بسم الله الرحمن الرحيم
أحل الكفر بالإسلام ضيما *** يطول عليه للدين النحيب
وكم من مسجد جعلوه ديرا *** على محرابه نصب الصليب
دم الخنـزير فيه لهم خلوف *** وتحريق المصاحف فيه طيب
أهز هذا الصريخ الموجع زعامة الغزالي ؟ كلا، إذ كان عاكفاً على كتبه يقرر فيها أن الجمادات تخاطب الأولياء!! ويتحدث عن مراتب الولاية كالصحو والمحو، دون أن يقاتل أو يدعو غيره إلى قتال، \"وابن عربي\" و\"ابن الفارض\" الزعيمان الصوفيان الكبيران عاشا في عهد الحروب الصليبية فلم نسمع أن واحداً منهما شارك في قتال أو دعا إلى قتال أو سجل في شعره أو في نثره آهة حر على الفواجع التي نزلت بالمسلمين، لقد كان يقرران للناس أن الله هو عين كل شيء فليدع المسلمون الصليبيين فما هم إلا الذات الإلهية متجسدة في تلك الصور.
وحين أغار الفرنجة على \"المنصورة\" قبل منتصف القرن السابع الهجري اجتمع الصوفيون الزعماء، أتدري لماذا؟ لقراءة \"رسالة القشيري\" والمناقشة في كرامات الأولياء بدلاً من أن يجتمعوا لإعداد العدة وإعلان كلمة الجهاد – قد يقول القارئ: ربما فعلوا إلا أنه لم تصلنا آثارهم؟ فنقول لهم: فلماذا توافرت آثار الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.. وليس هذا فحسب بل أن موقف \"ابن تيمية\" أمام \"قازان\" إمبراطور التتار \"والعز بن عبد السلام\" وغيرهما كثير تعج بآثارهم كتب التاريخ \"كالبداية والنهاية\" لابن كثير و\"تاريخ الإسلام\" و\"سير أعلام النبلاء\" و\"أعيان المائة الثامنة\".
وكي لا نتهم بالتجنى على \"الغزالي\" و\"محيي الدين بن عربي\" و\"ابن الفارض\" نعرض شهادتين: إحداهما: \"للدكتور عمر فروخ\" والثانية \"للدكتور زكي مبارك\".
كتب الدكتور عمر فروخ يقول: ألا يعجب القارئ إذا علم أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي شهد القدس تسقط في أيدي الفرنج الصليبيين وعاش اثنتي عشرة سنة بعد ذلك، ولم يشر إلى هذا الحدث العظيم، ولو أنه أهاب بسكان العراق وفارس وبلاد الترك لنصرة إخوانهم في الشام لنفر مئات الألوف منهم للجهاد في سبيل الله، ولوفر إذاً على العرب والمسلمين عصوراً مملوءة بالكفاح، وقروناً ذاخرة بالجهل والدمار.
وما غفلة \"الغزالي\" عن ذلك إلا أنه كان في ذلك الحين قد انقلب صوفياً أو اقتنع على الأقل بأن الصوفية سبيل من سبل الحياة.
وكذلك عاش \"عمر بن الفارض\" و\"محيي الدين بن عربي\" في إبان الحروب الصليبية ولم يرد في كتابات أحدهما ذكر لتلك الحروب.
وبينما كان الأفرنج يغيرون على \"المنصورة\" في مصر سنة 647 هجرية 1259 ميلادية تنادي الصوفيون لقراءة \"رسالة القشيري\" وأخذوا يتجادلون في كرامات الأولياء [الشعراني 1/14].
الاستعمار من عند الله :
ويزعم الصوفية أن لهم كرامات ولكنهم لم يظهروا هذه الكرامات للدفاع عن دينهم وأوطانهم إلا أن الصوفية لا يعدمون ادعاء أو يعللون سكوتهم ورضاهم بما ينزل بقومهم من المصائب بأنها عقاب من الله تعالى للمكذبين من خلقه (كذا).
فإذا كان الله تعالى قد سلط على قوم ظالماً فليس لأحد أن يقاوم إرادة الله تعالى أو أن يتأفف منها.
انتهت الشهادة الأولى وقد نقلناها من كتاب \"التصوف في الإسلام\" للدكتور عمر فروخ.. ونضيف أنه مما يؤسف له أن \"الغزالي\" ذكر في كتابه \"المنفذ من الضلالط عند بحث طريقة التصوف: إنه كان خلال الحروب الصليبية مشغولاً في خلوته تارة في مغارة دمشق وتارة في صخرة بيت المقدس يغلق بابهما عليه في مدة تزيد على السنتين.
ثم ننتقل إلى الشهادة الثانية وهي كما ذكرت من قبل للدكتور زكي مبارك كتب يقول: أتدري لماذا ذكرت لك هذه الكلمة عن الحروب الصليبية؟ لتعرف أنه بينما كان \"بطرس الناسك\" يقضي ليلة ونهاره في إعداد الخطب وتحبير الرسائل يحث أهل أوروبا على احتلال أقطار المسلمين، كان الغزالي \"حجة الإسلام\" غارقاً في خلوته، منكباً على أوراده المبتدعة لا يعرف ما يجب عليه من الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله تعالى.
ومضى فضيلة الشيخ يقرأ من مراجعه المختلفة نصوصاً كثيرة طويلة أثبتنا بعضها وضربنا صفحاً عن بعضها الآخر.. لكننا عدنا نسأله قلنا: هل نفهم من هذا أنك تنفي دور الصوفية في مواجهة الظلم ومجابهة الظالمين مع أننا نقرأ في المأثور والمنشور عنهم الكثير من هذه المواقف التي يحق لنا – إن صحت – أن نعتبرها مشرفة.
أجاب فضيلته في حدة قائلاً: يا أخي أنا حريص في هذا الحوار الصحفي وفيما سبقه أن أكثر من \"النقول\" حتى لا أتهم بالتحيز. كذلك فإني حريص على أن تكون هذه \"النقول\" من كتب الصوفية بل ومن كتب أئمتهم وأقطابهم الكبار.
الصوفية ركائز الاستعمار :
يقول \"الشعراني\": وهذا النقل من كتاب \"التصوف الإسلامي 2/301 نقلاً عن البحر المرود ص292\" – لقد أخذ علينا العهد بأن نأمر إخواننا أن يدوروا مع الزمان وأهله كيفما دار، ولا يزدرون قط من رفعه الله عليهم، ولو كان في أمور الدنيا وولايتها. كل ذلك أدباً مع الله عز وجل الذي رفعهم فإنه لم يرفع أحداً إلا لحكمة هو يعلمها – انتهى – أليس هذا القول من أقوال المجبرة. فأين هم إذن ممن نعى الله عليهم. وقال:
{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدنَا عَلَيهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُل إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعلَمُونَ، قُل أَمَرَ رَبِّي بِالقِسطِ } [الأعراف: 28، 29].
وأين هم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ”من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان“.
وننقل من نفس الكتاب للدكتور زكي مبارك: هناك كثير من الطرق ثابرت على انحرافها عن الطريق السوي فكانت أروع انقياداً للمستعمرين من الزنوج الوثنيين. قال الرئيس \"فيليب قونداس\" من المستعمرين الفرنسيين: لقد اضطر حكامنا الإداريون وجنودنا في أفريقيا إلى تنشيط دعوة الطرق الدينية الإسلامية لأنها كانت أطوع للسلطة الفرنسية، وأكثر تفهماً وانتظاماً من الطرق الوثنية التي تعرف باسم (بيليدو، وهاجون) أو من بعض كبار الكهان أو السحرة السود – انتهى كلام \"الدكتور زكي مبارك\".
وفي كتاب \"تاريخ العرب الحديث والمعاصر\" تحت عنوان: \"المتعاونون مع فرنسا في الجزائر:
\"وتتألف هذه الفئة من بعض الشباب الذين تثقفوا في المدارس الفرنسية، وقضى الاستعمار على كل صلة لهم بالعروبة، ويضاف إليهم بعض أصحاب الطرق الصوفية الذين أشاعوا الخرافات والبدع، وبثوا روح الانهزامية والسلبية في النضال فاستخدمهم الاستعمار كجواسيس\" [ص373].
يقول الدكتور عمر فروخ: يقول الصوفية: إذا سلط الله على قوم ظالماً فليس لأحد أن يقاوم إرادة الله أو أن يتأفف منها.
لا ريب أن الأوروبيين قد عرفوا في الصوفية هذا المعتقد فاستغلوه في أعمالهم، فقد ذكر الزعيم الوطني مصطفى كامل المصري في كتابه \"المسألة الشرقية\" قصة غريبة عن سقوط \"القيروان\" قال:
ومن الأمور المشهورة عن الاحتلال الفرنسي للقيروان في تونس أن رجلاً فرنسياً دخل الإسلام وسمى نفسه \"سيد أحمد الهادي\"، واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجة عالية، وعين إماماً لمسجد كبير بالقيروان.. فلما اقترب الجنود الفرنسيون من المدينة استعد أهلها للدفاع عنها.. وجاءوا يسألونه أن يستشير الضريح الذي في المسجد، ودخل \"سيدي أحمد الهادي\" الضريح.. ثم خرج يقول: إن الشيخ ينصحكم بالتسليم لأن وقوع البلاد صار محتماً.. فاتبع القوم كلمته، ودخل الفرنسيون آمنين في 26 أكتوبر سنة 1881.
ثم يعقب الدكتور \"عمر فروخ\" بقوله: من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين لا يبخلون بالمال أو التأييد بالجاه للطرق الصوفية.. وكل مندوب سامي أو نائب الملك.. لابد أنه يقدم شيخ الطرق الصوفية في كل مكان، وقد يشترك المستعمر إمعاناً في المداهنة في حلقات الذكر.
والطريقة التيجانية التي كانت تسيطر على الجزائر أيام الاستعمار معروف أنها كانت تستمد وجودها من فرنسا، وأن إحدى الفرنسيات من عميلات المخابرات تزوجت شيخاً فلما مات تزوجت بشقيقه، وكان الأتباع يطلقون عليها \"زوجة السيدين\" ويحملون التراب الذي تمشي عليه لكي يتيمموا به، وهي كاثوليكية مازالت على شركها.. وقد أنعمت عليها فرنسا بوسام الشرق، وجاء في أسباب منحها الوسام.. أنها كانت تعمل على تجنيد مريدين يحاربون في سبيل فرنسا كأنهم بنيان مرصوص.
ومن كتاب \"في التصوف\" لمحمد فهر شقفة السوري – ص217 يقول: \"نرى من واجبنا خدمة الحقيقة والتاريخ أن نذكر – أن الحكومة الفرنسية في زمن الانتداب على سوريا حاولت نشر هذه الطريقة، واستأجرت بعض الشيوخ لهذه المهمة.. فقدمت لهم المال والمكان لتنشئة جيل يميل إلى فرنسا.. لكن مجاهدي المغرب لفتوا انتباه المخلصين من أهل البلاد إلى خطر الطريقة التيجانية، وأنها فرنسية استعمارية تتستر بالدين.. فهبت \"دمشق\" عن بكرة أبيها في مظاهرات صاخبة\".
الصوفية وفاروق :
من الأمثلة المضحكة المبكية في مسيرة رجال الصوفية وراء الاستعمار، والحكام الفسقة الظالمين.. أن الصوفية في مصر لاذوا أخيراً بفاروق ملك مصر السابق، يشكرونه على أنه منحهم كسوة، وبين يدي \"فاروق\" وقف شيخ الصوفية يقول: \"إنها يا مولاي رمز لما أعطاك الله من مواهب، وعنوان لفيض من فيوضاته سبحانه على قلب فاروق الطاهر تكشف عن مدى طهر وضعه الله فيك. فصفت روحك الطيبة، وأن هذا التكريم للصوفية إنما هو قبس من قلبك النقي ينير لك الطريق\".
وخدمة الصوفية للاستعمار الفرنسي في مصر أيضاً معروفة، وخدمتها للإنجليز.. هل تعرف السبب الحقيقي في هزيمة \"عرابي\".. لقد شغل أهل الصوفية الجنود في التل الكبير في أذكار.. حتى نصف الليل.. ثم نام الجنود.. فدخل الإنجليز في الفجر!!
ثم ماذا يا دكتور.. لقد طال الموضوع.. نعم إنه هام ولكن القراء يجب أن نقدر وقتهم؟
بقيت كلمة واحدة.. الطرق الصوفية حسب آخر تعداد من رئاسة الجمهورية عددها 64 طريقة لو أنهم على هدى.. لماذا لا يتفقون على طريقة واحدة.. مادام كلهم يدعون للإسلام؟ أؤكد أنهم لا يفعلون ذلك ولن يفعلوا.. لسبب واحد.. هو أن لكل مشيخة دخول، ومنتفعين، ومسائل أخرى كلها تتعلق بالمال والأعمالز. وصناديق النذور!!