بسم الله الرحمن الرحيم
* نقد العهد القديم:
تعرضت أسفار العهد القديم للنقد منذ بدء تدوينها، وخضعت للنقاش حتى تم الاعتراف بمجموعة من الأسفار، وهي المسماة: \"الأسفار القانونية\"، وتم استبعاد أسفار أخرى، وهي المسماة: \"الأبوكريفا\".
ومع ذلك، فقد استمر نقد الأسفار القانونية، من قبل باحثين، ورجال دين، وعلماء، وكان الجهد الكبير المبذول في هذا النقد من نصيب علماء المسلمين، الذين بذلوا جهوداً جبارة في نقد العهد القديم، وبيان بطلان نسبته إلى من ينسب إليهم من أنبياء، وكان جل نقدهم منصباً على إثبات مسألتين: الأولى: انقطاع سند هذه الأسفار، وعدم وجود أي سند يثبت نسبتها إلى من تُنسب إليه من أنبياء. والثانية: إثبات التحريف في العقائد.
لكن الخطوة المهمة كانت فيما كتبه الإمام ابن حزم الأندلسي، الذي هو بحق مؤسس \"علم نقد العهد القديم\"، حيث استعمل في مؤلفاته \"الفصل في الملل والأهواء والنحل\" و\"الرد على ابن النغريلة\" منهجي: النقد النصي، والنقد التاريخي.
حيث أثبت ما في نصوص العهد القديم من تناقض، واستحالة، ومخالفة للحقائق التاريخية المعروفة.
وللأسف، فقد بقيت محاولته من غير أن تجد من يكملها، حتى نشأ هذا العلم في أوروبا بعد ابن حزم بقرون، وظهر كتاب الفيلسوف سبينوزا \"رسالة في اللاهوت والسياسة\" التي صار بها: مؤسس علم نقد العهد القديم، في الغرب، ثم توسع الباحثون من بعده، حتى وصل العلم إلى ما هو عليه اليوم، وصار علماً معترفاً به، وله كلياته وأبحاثه المرموقة.
أما معنى علم نقد العهد القديم: فهو العلم الذي يهدف إلى دراسة نصوص العهد القديم باعتبارها نصوصاً تاريخية، على الدارس أن يطبق عليها كل المعايير التي يطبقها على أية نصوص تاريخية أخرى.
كما يهدف إلى اكتشاف أسباب التناقضات التي قد توجد بين نص وآخر، وعدم الاتساق فيما بينها، ثم محاولة تفسيرها في ضوء المعطيات التاريخية.
1- النقد النصي:
والمراد به إظهار ما في النص من تناقضات، أو استحالة، مما يبين عدم صحة نسبته إلى من ينسب إليه.
وسأذكر هنا بعض الأمثلة من هذا النقد:
المثال الأول: إقامة بني إسرئيل في مصر: في التكوين [15: 13، 16] أنها 400 سنة، وفي الخروج [12: 40] أنها 430 سنة. ونجد في التكوين [50: 23] أنّ أولاد ماكير بن منسي ولدوا على ركبتي يوسف، لكن في سفر يشوع [13: 31، 17: 1] نجدهم يحاربون في كنعان مع يشوع!
المثال الثاني: سبب تسمية يعقوب بإسرئيل: في التكوين [32: 25- 29] أنه بسبب مصارعته مع الله، وفي التكوين [35: 6- 10] أنه سمي بذلك بعد أن بنى لله مذبحاً.
المثال الثالث: في الخروج [23: 15] ورد: \"سبعة أيام تأكل فطيراً\"، وفي التثنية [16: 8] جاء: \"ستة أيام تأكل فطيراً\"!
المثال الرابع: في الخروج [23: 7] ورد: \"مفتقد إثم الآباء في الأبناء\"، وفي التثنية [10: 6] جاء: \"لا تموت الآباء عن الأبناء\"!
المثال الخامس: مكان موت هارون: في العدد [33: 38] أنه مات في جبل هور، وفي التثنية [10: 6] أنه مات في موسير!
المثال السادس: في قصة أخذ الله العهد من بني إسرئيل في سيناء: في الخروج [19: 20] ورد: \"وهبط يهوه على جبل سيناء، على قمة الجبل\"، وفي التثنية [4: 36] جاء: \"من السماء أسمعك صوته\"!
المثال السابع: في أخبار الملوك الثاني [16: 1]: \"وفي السنة السادسة والثلاثين لملك آسا صعد بعشا ملك إسرئيل على يهوذا وبني الرامة\"، وفي الملوك الأول [16: 8]: \"وفي السنة السادسة والعشرين لملك آسا ملك يهوذا: ملك أيله بن بعشا\".
المثال الثامن: سبب المنع من العمل يوم السبت: في الخروج [20: 8- 11] لأن الله استراح من خلق السموات والأرض يوم السبت، وفي التثنية [5: 12- 15] لأنه اليوم الذي خرج فيه موسى من مصر.
المثال التاسع: في التثنية [34: 5- 12] قصة موت موسى: \"فمات هناك موسى عبد الرب\".
المثال العاشر: في سفر يشوع [24: 29- 33] قصة موت يشوع: \"وكان بعد هذا الكلام أن مات يشوع بن نون عبد الرب\".
2- النقد التاريخي والآثاري \"الأركيولوجي\":
كان \"العهد القديم\" يعتبر مصدراً موثوقاً به في كتابة التاريخ القديم، حتى لقد أصبحت رواياته مصدراً أساساً، بل وحيداً، في كثير من كتب التاريخ، عند المسلمين والنصارى، على حدٍ, سواء.
لكن مع ظهور \"علم نقد العهد القديم\"، وإعادة كتابة التاريخ بصورة علمية، بالاستعانة بالاكتشافات الأثرية، تكشف العهد القديم عن أخطاء شنيعة، حتى وصل الأمر بكثير من العلماء إلى استبعاده التام من قائمة المصادر التاريخية، وأصبح العهد القديم مرجعاً غير موثوق به، وأعاد كثير من العلماء كتابة التاريخ مع التجاهل التام لروايات العهد القديم.
لا سيما وأن الاكتشافات الآثارية في فلسطين وباقي المشرق العربي كشفت عن آلاف المعلومات المناقضة لما ورد في العهد القديم، وفي المقابل لم يتم إيجاد أي توثيق لأي معلومة، مفصلية، أو مكان ورد في العهد القديم، يمكن أن يعتبر تأييداً لمصداقيته التاريخية.
3- النقد المقارن:
مع ظهور الاكتشافات الآثارية الحديثة، في مصر والشام والعراق وإيرانº تمكنا من معرفة علمية وجيدة لأديان هذه المناطق، التي استطاع العلماء إزالة اللثام عن آثارها، وفك نصوصها وقراءتها.
وكم كانت الدهشة عظيمة عندما تبين لهم أن ما يقرؤونه، في أحيان كثيرة، يكاد يكون نصوصاً من العهد القديم.
ومع تطور الاكتشافات، وتراكم المعلومات، وتنسيقها، تبين أن الديانة اليهودية، وكتابها المقدس، كما نعرفهما اليوم، ما هما إلا تجميع وتلفيق مشوه، للقصص والتشريعات، والأساطير، والتقاليد الاجتماعية، لتراث الشعوب الممتدة من إيران إلى مصر.
فالتراث اليهودي، كما هو موجود اليوم، لا يعدو كونه تلفيقاً للديانات السومرية، والبابلية، والمصرية، وديانات الخصب السورية، والديانة الزرادشتية.
4- النقد الجغرافي:
لم يجد علماء الآثار في فلسطين أي أثر يؤيد روايات العهد القديم، مع أنهم حرثوا فلسطين، ونقبوا عن الآثار فيها، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها.
ومع أن النتيجة المنطقية لهذا: هو كذب رواية العهد القديمº إلا أنه ظهر قول جديد، وتفسير آخر للأمر، مفاد هذا الرأي هو أن أحداث \"الكتاب\" لم تقع في فلسطين، ومصر، كما هو مشهور، وموجود في نصوص العهد القديم، ولكنها وقعت في مكان آخر.
وهذا المكان هو غرب وجنوب الجزيرة العربية، أو ما يعرف بـتهامة وعسير.
وهنا أمر ينبغي التنبيه إليه، بالنسبة لهذا القول، وهو أن أصحابه لا يدعون صدق رواية العهد القديم، لكنهم يقولون: إن البيئة التي وضعت فيها نصوص العهد القديم ليست فلسطين، ولا العراق، ولا مصر، بل هي غرب الجزيرة العربية.
وكان أول من كتب في هذا الموضوع بصورة علمية، هو: د. كمال الصليبي، وتابعه كتاب عرب كثيرون، مثل: د. زياد منى.
وهنا ملاحظات على هذا النقد:
أ - أن هذا النقد مخالف للنصوص الدينية الإسلامية، فنصوص القرآن والسنة تفيد أن أحداث بني إسرائيل وقعت في فلسطين، ومصر.
ب - أن هذا النقد اعتمد على \"المقارنات اللغوية\" وهذه المقارنات لا تفيد العلم، بل غايتها أن تكون قرائن، وليست أدلة قائمة بذاتها.
ت - لا يوجد هناك أي دليل آثاري يؤيد هذا القول.
5- النقد العلمي:
مع تطور المعارف العلمية للبشر، وظهور \"العلم الحديث\" ظهر للباحثين مقدار ما يحويه العهد القديم من أغلاط تناقض العلم الحديث.
فتصور العهد القديم عن العالم هو تصور خيالي، مليء بالخرافات، وبعيد عن أي حس علمي.
ولا ننسى الاضطهاد الذي تعرض له كثير من العلماء، في النصرانية، على يدي الكنيسة، بتهمة نشرهم \"لهرطقات\" علمية تخالف ما ورد في \"الكتاب\".
لكن اليوم، نجد تراجعاً في هذا الموقف، بل واعترافاً بتضمن \"الكتاب\" لمعلومات خطأ من الناحية العلمية.
* المصدر الثاني: التلمود:
كلمة (تلمود) مشتقة من الجذر الكنعاني \"العبري\" (لمد) بمعنى: علِّم. فالتلمود يعني: التعليم والدراسة.
وهو من أهم الكتب الدينية عند من يؤمن به من اليهود، وهو كتاب فقه وتشريع، لكنه يحتوي، بالإضافة إلى الأحكام الفقهية، على مسائل لاهوتية، وتاريخية، وآداب، وعلوم طبيعية، والصناعات، والفلك، والتنجيم، وأسرار الأعداد.
* مكونات التلمود:
يتكون التلمود من قسمين:
1- المشنا.
2- الجمارا.
1- المشنا:
ومعناها التعليم المكرر، أو تكرار التعاليم، وهي مشتقة من المفردة الكنعانية- العبرية (شني) بمعنى اثنين.
والمشنا هو الجزء الأساسي من التلمود، وهو بمثابة \"الشريعة الشفهية\" التي استلمها موسى من الله، مقابل \"الشريعة المكتوبة\" وهي التوراة.
وقد تمَّ تدوين هذه التعاليم على يد مجموعة، لا يُعرف اسم أيٍ, من أفرادها، يطلق عليهم التثنويون (أصل اللفظة: تنئيم، وهي صيغة الجمع من المفردة الآرامية تنء، بمعنى كرر أو ثنَّى).
ووضع الشكل النهائي للمشنا على يدي يهوذا الناسئ (175- 220 م).
واللغة التي كتب بها المشنا كانت لغة خاصة يطلق عليها اسم: \"عبرية المشنا\".
2- الجمارا:
وهي مفردة آرامية تعني: التكملة. وهي عبارة عن تعليقات وشروح على المشنا، وضعها مجموعة من الفقهاء (ءموريم، وهي صيغة الجمع من ءمورء بمعنى: الفقيه، أو المعلم).
وقد تم تدوين هذه التعليقات والشروح في منطقتين مختلفتين:
1- بابل: وبدأ فقهاء اليهود تدوين تعليقاتهم هناك عام 200م وحتى عام 500 م تقريباً.
2- فلسطين: وكانت هناك ثلاث مراكز للتلمود هي: طبرية وقيسارية وصفورية، وبدأ فقهاء اليهود بتدوين تعليقاتهم هناك قرابة عام 219م وحتى عام 359م تقريباً، إلا أن تعليقاتهم وشروحهم لم تشمل جميع المشنا.
ولذا فقد ظهر تلمودان:
1- التلمود البابلي: الذي يحتوي على المشنا والجمارا البابلية، ويسمى أيضاً: التلمود الشرقي، وتبلغ عدد كلماته 2500000 تقريباً، وبعض طبعاته في 20 مجلداً، وبعضها في 40 مجلداً، وهو شامل لجميع المشنا، واللغة التي دوّن بها هي الآرامية الشرقية.
2- التلمود الفلسطيني: الذي يحوي المشنا والجمارا الفلسطينية، ويسمى أيضاً التلمود الغربي، وتبلغ كلماته ثلث كلمات التلمود الشرقي تقريباً، ولم يشمل بالشرح جميع المشنا، واللغة التي دوّن بها هي الآرامية الغربية.
* بنية التلمود:
يتكون التلمود من ستة أقسام، هي:
1- المزروعات (زرعيم):
وهو يتكلم عن المحاصيل الزراعية، وأحكامها، وعن الأنظمة المتعلقة بالفلاحة، والحرث، والحصاد، وجني البساتين، والسنة السبتية، والعشار، وحقوق الفقراء والكهنة واللاويين في الأرض والمحاصيل، ويبيّن المواد المحظور خلطها في النباتات والحيوانات والألبسة.
2- الأعياد (موعد):
وهو يتكلم عن أحكام يوم السبت، ومواعيد الأعياد، والمواسم الدينية وأحكامها، والطقوس والفرائض التي تمارس في تلك المواسم، والقرابين التي تقدم، وقواعد تنظيم التقويم العبري.
3- النساء (ناشيم):
وهو يتكلم عن العلاقة بين الرجل والمرأة، وأحكامها، وقوانين الزواج والطلاق.
4- الأضرار (نزيقين):
وهو يتكلم عن مسائل القانون المدني، والأحكام المالية، وتنظيم المحاكم، والقوانين الجنائية، وتنظيم معاملة اليهود مع الأغيار.
5- المقدسات (قداشيم):
وهو يتكلم عن القرابين والتضحيات التي تقدم في الهيكل، وعن أحكام الهيكل.
6- الطهارات (طهاروت):
وهو يتكلم عن أحكام الطهارة والنجاسة، وكيفية التطهر من النجاسات، والأشياء التي هي عرضة للتنجّس.
هذه هي أقسام التلمود بصورة مجملة.
* ومما تجدر الإشارة إليه: أن التلمود يحتوي على عقائد سحرية وخرافية كثيرة، وكذلك فهو مليء بالتجسيم في أقبح صورِهِ، ومليء بالعنصرية والعبارات البذيئة.
فمن ذلك: أن النهار اثنتا عشرة ساعة: في الثلاث الأولى منها يجلس الله ويطالع الشريعة، وفي الثلاث الثانية يحكم، وفي الثلاث الثالثة يطعم العالم، وفي الثلاث الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت ملك الأسماك!.
ومنها: أنه لا شغل لله في الليل إلا تعلم التلمود مع الملائكة، ومع اسموديه ملك الشياطين، في مدرسة في السماء، ثم ينصرف اسموديه منها بعد صعوده إليها في كل يوم!. - تعالى - الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً.
* أما موقف التلمود من المسيح، - عليه السلام -، فقد اتّهمه بأنه ابنُ زنا، وأنّ أمّه حملت به وهي غير طاهرة، وأنه ساحر، واتهامات كثير شنيعة في حقه، لعل من أكثرها شناعة أن عقوبته يوم القيامة أن يوضع في البراز المغلي!!
أما مريم، ففي التلمود، أنها كانت من بنات الملوك ثم أصبحت عاهرة.
أما صورة العرب في التلمود، فإنّه يحتقرهم، ويصفهم بشتى الصفات القبيحة، مثل: أمة منحطة، وأن العرب يشبهون شيطان المرحاض، وأن يهوه (إله اليهود) ندم على خلق أربعة أمور: السبي البابلي، والكلدانيين، والعرب، ونزعة الشر، ويقول التلمود: إن العرب استحوذوا على تسعة أعشار العهر الذي في العالم، وفي نص آخر: تسعة أعشار الغباء.
***
* ثالثا: عقائد اليهود:
- عقيدتهم في الله، - عز وجل -.. مفهوم التوحيد عندهم
اليهود، وخلاف المشهور عنهم، لم يكونوا موحدين في جميع فترات تاريخهم، ولو رجعنا إلى \"العهد القديم\" فإننا لا نجد توحيداً صافياً إلا في الأسفار المتأخرة مثل إرميا وإشعيا.
فنقرأ في إشعيا، مثلاً [41: 4]: \"أنا الرب، أنا الأول والآخر\".
وفيه [43: 10]: \"ما كان من قبلي من إله ولن يكون بعدي\"، وفيه [44: 6]: \"أنا الأول وأنا الآخر، ولا إله في الكون غيري، من مثلي؟ فليعلن هذا وليتقدم به ويعرضه لي\" وغيرها من النصوص الكثيرة.
ففي باقي الأسفار يظهر الإله اليهودي على أنه إله قومي، إله خاص لشعب خاص، هو شعب بني إسرءيل، ومع هذاº ففي أسفارهم أنهم لم \"يفردوه بالعبادة\" فقد عبد بنو إسرءيل، كما في أسفارهم، آلهة أخرى كثيرة، بجانب عبادتهم للإله يهوه، مثل: عشتار، وبعل، وهذا موجود في كتابهم المقدس.
ويظهر الله، - عز وجل -، في كتابهم المقدس على أنه أعظم الآلهة، ففي سفر الخروج [15: 11] نقرأ: \"من مثلك بين الآلهة يا رب؟ من مثلك معتزاً بالقداسة؟ \".
وفي سفر المزامير [82: 1]: \" الله في مجلسه الإلهي، في وسط الآلهة يقضي\". وفي ترجمة أخرى للعهد القديم، نجد النص: \"الله قائم في مجمع الآلهة\".
وحصل انحطاط كبير للتوحيد عند اليهود من خلال انتشار الصوفية الباطنية اليهودية (القبالاه).
ففي القبالاه هناك أربعة آلهة، هم الأب والزوجة، والابن والابنة، وهناك، أيضاً، في القبالاة تقديم بعض العبادات للشيطان.
وعلى كل حالº فقضية التوحيد عند اليهود شائكة وتحتاج إلى توسع، ليس هذا مكانه.
- أسماء الإله في العهد القديم:
أطلق على الله، - عز وجل -، أسماء كثيرة في \"العهد القديم\" فمنها:
1- إيل: وهو مفردة كنعانية، تعني: الإله.
2- إلوهيم: وهي صيغة الجمع من \"إيل\".
3- أدوناي: وتعني سيدي أو مولاي، وهو الإله السوري أدونيس، والياء والسين، هما لاحقتا الاسم في اليونانية.
4- شداي: وهي مختصر جملة عبرية تعني: \"حارس أبواب إسرءيل\"، ويعني: الإله القوي، أو القادر.
5- يهوه: وكيفية نطقه، ومعناه، غير معروفين على وجه الدقة، ويرى بعض الباحثين أنها مشتقة من الجملة الكنعانية- التوراتية (العبرية): \"آهييه آشر آهييه\" أي: أكون الذي أكون. وهذا الاسم أكثر الأسماء قداسة عند اليهود، وكانوا لا يتفوهون به، بل يكنون عنه بعبارة مثل: \"الاسم ذو الأربعة أحرف\".
- تجسيم اليهود لله، - عز وجل -:
العهد القديم، والتلمود، مليئان بالتجسيم، بل بما هو أقبح من التجسيم، ومن الأمثلة على ذلك:
التعب والاستراحة: فقد جاء في سفر التكوين [2: 2- 3]: \"وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، واستراح في اليوم السابع من جميع ما عمله، وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه استراح فيه من جميع ما عمل\".
الندم: فقد جاء قي سفر الخروج [32: 14]: \"فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه\".
الحزن: فقد جاء في سفر التكوين [6: 6]: \"فحزن الرب أنه صنع الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه\".
الخداع: فقد جاء في سفر إرميا [4: 10]: \"فقلت: آه يا سيدي الرب، حقاً إنك خدَّاع، خدعت هذا الشعب\".
وهناك نصوص كثيرة جداً غير هذه، ومنها ما سبق من مصارعة الرب مع يعقوب، وعجزه عن هزيمته!
- عقيدتهم في الأنبياء، - عليهم السلام -:
معنى النبي: لا يوجد في العهد القديم معنى محدد، ولم ترد مفردة \"نبي\" الثلاثية في \"العهد القديم\"، لكنها وردت على وزن \"تفعل\" (تنبأ) \"وفعَّل\" (نبأ) واشتقاقاتهما.
والنبي يرد في العهد القديم، بمعنى: مبلغ كلمة الله. نقرأ في سفر هوشع [6: 5]: \"أكثرتُ لكم الأنبياء، وفاضت عليكم أقوال فمي\" وانظر، مثلاً: إرميا [15: 18، 19].
ويأتي النبي مرادفاً لراءٍ, (ر ءه): أي الذي يزعم أنه يأتيه آتٍ, في المنام فيخبره بأمر فيقع كما رأى، وهذا نوع من الكهانة، نقرأ في سفر صموئيل الأول [9: 9]: \"لأن الذي يقال له اليوم نبي: كان يقال له من قبل راءٍ,\".
ويأتي مرادفاً لحازي (حزه): وهو بمعنى الكاهن أيضاً، وجاد النبي كان يحزو لداود. صوئيل الثاني [24: 11]، مع ملاحظة أن الترجمة العربية غير دقيقة.
ويأتي مرادفاً للمجنون أو من كان قريباً من الجنون: ويبدو أنه بمعنى: المجذوب، عند الصوفية.
ويأتي مرادفاً للوجدِ الصّوفي: أي الإنشاد والغناء والرقص الديني بتأثر. انظر، مثلاً: صموئيل الأول [10: 10- 12، 19: 20- 22].
وهناك، أيضاً، مَن يسمون \"أبناء الأنبياء\"، وهم عبارة عن جماعة، وهناك أنبياء من غير بني إسرءيل مثل: \"بلعام\"، وأنبياء لآلهة أخرى مثل \"أنبياء البعل\" الملوك الأول [17: 29].
وهناك أنبياء كذابون، وأنبياء صادقون، لكن العهد القديم لا يقدم أي طريقة للتفريق بينهما.
ولهذا: فاليهود لا ينظرون إلى الأنبياء نظرة التوقير التي ينظر إليهم بها المسلمون، فالعهد القديم مليء بالأوصاف الشنيعة التي وصف بها الأنبياء، بل بعض هذه الأوصاف تصل إلى الشرك بالله، فمن ذلك:
نوح: تذكر التوراة عن نوح أنه يشرب الخمر ويتعرى. سفر التكوين [9: 21].
لوط: ففي التوراة أنه شرب الخمر وسكر، وزنى بابنتيه. سفر التكوين [19: 31- 35].
هارون: ففي التوراة أنه هو الذي صنع العجل، وأمر بني إسرءيل بعبادته. سفر الخروج [32: 1- 5].
سليمان: ففي العهد القديم أن سليمان عَبَدَ الأصنام، في آخر حياته، وبنى لها المعابد. سفر الملوك الأول [11: 1- 12].
وفيه أن سليمان قتل أخاه. سفر الملوك الأول [2: 23- 25].
وهناك الكثير غير هذه القصص، كخداع يعقوب لأبيه، وسرقته البركة (النبوة) منه!
- عقيدتهم في اليوم الآخر:
لا يرد ذكر اليوم الآخر و الجنة والنار في التوراة، والثواب والعقاب فيها معجّلان في الدنيا، بل إنَّ هذا المعنى هو الموجود في غالب أسفار العهد القديم.
ونستطيع أن نقول: إن هناك عدة تصورات لفكرة البعث واليوم الآخر في العهد القديم:
1- السكوت المطبق عن عالم ما بعد الموت، إلا بتلميح يسير عن عالم سفلي غير معروف الماهية.
2- أن الأرواح جميعها تذهب إلى الهاوية (شول)، وهي عالم لا حساب فيه ولا ثواب ولا عقاب، بل وجود راكد، والأرواح في ذلك متساوية، طيبها وشريرها، في سفر الجامعة [3: 19- 21]: \"ما يحدث لبني البشر يحدث للبهيمة، وحادثة واحدة لهما، موت هذا كموت ذاك، ونسمة واحدة للكلº فليس للإنسان مزية على البهيمة، لأن كليهما باطل، يذهب كلاهما إلى مكان واحد، كان كلاهما من التراب وإلى التراب يعود كلاهما، مَن يعلم هل تصعد روح البشر إلى العلاء، وتنزل روح البهيمة إلى الأرض؟ \".
ونقرأ في سفر أيوب [7: 7- 10]: \" تذكَّر: حياتي نسمة ريح، وعيني لن ترى الخير بعد، تنظر إلي ولا تراني، وتلتفت عيناك فلا أكون، مثلما يضمحل السحاب ويزولº كذلك مَن يهبط عالم الموت لا يصعد، إلى بيته أبداً لا يعود، ومكانه لا يُتَعَرَّف إليه\".
3- ظهور إشارات لليوم الآخر والثواب والعقاب، وذلك في سفري إشعيا ودانيال، فنجد في سفر إشعيا [26: 19- 21]: \"تحيا أمواتك، تقوم الجثث، استيقظوا وترنموا يا سكان التراب... فها هو ذا الرب خارج من مسكنه ليتفقد شرور سكان الأرض، فتكشف الأرض عن دماء قتلاها، ولا تسترهم من بعد\".
وفي سفر دانيال [12: 2- 3]: \"وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون: هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للخزي الأبدي\".
لكننا نجد إثبات اليوم الآخر، والجنة والنار صراحة في \"التلمود\".
لذا كانت الفِرَقُ اليهوديّة، التي تنكر التلمود لا تؤمن بالبعث بصورة صافية.
***
* رابعاً: فِرَقُ اليهود:
تفرق اليهود فرقاً كثيرة، بل أدياناً كثيرة، تختلف فيما بينها في كل شيء، بل لا تكاد تتفق في شيء، ولهذا يذهب كثير من العلماء إلى تسمية هذه الفرق بالفرق (اليهوية) نسبة إلى عبادتها الإله يهوه، أما اليهودية المعروفة اليومº فهي \"يهودية حاخامية\" وهي امتداد لجماعة من فرقة الفريسيين، انشقوا عن باقي الفرق عام 70م.
وسأذكر هنا ثلاثاً من أهم الفرق الدينية اليهودية (اليهوية) التي ظهرت قبل الميلاد، وهناك فرق أخرى كثيرة غيرها، وهناك فرق أخرى ظهرت بعد ظهور الإسلام، متأثرة ببعض الفرق الإسلامية، مثل فرقة القرائين، التي تابعت أقوال المعتزلة حذو القذة بالقذة.
وسنعرض لبعض هذه الفرق..
1- الصدوقيون:
تحوطُ الإشكالاتُ سببَ تسميتِهِم بالصّدوقيين، فبعض الباحثين يرى أنهم سموا بذلك نسبة إلى الكاهن الأعظم صادوق، لكن ليس هناك ما يؤيد هذا الرأي.
ويرى بعض الباحثين أنهم نسبة إلى (صديقيم) بمعنى: الصديقين، أو الأبرار، ولعل هذا هو الأقرب.
والصدوقيون كانوا مجموعة من الكهنة الأرستقراطيين، المرتبطين بالهيكل، وقد ظهر الفريسيون كرد فعل على تسلط الصدوقيين الأرستقراطي.
ومن عقائدهم:
- أنهم لا يؤمنون بالشريعة الشفهية \"التلمود\".
- لذا فهم لا يؤمنون باليوم الآخر، ولا الجنة والنار.
- وينكرون كل الأمور الغيبية، مثل: الروح، والملائكة، والشياطين.
- ويقولون بحرية الإنسان في فعله، أي أنهم قدرية.
2- الفريسيون:
اسمهم مشتق من المفردة الآرامية (فريشين) بمعنى: المنعزلون، أو المعتزلة. ويرى بعض الباحثين أنها مشتقة من المفردة الآرامية (فرش) بمعنى: فسَّر، أي المفسرون.
- والفريسيون هم أصل \"اليهودية الحاخامية\" الموجودة اليوم، ويؤمن هؤلاء بنزول شريعتين على موسى، شريعة مكتوبة هي التوراة، وشريعة شفهية وهي التي تناقلها الحاخامات ثم دونت في التلمود.
- فهم يؤمنون بالتلمود.
- ويؤمنون بالبعث، والجنة والنار.
- ويؤمنون بالملائكة، والشياطين.
- وينتظرون المسيح المخلِّص.
3ـ السامريون:
أي سكان بلدة السامرة، ويسمون أنفسهم بني يسرائيل، وبني يوسف، وحفظة الشريعة (شومريم).
ومن عقائدهم:
- أنهم لا يؤمنون إلا بالتوراة فقط، ولا يؤمنون بباقي أسفار العهد القديم.
- يقولون: إن موسى هو آخر الأنبياء، ولا يعترفون بنبوة من أتى بعده من الأنبياء.
- لا يقولون بقدسية الهيكل، ولا جبل صهيون، ويقولون بقدسية جبل جرزيم.
- مفهوم التوحيد عندهم أصفى من باقي الفرق.
- لا يعترفون بالتلمود.
وعددهم الآن قليل قرابة 500 شخص، يعيش غالبهم في نابلس.
.............
* نقلاً عن مجلة الجسور العددين السادس والسابع، 1425هـ.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد