بسم الله الرحمن الرحيم
عرضنا في الحلقة الماضية بعضاً من أقوال الصوفية عن المبالغة في تقديس الشيخ وكان منها قولهم -طاعة المريد لشيخه فوق طاعته لربه- وغيرها من الكلمات التي تدل على غلوهم، حيث إن طريق الإمامة عند الصوفية لا يحصل للمرء إلا ببركة دعاء الشيخ وخدمته حتى ولو كان المدعو له بعيداً عن مجالس العلم.
ولعلك أدركت أخي القارئ السر في تعظيم الصوفية للشيخ وذلك لأنه - عندهم - مدد الخير والعلم والإمامة وليس للمريد في ذلك سبب ولا تحصيل فلو اشتغل بتحصيل العلم سنين عديدة ولم يحصل له من الشيخ مدد لا تحصل له الإمامة، ولو حصل له من الشيخ بركة ورضا فإنه يصبح المقدم في الدين ولو كان من أجهل الناس كما تقدم، وربما لأن تحصيل العلم عندهم قد يحصل بالفتح والفيض دون طلب ولا مجالسة للعلماء وقراءة الكتب.
- ومن آداب المريد مع شيخه:
ألا يكتم عن شيخه شيئاً من الخير أو الشر، قال الشعراني في أدب المريد: -ومن شأنه أن لا يكتم عن شيخه شيئاً من أحواله الظاهرة والباطنة، حتى الخواطر التي استقرت عنده، ومتى كتم عنه شيئاً فقد خانه في الصحبة!! وكان عليه تجديد الصحبة إن أرادها،... وأجمعوا على أنه إذا حصل من المريد مخالفة لإشارة شيخه أو جناية على أحد بغير حق كان عليه أن يقر بين يديه بالجناية على الفور ثم يستسلم لما يحكم به عليه شيخه من العقوبات للنفس على تلك الجناية من سفر بكلفة! أو خدمة شديدة! أو جوع شديد ونحو ذلك!-.
- ولك أن تتساءل أخي القارئ عن الدليل الشرعي على مثل هذا الأدب وما الذي يلزم المريد أن يقر بذنوبه عند شيخه؟ وما الموجب الشرعي لتلك العقوبات التي تنال بدن المريد أو ماله التي من حق الشيخ أن يلزم بها المريد بل هو واجب شرعي عندهم كما يكمل الشعراني بقوله: -وأجمعوا على أنه لا يجوز للأشياخ التجاوز عن زلات المريد لأن ذلك تضييع لحقوق الله عز وجل!!- -الأنوار القدسية ص124-، والسؤال هنا هو من الذي فوض الأشياخ في هذا الواجب وهم ليسوا بأمراء ولا علماء لأن شيخ التربية غير شيخ التعليم كما تقدم.
ومن أدب المريد استئذان الشيخ في كل أموره ولو كان ذلك في الحج قال الشعراني: -ومن شأنه ألا يحج إلا بإذن شيخه، فإن معرفة الأدب مع رب البيت مقدمة على معرفة أدب البيت، فمن سافر إلى البيت قبل معرفته بصاحب البيت المعرفة التي يعرفها القوم فقد أخطأ طريقهم ولم يحصل له إمدادها وبعيد أن يسقط عنه بها حج الإسلام!! كما أنه فرق عظيم بين حج شيخ الإسلام وبين حج آحاد العوام!!- أهـ .
وبناء على هذا التقرير الصوفي فملايين المسلمين الذين حجوا البيت الحرام بغير إذن من مشايخ الصوفية لم تسقط عنهم حجة الإسلام ولا تزال ذممهم مشغولة بهذه الفريضة!!
- وتأمل تقديس الصوفية لمشايخهم بهذا التعليل العجيب الذي ذكره الشعراني بعد أن ذكر الحكم السابق فقال: -وقد قال علماؤنا: وللزوج تحليل امرأته من حج تطوع لم يأذن فيه - يعني له إجبارها على التحلل من إحرامها - وكذا من الفرض على المذهب، وأقل مقام طاعة الشيخ أن يكون كالزوج للمرأة!! ويكون يتصرف في المريد كما يتصرف الرجل في زوجته من حيث التحجير عليها والتربية لها!!- -الأنوار القدسية ص 126-.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد