مسرحية الامتحان وساعة ظهور إمام الزمان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

لا شك أن المرحلة التي مرت بها إيران الخمينية في عهد الرئاسة الخاتمية كسرت وبنسبة معينة طوق الرقابة الإعلامية والثقافية والسياسية المفروضة على فعاليات النخب الإيرانية. وعلى الرغم من محدودية الانفتاح الذي حصل آنذاك إلا أنه كشف وبشكل كبير عن مدى حالة الاحتقان التي تعيشها النخب الفكرية والثقافية والسياسية الإيرانية، والتي حرص ملالي طهران أشد الحرص على جعلها محبوسة في صدور أصحابها، خصوصًا تلك الرؤى والأفكار المتعلقة بالعقائد الدينيةº حيث استطاعت تلك النخب - والشابة منها تحديدًا - في بدايات الدورة الأولى من عهد الرئاسة الخاتمية أن تكشف عن موقفها من هذه العقائد التي تشكل إحداها - وهي مسألة الإمام المهدي الموعود - العمود الفقري للنظرية السياسية التي تحكم البلاد، وهي نظرية ولاية الفقيه، أي الحكم نيابة عن المهدي المنتظر، فقد استطاعت تلك النخب أن تحولها إلى محور نقاش بين التيارات الإصلاحية والمحافظة بعد أن كان التطرق لهذه المسألة يعد من المحرمات.

 

ملالي طهران - الذين لم يتحملوا وجود عقول وأفكار نيرة تخالف أفكارهم البليدة وتطعن في عقائدهم الخرافية - لم يمهلوا هذه النخب أن تثبت أقدامها وتكشف عن آرائها كاملةº ولهذا عمدوا إلى حملة تصفيات جسدية واعتقالات واسعة في وسط النخب الفكرية، وكان ضحية هذه الحملة التي نفذتها وزارة الاستخبارات مقتل عدد من الكتاب والسياسيين من الذين ساهموا في كسر طوق الحصار الفكري المفروض. وكان من بينهم وزير العمل في الحكومة المؤقتة التي تشكلت بعد انتصار الثورة على الشاه، الدكتور داريوش فروهر وزوجته وعدد آخر من النشطاء في المجالات الإعلامية والسياسية والثقافية.

 

هذا الحدث الذي خلق جوًا من الرعب بين النخب وتسبب في تصعيد تبادل الاتهامات بين أجنحة النظام من المحافظين والإصلاحيين الذين صار كل منهم يتهم الآخر بالمسئولية عن هذه الجرائم، دفع مرشد الثورة الملا علي خامنئي للتدخل على الخط، في محاولة لإنهاء الجدل بين الأجنحة المتصارعة، وفي نفس الوقت إرسال برقية عاجلة إلى النخب الفكرية بضرورة التزام الصمت والكف عن الخوض في المسائل التي تخالف عقيدة وفكر النظام، وإلا فإن مصيرهم سيكون مصير المثقفين الذين قتلوا على أيدي أجهزة الاستخبارات وهم الكتّاب: مختاري بوينده والوزير السابق وزعيم حزب الشعب، داريوش فروهر وزوجته وغيرهم.

 

وقد جاء هذا الإنذار في خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها خامنئي في جامعة طهران في الثامن من كانون الثاني عام 1999مº حيث وصف فيها الوزير السابق المقتول داريوش فروهر، بأنه عدو للنظام، والكتابَ والمثقفين الذين تم قتلهم بأنهم لم يكونوا من مثقفي الدرجة الأولى، وأن الجماهير لم تكن تعرفهم!!

 

بهذا الخطاب حاول خامنئي أن يحسم الجدل ويوقف أي كاتب تراوده نفسه تجاوز الخطوط الحمر التي رسمها نظامه، وأولها تلك التي تشكل صلب عقيدته السياسية التي يستمد منها شرعية وجوده على كرسي الحكم، وهي نظرية ولاية الفقيه المطلقة.

 

هذه التهديد المباشر من قِبل أعلى هرم في النظام الإيراني لم يتمكن من وقف مد نشاط الحركة الطلابية التي أصبحت - بعد قتل وسجن وتهجير النخب الفكرية - تشكل تحديًا كبيرًا ومباشرًا للنظام، لاسيما في الجانب العقائدي، حيث استطاعت هذه الحركة - ومن خلال نشراتها الإعلامية والثقافية - فتح أبواب واسعة للنقاش في جميع القضايا الفكرية، وعلى رأسها المسألة الأبرز وهي نظرية ولاية الفقيه.

 

وبما أن هذه النظرية تستمد شرعيتها من تأصيل عقائدي شيعي وهو نظرية الإمام المهدي أو ما يسمى بالإمام المنتظر، فقد عملت الحركة الطلابية على الطعن في صلب هذه النظرية لكي تسهل عملية تفنيد وبطلان حاكمية ولاية الفقيه.

 

وهذه المسرحية الامتحان وساعة الظهور التي نشرتها إحدى المجلات الطلابية، والتي أثارت وقتها ضجة إعلامية وسياسية وأدخلت ناشريها السجن، كانت جزءًا من العمل الفكري والسياسي الطلابي الساعي إلى إلغاء منصب الولي الفقيه، الذي أصبح وجوده عائقًا في تقدم البلاد وتحررها من الدكتاتورية المطلقة.

 

وهذا هو نص المسرحية التي ترجمها للعربية مركز دراسات النهضة الأحوازية للثقافة والإعلام.

المسرحية:

ـ في البيت ليلاً..

عباس يختم صلاته، يسجد ويُعفّر جبهته بالأرض كثيرًا ويتضرع..إلهي عَجّل بعودة إمام الزمان وظهوره، أضئ أعيننا بنور جماله الأخاذ.. فأنا أريد خدمة عهده الخارق.. ولا أحيا إلا بحبه. أسترحمك يا إلهي... يطوي عباس سجادة الصلاة، وينهض وهو يتمتم بالثناء على الرسول ويجفف دموعه.

ـ في الشارع ليلاً..

يمشي عباس مسرعًا.. تربت يدٌ برفقٍ, على كتفه ويناديه صوت شاب.. يرد عباس دون أن يلتفت إلى مصدر الصوت: حتى لو كنت قرويًا تائهًا نشلوا منه حافظة نقوده، فليس معي قرش واحد لأعطيك.. اذهب وفتش لك عن شغل...

- لا يا عباس.. أنا لست تائهًا، بل أتيت أدلك على الطريق.

- أتعرف اسمي؟! أنا لا اعرف اسمك فحسب، بل كل أسرار حياتك.. أنا إمام الزمان يا عباس.

- هل أنت جاد فيما تقول؟! يهز الرجل برأسه نعم، ويتوقف عباس ويرتمي على قدميه ويتضرع ويبكي:

- مولاي أين كنت؟! مولاي أنا مستعد للتضحية بحياتي لأجلك... يمد الرجل يده إلى عباس ويرفعه عن الأرض ويقول له:

- لا تبكِ.. ليس اليوم يوم دموع يا عباس.. أتعرف أنني جئت لأراك؟!

- يتأوّه عباس ويقول: مولاي أنت معلم الأسرار.

- أتريد أن أعهد إليك بمهمة؟!

-  أيعقل أن أرفض لك طلبًا؟! أنا لا أحيا إلا من أجل أن أحبك.

- إذن، يوم الجمعة في الثامنة صباحًا، تحلق شعر رأسك وتأتي إلى ميدان الثورة[1]، وفي اللحظة التي أظهر فيها تبدأ بتجنيد الأنصار للالتفاف حولي.

- الجمعة؟!

- وماذا في الأمر؟! هل هو موعد متأخر كثيرًا؟!

- آه.. نعم، ولكن للأسف ينبغي أن أتقدم إلى امتحان القبول في الجامعة الجمعة الساعة الثامنة. أجّل ظهورك إلى الغد.

- مستحيل.. أراد الله أن تنجز الجمعة.

يرجوه عباس ويلح.. لقد بقيت مختفيًا 1354 عامًا و55 يومًا.. ماذا يضيرك أن تضيف إليها يومًا من أجلنا؟!

- لقد سبق وقلت لك، إن هذا مستحيل.. الدنيا هكذا مليئة بالظلم والاعتباط والتعسف.

- مولاي العزيز، أعرف سلفًا ماذا سيجري إذا ما بدأت ثورتك غدًا.. لقد عرفنا ثورة فيما مضى، وسيفوتني الامتحان، وستدوم ثورتك سنة أو سنتين بعدها ثورة ثقافية، وستغلق الجامعات.. وتنقضي سنتان أو ثلاث على الأقل لتفتح أبوابها من جديد إذا لم نقل أربع سنوات. والطلبة الذين يتراوح عددهم بين مليون ونصف المليون وبين مليونين هذه السنة سيصبح عددهم ما بين سبعة وثمانية ملايين، دون أن نحسب أولئك الذين سيجيئون من آسيا وإفريقيا، وسأكون قد نسيت كل ما تعلمته، وستضيع الجامعة مني نهائيًا.

 

- ولكنك أنت الذي تضرعت لكي أظهر وتكون واحدًا من أنصاري.

- أنا مازلت أتضرع يا مولاي.. وإذا ما جعلت مني غدًا في عهدك الميمون محافظًا سأكون بلا مؤهلات، في حين نحن بحاجة ماسة إلى الخبراء.

لقد ظهرت التناقضات نفسها عندما قامت ثورتنا، وأرجوك أن تعذرني، فأنا لا أريد إهانتك، لكن والدي سقط في الفخ نفسه: الثورة، ثم السجن، ثم ترك الجامعة، وعهدوا إليه بعدئذ بوظيفة، ولكنه فشل فيها فشلاً ذريعًا.

- هذه مشيئة الله. إذا قبلت ستحصل على مزية أن تكون شهيدًا لهذه الثورة العظمى.

 

- ويلاه.. أنت أسوأ من الملالي، فهم على الأقل قد أسرفوا في وعودهم وبالغوا بها، وأنت تلفنا بالكفن منذ البداية، ولما كنت أنا مؤمنًا بك لذلك لن أرد عليك، ولكن واحدًا غيري كان سيصفعك بسبب ما قلته: يا صاحب الزمان أنا عندي زوجة وأولاد.

 

- أنا لا أعيش إلا من أجل الشهادة، وأود لو كان لي مئة عُمر لأضحي بها، ولكني لست وحيدًا، وعليّ مسئوليات نحو الآخرين، فإذا متّ شهيدًا فستتزوج زوجتي رجلا آخر، ولن يتمكنا من التفاهم، وسيربيان أولادهما تربية سيئة.

- كفى.. لقد فهمت.. يجب علي أن أرحل..

 

- أضف إلى ذلك وجهًا آخر للمسألةº فالرجل الآخر ربما كان قد تزوج من امرأة أخرى، وهذه الزوجة - يبتعد الرجل عن عباس محاولاً الرحيل، ولكن عباس ظل ممسكًا بيده ويقول له-: أين ستنجو بنفسك؟! أتظن بأنني سأدعك تحرمني من الجامعة؟! يضع عباس يده في جيبه ويخرج منها سكينًا.. ويظلم المسرح.

 

بعد انقضاء هزيع من الليل، المكان حلقة دينية.. يجلس المؤمنون على الأرض وعلى رأس كل منهم نسخة من القرآن.. وينشدون معًا: بل حجة.. بل حجة[2]، يضرب عباس صدره ويصيح بصوت أقوى منهم: بِِل حجة.. يا الهي عجّل بظهور إمام زماننا.. ويبكي.

يسمع صوت يعلو فوق الأصوات: إذا بحث الناس عني يجدونني بيسر كما يعثرون على... أضاعوها...

ويسدل الستار..

 

ـــــــــــــ

هوامش:

[1] الساحة الرئيسة في طهران.

[2] الحجة هي تسمية المهدي، ويسمى الحجة بن الحسن.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply