بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل. قال: فأتيته فقلت: أيٌّ الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة»، فقلت: من الرجال؟ فقال: «أبوها». قلت: ثم من؟ قال: «عمر» فَعَدَّ رجالاً، فَسَكَتٌّ مخافة أن يجعلني في آخرهم.
هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في موضعين من صحيحهº أولهما برقم (2663) كتاب فضائل الصحابة في فضائل الصديق (باب لو كنت متخذًا خليلاً) وثانيهما برقم (8543) كتاب المغازي باب غزوة ذات السلاسل، كما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه برقم (4832)، وكذا أخرجه الترمذي برقم (5883)، وأحمد في المسند (4/302)، وأشار
الحافظ في الفتح عند شرحه إلى أن ابن خزيمة وابن حبان أخرجاه.
أولا: ترجمة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- هي الصديقة بنت الصديق الأكبر خليفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، القرشية التيمية المكية النبوية، أم المؤمنين زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أفقه نساء الأمة على الإطلاق، وأمها: أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتَّاب بن أذينة الكنانية. ولدت في الإسلام، وهاجر بها أبواها، وتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل مهاجرة بعد وفاة الصديقة الكبرى خديجة بنت خويلد، وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهرًا، وقيل بعامين، ودخل بها في شوال سنة اثنتين عند انصرافه -عليه الصلاة والسلام- من غزوة بدر، وهي بنت تسع سنين، فروت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما روت عن أبيها وعن عمر، وعن فاطمة، وعن سعد وحمزة بن عمرو الأسلمي، وجُدَامَةُ بنت وهب، حَدَّثَ عنها أكثر من مائتي شخص من التابعين.
قال الإمام الذهبي: مسند عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين.
وهي ممن ولد في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة - رضي الله عنها - بثماني سنين، وكانت تقول: لم أعقل أبويَّ إلا وهما يدينان الدين.
ثم قال: لم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بكرًا غيرها، ولا أحب امرأة حبها، ولا أعلم في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل ولا في النساء مطلقًا امرأةً أعلم منها، وذهب بعض العلماء إلى أنها أفضل من أبيها، وهذا مردود، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا، بل نشهد أنها زوجة نبينا في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخر؟!،
وإن كان للصديقة خديجة شَأوٌ لا يُلحَقُ، قال الذهبي: وأنا واقف في أيتهما أفضل، نعم جزمت بأفضلية خديجة عليها لأمور ليس هذا موضعها. أهـ. من السِّيَر.
قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: كانت وفاتها في هذا العام سنة ثمان وخمسين، وقيل قبله بسنة، وقيل بعده بسنة، والمشهور في رمضان منه، وقيل في شوال، والأشهر ليلة الثلاثاء السابع عشر من رمضان، وأوصت أن تدفن بالبقيع ليلاً، وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، وكان عمرها يومئذ سبعًا وستين سنة لأنه توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمرها ثماني عشرة سنة، وكان عمرها عام الهجرة ثماني سنين أو تسع، فالله أعلم. ورضي الله عنها وعن أبيها وعن الصحابة أجمعين.أهـ.
ثانيًا: شرح الحديث
قوله: جيش ذات السَّلاسل»: قيل سميت ذات السلاسل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، وقيل: لأن بها ماءً يقال له: السلسل، وقيل لأن المكان كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة، وضبطه ابن الأثير بالضم وقال: هو بمعنى السلسال، أي السهل، قال الحافظ في الفتح: وذكر ابن سعد أنها وراء وادي القرى، وبينها
وبين المدينة عشرة أيام، قال: وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة، وقيل كانت سنة سبع، ثم قال الحافظ: وذكر ابن سعد أن جمعًا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن العاص فعقد له لواءًا أبيض وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، وذكر ابن إسحاق أن أم عمرو بن العاص كانت من (بَلِيٍّ,) وبلي من قضاعة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرًا يستنفر الناس إلى الإسلام ويستألفهم بذلك.
قوله: «فأتيته». قال الحافظ ابن حجر: وعند البيهقي من طريق علي بن عاصم عن خالد الحذاء في هذه القصة: «قال عمرو: فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده، فأتيته فقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله من أحبٌّ الناس إليك؟ » الحديث.
قوله: «فقلت: من الرجال». في رواية قيس عند ابن خزيمة وابن حبان «قلت إني لست أعني النساء إني أعني الرجال، وفي حديث أنس عند ابن حبان أيضًا «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قيل له: ليس عن أهلك نسألك».
قوله: «فقلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب فعد رجالاً» قال الحافظ في الفتح: ووقع في حديث عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت عمر، قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح، قلت ثم من؟ فسكتت.
وقول عمرٍ,و - رضي الله عنه - «فعدَّ رجالاً» فيه إبهام، ولعل عليّا يكون من الرجال الذين أبهموا في حديث عمرو قال الحافظ: ومعاذ الله أن تقول الرافضة من إبهام عمرو فيما روى لما كان بينه وبين عليٍّ, - رضي الله عنهما -. فقد كان النعمان بن بشير مع معاوية على عليٍّ, ولم يمنعه من التحدث بمنقبة علي - رضي الله عنه -.
قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة عائشة - رضي الله عنها -، بعد أن ساق هذا الحديث (حديث عمرو بن العاص) الذي معنا ـ: وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان - عليه الصلاة والسلام - ليحب إلا طيبًا، وقد قال: «لو كنت متخذًا خليلاً من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام أفضل» فأحب أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حَبِيبَي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حري أن يكون بغيضًا إلى الله ورسوله.
وحبه - صلى الله عليه وسلم - لعائشة كان أمرًا مستفيضًا، ألا تراهم كانوا يتحرون بهداياهم يومها تقربًا إلى مرضاته؟!!
ثالثًا: بعض ما ورد في فضائل أم المؤمنين عائشة
لقد ورد في فضائل أم المؤمنين حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصوص كثيرة جدًا من الأحاديث النبوية والآثار التي وردت عن الصحابة والتابعين، فقد أورد الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أكثر من خمسة وعشرين نصًا في فضائلها رضي الله عنها وأرضاها، بينما سجل الحافظ الذهبي ترجمتها في كتابه العظيم «سير أعلام النبلاء» في سبع وستين صفحة، وهذا نادر في تراجم الصحابة فضلاً عمن بعدهم.
ونحن لا نستطيع أن نستقصي ما ورد في فضائلها - رضي الله عنها -، وإنما نجتزئ ببعض ما صح من الأخبار في هذا الشأن حتى يقف على ذلك من أراد الله - تعالى -به خيرًا في الدارين. والله المستعان، فمن ذلك:
1 ـ فضلها على سائر النساء: عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسيا امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». [متفق عليه]
وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». [متفق عليه]
2 ـ عائشة زوج الرسول في الجنة: عن عمار بن ياسرٍ, - رضي الله عنه - قال وهو على منبر الكوفة: «والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة».[أخرجه الحاكم وقال صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي]
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر فاطمة رضي الله عنها، قالت: فتكلمت أنا، فقال: «أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة»؟ قلت: بلى والله، قال: «فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة». [أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما]
3 ـ عائشة أول نساء النبي في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة:
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما سأله ابن عباس - رضي الله عنهما - عن المرأتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال الله لهما: إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس، عائشة وحفصة. قال عمر: فاعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهرًا، فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، قالت عائشة: فأنزلت آية التخيير يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدٌّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 82-92] قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: «إني ذاكر لك أمرًا ولا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك»، فلما ذكر لها - صلى الله عليه وسلم - الآية قالت: أفي هذا أستأمر أبويَّ؟، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم خير نساءه فاخترن مثل ما قالت عائشة - رضي الله عنها -. الحديث بطوله متفق عليه، ولكن ذكرناه مختصرًا نظرًا لطوله، ذاكرين موضع الشاهد منه.
وأخرج مسلم نحوه من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، وفي آخره قالت عائشة رضي الله عنها: لما تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآية: أفيك أستشير أبويَّ؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت. قال: «لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا».
4 ـ حديث الإفك ونزول براءة عائشة من فوق سبع سماوات: حديث عائشة - رضي الله عنها - في الصحيحين بطوله حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، وقصت الخبر حتى قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهي عند أبويها ـ فسلم ثم جلس ـ قالت ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألمَمتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لأبي: أجب عني رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ماذا أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن
قلت إني بريئة ـ والله يعلم أني بريئة ـ لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر ـ الله يعلم أني منه بريئة ـ لتصدقنني، والله لا أجد لكم مثلاً إلا قولَ أبي يوسف قال: فَصَبرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُستَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يُتلَى، ولشأني في نفسي أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت: فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ما كان يأخذه من البُرحاء، فلما سُرِّيَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُرِّيَ عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: يا عائشة أما الله - عز وجل - فقد برأك..الحديث.وفيه فأنزل الله إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم لاَ تَحسَبُوهُ شَرًّا لَكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَكُم لِكُلِّ امرِئٍ, مِنهُم مَا اكتَسَبَ مِنَ الإِثمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبرَهُ مِنهُم لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَولاَ إِذ سَمِعتُمُوهُ ظَنَّ المُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بِأَنفُسِهِم خَيرًا وَقَالُوا هَذَا إِفكٌ مُبِينٌ (12) لَولاَ جَاءُوا عَلَيهِ بِأَربَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذ لَم يَأتُوا بِالشٌّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الكَاذِبُونَ (13) وَلَولاَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُم فِيمَا أَفَضتُم فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وَتَقُولُونَ بِأَفوَاهِكُم مَا لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وَتَحسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَولاَ إِذ سَمِعتُمُوهُ قُلتُم مَا يَكُونُ لَنَا أَن نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ (19) وَلَولاَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [النور: 11ـ02].
5 ـ الملك يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصورتها: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أريتك في المنام مرتين، يجئ بك الملك في سَرَقة من حرير ويقول: هذه امرأتك فأكشف عنها فإذا هي أنت، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه». [متفق عليه]، وفي لفظ مسلم: «أريتك في المنام ثلاث ليالٍ,».
6 ـ جبريل يقرئ عائشة السلام: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا: «يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام». فقلت: و- عليه السلام - ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى، تريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [متفق عليه]
7 ـ نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لحاف عائشة: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن يا أم سلمة: والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان ـ أو حيث دار ـ قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليَّ ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: «يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليَّ الوحيُ في لحاف امرأة منكن غيرها». [أخرجه البخاري والترمذي]
8 ـ بركة عائشة - رضي الله عنها -: عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء ـ أو بذات الجيش ـ انقطع عقد لي فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التِمَاسِهِ، وأقام الناس معه وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس ليسوا على ماء، وليس معهم ماءٌ، فجاء أبو بكر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله والناس ليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا، فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته. [متفق عليه]، وفي رواية للبخاري: قال أسيد بن حضير: جزاكِ اللهُ خيرًا، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجًا وجعل فيه للمسلمين بركة.
9 ـ حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها - ومنزلتها عنده: عن عمر - رضي الله عنه - أنه دخل على حفصة فقال: يا بنيةº لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها ـ حبٌّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها ـ يريد عائشة ـ فقصصتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتبسَّمَ. [متفق عليه]
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول: أين أنا غدًا، أين أنا غدًا، يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين سحري ونحري، وخالط ريقه ريقي، ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يَستَنٌّ به فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته فأعطيته رسول الله فاستن به وهو مستند إلى صدري. [متفق عليه واللفظ للبخاري]
10 ـ علم عائشة - رضي الله عنها -:
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: ما أشكل علينا ـ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا. [أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح]
عن عروة قال: لقد صحبت عائشة، فما رأيت أحدًا قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا ولا بكذا ولا بقضاء، ولا بطبٍّ, منها. فقلت لها: يا خالة: الطب من أين عُلِّمتِهِ؟ فقالت: كنت أمرَضُ فينعتُ لي الشيءُ، ويَمرَضُ المريضُ فينعتُ له، وأسمعُ الناس ينعتُ بعضهم لبعض فأحفظه. [أورده الذهبي في السير ـ وقال محققه: رجاله ثقات وأخرجه أبو نعيم في الحلية.. ]
11 ـ ثناء ابن عباس - رضي الله عنهما - عليها: قال ابن أبي مُلَيكَةَ: استأذن ابن عباس قبيل موتها على عائشة وهي مغلوبة، قالت: أخشى أن يثني عليَّ، فقيل: ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينك؟ قالت: بخير إن اتقيتُ، قال: فأنت بخير إن شاء الله - تعالى -، زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينكح بكرًا غيرك، ونزل عذرك من السماء، ودخل ابن الزبير خلافه، فقالت: دخل ابن عباس فأثنى عليَّ، وددت أني كنت نسيًا منسيًّا. [أخرجه البخاري]
هذا بعض ما صح مما ورد في فضائلها - رضي الله عنها -، وهناك الكثير الذي يضيق المقام عن ذكره من أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يداعبها ويسترضيها ويتتبع موضع فمها من الإناء وغير ذلك.
وبعد فهذه بعض الفضائل التي وردت في أم المؤمنين، فنحن نشهد الله أنها أمٌّنَا لأنها زوجة نبينا في الدنيا والآخرة ولقد قال الإمام النووي: لو حلف رجل أن عائشة أمه فهو صادق وليس حانثًا في يمينه، ولو حلف آخر أن عائشة ليست أمه فهو أيضا صادق وليس حانثًا في يمينه، فأما الأول: فهو مؤمن، وأما الآخر فهو منافق، وعائشة أم المؤمنين وليست أما للمنافقين، قال الله - تعالى -: النَّبِيٌّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم وَأَزوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم...
[الأحزاب: 6]، فقارن أيها المسلم بين قول الله - تعالى -وفتوى النووي وبين من يلعنون عائشة - رضي الله عنها -، ويفترون الكذب على أهل بيت النبوة ويتمسحون بهم وهم منهم براء، ويفسرون القرآن بأهوائهم ويحاكمون خير الخلق بعد الأنبياء وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويتنقصونهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية
- رحمه الله تعالى -عن الروافض: إنهم اشتغلوا عن عيوب أنفسهم وسيئاتهم بذكر عيوب من إحسانهم يغمر إساءتهم إن وجدت، فهم ـ أي الصحابة قد غفر الله لهم ما بدر منهم. فتبًا لقوم جعلوا دينهم الكذب والنفاق تحت قناع ما يسمونه بالتقية، وأقاموا ملتهم على الطعن في الكتاب والسنة والصحابة، فتبًا لهم ثم تبا لهم.
نسأل الله - تعالى -أن يرد عنا كيد الخائنين وأن يعلي راية التوحيد، وأن يحفظ علينا ديننا وأن يبارك لنا في القرآن الكريم وفي سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد