الليبرالية الإسلامية والنموذج التركي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قدر المنطقة بحسب مارتن إنديك بين خيارين: إما الأصولية وإما اللبرلة من الليبرالية، ولكن كيف يتعاطى العقل السياسي والثقافي الأمريكي مع الظاهرة الإسلامية؟ في سياق هذه الظاهرة يقرر الدكتور فواز جرجس أستاذ العلاقات الدولية والشرق الأوسط بجامعة سارة لورنس بنيويورك وصاحب كتاب \"أمريكا والإسلام السياسي: صراع الحضارات أم صراع المصالح\" أن ما يتداخل في تحديد منهج التعاطي ثلاثة أبعاد: عدم رغبة أمريكا إظهار العداء المعلن مع الإسلام والإسلاميين.

تتجنب أمريكا دعماً علنياً لأي جماعة إسلامية وترتاب بشدة تجاه توجهات الإسلاميين نحو مصالحها.

يغلب على النخب السياسية الأمريكية الاعتقاد القائل بعدم التوافق بين الإسلام السياسي وقيم الديمقراطية.

وكعادته فقد تمكن العقل اليهودي الماكر من فرض موضوع \"الخطر الإسلامي الأخضر\" في الأجندة الاستراتيجية الأمريكية لتحقيق هدفين:

تكريس الحاجة الاستراتيجية للكيان الصهيوني بالمنطقة كمشروع ذي قيمة استراتيجية للإمبريالية الغربية.

استخدام القوة الأمريكية لضرب التيار الإسلامي المتنامي باعتباره القوة الواعدة التي تتهدد المشروع الصهيوني مستقبلياً.

وقد لاقى هذا التوجه قبولاً لدى النخب السياسية الأمريكية نظراً للفراغ الاستراتيجي الذي أحدثه غياب الاتحاد السوفييتي وحاجة أمريكا لعدو منتظر لتفريغ فائض القوة لديها، ولحاجتها الأساسية لعدو خارجي للحفاظ على بنيتها الداخلية الفسيفسائية؟ خاصة أن المراقبين بمن فيهم الأمريكيون يشيرون لتآكل \"فرن الصهر\" الثقافي الأمريكي الذي يؤمِّن الغراء اللازم لتماسك المجتمع الأمريكي بنزعته الاستهلاكية المفرطة.

ورغم اعتماد الخطر الإسلامي الأخضر كمنظور لدى النخب السياسية الأمريكية إلاّ أنه نظراً لفشل حملة الإدارة الحالية المسماة بمحاربة الإرهاب ويقينهم أن الأفق المستقبلي سيحتلّه التيار الإسلامي فقد بدأت تتوالد داخل العقل السياسي الأمريكي خيارات متنوعة حول شكل المواجهة الحتمية مع هذا التيار.

وفي إطار تصنيف الرؤى المطروحة للمواجهة يمكن قولبتها بالخيارات التالية:

تيار المواجهة العنيفة أصحاب مدرسة صدام الحضارات وعلى رأسهم هنتنجتون تلميذ المؤرخ اليهودي برنارد لويس صاحب النظرية أصلاً، وإيموس بيرلموتر، وهؤلاء يرون أن الثقافة الإسلامية بتكوينها الأساسي متناقضة مع القيم الديمقراطية وليست هنالك فرصة للالتقاء بين الإسلام والغرب المسيحي، وهو تيار يؤمن بنظرية الدمينو ومفادها أن توافر النجاح لأي تجربة إسلامية ميدانياً سيعني تكثّف وتضاعف الظاهرة الإسلامية في مدى جغرافي غير محدود لدرجة يصعب السيطرة عليها أو التعامل معها.

في المقابل هناك تيار يتناقض مع الأول ومن رجالاته جون أسبوزيتو وليونتي هايدار وجون أنتيليس وجراهام فوللر، ويرون أن الظاهرة الإسلامية لا تمثل تهديداً للولايات المتحدة بل تحدياً يمكن التعاطي معه بلغة الحوار ومن خلال بناء قواعد لتبادل المصالح بين الطرفين.

في مخاض هذا الحراك المضطرب وفي ظل تداعيات التجربة العراقية المحرجة للإدارة الأمريكية، وكذلك وجع الملف الفلسطيني المزمن وتداخل الظاهرة الإسلامية في ثناياهما يتحدث المراقبون عن عدة خيارات عملية لواشنطن لمواجهة أزمة المنطقة عامة ومع التيار الإسلامي خاصة باعتباره الطرف الأبرز الذي سيظهر على مسرح المنطقة. ويمكن اختزالها بالآتي:

إغفال التيار الإسلامي والاستمرار في دعم الأنظمة القائمة ومواصلة حربها ضد ما تسميه الإرهاب.

الضغط على الأنظمة القائمة لخلق مساحة تؤسس على قاعدتها ديمقراطية منتقاة تتسع للنخب الليبرالية مع إنتاج معادلة خاصة لضبط إيقاع حراك التيار الإسلامي.

خيار الدمج الداعي لمشاركة الإسلاميين ودمجهم في إطار النخب السياسية الصانعة للقرار السياسي بالمنطقة وفق رؤية أمريكية ومعادلة متوافق عليها.

ولتهيئة المناخ الملائم للخيار الأخير ربما تسعى واشنطن لتفجير التيار الإسلامي من الداخل، بمعنى إحداث انقلاب داخله لإنتاج تيار يمثل الليبرالية الدينية لاستنساخ الحالة التركية التي يجسدها حزب العدالة والتنمية الذي انقلب على الإسلام المحافظ الممثل بتيار أربكان.

ومن لوازم المعادلة التوافقية المقترحة قبول أمريكا التعاطي مع التيار الإسلامي والسماح باقترابه من سلطة القرار السياسي مقابل أن يقبل هذا التيار بالديمقراطية والتعددية السياسية والثقافية وتداول السلطة وحقوق المرأة والأقليات، والأهم من ذلك القبول بمبدأ التسوية فيما يتعلق بفلسطين من أجل غلق الملف الفلسطيني وفق الأجندة الصهيونية، وتلك أمّ المشكلات.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply