التزكية عند الصوفية (1)


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال عز وجل:- هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين- وقال تعالى: -لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين-.

يمتن الله عز وجل على عباده في هاتين الآيتين وغيرهما ببعثة النبي الكريم الذي أنقذهم به من الضلالة وعصمهم به من الهلاك وأخرجهم به من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى نور الإسلام والإيمان والإحسان، وبين أن من مهمات الرسول تعليم الناس آيات الله عز وجل ببيان ألفاظها ومعانيها وأحكامها، ومن أعظم وظائفه تزكية الناس من الشرك والمعاصي والرذائل وسائر مساوئ الأخلاق.

فتزكية النفوس وتطهيرها من سوء الاعتقادات وسوء الأخلاق من أعظم غايات البعثة كما قال صلى الله عليه وسلم : -إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق-.

وتزكية النفوس هي تطهيرها وتنقيتها من القبائح والرذائل العقدية كالشرك والشك والشقاق والنفاق، أو الأخلاقية كالجبن والبخل والحقد والحسد والظلم والكذب، وتجميلها بالفضائل ومحاسن الصفات التي وردت بها نصوص الكتاب والسنة.

فالنفس الزكية هي النفس الطيبة الطاهرة البعيدة عن كل دنس، المتعالية عن كل خبث، ولهذا أقسم الله عز وجل بمخلوقات عديدة في قوله تعالى: -والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها- على قضية واحدة وهي قوله عز وجل: -قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها- أي فاز من طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب وجملها بالعلم النافع والعمل الصالح، وقد خسر من ترك تكميلها بالفضائل ودنسها بالرذائل.

وتزكية النفوس منة من الله عز وجل على من يشاء من عباده كما قال تعالى: -ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا- وقال عز وجل: -بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلاً- لأن الشيطان وأتباعه، والنفس والهوى والدنيا والفتن متكالبة على العبد من كل مكان، فلو خلي وهذه الدواعي ما زكى أحد أبداً، ولكن الله تعالى بفضله يجتبي من يشاء من عباده فيطهره من الرذائل وينميه بالفضائل.

ولتزكية النفس ثمرات عظيمة منها أن التزكية سبب للفلاح في الدنيا والآخرة كما قال عز وجل: -قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى-، ومنها دخول الجنة كما قال تعالى: -ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى-، ومنها النجاة من النار كما قال تعالى: -فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى- وغيرها من الثمرات الطيبة للتزكية الشرعية.

والعبادات البدنية والمالية سبيل لطهارة النفس وزكاتها، فالصلاة كما وصفها الله عز وجل: -إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر- وقال صلى الله عليه وسلم : -أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا-، والصيام سبب للتقوى التي هي من غايات التزكية الشرعية كما قال عز وجل: -يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون-، والزكاة تطهير للمال ولنفس المزكي من الشح والبخل كما قال تعالى: -خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها-، وإقامة حدود الله تعالى في العقوبات طهارة للمجتمع من الجرائم وإشاعة للأمن والاستقرار كما قال تعالى:-ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون-.

- والخلاصة أن التزام أحكام الدين في الظاهر والباطن، في العلم والعمل، في العبادات والمعاملات وسائر مجالات الحياة سبب لتزكية الأفراد والمجتمعات.

وقد ظهرت مناهج مخالفة لهذا المنهج الأصيل، تهدف إلى تقديم سبل أخرى لتزكية النفوس، وقد وضعت لها غايات ووسائل بعيدة عن المنهج الشرعي للتزكية، ذلك المنهج المستمد من النصوص الشرعية والآثار السلفية عن الصحابة والتابعين وأئمة الدين المعتبرين. 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply