بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. فهذا بحث موجز نبين فيه حقيقة الديانة الاباضية ونسبتهم ومذهبهم.
تــــــــــــمــــهــــــيـــد
هذه الفرقة تحمل فكر الخوارج وهي فرقة موجودة في عصرنا الحاضر، فقد قال بكير بن سعيد اعوشت - أحد علمائهم - أنهم يوجدون حاليا في الجزائر وتونس وليبيا وعمان وزنجبار.
أولاً: مــؤســس الاباضية:
إنهم ينسبون في مذهبهم حسب ما تذكر مصادرهم إلى جابر بن زيد الأزدي الذي يقدمونه على كل أحد ويروون عنه مذهبهم وهو من تلاميذ ابن عباس - رضي الله عنه -. انظر أجوبة ابن خلفون ص9.
وقد نسبوا إلى عبد الله ابن أباض لشهرة موقفه مع الحكام واسمه عبد الله بن يحيى بن أباض المري من بني مرة بن عبيد وينسب إلى بني تميم.
وللأباضية صولة وجولة في باب الخروج على الإمام، فقد ثار يحيى بن عبد الله طالب الحق المتقدم باليمن وجمع حوله من الأتباع والأنصار ما شجعه على الخروج في وجه حكام بني أمية سنة128هـ، وهذا الشخص أصله من حضرموت تأثر بدعوة أبي حمزة الشاري فخرج على مروان بن محمد وأخذ حضرموت وصنعاء فسير إليه مروان بن محمد قائده عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي فدارت معركة أسفرت عن قتل طالب الحق سنة130هـ.
وقد ذهب بعض العلماء من الأباضية إلى تحديد الوقت الذي استعملت فيه تسمية الأباضية وأن ذلك كان في القرن الثالث الهجري وقبلها كانوا يسمون أنفسهم (جماعة المسلمين) أو (أهل الدعوة) (أهل الاستقامة) كما يذكر ابن خلفون من علمائهم. أجوبة ابن خلفون ص9.
وقد ذهب ابن حزم إلى القول بأن الأباضية لا يعرفون ابن أباض وأنه شخص مجهول وهذا خطأ منه فإن ابن أباض شخص يعرفه الإباضيون ولهذا رد عليه (علي يحيى معمر الأباضي) وذكر أن الأباضية يعرفون ابن أباض معرفة تامة ولا يتبرؤن منه.
ثانياً: هل الإباضية من الخوارج؟
اتفقت كلمة علماء الفرق - الأشعري فمن بعده - على عد الأباضية فرقة من فرق الخوارج وليس المخالفون للأباضية فقط هم الذين اعتبروهم في عداد الخوارج، وإنما بعض علماء الأباضية المتقدمون أيضا، إذ لا يوجد في كلامهم ما يدل على كراهيتهم لعد الأباضية فرقة من الخوارج.
ونذكر فيما يلي بعض النصوص من كلام علماء الأباضية حول الخوارج وبيان مدحهم للخوارج.
قال مؤلف كتاب الأديان وهو أباضي: (الباب الخامس والأربعين في ذكر فرق الخوارج، وهم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب لما حكم) ثم أخذ يذكر الخوارج في أكثر من موضع من هذا الكتاب على سبيل المدح قائلاً: هم أول من أنكر المنكر على من عمل به وأول من أبصر الفتنة وعابها على أهلها. لا يخافون في الله لومة لائم قاتلوا أهل الفتنة حتى مضوا على الهدى) إلى أن يقول: (وتتابعت الخوارج وافترقت إلى ستة عشر فرقة). كتاب الأديان ص96.
ويقول نور الدين السالمي عن الخوارج: (لما كثر بذل نفوسهم في رضى ربهم وكانوا يخرجون للجهاد طوائف سموا خوارج وهو جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج في سبيل الله، وكان اسم الخوارج في الزمان الأول مدحا لأنه جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل الله). انظر الاباضية بين الفرق الإسلامية ص384.
ويقول صاحب كتاب (وفاء الضمانة) الأباضي: (وكان الصفرية - إحدى فرق الخوارج - مع أهل الحق منا في النهروان). وفاء الضمانة بأداء الأمانة للعيزابي3/22.
موقف الاباضية من عثمان وعلي - رضي الله عنهما -:
من الأمور الغريبة جدا أن تجد ممن يدعي الإسلام ويؤمن بالله ورسوله من يقع في بغض الصحابة خصوصا من شهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وثبتت بذلك النصوص في حقه.
فعثمان - رضي الله عنه - صحابي جليل شهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، أما بالنسبة للخوارج فقد تبراوا منه ومن خلافته بل وحكموا عليه بالارتداد والعياذ بالله وحاشاه من ذلك. وفي كتاب كشف الغمة لمؤلف أباضي من السب والشتم لعثمان ما لا يوصف ولم يكتف بالسب والشتم وإنما اختلق روايات عن بعض الصحابة يسبون فيها عثمان بزعمه ويحكمون عليه بالكفر. كشف الغمة ص268.
ولا شك أن هذا بهتان عظيم.
ويوجد كذلك كتاب في الأديان وكتاب آخر اسمه (الدليل لأهل العقول) للورجلاني فيهما أنواع من السباب والشتم لعثمان ومدح لمن قتلوه حيث سماهم (فرقة أهل الاستقامة) وهم في الحقيقة بغاة مارقون لا استقامة لهم إلا على ذلك.
وأما بالنسبة لموقفهم من علي - رضي الله عنه -:
فإنه يتضح موقفهم منه بما جاء في كتاب كشف الغمة تحت عنوان فصل من كتاب الكفاية قوله: فإن قال ما تقولون في علي بن أبي طالب، قلنا له أن علياً مع المسلمين في منزلة البراءة وذكر أسباباً - كلها كذب - توجب البراءة منه في زعم مؤلف هذا الكتاب منها حربه لأهل النهروان وهو تحامل يشهد بخارجيته المذمومة.
قال زعيم الأباضية عبد الله بن أباض نفسه في كتابه لعبد الملك عن معاوية ويزيد وعثمان كما يرويه صاحب كشف الغمة: (فإنا نشهد الله وملائكته أنا براء منهم وأعداء لهم بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا نعيش على ذلك ما عشنا ونموت عليه إذا متنا ونبعث عليه إذا بعثنا نحاسب بذلك عند الله) اهـ. وكفى بهذا خروجا.
وصاحب كتاب كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة يشتم الحسن والحسين - رضي الله عنهما - وأوجب البراءة منهما بسبب ولايتهما لأبيهما على ظلمه وغشمه - كما يزعم - كذلك بسبب قتلهما عبد الرحمن بن ملجم وتسليمهما الإمامة لمعاوية.
ونفس الموقف الذي وقفه الخوارج عموماً والأباضية أيضاً من الصحابة السابقين وقفوه أيضاً من طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأوجب لهما الورجلاني النار. انظر كشف الغمة ص304، الدليل لأهل العقول ص28.
وقد بشرهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وهؤلاء الخوارج يوجبون عليهما النار فسبحان الله ما أجرأ أهل البدع والزيغ على شتم خيار الناس بعد نبيهم الذين نصروا الإسلام بأنفسهم وأموالهم وأولادهم ومات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو راضٍ, عنهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه). أخرجه مسلم7/188.
وأنه لما يحار فيه الشخص هذا الموقف من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا كان اخص أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - غير مرضين عند هذه الطوائف من خوارج وشيعة فمن المرضي بعد ذلك؟
عقائد الأباضية:
إن الأباضية كغيرهم من أهل البدع لهم عقائد خالفوا فيها منهج أهل السنة والجماعة ووافقوا فيها من على شاكلتهم من المبتدعة الضلال.
صفات الله: أما ما يتعلق بصفات الله - تعالى - فإن الأباضية انقسموا فيها فريقين.
فريق نفى الصفات نفياً تاماً خوفاً من التشبيه بزعمهم، فهم كالجهمية في ذلك. وفريق منهم يرجعون الصفات إلى الذات فقالوا أن الله عالم بذاته وقادر بذاته وسميع بذاته إلخ. فالصفات عندهم عين الذات قال أحمد بن النضر من علمائهم:
وهو السميع بلا أداة تســمع إلا بــقدره قادر وحــداني
وهو البصير بغير عين ركبت في الرأس بالأجفان واللحظان
جل المهيمن عن مقال مكـيف أو أن ينـــال دراكه بمكان
انظر كتاب الدعائم ص34. ويقول السالمي:
أسماؤه وصـــــفات الذات ليس بغير الذات بل عينها فافهم ولا تحلا
وهو على العرش والأشيا استوى وإذا عدلت فهو اســتواء غير ما عقلا
وإنما استوى ملــك ومــقدرة له على كلها استيلاء وقـــــد عدلا
كما يقال استوى سلطانهم فعـلى على البلاد فحاز الـــــسهل والجبلا
غاية المراد ص7. و قال العيزابي منهم: (الحمد لله الذي استوى على العرش أي ملك الخلق واستولى عليه وإلا لزم التحيز وصفات الخلق). الحجة في بيان المحجة ص6، 18.
وهذا في الحقيقة نفي للصفات ولكنه نفي مغطى بحيله إرجاعها إلى الذات وعدم مشابهتها لصفات الخلق وقد شنع الورجلاني منهم على الذين يثبتون الصفات بأنهم مشبهة كعباد الأوثان وأن مذهب أهل السنة هو - حسب زعمه - تأويل الصفات فاليد النعمة والقدرة والوجه الذات ومجيء الله مجيء أمره لفصل القضاء لأن إثبات الصفات لله هو عين التشبيه كما يزعم. انظر الدليل لأهل العقول ص32.
ومعلوم لطلاب الحق أن هذا ليس هو مذهب السلف الذين يثبتون الصفات لله كما وصف نفسه في كتابه الكريم ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل.
قال ابن تيمية - رحمه الله - في بيان مذهب السلف: أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وطريقة السلف في إثبات كل صفة لله أنهم يقولون فيها أنها معلومة المعنى مجهولة الكيف والسؤال عن الكيف بدعة وان الله: ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.
فالأباضية وافقوا أهل البدع في باب الأسماء والصفات.
استواء الله وعلوه: وأما عقيدة الاباضية في استواء الله وعلوه، فإنهم يزعمون أن الله يستحيل أن يكون مختصاً بجهة ما بل هو في كل مكان وهذا قول بالحلول وقول الغلاة الجهمية ولهذا فقد فسر الإباضية معنى استواء الله على عرشه باستواء أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه، وهذا تأويل المبتدعة من الجهمية وغيرهم.
رؤية الله: وذهبت الأباضية في باب رؤية الله - تعالى - إلى إنكار وقوعها لأن العقل - كما يزعمون - يحيل ذلك ويستبعده وإنما هي عقولهم الفاسدة وأهواؤهم المضلة والعقل السليم لا يخالف النص الصحيح ولكن العقل إذا انحرف عن منهج الله ضل وابتدع وسار بصاحبه إلى الهاوية.
وليعلم أن مسألة رؤية الله يوم القيامة تعتبر عند السلف أمراً معلوماً من الدين بالضرورة لا يماري فيها أحد منهم بعد ثبوتها في كتاب الله - تعالى - وفي سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وفي أقوال الصحابة - رضي الله عنهم - وفي أقوال علماء السلف قاطبة - رحمهم الله - تعالى - ولم يخالف في ذلك الا المبتدعة من أمثال الأباضية وغيرهم.
كلام الله - تعالى -: ومن عقائد الأباضية في كلام الله - تعالى - القول بخلق القرآن بل حكم بعض علمائهم كابن جميع والورجلاني أن من لم يقل بخلق القرآن فليس منهم. انظر مقدمة التوحيد ص19، والدليل لأهل العقول ص50.
وقد عرف المسلمون أن القول بخلقه من أبطل الباطل إلا من بقي على القول بخلقه منهم وهم قلة شاذة بالنسبة لعامة المسلمين وموقف السلف واضح فيها وهو موقف إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه وهو القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق تكلم الله به بطريقة لا نعلمها، وقد تواترت النصوص عن السلف - رضي الله عنهم - بأن القول بخلق القرآن كفر وضلال والعياذ بالله.
عذاب القبر: وقد أنكر بعض الاباضية عذاب القبر وأثبته بعضهم، قال النفوسي في متن النونية:
و أما عذاب القبر ثبت جابر و ضعفه بعض الأئمة بالوهن
انظر متن النونية ص27. ومعتقد السلف جميعاً هو القول بثبوت عذاب القبر ونعيمه كما صحت بذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة.
معتقدهم في الميزان: الميزان عند السلف والمسلمين والذي جاءت به النصوص أنه له كفتان حسيتان مشاهدتان توزن فيه أعمال العباد كما يوزن العامل نفسه، أما الاباضية فتنكر هذا الوصف ويثبتون وزن الله للنيات والأعمال بمعنى تمييزه بين الحسن منها والسيء وإن الله يفصل بين الناس في أمورهم ويقفون عند هذا الحد غير مثبتين ما جاءت به النصوص من وجود الموازين الحقيقية في يوم القيامة. انظر متن النونية للنفوسي ص25.
الصراط: وكما أنكر الأباضية الميزان أنكروا كذلك الصراط وقالوا إنه ليس بجسر على ظهر جهنم. انظر غاية المراد ص9، وذهب بعضهم وهم قلة إلى إثبات الصراط.
والسلف على اعتقاد أن الصراط جسر جهنم وأن العباد يمرون عليه سرعة وبطئاً حسب أعمالهم ومنهم من تخطفه كلاليب النار فيهوى فيها.
الإمام: والخوارج كافة ينظرون إلى الإمام نظرة حازمة هي إلى الريبة منه أقرب ولهم شروط قاسية جداً قد لا تتوفر إلا في القليل النادر من الرجال وإذا صدر منه أي ذنب فإما أن يعتدل ويعلن توبته وإلا فالسيف جزاؤه العاجل.
التقية: وجوز الأباضية التقية كإخوانهم الرافضة، وقد أورد الربيع بن حبيب في مسنده روايات في الحث على التقية تحت عنوان: (باب ما جاء في التقية). فلهم نصيب من مشابهة الروافض والله المستعان.
عقائد أخرى:
قال أبو الحسن الأشعري في المقالات: (والإباضية يقولون إن جميع ما افترض الله - سبحانه - على خلقه إيمان، وإن كل كبيرة فهي كفر نعمة، لا كفر شرك، وإن مرتكبي الكبائر في النار خالدون فيها.) اهـ انظر مقالات الاسلاميين1/189.
وقال يزيد بن أنيسة زعيم اليزيدية من الأباضية: (نتولى من شهد لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة من أهل الكتاب، وإن لم يدخلوا في دينه ولم يعملوا بشريعته، وزعم أنهم بذلك مؤمنون). اهـ انظر مقالات الاسلاميين1/184.
وقال الأباضية جميعاً: (إن الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل، فإن تاب وإلا قتل، كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله أو فيما لا يسع جهله). انظر مقالات الاسلاميين1/186.
وقالوا: من زنى أو سرق أقيم عليه الحد ثم استتيب فإن تاب وإلا قتل.
وقالوا: الإصرار على أي ذنب كان كفر.
انظر مقالات الاسلاميين1/186، 187.
هذه جملة من عقائد الأباضية التي خالفوا فيها أهل الحق واستحلوا دماء مخالفيهم.
وللمزيد اذكر بعض المراجع التي بينت حقيقة دين الأباضية.
فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها. ومنه نُقِلَ اغلب هذا البحث لمؤلفه غالب بن علي عواجي.
ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين (الخوارج والشيعة) للدكتور احمد محمد جلي.
هذا ونسأل الله - عز وجل - أن يتقبل منا أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يجنبنا مضلات الفتن والأهواء.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد