بسم الله الرحمن الرحيم
تكلمنا في الحلقة السابقة عن الذكر عند الصوفية وانحرافه عن جادة السنة إلى طرق البدع والغلو، وذكرنا اعتقادهم ضرورة تلقي المريد الذكر من شيخه من خلال طقوس معينة واحتفالات مطولة حتى يتشرف بتلقي الذكر عن شيخه.
والذكر الذي يلقنه صاحب الولاية هو ثمرة شجرة ولايته لأنه تلقى الذكر أيضا بتلقين صاحب ولاية أخرى وتربت في أرض القلب بماء مدد الولاية وشمس همة الشيخ!! وتأمل اعتقادهم حصول النفع وتحقيق المطلوب الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى من غير الله عز وجل، لأن حصول النفع القلبي والتأثير الروحي كما هو معلوم لا يقدر عليه إلا الله كما قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : -إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء- والمقصود بالنفي هنا إدخال الهداية إلى قلوب العباد.
- ويستمر الرازي في بيان طقوس تلقي الذكر من الشيخ فيقول: -وشرط التلقين هو أن يصوم المريد ثلاثة أيام بوصية الشيخ ويجتهد في هذه الأيام الثلاثة بمداومته على الوضوء، ويكون ذاكرا على الدوام حتى إذا كان الذكر في نفسه في ذهابه وإيابه ويقلل من الاختلاط بالناس ويتحدث بقدر الضرورة ولا يأكل كثيرا وقت الإفطار ويقوم الليالي للذكر، وبعد اليوم الثالث يغتسل بأمر الشيخ، وينوي بنية غسل الإسلام ـ ولا أدري قبل ذلك على أي دين كان؟!ـ مثلما كان يفعل كل شخص في البداية يريد أن يدخل في الدين، إذ كان يغتسل أولا اغتسال الإسلام ثم يتلقن الكلمة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ... وبعد أن يقوم بالاغتسال الكامل يذهب إلى خدمة الشيخ بعد صلاة العشاء، فيجلسه الشيخ تجاه القبلة ويجلس الشيخ أمام المريد موليا ظهره القبلة ـ ولا تمل أخي القارئ حتى تعرف ما هو الذكر العجيب الذي يلي كل هذه المقدمات والطقوس ـ ويجلس المريد على ركبتيه في خدمة الشيخ ويضع يديه فوق بعضها ويستحضر قلبه، ويوصيه الشيخ بالوصية وهي الشرط ويلقن المريد بضع كلمات من أسرار التلقين وخواص الذكر ـ تأمل ـ بحيث تكون موافقة لفهم المريد ونظره حتى يستجمع المريد قواه ويخلي المريد القلب من جميع الأشياء، ويجعله تجاه قلب الشيخ ويراقب في ضراعة تامة عندما يقول الشيخ: -لا إله إلا الله- بصوت عال وقوة تامة، وبعد قول الشيخ يعيد المريد قول الشيخ بنفس الصوت ويقول في قوة: -لا إله إلا الله- ويردد الشيخ مرة أخرى ويكرر الشيخ مثله، ثم يقول الشيخ مرة ثالثة ويكرر المريد، وفي النهاية يدعو الشيخ ويردد المريد: آمين، وبعد أن ينتهي ينهض ويذهب إلى خلوة المنزل ويتجه إلى القبلة ويتربع ويشغل نفسه بتربية بذرة الذكر- أهـ .
- تأمل هذه الطقوس الطويلة لأجل كلمة التوحيد، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفعلون مثل هذه الطقوس لتعليم المسلم كلمة التوحيد أو أي ذكر آخر؟ ولكنها الصوفية ببدعها وإحداثها في الدين لتأثرها بالديانات الهندية والفارسية واليونانية وغيرها.
- ومن إحداثهم في هذا الباب إلزامهم المريد بعدم تجاوز ما لقنه الشيخ إلى غيره، قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل: -ومن آداب المريد مع شيخه أن يذكر ما لقنه له أستاذه، فلا يتجاوزه إلى غيره، ولهذا تعددت صيغ الذكر الصوفي تبعا لتعدد الطرائق وتباين الشيوخ، فمنهم من يذكر بالاسم المفرد ومنهم من يذكر بـ-هو هو- ومنهم من يذكر بـ -أه أه-.
وذكر أن كل شيخ صوفي يحرم على مريديه أن يذكروا بغير ما أذن لهم فيه أو أن يذكروا بما ترقص به الطرق الأخرى، لاعتقادهم أن بعض الأسماء قد يضر ذكرها هذا وينفع ذاك، أو تضر في حال وتنفع في حال أخرى والخبير بما ينفع الذاكر أو يضره إنما هو الشيخ، ولهذا لا يستطيع الدرويش أن يذكر -لا إله إلا الله- إلا إذا أمره بها شيخه، ولا ينادي ربه بيا لطيف وإلا أصابه مس أو خبال أو كما يسمونه -لطف- -هذه هي الصوفية ص145 .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد