بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً _- صلى الله عليه وسلم -_ عبده ورسوله، أما بعد:
فإن الله - تعالى - قد ذكر في كتابه العزيز أن الهدى محصور في الوحيين: الكتاب والسنة، وقد تكرر تقرير هذا الأصل في القرآن كثيرا، كمثل قوله - تعالى - :\"قُلنَا اهبِطُوا مِنهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَروا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ\"(البقرة 38ـ 39).
ومثل قوله - تعالى - :\"قُل إِنَّ الهُدَى هُدَى اللّهِ\"(آل عمران 73).
ومثل قوله - تعالى -:\"وَلَقَد جِئنَاهُم بِكِتَابٍ, فَصَّلنَاهُ عَلَى عِلمٍ, هُدًى وَرَحمَةً لِّقَومٍ, يُؤمِنُونَ\"(الأعراف 52)،
و قوله - تعالى -:\"فَإِن لَّم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعلَم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهوَاءهُم وَمَن أَضَلٌّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ * وَلَقَد وَصَّلنَا لَهُمُ القَولَ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ\"(القصص 50).
وقوله - تعالى -:\"أَوَلَم يَكفِهِم أَنَّا أَنزَلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ يُتلَى عَلَيهِم إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحمَةً وَذِكرَى لِقَومٍ, يُؤمِنُونَ\"(العكنبوت 51).
وقول - تعالى - :\"وَإِنِ اهتَدَيتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ\"(سبأ 50).
وقوله - تعالى -:\"إِنَّ عَلَينَا لَلهُدَى\"(الليل 12).
ونظائرها في القرآن كثيرة جداً، ولهذا جعل الله أصل الدين مبنياً على الإيمان بالسمع، والإيمان بما أنزل الله - تعالى - ، كما جاء في ذلك آيات كثيرة جداً، بل لا يكاد يذكر الإيمان إلا ويُقرن بالإيمان بما أنزل الله - تعالى - من الوحي، ولهذا أمر الله - تعالى - المؤمنين أن يفصِلوا إيمانهم عن إيمان غيرهم بذكر إيمانهم بما أنزله عليهم من الوحي المحفوظ.
قال الله - تعالى - :\"قُولُوا آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَينَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَقَ وَيَعقُوبَ وَالأسبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيٌّونَ مِن رَّبِّهِم لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ, مِّنهُم وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ\"(البقرة 136)، وفي آل عمران قال - تعالى - :\"قُل آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَينَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَقَ وَيَعقُوبَ وَالأَسبَاطِ وَمـــــَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيٌّونَ مِن رَّبِّهــــِم لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحــــَدٍ, مِّنهُم وَنَحـــنُ لَــــهُ مُسلِمُونَ\"(آل عمران 84).
ولهذا أيضاً مدح الله المؤمنين في القرآن بأنهم أهل السمع والطاعة، فالسمع به يعلمون الحق والهدى، والطاعة إنما هي الامتثال الفوري للسمع والانقياد له، وعدم معارضته بشيء.
وهذا في القرآن كثير جداً، كما في سورة النساء، وسورة النور، وغيرهما.
ومن هنا حصر بعض العلماء أسباب الوقوع في مخالفة الحق علماً وعملاً، في سببين:
اتباع الشبهات، والميل إلى الشهوات.
فالشبهات تعرض في العلم، وتمنع القلب من معرفة الحق من الوحي، وتشوش عليه صورة المعلوم منه،
وهي تعرض في المتشابه أكثر من المحكم، ولهذا جاء في القرآن\"فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ\"(آل عمران 7).
وأما الشهوات فهي اتباع ما تشتهيه النفس.
كما أن الشبهات اتباع ما يقع في النفس مما يظن أنه من العلم، أو من أدلته، فيقدم على الوحي، أو يعارض به الوحي، فيحصل بذلك الميل عن الحــق.
وقد قال - تعالى - :\"وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيماً\"(النساء 27).
وأصل الميل العدول والانحراف، ولا بد منه للذين يتبعون الشهوات.
وبهذا يعلم أنه في كلا الأمرين من اتباع الشبهات وكذلك الشهوات، ميل عن السمع والطاعة، وعن تمحّض الاستمساك بالوحي الذي أمر الله به في قولــــه:\"فَاستَمسِك بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ, مُستَقِيمٍ,\"(الزخرف43).
والناظر في تاريخ الفرق الإسلامية، وأسباب انحرافها عن السنة، وعن أصول الهدى التي أجمع عليها سلف الأمة، المأخوذة من مقتضى وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بقوله:\"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض\"رواه مالك بلاغاً، والحاكم موصولاً بإسناد حسن.
الناظر في أسباب انحرافها في أبواب الأسماء والصفات الإلهية، والقدر، والتعليل، والأسماء والأحكام، والوعد والوعيد، والخلافة والصحابة، والإمامة، والصلاح والأصلح، والحسن والقبيح، ونحوها من مسائل النزاع التي وقعت في الأمة، أو وقعت فيمن ينتسب إلى القبلة، يرى أن تلك الأسباب ترجع إلى سببين رئيسين:
أحدهما: معارضة الوحي بغيره.
والثاني: الخطأ في فهم الوحي.
أما الأول: فيتفرع منه ثلاثة أسباب:
أحدها: معارضة الوحي بما يظن أنه الأدلة العقلية القطعية التي لا يأتيها الباطل، وقد حمل لواء هذه المعارضة الجهمية بطوائفها الثلاث: الجهمية الأولى، والمعتزلة، والأشعرية الكلابية، وقد تولد منهم ما تولد من الآراء المنحرفة، والأفكار المتردية المخالفة للحق والهدى في كثير من أبواب العلم، في أسماء الله وصفاته، وفي القضاء والقدر، وفي الأسماء والأحكام، لاسيما اسم الإيمان وما يدخله فيه.
الثاني: معارضة الوحي بما يظن أنه كشوف إلهية، وإلهامات ربانية، من الملكوت الأعلى، ومـن أذواق يجدونها في نفوسهم وقلوبهم، يعتقد أصحابها أنها من عند الله، وأن الله خصهم بها من العلم اللدني، كما خص الخضر بعلم لم يعلمه موسى - عليه السلام - وأن لهم بها أن يخرجوا عن مقتضى الوحي الإلهي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - كما وسع الخضر أن يخرج عن شريعة موسى، وتحت هذا شعب كثيرة من الانحراف عن السنة لاسيما في الطرق الصوفية، ولهذا صار التصوف من قرون مديدة، مجمعاً لهذا الانحراف الخطير.
الثالث: معارضة الوحي بآراء الناس، من أقوال الرؤساء والمتبوعين والمشايخ، ممن يُدّعى له العصمة، أو ممن يعطى منصب الإمامة، ويعارض كلام النبوة بقوله، وعلى هذا يقوم أصل دين الرافضة، وكثير منه في المتصوفة أيضاً، ويوجد منه نصيب في أتباع المذاهب الفقهية المعتبرة من أهل التعصب المذهبي.
وغالب الاتباع يكون هذا الأخير هو السبب الأعظم في انحرافهم عن الصراط المستقيم.
أما المتبوعون فغالب انحرافهم في السبب الأول والثاني.
وأما السبب الرئيس الثاني، وهو الخطأ في فهم الوحي.
فهو يتفرع منه ثلاثة أسباب أيضاً:
أحدها: اعتماد ما ليس من الوحي، ظنا أنه منهº كالأحاديث الضعيفة والموضوعة، والإسرائيليات، والقياس الضعيف، وما يظن أنه إجماع وليس بإجماع.
الثاني: التقصير في جمـع نصوص الوحي في الباب، فيُقتصر على بعضها دون بعض، وقد تقرر في قواعد العلم أن المجتهد لا يعرف الفقه حتى يجمع ما في الباب من الأدلة، فإنّ الوحي يبيّن بعضه بعضاً، تفصيلاً لمجمل، وتخصيصاً لعام، وتقييداً لمطلق ونحو ذلك.
ومن هنا ضلّت القدرية والخوارج والمرجئة في أخذهم ببعض آي الكتاب دون بعض، في الأبواب التي ضلّوا فيها، وإن كانوا ينزعون أيضا إلى الاستدلال العقلي في مذاهبهم الباطلة.
الثالث: عدم التقيّد بهدي السلف في فهم الأدلة الشرعيّة، أعني الأصول والقواعد الكليّة التي أجمعوا عليها، والتي بها تلقّوا الدين، وفهموه، ذلك أنّ لهم منهجاً في إنزال الأدلة الشرعية منازلها الصحيحة، وهو سبيل المؤمنين الذي أمر الله - تعالى - باتباعه في الكتاب العزيز.
فهذه هي أهم أسباب انحراف من انحرف عن السنة في هذه المطالب الدينية العظيمة.
وأما أهل السنة، فقد عُصموا من الانحراف بسبب تمسكهم بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم في قوله:\"تركت فيكم...\"الحديث وقد تقدم.
والله - تعالى - قد بعث نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، إلى قيام الساعة، فكان مقتضى هذا أن يحفظه كما أنزل، كما وعد - سبحانه -\"إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ\"(الحجر 9).
وإنما يحفظ الله الدين بالرجال المؤمنين، فيستعملهم لذلك، يستعملهم لحفظ التنزيل في صدورهم بالعلم كما قال:\"بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم\"(العنكبوت 49).
ويستعملهم لحفظه بالعمل به، كما قال:\"فِي بُيُوتٍ, أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ والآصال * رِجَالٌ لَّا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَومًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبصـــار\"(النور 36).
ويستعملهم لحفظه بالمنافحة عنه، وورود حياض الموت في سبيل رفع كلمتــه\"مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلًا * لِيَجزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدقِهِم وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَاء أَو يَتُوبَ عَلَيهِم إِنَّ اللَّــــهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا\"(الأحزاب 22ـ 23).
ذلك أن هذا الدين إنما يحفظ بالعلم والعمل والصبر في الجهادº لأنه ليس نظريات فلسفيّة، ولا مباحث كلامية تلقى على مثقفين للبحث والنظر، إنه صبغة تصبغ حياة الإنسان كلها، وتتجلى في جميع جوارحه وحركاته وسكونه، بإيمان صادق، وعلم يقين، وعمل صالح، وجهاد وصبر، وذلك لعمرو الله لا يكون إلا في نماذج إنسانية، تتمثل فيها هذه المعاني في صورة متكاملة حيّة، و مؤثرة فيما حولها، فتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
وقد حقق الله - تعالى - وعده فلم يزل في الأمّة، المنهج الحق الذي يحمل الإسلام المصفى من الشوب، المتمثل في خط أهل السنة والجماعة، الذين حفظوا الإسلام من ضلالات المنحرفين عن صراطه المستقيم، وقد أخذ بعضهم بأيدي بعض على مر العصور، كلما ذهب مجدد، بعث الله في الأمة مجددا، يرفعون الوحي بأيديهم فوق رؤوسهم عالياً، لئلا يختلط بغير الوحي العليّ النورانيّ، لئلا يختلط بأهواء المتهوّكين، ونزغات الشياطين، وضلالات المنحرفين.
وقد مات أكرم الخلق على ربه - صلى الله عليه وسلم - فحمل دينه المحفوظ أصحابه، ثم من بعدهم أئمة الهدى من التابعين كعلقمة، ومسروق، وعبيدة السلماني، وابن المسيب، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير، وعبيد الله بن عبد الله، وعروة، والقاسم، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، والنخعي، وطاووس، وعكرمة، ومجاهد، وسالم بن عبد الله بن عمر، والزهري، وأمثالهم من الطبقة.
ثم مثل: مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأبي حنيفة، ومعمر بن راشد، وابن أبي عروبة، والثوري، وابن عيينة، والحمادين، وشعبة، أبي عوانة، وابن جريج، وابن الماجشون، وابن أبي ذئب، وأمثالهم من الطبقة.
ثم مثل: ابن المبارك، والقاضي أبي يوسف، ووكيع، والوليد بن مسلم، وعلي بن عاصم، والفضيل بن عياض، ويزيد بن هارون، ويحيى بن سعيد القطان، وأمثالهم من الطبقة.
ثم مثل: الشافعي، وأبي عبيدة، وأحمد، وابن معين، وابن المديني، ومحمد بن الحسن الشيباني، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن آدم، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وأمثالهم من الطبقة.
ثم مثل: المزني، والأثرم، وابن هانئ، والبخاري، ومحمد بن نصر المروزي، وابراهيم الحربي، والحميدي، ومسدد بن مسرهد، وزهير بن حرب، وأحمد بن صالح، وهناد بن السري، ويونس بن عبدالأعلى، وابن خزيمة، وأمثالهم.
ثم مثل: محمد بن يحيى الذهبي، وعبد بن حميد، والجوزجاني، وابن زنجويه، وأبي زرعة الرازي، وأبي حاتم الرازي، والفسوي، ومسلم بن الحجاج، وأبي داود، وابن أبي خيثمة، وحرب الكرماني، وعبيد الله بن عبد الكريم الدارمي، وأمثالهم.
ثم مثل: عثمان بن سعيد الدارمي، وبقي بن مخلد، والترمذي محمد بن عيسى، وابن ماجة، وأحمد بن سلمة، وابن قتيبة، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والفريابي، والنسائي، وابن أبي عاصم، وأمثالهم.
ثم مثل: أبي عوانة صاحب الصحيح، والخلال، وابن الجارود، وابن صاعد، والطحاوي الحنفي، وابن سرج الشافعي، والبربهاري وأمثالهم.
ثم مثل: أبي علي النيسابوري الحافظ، والطبراني، وابن حبان، وأبي بكر الآجري، وابن السك، وأبي بكر الجرجاني (كبير الشافعية بجرجان)، وابن السني، وأبي الشيخ الأصيهاني، وابن شاهين، والدراقطني، وابن بطة العكبري، وأمثالهم.
ثم مثل: ابن أبي زيد القيرواني المالكي، وأبي نعيم الأصبهاني، والطلمنكي، وأبي بكر الإسماعيلي الحافظ، وأبي عثمان الصابوني، وابن أبي زمنين المالكي، واللالكائي الشافعي وأمثالهم.
ثم مثل: أبي عمرو الداني، وأبي نصر السجزي، وابن عبد البر المالكي، والخطيب البغدادي، وأمثالهم.
ثم مثل: الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين، والبغوي محيي السنة، وإسماعيل التيمي أبي القاسم، ثم السلفي أبي طاهر، ثم الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، وابن الصلاح، والمنذري، والضياء المقدسي،وأمثالهم.
ثم مثل: المزي، والذهبي، والبرزالي، وشيخ الإسلام ابن تيميه، وابن القيم، وابن مفلح، وابن رجب، وابن كثير، وابن عبد الهادي، وابن سيد الناس وأمثالهم.
ثم مثل: ابن ناصر الدين، ومَن بعده، مثل: المرداوي علاء الدين، ومن بعده، مثل: ابن النجار الفتوحي، ثم مرعي بن يوسف الحنبلي وأمثاله، ثم مثل: البهوتي والسفاريني وأمثالهم من أجلة العلماء.
ثم جاء شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ثم انتشر العلم على نهج أهل السنة والجماعة، وكثر العلماء جدا بحمد الله - تعالى - .
فمن أعيانهم وكبرائهم بعد المجدد الذي كان هو الإمام المقدم في وقت حكم محمد بن سعود وابنه عبد العزيز، جاء من بعده عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وكان هو المقدم في زمن سعود بن عبد العزيز، ثم أبناء الشيخ حسين وعلي وإبراهيم، وتلميذه العالم الجليل حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر، وتلميذه عبد العزيز بن عبد الله الحصين، وسعيد بن حجي، وحسين بن غنام.
وكان في هذا الوقت في اليمن الإمام الشوكاني، والصنعاني، ثم الإمام العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، ثم ابنه عبد اللطيف بن عبد الرحمن إمام زمانه أيضاً.
ثم عبد الله بن عبد اللطيف، والإمام الكبير عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين، والإمام حمد بن علي بن محمد بن عتيق، ومن تلاميذه العلامة سليمان بن سحمان، وسعد بن عتيق بن الشيخ حمد.
ومن علماء هذه المدة أحمد بن إبراهيم بن عيسى، وفي العراق، مثل: خير الدين الألوسي، ومحمود شكري الألوسي، وفي الهند محمد بن بشير السهسواني، وصديق حسن خان، وأمثالهم.
ثم جاء الإمام محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم تلاميذه الإمام عبد العزيز بن باز، وعبد الله بن حميد، وعبد الرحمن بن محمد بن قاسم، وعبد العزيز بن ناصر بن رشيد، وغيرهم من العلماء في ذلك الوقت، مثل: الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي.
ومن العلماء أيضاً في زمن هؤلاء: الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني، ومن قبله محمد بهجة البيطار، وفي مصر أحمد شاكر، حامد الفقي، ومحمد خليل هراس، ومحمد منير (صاحب دار الطباعة المنيرية)، وغيرهم كثير، وفي وقتنا أيضاً ممن لا يحصيهم إلا الله، وإنما ذكرت من حضرني، من الذين أعلم تمحضهم للسنة واتباع السلف، وممن لا يخرجون في غالبة حالهم وعلومهم عن ذلك، اللهم إلا أن تكون زلّة لا تحسب على الفضلاء، مما لا يكاد يسلم منه العلماء، ولا ريب أن من لم أذكرهم أضعاف أضعاف من ذكرت.
وقد ملأ الله بهم الدنيا نوراً وهدىً وعلماً، وكانوا متمسكين بالعروة الوثقى، مستضيئن بنور الوحي، معظمين له، منقادين للأخبار والآثار، لا يرضون عنها بديلاً، ولا يقدمون عليها رأياً، ولا ذوقاً، ولا سياسة، ولا قول أحد كائناً من كان، ولا يخافون في إقامة حجة الله على خلقه لومة لائم.
هذا هو موكب المجددين في هذه الأمة المصطفاة، اختارهم الله - تعالى - فجعلهم أنوار الهدى، ومصابيح الدجى، أصولهم واحدة، وعقيدتهم من الكتاب والسنة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، ذلك بما كانوا يعلمون الكتاب، وبما كانوا يدرسون، هم حصن الشرع المنيف، وسور السنة المنيع، وقلعة الدين، فلله درهم، وعليه شكرهم، نصرهم الله من فرقة ناجية، وطائفة منصورة، وجماعة هادية مهدية، فالحق بهذا الركب المبــــارك:
واعلم هديت أنـه جـاء الخبــــر *** عن النبي المصطفى خير البشر
بأن ذي الأمة ســوف تفــــترق *** بضعاً وسبعين اعتقاداً والمحق
من كان في نهج النبي المصطفـى *** وصحبــه من غير زيغ وجفا
وليس هذا النص جزمــاً يعتبـــر *** في فرقـة إلا علـى أهـل الأُثر
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد