الماتريدية.. أصولهم وعقائدهم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 


الماتريدية هم أتباع أبي منصور محمد بن محمد الماتريدي السمرقندي الحنفي، (ت: سنة 333هـ) و الماتريدية وإن كانوا يعترفون بهذه النسبة، إلا إنهم يعتقدون أن ما فعله الماتريدي ما هو إلا بسط وشرح لعقيدة الإمام أبي حنيفة النعمان - رحمه الله - تعالى -. وقد انطلت هذه الدعوى على كثير من الأحناف، فدانوا بمعتقد الماتريدي، ودافعوا عنه ونشروه، واختصوا بالنسبة إليه دون غيرهم من سائر المذاهب.



وظهر في الماتريدية علماء أحناف كثر، خدموا المذهب واعتنوا به، ونشروه ودافعوا عنه، فمنهم أبو المعين النسفي المتوفي سنة 508هـ، ونجم الدين عمر النسفي المتوفي سنة 537هـ، وحافظ الدين عبد الله النسفي المتوفي سنة 710هـ،وقد بلغ المذهب الماتريدي ذروته إبان حكم آل عثمان، إذ كانت الدولة العثمانية حنفية الفروع ماتريدية العقيدة، وكان من أبرز رجال الماتريدية حينذاك، التفتازاني (712-792هـ) والإمام الجرجاني (740-816هـ) والكمال بن الهمام (790-861هـ) وكان جل الفقهاء والخطباء والقضاة منهم، وقد ألفوا الكتب الكلامية الكثيرة نصرة لمذهب أبي منصور الماتريدي، حتى بلغت شهرته الآفاق، وما زال لهذا المذهب - إلى اليوم - أنصار وأتباع ومدارس، فمن مدارسه المعاصرة المدرسة الديوبندية في الهند، وهي مدرسة عريقة لها أتباع كثر، وقد أصبح المذهب الماتريدي مادة للتدريس في كثير من جامعات المسلمين ومعاهدهم.



من أصول الماتريدية المخالفة لأصول السلف:

لا يختلف الماتريدية عن الأشاعرة، بل هما -كما يقال - وجهان لعملة واحدة، وقد نص كثير من العلماء على عدم وجود فروق جوهرية بين الفرقتين، بل اتفقت الفرقتان على أنه إذا أطلق أهل السنة والجماعة، فالمراد الماتريدية والأشاعرة، وربما أُطلق على مجموع الفرقتين أشاعرة تغليبا. قال كمال الدين البياضي الحنفي الماتريدي (ت: 1098هـ):\".. أنهم - يعني الماتريدية والأشاعرة - متحدوا الأفراد في أصول الاعتقاد وإن وقع الاختلاف في التفاريع بينهما\"أ.هـ من إشارات المرام 52.



فمن أصولهم:

1- إدعاؤهم أن ظواهر نصوص الصفات موهمة للتشبيه: وهذا خطأ منهجي كبير، إذ لم يفهم الماتريدية ومن وافقهم من أهل الكلام، من نصوص الصفات إلا المعاني اللائقة بالمخلوقين، فألجأهم ذلك إلى التحريف تارة والتفويض أخرى، وفي هذا يقول الإمام أبو محمد الجويني (438هـ) بعد توبته عن علم الكلام: \"والذي شرح صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أولوا... هو علمي بأنهم ما فهموا من صفات الرب - تعالى - إلا ما يليق بالمخلوقين... فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه، وعطلوا ما وصف الله نفسه به..\" ا.هـ. والواجب هو إثبات ما أثبته الله لنفسه على الوجه اللائق به من غير أن نخوض في كيفية اتصافه بها، ومن غير أن نشبهها بصفات المخلوقين.



 
2- تأويل آيات وأحاديث الصفات: وهذه نتيجة من نتائج اعتقادهم أن نصوص الصفات من المتشابهات التي لا يجوز حملها على ظاهرها، فلجأوا إلى التحريف وسموه تأويلاً، فأتوا إلى صفة الرحمة مثلا وظنوا أن في إثباتها تشبيه الله بخلقه، فقاموا بصرفها عن معناها إلى إرادة الخير والإنعام بالعبد، وهكذا صفة الرضا حرفوها إلى إرادة الثواب، إلى غير ذلك من التأويلات التي وقعوا فيها نتيجة خطئهم في فهم صفات الله - جلا وعلا - حيث لم يفهموا منها إلا المعاني المختصة بالمخلوقين، فحرفوها لينزهوا الله عن مشابهة خلقه، ولو أثبتوا تلك الصفات على الوجه اللائق بالله مع نفي التمثيل لكان في ذلك الهدى والرشاد.



3- تفويض معاني الصفات: وهذا المسلك أيضا وليد تلك النظرة إلى آيات الصفات وأنها موهمة للتشبيه، فمحاولة منهم للهرب من التشبيه سلكوا مسلك التفويض كما سلكوا مسلك التأويل، إلا أنهم يرجحون مذهب التأويل ويرون أنه الأحكم، في حين ينسبون مسلك التفويض إلى السلف ويرون أنه الأسلم، والمراد بالتفويض تفويض المعنى والكيفية جميعا، فيقولون: إن معنى هذه الصفة وكيفيتها لا نعلمها، فنكل علمها إلى الله – سبحانه - فيجوز عندهم أن يكون معنى الرحمة الحكمة والعكس لأن المعاني - حسب زعمهم - غير معلومة، وهذا خطأ من وجهين:



الأول: أن الله - عز وجل - أنزل كتابه بلغة العرب، ولم يفرق بين ما كان في الصفات، وما كان في القصص والأحكام، فالكل عربي لفظاً ومعنى وأسلوباً، فالقول بأن معاني الصفات لا يعلمها إلا الله نوع من التحكم المردود، وكيف يأمرنا الله أن ندعوه بأسمائه وصفاته التي لا نعلم معناها، وكيف يقول الداعي: يا غفور اغفر لي، وهو يجوٌّز أن يكون معنى الغفور الكبير مثلا!!



الثاني: أن السلف لم يكن مذهبهم تفويض المعنى، وإنما كان مذهبهم تفويض الكيفية، أما المعنى فيثبتونه على الوجه اللائق به سبحانه، فقد ثبت عنهم أنهم قالوا في آيات الصفات: أمروها كما جاءت بلا كيف، ولا أدلَّ على ذلك مما ثبت عن الإمام مالك - رحمه الله - عندما سئل عن الاستواء فقال: \"الاستواء معلوم والكيف مجهول\" وهي كلمة على وجازتها إلا أنها تلخص مذهب السلف في إثبات المعنى، على ما تقتضيه لغة العرب وتفويض الكيفية، فمعنى الصفة معلوم بيِّن، وهو العلو، أما كيفية اتصاف الله بهذه الصفة، فهو مجهول بالنسبة إلينا، فالواجب أن نفوض علم ذلك إلى الله – سبحانه -.



4- إنكارهم علو الله – سبحانه -: وهذه المسألة ما هي إلا إحدى نتائج القول بأن ظواهر نصوص الصفات تقتضي مشابهة الله بخلقه، لذلك عندما نظروا إلى الآيات والأحاديث التي تثبت علو الله على خلقه، قالوا: إن ذلك يقتضي تشبيه الله بخلقه، فلا بد من التأويل، فدفعهم فرارهم من الإقرار بصفة العلو إلى وصف الله سبحانه بصفة المحال والعدم، فقالوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل به ولا منفصل عنه، وأنه ليس في الجهات الست، والمتأمل في هذا الوصف يجده لا ينطبق إلا على العدم!! فانظر مما فروا وإلى أي شيء فروا!!



فهذه بعض بدع الماتريدية وهناك غيرها الكثير، إلا أنا ركزنا على أصولها لأنها تدل على غيرها، ولأن في نقض تلك الأصول نقض لأكثر المذهب، ونرجو أن نكون قد أوضحنا شيئا عن هذه الفرقة، التي خالفت السلف وحادت عن سبيل السنة، سائلين الله - عز وجل - أن يوفقنا لاتباع الحق، وأن يجعل الحق أحب إلينا من أبنائنا وأموالنا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.



_______________________________

انظر لمعرفة منهج السلف في الأسماء والصفات :

· منهج السلف في إثبات الأسماء والصفات.

· قواعد في الأسماء والصفات. 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply