الخوارج


بسم الله الرحمن الرحيم

 

من المعلوم أن الخوارج كانوا من شيعة علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - ثم فارقوه وخرجوا عليه وقاتلوه لأنه لم يتب كما تابوا، وأضحى لهم عقيدة دينية وأخرى سياسية، خالفوا فيها الشيعة والمذاهب الأخرى.

فأما عقيدتهم الدينية:

1 - فإنهم لا يعتبرون الإيمان بالقلب كافياً، بل لا بد أن يقترن بالإيمان عمل صالح عملاً بقوله - تعالى -: (( مَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ))، وقوله: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )) فالله - تعالى - يقرن الإيمان بالعمل، فمن آمن بقلبه ولم يقرن إيمانه بعمل صالح فهو كافر.

والعمل الصالح هو الذي يفرضه الدين، ولذلك نراهم يكفرون علياً ابن أبي طالب لأنهم طلبوا إليه أن يتوب توبة مقرونة بالعمل، والعمل المطلوب منه أن يرفض وثيقة التحكيم، ويعود إلى قتال معاوية فأبى، فاعتبروه رافضاً العمل بأحكام الدين، لأنه بقبوله وثيقة التحكيم يكون قد خلع نفسه من إمارة المؤمنين وسوى نفسه بمعاوية، وهو وال من ولاة الدولة، وأن الحكمين حكما برأيهما ولم يحكما بحكم الله، وحكم الله يقضي بتأييد حق علي في الخلافة، لأنه هو الخليفة الذي بايعه المسلمون، فكان رفض طلبهم كبيرة أحلوا من أجلها قتال علي وقتله.

وأما عقيدتهم السياسية فهي تستند إلى مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام، وهو المساواة بين المسلمين، فالمسلمون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم ولا تفاضل إلا بالتقوى عملاً بقوله - تعالى -: (( إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم ))، وعلى أساس هذا المبدأ أقاموا قاعدتهم في أصول الحكم وهي: أن الخلافة حق من حقوق المسلمين يتساوى فيه العربي وغير العربي، كما يتساوى فيه الأحرار والأرقاء، وترجع فكرة المساواة إلى أصولهم القبلية، فالخوارج كانوا من أعراب تميم وحنيفة وربيعة، وكان لهم شأن كبير بين العرب، وقد أعجبوا بمبادئ الإسلام التي تلائم فطرتهم فاعتنقوه، وقد ساءهم أن تدعي أرستقراطية مكة والمدينة (قريش) حقها في الحكم وحصره فيهم من دون المسلمين، فكان أول ظاهرة لاستيائهم حركة الردة حين امتنعوا عن دفع الزكاة لقريش مع بقائهم على الإسلام، فحاربهم أبو بكر وأخضعهم وألزمهم بالزكاة، غير أنهم ظلوا متمسكين بعقيدتهم السياسية، وهي أن الخلافة ليست للقرشيين وحدهم وإنما هي حق للأفضل من جميع المسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم.

وقد انضم إليهم الأنصار والموالي وغيرهم من الناقمين على الحكم الأموي والعباسي، لما نالهم من الظلم والجور، كما انضم إليهم كثير من أعراب البادية، ممن ظلوا على سذاجة تفكيرهم، ولم يتجردوا من النزعات القبلية التي ظلت تسيطر عليهم، وهم بطبيعتهم يعيشون في بواديهم أحراراً لم يتعودوا الخضوع للسلطان، ولم يألفوا الحكم المفروض عليهم، ولهذا نجد فريقاً من الخوارج يرى أن الإمامة (الخلافة) ليست من الضرورات التي لا بد منها، وإنها غير واجبة في الشرع، ويمكن الاستغناء عنها لأنها مبنية على معاملات الناس وعلاقة بعضهم ببعض، فإذا تعادلوا، وتناصفوا، وتعاونوا على البر والتقوى، واشتغل كل واحد من المكلفين بواجبه فإن تشابك مصالحهم وتقواهم يحتم عليهم أن يعدلوا ويتبعوا الحق، وبذلك يستغنون عن الإمام، غير أنهم يرون الحاجة إلى الإمام إذا احتاج المسلمون إلى من يحمي ديار الإسلام ويجمع شمل الناس، وفي هذه الحالة يشترط في الإمام العدل، فالعدل عندهم حق أمر الله به في قوله: (( إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ )) فإذا حاد الخليفة عن العدل فجار وظلم وفرض طاعته بالقهر والغلبة فيكون معانداً لأمر الله، مخلاً بأحكامه، والإخلال بأمر فرضه الله خروج عن الدين وكفر به، وكبيرة تبيح خلع الخليفة، أو قتله إذا أبى أن يخلع نفسه.

2 - إنهم لا يعترفون بشرعية السلف إلا لأبي بكر وعمر وست سنوات من خلافة عثمان، لأنه حاد عن الطريق المستقيم الذي سلكه الشيخان من قبله وهما: أبو بكر وعمر، فآثر قرابته وولاهم الأعمال وأغدق عليهم الأموال من بيت المال، كما لا يعترفون بشرعية خلافة علي ابن أبي طالب إلا ابتداء من مبايعته بالخلافة حتى قبوله التحكيم، وقد أباحوا قتل من لا يرى رأيهم، ومن يقول بشرعية خلافة عثمان بعد السنوات الست، وشرعية خلافة علي بعد قبوله التحكيم فهو عندهم يستحق القتل هو ونساؤه وأولاده.

3 - وقف الخوارج أنفسهم لنصرة العدل، ومقاومة الظلم، وحماية المستضعفين، وفي ذلك فجروا الثورات ضد الأمويين وضد عمالهم، وانضم إلى الموالي من الفرس والبربر من أهل شمالي إفريقية، لما كانون يلقونه من حرمانهم العدل والمساواة، وكان الخوارج يشترطون في زعمائهم الشجاعة والتقوى، ويبايعونهم على الموت، ويلقبونهم بأمير المؤمنين.

وكان قتالهم لمخالفيهم من الأشواق التي كانت تجذبهم إلى مزيد من التضحية والاستشهاد، وهم يعتبرون أنفسهم المسلمين حقاً دون سواهم، أما من عداهم فكفار يبيحون قتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم.

وقد افترق الخوارج إلى فرق منها: الأزارقة أصحاب أبي راشد نافع بن الأزرق، وإلى نجدات أصحاب نجدة بن عامر الحنفي، وإلى عجاردة أصحاب عبد الكريم بن عجرد، وإلى أباضية أصحاب عبد الله بن أباض، وإلى صفرية أصحاب زياد بن الأصفر وعمران بن حطان، وقد أوضحت كتب الملل والنحل ما بينهم من فروق.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply