بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله - تعالى - كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد: ففي مقال سابق بينتُ الفرق بين الشيعة والرافضة، فالشيعة أتباع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لا تختلف عقيدتهم عن عقيدة جمهور المسلمين، وهم يأخذون بما ثبت عن علي من أن خير الناس بعد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم - أبو بكر ثم عمر، ويؤمنون بأن الصحابة قد - رضي الله عنهم - ورضوا عنه كما أخبر ربنا - عز وجل - في كتابه العزيز.
وذكرتُ من الشيعة غير الرافضة الحاكم صاحب كتاب المستدرك، وذكرت بعض أموره في كتابه عن فضائل الشيخين على لسان علي - رضي الله عنهم -.
أما الرافضة فهم الذين أخذوا بأقوال عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر بحب آل البيت، ونادى بفكرة الوصي بعد النبي، وكفر الصحابة لأنهم لم يأخذوا بهذه الفكرة، وبايعوا أبا بكر ثم عمر.
أهم عقائد الرافضة
وأحب هنا أن أبين أهم عقائد الرافضة حتى لا نخلط بينهم وبين شيعة أهل البيت.
أولاً: الإمامة أصل من أصول الإيمان، فهي كالنبوة، و مرتبة فوق النبوة:
شيعة علي بن أبي طالب يتفقون مع جمهور المسلمين في أصول العقيدة، وعلي - رضي الله عنه - هو نفسه لا يختلف مع باقي الصحابة في هذه العقيدة كما جاءت في كتاب ربنا - عز وجل -، وعلمهم إياها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
أما الرافضة فقد أخذوا بقول ابن سبأº فهو أول من قال بأن عليًا هو الوصي الذي يخلف الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن لم يعتقد هذا فليس مؤمنًا، وأضاف الرافضة إلى قول ابن سبأ أحد عشر إمامًا بعد علي، يجب الإيمان بهم جميعًا.
ذكر الحلي - الملقب عند الرافضة بالعلامة - بأن إنكار الإمامة شر من إنكار النبوةº حيث قال: «الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام، وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص». [انظر كتاب الألفين 1/3].
وعقب أحد علمائهم على هذا بأنه «نعم ما قال»، وأضاف: وإلى هذا أشار الصادق بقوله عن منكر الإمامة هو شر الثلاثة، فعنه أنه قال: الناصبي شر من اليهودي.
قيل: وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ فقال: إن اليهودي منع لطف النبوة وهو لطف خاص، والناصبي منع لطف الإمامة وهو عام. [انظر حاشية ص43 النافع يوم الحشر].
ويطلقون كلمة الناصبي على مخالفيهم، ويحكمون بكفره ونجاسته.
وفي مصباح الهداية «ص61- 62» ذكر المؤلف أن الإمامة مرتبة فوق النبوة!
وقال ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق: «اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ». [رسالته في الاعتقادات ص103].
وقال المفيد: «اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله - تعالى -له من فرض الطاعة، فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار».
[بحار الأنوار للمجلسي 23/390، والمجلسي ذكر قول المفيد لتأييد رأيه].
والمفيد كان رأس الإمامية، وشيخًا لشيخ طائفتهم أبي جعفر الطوسي.
وعقيدتهم في هذه تفسر لنا ما يحدث في العراقº ففرق الموت من الرافضة ممن يسمى بجيش المهدي يقتلون من يستطيعون قتله من أهل السنة، بعد التعذيب، ثم يلقونهم في الطرقات حيث يعتبرونهم كفارًا.
وإلى جانب ضلال هؤلاء القوم وغلوهم نجد غلوهم في جانب آخر، فهم يرون أن الفاسق منهم يدخل الجنة وإن مات بلا توبة. [انظر أجوبة المسائل الدينية - العدد الثامن - المجلد التاسع - ص226، وراجع كتابي: فقه الشيعة الإمامية 1/15].
ثانيًا: الإمام كالنبي في عصمته وصفاته وعلمه:
فالإمام يجب أن يكون معصومًا من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن سن الطفولة إلى الموت، عمدًا وسهوًا، كما يجب أن يكون معصومًا من السهو والخطأ والنسيان!
ويجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال من شجاعة وكرم وعفة وصدق وعدل وعقل وحكمة وخلق.
أما علمه فهو يتلقى المعارف والأحكام الإلهية وجميع المعلومات من طريق النبي أو الإمام من قبله.
وإذا استجد شيء فلابد أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله - تعالى -فيه، فإن توجه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، لا يخطئ فيه ولا يشتبه عليه، ولا يحتاج في كل ذلك إلى البراهين العقلية، ولا إلى تلقينات المعلمين، وإن كان علمه قابلاً للزيادة والاشتداد، وذهب بعضهم إلى أن أحد الملائكة كان يلازم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليسدده ويرشده ويعلمه، فلما انتقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى ظل الملك بعده، ولم يصعد ليؤدي نفس وظيفته مع الأئمة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. (انظر أصول الكافي: باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة (1/271- 272)، وباب الروح التي يسدد الله بها الأئمة (1/273 - 274)، وهذا الباب فيه ستة أخبار منها عن أبي عبد الله: وَكَذَلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ رُوحًا مِن أَمرِنَا مَا كُنتَ تَدرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ، قال: خلق من خلق الله - عز وجل - أعظم من جبرائيل وميكائيل، كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة من بعده.
وفي الباب الأسبق ذكر أن روح القدس خاص بالأنبياء، فإذا قبض النبي انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو، والإمام يرى به، وفي الحاشية فسر الرؤية بقوله: يعني ما غاب عنه في أقطار الأرض وما في عنان السماء، والجملة ما دون العرش إلى ما تحت الثرى، وانظر بحار الأنوار (25/47 - 99) باب الأرواح التي فيها (أي في الأئمة) وأنهم مؤيدون بروح القدس.
وقال ابن بابويه القمي في رسالته (ص108 - 109): «اعتقادنا في الأخبار الصحيحة عن الأئمة أنها موافقة لكتاب الله، متفقة المعاني، غير مختلفة، لأنها مأخوذة من طريق الوحي عن الله - سبحانه -»، وهذا القمي صاحب كتاب «فقيه من لا يحضره الفقيه»: أحد كتب الحديث الأربعة المعتمدة عند الجعفرية.
وقال المجلسي: أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم من الذنوب الصغيرة والكبيرة، عمدًا وخطأً ونسيانًا، قبل النبوة والإمامة وبعدها، بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله - تعالى -، ولم يخالف في ذلك إلا الصدوق محمد بن بابويه وشيخه ابن الوليد، فإنهما جوزا الإسهاء من الله - تعالى -لا السهو الذي يكون من الشيطان في غير ما يتعلق بالتبليغ وبيان الأحكام». [بحار الأنوار: 25/250، 251].
وقولهم بعصمة الأئمة من وقت ولادتهم يتنافى مع طبيعة البشر، ويجعلونهم فوق الأنبياء والرسل الكرام، بل إن الرسول الأعظم لولا النبوة بعد الأربعين ما عُرفت له عصمة، فكيف عُرفت من الصغر للأئمة بزعمهم؟!
وأما قولهم بأن الإمام «يرى ما غاب في أقطار الأرض، وما في عنان السماءº وبالجملة ما دون العرش إلى ما تحت الثرى»، هذا القول يعتبر شركًا بالله - عز وجل -، فهو وحده - سبحانه - الذي يعلم هذا.
ثالثًا: لا بد أن يكون في كل عصر إمام هاد يخلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
في وظائفه من هداية البشر وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في الدارين وله ما للنبي من الولاية العامة على الناس لتدبير شئونهم ومصالحهم وإقامة العدل بينهم، ورفع الظلم والعدوان من بينهم، وعلى هذا فالإمامة استمرار للنبوة.
والأئمة هم أولو الأمر الذين أمر الله - تعالى -بطاعتهم، وهم الشهداء على الناس، وأبواب الله والسبل إليه والأدلاء عليه، فأمرهم أمر الله - تعالى -، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليهم وليه، وعدوهم عدوه، ولا يجوز الرد عليهم، والراد عليهم كالراد على الرسول، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى، فيجب التسليم لهم، والانقياد لأمرهم، والأخذ بقولهم.
وقولهم بوجوب استمرار الإمامة أبدًا دون انقطاع أو توقف إلى يوم القيامة بعد الإمام الحسين - رضي الله عنه - في أحد من نسله، بحيث يكون الابن خلفًا للأب، هذا القول جعلهم يضطرون إلى تنصيب طفل صغير في السابعة من عمره، وهو الإمام محمد الجواد الإمام التاسع، ولذلك وجدنا فرقتين من شيعة أبيه علي الرضا لم يعترفوا بإمامته لأنهم استصبوه واستصغروه. وفي كتاب فرق الشيعة (ص92) للنوبختي والقمي الشيعيين جاء بيان هذا حيث قالا: «إن أبا الحسن الرضا - عليه السلام - توفي وابنه محمد ابن سبع سنين، فاستصبوه واستصغروه، وقالوا: لا يجوز أن يكون الإمام إلا بالغًا، ولو جاز أن يأمر الله - عز وجل - بطاعة غير بالغ لجاز أن يكلف الله غير بالغ، فإنه كما لا يعقل أن يحتمل التكاليف غير بالغ فكذلك لا يفهم القضاء بين الناس دقيقه وجليله وغامض الأحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله، وما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها، طفل غير بالغ، ولو جاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن البلوغ درجة، لجاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجتين
وثلاثًا وأربعًا، راجعًا إلى الطفولة، حتى يجوز أن يفهم ذلك طفل في المهد والخِرءَ غير معقول ولا مفهوم ولا متعارف». اهـ.
وكذلك اعتبروا ابنه عليًا الهادي إمامًا وهو في السادسة من عمره، وعلى قول آخر في الثامنة، أي أنه كسابقه في سن الطفولة!
وأعجب من هذا كله قولهم بعد إمامهم الحادي عشر الحسن العسكري فقد توفي ولم ير له خلف، ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه، فافترق أصحابه من بعده أكثر من عشر فرق، فاخترع الاثنا عشرية له ابنا طفلاً إمامًا حيًا لا يموت إلى يوم القيامة!! وهو غائب يحج كل عام يرانا ولا نراه!!
ومن يراجع كتب الفرق يجد ظاهرة عامة وهي افتراق الشيعة إلى فرق مختلفة عند موت كل إمام، وكل فرقة من هذه الفرق يمكن أن تفترق هي الأخرى إلى عدة فرق، ونجد من هذه الفرق من بلغت درجة تأليه بعض البشر، والشرك بالله - عز وجل - ومن ادعت نبوة فرد من أفرادها، ومن استباحت اللواط ونكاح المحارم، وقالت: من عرف الإمام فليصنع ما شاء فلا إثم عليه.
والمهم أن كل فرقة من هذه الفرق الضالة تزعم أنها هي الفرقة الناجية، وأنها تمثل مذهب أهل البيت، وأهل البيت الأطهار الأبرار برآء منهم جميعًا.
وإن تعجب فعجب قول كل فرقة أنها مؤيدة بالكتاب العزيز، والسنة المطهرة!! ومن أجل ذلك حرفت القرآن الكريم تنزيلاً وتأويلاً، نصًا ومعنى، ووضعت الآلاف من الأحاديث المفتراة، وقد بينت هذا بالتفصيل في كتابي «مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع - موسوعة شاملة»، وأخيرًا في كتابي «المراجعات المفتراة على شيخ الأزهر البشري - الفرية الكبرى»º حيث ناقشت الرافضي الغالي عبد الحسين شرف الدين، وأثبت أن ما جاء في كتابه «المراجعات» هو محض افتراء وكذب.
هذه هي أهم عقائد الرافضة، ولهم عقائد أخرى كلها غلو وتطرف، نسأل الله - تعالى - أن
يهدينا جميعًا سواء السبيل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد