بسم الله الرحمن الرحيم
ولا تعجب أخي القارئ من هذه الجرأة والمجازفة في القول لأنهم يرون أن الشيوخ حجاب الله تعالى وهم الأدلاء إليه فمن أوصلوه وصل وإلا فهو المحروم، انظر إلى ما قاله الشعراني: -فمن تلطخ بالذنوب وادعى محبة شيخه فهو كاذب، وكما أنه لا يحب شيخه فكذلك شيخه لا يحبه، وإذا لم يحبه فالحق تعالى كذلك لا يحبه!-.
وتأمل كلام ابن عربي في الفتوحات المكية باب في معرفة مقام احترام الشيوخ: -إن حرمة الحق في حرمة الشيخ، وعقوقه في عقوقه! هم حجاب الحق، الحافظون أحوال القلوب على المريدين، فمن صحب شيخا ممن يقتدى به ولم يحترمه فعقوبته فقدان وجود الحق في قلبه! والغفلة عن الله وسوء الأدب عليه يدخل في كلامه ويزاحمه في رتبته، فإن وجود الحق إنما يكون للأدباء، والباب دون غير الأدباء مغلق، ولا حرمان أعظم على المريد من عدم احترام الشيوخ- أهـ.
ولهذا أوجبوا للشيوخ آداباً كثيرة ظاهرة وباطنة لا يصل المريد إلى غايته من التزكية إلا بمراعاتها.
أولاً: الآداب الباطنة:
- قال ابن عجيبة في شرح الحكم العطائية:
1- اعتقاد كماله وأنه أهل للشيخوخة والتربية، لجمعه بين شريعة وحقيقة، وبين جذب وسلوك.
2- تعظيمه وحفظ حرمته غائباً وحاضراً، وتربية محبته في قلبه، وهو دليل صدقه، وعلى قدر التصديق يكون التحقيق، فمن لا صدق له لا سير له ولو بقي مع الشيخ ألف سنة.
3- انعزاله عن عقله ورياسته وعلمه وعمله إلا ما يرد عليه من قبل شيخه، كما فعل شيخ طريقتنا الشاذلي عند ملاقاته شيخه، فهي سنة في طريقه، فكل من أتى شيخه في هذه الطريقة فلابد أن يغتسل من علمه وعمله قبل أن يصل إلى شيخه، لينال الشراب الصافي من بحر مدده الوافي.
4- عدم الانتقال عنه إلى غيره، وهذا عندهم من أقبح كل قبيح وأشنع كل شنيع، وهو سبب تسويس بذرة الإرادة، فتفسد شجرة الإرادة لفساد أصلها، وهذا كله مع شيوخ التربية كما تقدم، وأما شيوخ أهل الظاهر فلا بأس أن ينتقل عنهم إلى أهل الباطن إن وجدهم ولا يحتاج إلى إذن.. والله أعلم- -إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص771-.
- وقال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف:
- الاستسلام لشيخه وطاعته في جميع أوامره ونصائحه، من باب التسليم لذي الاختصاص والخبرة بعد الإيمان الجازم بمقدمات فكرية أساسية، منها التصديق الراسخ بإذنه وأهليته واختصاصه وحكمته وأنه جمع بين الشريعة والحقيقة.
- عدم الاعتراض على شيخه في طريقة تربية مريديه، لأنه مجتهد في هذا الباب عن علم واختصاص وخبرة، كما لا ينبغي أن يفتح المريد على نفسه باب النقد لكل تصرف من تصرفات شيخه، فهذا من شأنه أن يضعف ثقته به ويحجب عنه خيراً كثيراً ويقطع الصلة القلبية والمدد الروحي بينه وبين شيخه. قال العلامة ابن حجر الهيثمي: -ومن فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في أحوالهم وأفعالهم والبحث عنها، فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته وإنه لا ينتج قط، ومن ثم قالوا: -من قال لشيخه لم؟ لم يفلح أبداً، أي لشيخه في السلوك والتربية.
- قال محمد بن حامد الترمذي: -من لم ترضه أوامر المشايخ وتأديبهم فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة- وقال أبوالعباس المرسي: -تتبعنا أحوال القوم فما رأينا أحداً أنكر عليهم ومات بخير-. -حقائق عن التصوف ص59-89-.
- أن يبالغ في حب شيخه: قال الشعراني: عمدة الأدب مع الشيخ هو المحبة له، فمن لم يبالغ في محبة شيخه بحيث يؤثره على جميع شهواته لا يفلح في الطريق لأن محبة الشيخ إنما هي مرتبة إدمان يترقى المريد منها إلى مرتبة الحق عز وجل، ومن لم يحب الواسطة بينه وبين ربه التي من جملتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منافق، والمنافق في الدرك الأسفل من النار.
وأجمعوا على أن من شرط المحب لشيخه أن يصم أذنه عن سماع كلام أحد في الطريق غير شيخه، فلا يقبل عذل عاذل حتى لو قام أهل مصر كلهم في صعيد واحد، لم يقدروا على أن ينفروه من شيخه، ولو غاب عنهما الطعام والشراب أياماً لاستغنى عنا بالنظر إلى شيخه في باله!!
وسمعت سيدي عليا المرصفي يقول: -المريد يترقى في محبة شيخه إلى حد يتلذذ بكلام شيخه له كما يتلذذ بالجماع! فمن لم يعمل إلى هذه الحالة فما أعطى الشيخ حقه من المحبة!!-.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد