الاستفادة من الضمان الصحي بأسماء الآخرين


بسم الله الرحمن الرحيم

 
 السؤال:

رجل مريض وفقير قام بإجراء فحوصات طبية، ثم قام بعد ذلك بشراء الأدوية اللازمة، لكنه وبحكم أنه لا يعمل فهو لا يملك بطاقة الضمان الاجتماعي التي تمكنه من استرجاع ثمن الفحوصات و الأدوية، فطلب من شخص لديه بطاقة ضمان اجتماعي أن يقوم بتغيير الوصفة على اسمهº حتى يتمكن من استرجاع تلك المبالغ. فهل يجوز شرعا لمالك بطاقة الضمان أن يقوم بهذا العمل ولو من باب الإنسانية، أم في الأمر شبهة؟

 

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فحالة هذا الشخص اجتمع فيها الفقر والمرض وعدم العمل، وهذه أمور متلازمة غالبا، فالشخص قد يفقر لأنه عاطل عن العمل أو لم يجده، والفقير قد يمرض بسبب سوء التغذية، أو لعدم تمكّنه من توفير مستلزمات الوقاية، وقد يتفاقم مرضه لعدم تمكنه من شراء الدواء اللازم للعلاج.

والمفترض أن يتم شرعا تحقيق كفاية الفقير العاجز من بيت مال المسلمين، لأن لكل مسلم حقا فيه بقدر حاجته، لا أن توكل إلى مؤسسات تجارية، أو مؤسسات تقتطع من رواتبهم أقساطا جبرا وتعوضهم بدلها لاحقا، خصوصا وبلاد الإسلام قد رزقها الله - تعالى -خيرات تمكّنها من توفير حد الكفاية لكل مسلم، وجعلت الأمم الأخرى تتداعى لنهبها.

و إحساس الفقير بضرورة سدّ حاجته في العلاج من خلال الصندوق يؤكّد ما ذكر سابقا، وهو الذي يجعله يعتقد بأن من حقّه الحصول على المساعدة بطريق التعويض ولو من خلال صندوق الضمان الاجتماعي لكل ما أنفقه في العلاج، غير أنه حُرم من ذلك لكونه غير مشترك في الصندوق، لأنه غير موظف، وهذا الذي يكشف عوار نظام التأمينات المخترع، فإن شعار التكافل والتضامن مجرد ادعاء، إذ يحرم الفقير المحتاج المريض من استحقاق المساعدة، ولا يكاد يجدها إلا من الجمعيات الخيرية وسائر المحسنين. جزاهم الله خيرا.

وبعض الفقراء إذا عدم السبيل إلى الحصول على المساعدة لجأ إلى أي وسيلة لتحقيق غرضه، ولو أن يتخذ الحيل المشتملة على التزوير، والوثائق المتضمنة لغير الحقيقة، ومنها استعمال اسم موظف وادعاء كونه هو المريض، ثم حصول الموظف على التعويضات، ومن ثم تسليمها للمريض الفعلي المحتاج.

ذلك أنه توجد في معظم البلاد أنظمة وقوانين ما أنزل الله بها من سلطان، وفيها من الظلم والتعسف ومنع الناس من حقوقهم ما لا يعلمه إلا الله - تعالى -، فيحتاج الواحد لاستخلاص هذا الحق، أو دفع هذا الظلم إلى استعمال بعض الطرق لتجاوز هذه الأنظمة والقوانين.

و لا يختلف اثنان في أن ادعاء الموظف المرض وهو سليم كذب محرم، وأن ادعاء كونه هو الشخص المريض كذب آخر، لا يستحق به في الأصل- أي تعويض ولا يحلّه له، لأن هذا من الغش كذلك، وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه- قوله - صلى الله عليه وسلم -: « من غشّ فليس مني». ومعلوم ما جاء من وعيد في الكذب.

و المدرك لأحوال كثير من المسلمين، ومدى عجزهم عن تحقيق حد الكفاف في حياتهم (فضلا عن حد الكفاية) قد لا يرى بأسا في أن تُتخذ أي وسيلة لمساعدة الفقير العاجز، خصوصا إذا ألمّ به المرض وتفاقم، لعلة واضحة هي أن الخزينة العامة للدولة تساهم بنسبة معينة في تمويل صندوق الضمان الاجتماعي إضافة إلى أقساط الموظفين المشتركين، من جهة، ولأن هذا الفقير حُرم من حق المساعدة بسبب قانون وضعي يشترط ما لا يحق له شرعا في الحصول على سد حاجته من مال الأمة، والقوانين الوضعية هي من العرف الذي يُقبل منه ما وافق الشرع، ويُرفض ما خالفه، من جهة ثانية. وعملا بقاعدة \"الضرورات تبيح المحظورات\" الفقهية، من جهة ثالثة، فلعله لا بأس على هذا الفقير المريض العاجز عن توفير نفقات العلاج -والذي لم يجد سبيلا إلا استعمال اسم موظف، ولم يكن الدافع هو الحصول على المال فقط- أن يسلك هذا السبيل، على أننا نطلب منه بإلحاح أن يعرض حاله على أهل العلم في بلده لتقدير حقيقة أحواله، لأن هذه من النوازل التي يستفتى فيها تفصيلا، وتكون فتوى خاصة بالسائل عنها دون غيره، لاختلاف أحوال الناس، والمفتي فيها الخبير بأوضاع أهل بلده عامة، وأحوال السائل خاصة، يقدر ذلك ويتحمل مسؤوليته أمام الله - تعالى -.

فإذا أفتاه بالجواز فلا حرج على الموظف في أن يساعده في هذه الحالة بخصوصها.

ومع ما في هذا التجويز المشروط من آثار سلبية، لو استغله من لا يخاف الله - تعالى -، فإن غلقه كليا قد يغبن فيه كثير من الفقراء، ولهذا فإن مراعاة شروط الضرورة المبيحة للمحظور أمر واجب أؤكد عليه، لأنه لا يحل تجاوزها والتفلت منها دون مسوغ شرعي. والله أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply