مفاسد بدعة الخوارج


بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا شك أن بدعة الخوارج من شر البدع وذلك لأمور كثيرة منها:

أ- أن ظاهر تمسكهم بالدين يوهم عموم الناس ومن لا فقه له بأنهم أحق الناس بالدين والإسلام، وهم في الحقيقة على غير ذلك، ولذلك فهم يشتبهون على كثير من الناس، كما سئل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، فقيل: فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، وهؤلاء يذكرون الله بكرة وأصيلاً!! قيل: من هم؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا!! (جامع الأصول لابن الأثير 10/7987).

وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: هم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين!!(صحيح البخاري 12/295).

ب- أن حربهم وبأسهم لا يكون إلا على المسلمين، وما عرف خارجي في القديم ولا سائر على منهجهم في الحديث إلا وكل همه نصب العداوة لأهل الإسلام، وترك أهل الكفر والأوثان!!

ج- إنها أول البدع ظهوراً، وأبقاها على مدى العصور، كما قال - صلى الله عليه و سلم -:( كلما خرجوا قطعوا حتى يخرج آخرهم مع الدجال)(أخرج ابن ماجة (174) عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه و سلم - يقول: ( ينشأ نشئٌ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج فرق قطع حتى يخرج في أعراضهم الدجال)السلسلة الصحيحة(2455).

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: \"أول البدع ظهوراً في الإسلام، وأظهرها ذماً في السنة والآثار: بدعة الحرورية المارقة، فإن أولهم قال للنبي - صلى الله عليه و سلم - في وجهه: اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل، وأمر النبي - صلى الله عليه و سلم - بقتلهم، وقتالهم، وقاتلهم أصحاب النبي - صلى الله عليه و سلم - مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه و سلم - مستفيضة بوصفهم، وذمهم، والأمر بقتالهم\".

وقال أحمد بن حنبل - رحمه الله -: \"صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، قال النبي - صلى الله عليه و سلم -: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة)(متفق عليه).

والحرورية لهم خاصتان مشهورتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم:

أولاهما: خروجهم عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، أو ما ليس بحسنة حسنة، وهذا هو الذي أظهروه في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال له ذو الخويصرة التميمي: اعدل فإنك لم تعدل، حتى قال له النبي - صلى الله عليه و سلم -: (ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أعدل)(مسلم (1063) عن جابر، فقوله: فإنك لم تعدل!! جعل منه لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - سفهاً وترك عدل، وقوله: اعدل، أمر له بما اعتقده هو حسنة من القسمة التي لا تصلح، وهذا الوصف تشترك فيه البدع المخالفة للسنة، فقائلها لا بد أن يثبت ما نفته السنة، وينفي ما أثبتته السنة، ويحسن ما قبحته السنة، أو يقبح ما حسنت السنة، وإلا لم يكن بدعة، وهذا القدر قد يقع من بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل، لكن أهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المعلومة.

والخوارج جوزوا على الرسول نفسه أن يجور ويضل في سنته، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف بزعمهم ظاهر القرآن.

وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا، فإنهم يرون أن الرسول - صلى الله عليه و سلم - لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه، كما يحكي عن عمرو بن عبيد في حديث الصادق والمصدوق، وإنما يدفعون عن نفوسهم الحجة إما برد النقل وإما بتأويل المنقول، فيطعنون تارة في الإسناد، وتارة في المتن، وإلا فهم ليسوا متبعين ولا مؤتمين بحقيقة السنة التي جاء بها الرسول، بل ولا بحقيقة القرآن.

والأمر الثاني في الخوارج وأهل البدع: أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب، ودارهم دار الإيمان، وكذلك يقول جمهور الرافضة، وجمهور المعتزلة، والجهمية، وطائفة من غلاة المنتسبة إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم.

فهذا أصل البدع التي ثبت بنص سنة رسول الله - صلى الله عليه و سلم - وإجماع السلف أنها بدعة، وهو جعل العفو سيئة، وجعل السيئة كفراً.(الفتاوى 19/7173)



إياك ومنهج الخوارج:

وسبب ضلال الخوارج ما ذكره شيخ الإسلام - رحمه الله - أنهم جعلوا ما ليس بسيئة سيئة، وما ليس بحسنة حسنة، وكذلك أنهم حكموا على المسلمين بالكفر بما رأوه ذنباً، وعاملوهم معاملة الكفار، فاستحلوا بذلك دماءهم وأعراضهم وأموالهم.

ومما يشابه منهم الخوارج من وجه هؤلاء الذين يتهمون إخوانهم في الدين والعقيدة، ويخرجونهم من أهل السنة والجماعة، وبذلك يستحلون أعراضهم وحربهم، وتحذير الناس منهم، وقد يتقربون إلى الحكام بدمائهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:

\"فينبغي للمسلم أن يحذر من هذين الأصلين الخبيثين وما يتولد عنهما من بغض المسلمين وذمهم ولعنهم، واستحلال دمائهم وأموالهم\".

وهذان الأصلان هما خلاف السنة والجماعة، فمن خالف السنة فيما أتت به أو شرعته فهو مبتدع خارج عن السنة، ومن كفر المسلمين بما رآه ذنباً سواء كان ديناً أو لم يكن ديناً وعاملهم معاملة الكفار فهو مفارق للجماعة، وعامة البدع والأهواء إنما تنشأ من هذين الأصلين\" (الفتاوى 19/75)

وقد لا يصل بعض المتشددين أن يكون خارجياً فيقف دون التكفير لإخوانه ولكنه يشتط في معاداة إخوانه المسلمين، وظلمهم وبغضهم فيفرط في حقوق الموالاة لهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

\"وأما التكفير باعتقاد بدعي فقد بينته في غير هذا الموضع، ودون التكفير قد يقع من البعض والذم والعقوبة وهو العدوان أو من ترك المحبة والدعاء والإحسان وهو التفريط ببعض هذه التأويلات بما لا يسوغ، وجماع ذلك ظلم في حق الله - تعالى - أو في حق المخلوق، كما بينته في غير هذا الموضع، ولهذا قال أحمد بن حنبل لبعض أصحابه: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس\" (الفتاوى 19/75).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply