هل كان الخوارج يكذبون في الحديث؟


بسم الله الرحمن الرحيم

 

قد ذكر العلماء بأن أقل الفرق الإسلامية كذباً هي فرقة الخوارج الذين خرجوا على علي بعد قبوله التحكيم، و يرجع قلة كذبهم إلى أنهم يرون كفر مرتكب الكبيرة على ما هو المشهور عنهم، أو مرتكبي الذنوب مطلقاً كما حكاه الكعبي، فما كانوا يستحلون الكذب و لا الفسق، و قد كانوا من التقوى على جانب عظيم، و مع ذلك فلم يسلم بعض رؤساءهم من الكذب على الرسول، فقد روي عن شيخ لهم أنه قال: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً، و يقول عبد الرحمن بن مهدي: إن الخوارج و الزنادقة قد وضعوا هذا الحديث: \"إذا أتاكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته\"...الخ.

هكذا قال الكاتبون في هذا الموضوع من القدامى و المحدثين، و لكني لم أعثر على حديث وضعه خارجي، و بحثت كثيراً في كتب الموضوعات، فلم أعثر على خارجي عُدّ من الكذابين والوضاعين، أما النص السابق الذي يذكرونه عن شيخ للخوارج، فلا أدري من هو هذا الشيخ؟ وقد سبق مثل هذا التصريح يرويه حماد بن سلمة عن شيخ رافضي، فلماذا لا تكون نسبته إلى شيخ خارجي خطأ؟ خصوصاً ولم نعثر لهم على حديث واحد موضوع.

أما قول عبد الرحمن بن مهدي عن حديث: \"إذا أتاكم..الخ\". إنه وضعته الزنادقة والخوارج، فلا أدري مدى صحته بالنسبة لابن مهدي؟ بل هو قول لا دليل عليه، إذ لم يذكر لنا من هو واضعه، ومتى تم هذا الوضع؟ ومما يؤكد شكنا في هذه النسبة أنه أضاف هذا الحديث أيضاً إلى الزنادقة، فكيف اتفق الخوارج و الزنادقة على وضعه؟ هل وضعوه في وقت واحد؟ على أن المنقول عن غير ابن مهدي لفظ \" الزنادقة \" فقط، قال شمس الحق العظيم آبادي: فأما ما رواه بعضهم أنه قال: \"إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فخذوه\" فإنه حديث لا أصل له، و قد حكى زكريا الساجي عن يحيى بن معين أنه قال: \"هذا حديث وضعته الزنادقة\" وليس في هذين النصين ذكر للخوارج بحال، على أنه سيأتي معك أن بعضهم حكم على هذا الحديث بالضعف فقط، و سنرى هناك تمام البحث فيه.

لقد حاولت أن أعثر على دليل علمي يؤيد نسبة الوضع على الخوارج، و لكني رأيت الأدلة العلمية على العكس تنفي عنهم هذه التهمة، فقد كان الخوارج كما ذكرنا يكفرون مرتكب الكبيرة أو مرتكب الذنوب مطلقاً، و الكذب كبيرة فكيف إذا كان على رسول الله - صلى الله عليه و سلم -؟

يقول المبرد: \" و الخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكاذب، ومن ذوي المعصية الظاهرة\"، وكانوا في جمهرتهم عرباً أقحاماً فلم يكن وسطهم بالوسط الذي يقبل السائس من الزنادقة والشعوبيين كما وقع ذلك للرافضة، و كانوا في العبادة على حظ عظيم عظيم شجعاناً، صرحاء لا يجاملون ولا يلجئون إلى التقية كما يفعل الشيعة، وقوم هذه صفاتهم يبعد جداً أن يقع منهم الكذب، ولو كانوا يستحلون الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاستحلوا الكذب على من دونه من الخلفاء والأمراء والطغاة كزياد والحجاج، وكل ما بين أيدينا من النصوص التاريخية يدل دلالة قاطعة على أنهم واجهوا الحكام والخلفاء والأمراء بمنتهى الصراحة والصدق فلماذا يكذبون بعد ذلك؟

على أني أعود فأقول: إن المهم عندنا أن نلمس دليلاً محسوساً يدل على أنهم ممن وضعوا الحديث، وهذا ما لم أعثر عليه حتى الآن، كيف وقد قال أبو داود: \"ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج\" ويقول ابن تيمية: \"ليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعدل من الخوارج\" و يقول عنهم أيضاً: \"ليسوا ممن يتعمدون الكذب، بل هم معروفون بالصدق حتى يقال: إن حديثهم من أصح الحديث\".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply