محررون وضعوا تارة ما جمعوا جنباً إلى جنب، وطوراً غيروا من شكل هذه الروايات بهدف إيجاد وحدة مركبة، تاركين للعين أموراً غير معقولة، وأخرى متنافرة.... \"
وتقول دائرة المعارف البريطانية: \" إن أسفار العهد القديم كتبت في عصور مختلفة، وبأيدي كتاب مختلفين ذوي ثقافات مختلفة متباينة \".
ويرجح ولد يورانت في كتابه قصة الحضارة أن هذه الروايات قد امتزجت وأخذت صيغتها النهائية سنة 300 ق. م.
وفصل آخرون فقالوا بأن الأسفار الخمسة أخذت وضعها النهائي سنة 400 ق. م، بينما امتدت بقية أسفار العهد القديم إلى سنة 200 ق. م.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد