بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
أرجو بيان تفاصيل عقد النكاحº أين يعقد؟ ومتى يعقد؟ وكيف يعقد؟ وماذا يقال عند العقد من الأدعية؟ ومن يحضر عقد النكاح؟ وإذا وُعِظ الزوجان فكيف يتم ذلك طبقاً للسنة النبوية؟
إننا عازمون على إصدار نشرة صغيرة لكل من يتولى عقد النكاح من المفوضين بكتابة عقود الأنكحةº حتى يكونوا على بصيرة من أمر دينهم، فلذا نرجو مساعدتنا في الأمر، حيث لا يوجد في بطون الكتب الفقهية إلا ذكر أحكام النكاح وشروطه، وما إلى ذلك دون تعرض للشكليات، فالرجاء إلقاء الضوء على صورة عقد النكاح في بلدكمº لتكون قدوة لنا.
الجواب:
الحمد لله وحده، وبعد:
فإن شريعتنا السمحة لم تشترط أن يعقد النكاح في زمان معين، ولا في مكان معين، كما لم تشترط عقده على يد عالم أو فقيه، وإنما اشترط فيه تحقيق أركانه وشرائطه المعروفة في باب النكاح، علماً بأن جمهور الفقهاء قد ذهبوا إلى استحباب عقد النكاح في المسجد، وهم الحنفية كما في فتح القدير(3/189)، والشافعية كما في إعانة الطالبين(3/273)، والحنابلة، كما في الروض المربع(6/243 مع الحاشية)، وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى(32/18)، وابن القيم في إعلام الموقعين(3/126)º استدلالاً بالحديث الوارد في سنن الترمذي(1089) من طريق عيسى بن ميمون عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد... \" ثم قال أبو عيسى الترمذي: \"هذا حديث غريب.. وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث\" ا. هـ، وهو كما قال، فقد ضعفه من هذا الطريق الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير(4/201)، وغيره، وللحديث شواهد دون قوله: \"واجعلوه في المساجد\"، ولذا فلا يصلح حجة للقول بالاستحباب، وقد أشار إلى هذا الضعف: الشوكاني في السيل الجرار(2/247-248) ثم قال: \"فالمساجد إنما بنيت لذكر الله والصلاة، فلا يجوز فيها غير ذلك إلا بدليل يخصص هذا العموم، كما وقع من لعب الحبشة بحرابهم في مسجده - صلى الله عليه وسلم -، وهو ينظر، وكما قرر من كانوا يتناشدون الأشعار فيه\" ا. هـ، ثم صرح بضعف الحديث في نيل الأوطار(6/211).
وذهب عامة الفقهاء إلى استحباب عقد النكاح مساء يوم الجمعة، وقيل: أو ليلتها، كما في فتح القدير للحنفية(3/189)، والفواكه الدواني للمالكية(2/11)، وإعانة الطالبين للشافعية(3/274)، والإنصاف للحنابلة(8/38)º وذلك تبركاً بهذا اليومº ولأن فيه ساعة استجابةº ولأن جماعة من السلف استحبوا ذلك، منهم: سمرة بن حبيب، وراشد بن سعيد، وحبيب بن عتبة..، والحقيقة أن هذه التعليلات والآثار لا تنهض دليلاً للقول باستحباب هذا التوقيت أو سنتهº حيث لا نص من الشارع هنا.
وذهب المالكية (كما في مواهب الجليل(3/408)، والشافعية كما في روضة الطالبين (7/19)، والحنابلة في قول كما في الإنصاف(8/38)، إلى أنه يسن عقد الزواج في شوالº استدلالاً بحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: \"تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحظى عنده مني، قال: وكانت عائشة -رضي الله عنها- تستحب أن تدخل نساءها في شوال\" أخرجه مسلم في صحيحه(1423).
وكذا استدل النووي في شرح صحيح مسلم(9/209)، وغيره، بهذا الحديث على الاستحباب، وهذا الاستدلال محل نظر، وذلك أن هذا الحديث إنما يدل على الاستحباب لو تبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد ذلك الوقتº لخصوصية له لا توجد في غيره، لا إذا كان وقوع ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الاتفاق، لا سيما وأنه - صلى الله عليه وسلم - قد تزوج بنسائه في أوقات مختلفة على حسب الاتفاق، ولم يتحر وقتاً مخصوصاً، ولو كان مجرد الوقوع يفيد الاستحباب لكان كل وقت من الأوقات التي تزوج فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحب الزواج فيها، وهذا غير مسلم به كما أفاد ذلك كله الشوكاني في نيل الأوطار(6/339).
هذا بالنسبة لمكان العقد، وزمانه، فإنه لم يرد فيه نص من الشارع، فيبقى تحديده خاضعاً لرغبة العاقدين.
أما بالنسبة لسؤالك عن كيفية العقد، ومن يحضره، فالنكاح ينعقد بالإيجاب والقبول الصادرين من الزوج وولي المرأة، أو وكيلهما، أو وكيل أحدهما، وصفة ذلك: أن يقول ولي المرأة: زوجتك ابنتي فلانة أو أختي أو...، فيقول الزوج: قبلت الزواج بها، فينعقد بهذا اللفظ، أو بمعناهما الخاص بكل لسان لمن لا يحسنهما.
ويجب أن يحضر هذا العقد شاهدان عدلان، وبذلك يصح النكاح، وينعقد، مع مراعاة تحقق الشروط التي ذكرها الفقهاء في الصيغة، وفي الولي، والشاهدين.
وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وجوب الشهادة، وإلى وجوب إعلان النكاح- سواءٌ كان بالشهادة، أو غيرها- وهو مذهب مالك كما في الكافي لابن عبد البر(1/229)، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى(32/127-131)، وانتصر له بأوجه كثيرة.
وأما بالنسبة لسؤالك عن الأدعية التي تقال عند العقد، فإنه لم يثبت في هذا حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى ما يقال للمتزوج بعد العقد، فإنه قد ثبت في الصحيحين البخاري (5155) ومسلم (1427)، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له حين رأى عليه أثر صفرة من عرس-: \"بارك الله لك\"، وفي سنن أبي داود (2130)، والترمذي(1091)، وابن ماجة(1905)، ومستدرك الحاكم (2/183)، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفأ الإنسان، إذا تزوج، قال: \"بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير\"، ثم قال الترمذي: حديث أبي هريرة رضي الله عنه- حديث حسن صحيح، ا. هـ، وقال الحاكم: \"هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه\" ا. هـ، وأقره الذهبي، وكذلك صححه النووي في الأذكار ص406).
ويسن للزوج إذا دخل بزوجته أن يأخذ بناصيتها، ثم يدعو بالبركة، فيقول: \"اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه\"، كما جاء بذلك الحديث المرفوع عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، كما في سنن
أبي داود(2/248)، وابن ماجة(1/617)، وصحح إسناده النووي في الأذكار ص407.
وأما بالنسبة لسؤالك عن وعظ المتناكحين كيف يتم؟ فالجواب: إنه قد جاء في السنة ما يدل على استحباب أن يبدأ العاقد بخطبة الحاجة، وهي الواردة في سنن أبي داود(2118)، والترمذي(1105)، والنسائي(3277)، وابن ماجة(1892)، عن ابن مسعود رضي الله عنه- قال: \"علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة الحاجة: إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضل له...\" الحديث قال الترمذي: \"حديث عبد الله رضي الله عنه- حديث حسن\"ا.هـ، أقره ابن حجر في بلوغ المرام ص241، وكذا صححه النووي في الأذكار ص404، واستحب الشافعي كما في الأم(5/34)، أن يقول الولي ما قال ابن عمر رضي الله عنهما- \"أنكحتك على أن تمسك بمعروف، أو تسريح بإحسان\"، وهذا الأثر في مصنف عبد الرزاق(10453). والله - تعالى - أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد