الزواج بنية الطلاق


 
بسم الله الرحمن الرحيم
وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تعريفه:

هو الزواج الذي يبيت الرجل فيه نية الطلاق بعد انتهاء غرضه من الزواج بعدما استكمل العقد صورته الشرعية من الرضاء والولي والشهود، والإيجاب والقبول سواء كانت نية الطلاق عند مضي مدة معينة أو عند حاجته أو انتهاء دراسته، وعودته إلى بلده وقد أخفى هذه النية على المرأة، إذ لو علمت بهذه النية لم تقبل هي ولا وليها، وهذا الأسلوب في الزواج مخالف لمقاصد الشارع، للاستقرار والاستمرار، قال - صلى الله عليه وسلم - لمن خطب امرأة: \"انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما\" أي تدوم الصلة وتستمر الصحبة وتستقر الحياة الزوجية على أن هذا الأسلوب مخالف لمقاصد الشريعة من الزواج وهو: السكنى، والرحمة، والمودة، وحماية الشرف، ومنع ابتذال الجنس، وحصول الإنجاب الذي يمثل أسمى مقاصد الزواج (الزواج بنية الطلاق ص 45).

 

المطلب الثاني: الفرق بين الزواج بنية الطلاق وبين الأنكحة الأخرى:

يتميز الزواج بنية الطلاق عن بقية الأنكحة الأخرى أنه يتفق في مظهره من توفر شروط وأركان النكاح، والمهر وثبوت جميع الحقوق إلا أن الرجل لم يقصد دوام النكاح واستقرار الحياة الزوجية وإنما أضمر إنهاء العقد متى انتهاء غرضه دون الارتباط بزمن معين، وجرى خلاف بين العلماء في صحة هذا الزواج وإباحته أو القول بتحريمه وبطلانه.

 

أما نكاح المتعة فقد جرى فيه اتفاق بين الرجل والمرأة بلفظ الاستمتاع أو المتعة زمناً أسبوع أو شهر أو أكثر أو أقل، وتنتهي العلاقة بينهما بمضي الوقت المتفق عليه دون حاجة إلى طلاق وهو نكاح باطل عند أئمة أهل السنة لأنه لا تجري فيه العدة بعد الفرقة ولا النفقة، ولا يثبت فيه النسب، ولا تستحق المرأة الميراث، ولا يحتاج في إنهائه إلى طلاق.

 

أما النكاح المؤقت فإن العقد فيه يأخذ الصفة الشرعية لوجود الشروط وأركان النكاح، غير أن هذا الزواج ينتهي بحصول حدث معين بأن يطلق المرأة بعد انتهاء غرضه، وحكمه البطلان على الأصح.

 

أما الزواج العرفي فهو زواج يأخذ صفة العقد الشرعي صورياً، غير أنه لا يثبت في أوراق رسمية ويشوبه البطلان لما يصاحبه من التصرفات المخالفة لأحكام الشريعة من تضييع حقوق المرأة، واحتمال عدم تقيدها بالعدة، واحتمال إنكار نسب الولد، ومن يتعامل بالزواج العرفي قد لا يتورع من الزواج من أختين أو الجمع بين المرأة وإحدى محارمها من عمة وخالة وبنت أخ وبنت أخت ولما يحدث فيه من لبس ومخالفات منها: أن الراغب في الزواج يحشد له غالباً مجموعة من النساء يختار أفضلهن في نظيرة فإذا طلقها فستأتي مع غيرها للمفاضلة بينهما وبين الأخريات دون التقيد بالعدة الأمر الذي يترتب عليه الكثير من العبث واختلاط الأنساب أو ممارسة الإجهاض فالأظهر تحريمه.

 

المطلب الثالث: حكم الزواج مع نية الطلاق:

نقول هنا للعلماء في هذا اتجاهان هما:

الاتجاه الأول بأن النية لا تؤثر في صحة النكاح إذ إن الصحابي الجليل زيد بن حارث - رضي الله عنه - قد ضاق صدره من زوجه - رضي الله عنهما - وعزم على طلاقها، وكان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أَمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ) (الأحزاب: من الآية37)، ولم يقل أحد أن نية زيد هذه وقع فيها طلاق، وهو قول جمهور العلماء كما نص على ذلك ابن قدامة في المغني (10/48-49). وتردد ابن تيمية بين كراهته كراهية تحريم أو كراهية تنزيه (32/ص94).

 

2 أن هذا المتزوج الذي نوى الطلاق لو بدا له الاستمرار مع هذه المرأة واستقرار الحياة الزوجية، لحسن خلقها أو لصفات كريمة ظهرت عليها أو حصول الحمل فإنه لا يحتاج إلى تجديد عقد وهذا ما ذهب إليه الكثير من العلماء.

الاتجاه الثاني: يذهب إلى أن نية الطلاق يبطل بها العقد، لأن هذا من باب الخداع والتضليل، ومن باب الغرر، لأن المرأة وأهلها لو علموا بهذه النية لم يوافقوا على هذا الزواج، لأن هذه النية أسوأ من نكاح المتعة حيث إن نكاح المتعة قد دخلت فيه المرأة على بينة، ونكاح المتعة باطل بإجماع أهل السنة لنهي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة وهو قول الأوزاعي(1) ورجحه الشيخ محمد بن عثيمين(2).

 

3 إن فيه العبث والاستخفاف بالناس الكثير والكثير، لأن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، وإذا كان الدين الإسلامي نهى عن كل معاملة فيها جهالة وغرر وهي في الأمور المالية والمر فيها قد يكن هيناً فإن الغش والخداع لا يصح في عقد وصفه الله بالميثاق الغيظ، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: \"اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بكلمة الله\" ولأن القول بإباحة هذا الأسلوب من الزواج يتيح لأصحاب القلوب المريضة والنفوس الضعيفة مجالاً للعبث والتلاعب، ولأن هذا الزواج يتضمن إساءة وتشويهاً للإسلام لما قد يقال من عبث الرجال بالنساء والاستخفاف بحقوق الآخرين على ما فيه من تعطيل للإنجاب ومنع للتناسل إذ إن المتزوج بنية الطلاق لا يريد الارتباط بالذرية بل ربما لو أنجبت المرأة لتخلى عنها صاحب النية السيئة.

 

ولا شك أن هذا الزواج وإن حصل شبه اتفاق على إباحته من خلال فتاوى العلماء قديماً لكون العقد مكتمل الشرائط أما النية المستقبلية للطلاق فلم ير العلماء أنها تؤثر على العقد لأنها احتمالية إلا أن تلك الفتاوى تبقى تمثل حالات نادرة بل تمثل نوعاً من المخارج لمن احتاج إلى هذا النوع من الزواج وفق ظروف وأحوال معينة توازن فيه المصالح مع المفاسد أما القول بإباحته بشكل عام ويكون ضمن النظام الاجتماعي وخاصة أثناء السياحة والسفر فلا شك أن انتشار هذا الزواج يؤول إلى مفاسد محققة وغايات تناقض مقصود الشارع، والعلماء عندما أجازوا النكاح بنية الطلاق كان ذلك وفق ظروف وأحوال معينة وإلا فإن الأصل في عقد النكاح هو التأبيد وألا يكون على وجه التأقيت والتأجيل ولكل قاعدة عامة وأصل استثناءات جزئية لوقائع معينة ولكن يبقى الأصل أن الزواج يجب أن يتم على وجه الأكمل حتى يتحقق فيه مقصد الشارع الحكيم.

 

ـــــــــــــــــــــ

(1) انظر: المغني (10/48-49).

(2) أحكام التعدد، العتيبي ص 26.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply