خلو الرجل نقل القدم ليس له مستند شرعي


 بسم الله الرحمن الرحيم

 من المصائب العظيمة والكوارث الجسيمة التي حلت بالأمة في هذا العصر كلياً أو جزئياً التشريع مع الله ما لم ينزل به سلطاناً، والتحاكم إلى القوانين الوضعية الأرضية، والرضا بالتحاكم إلى زبالات البشر ونبذ شرع خالق البشر، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.

حيث لم يحدث أن شُرِّع قانون مخالف لشرع الله إلا في عهد جنكيز خان، حيث جاء بـ\"الياسق\"، ولكن والحمد لله لم يتحاكم إليه أحد من المسلمين، وإنما كان يحكم به قومه وشيعته، إلا في هذا العصر، بعد أن تكالب أعداء الإسلام على الدولة العثمانية وقضوا عليها، وتقاسموا ديار الإسلام واستعمروها.

 

ما فتئ ولاة الأمر من العلماء وفقهم الله ينصحون لولاة الأمر من الحكام، منذ أن حلت هذه البلوى بالإسلام.

 

فهاهو سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المفتي الأسبق للملكة العربية السعودية، طيَّب الله ثراه وجعل الجنة متقلبه ومثواه، يحذر من إنشاء مؤسسات تفصل في بعض القضايا دون الرجوع إلى المحاكم الشرعية في المملكة العربية السعودية، نحو الغرفة التجارية، ومكتب العمل، وما شابه ذلك، ويطالب بإلغاء تلك المؤسسات، قائلاً: (الشرع الشريف تام وافٍ, بالمقصود، والمشرع هو أرحم وأعلم بمصلحة العباد، ما ينفعهم وما يضرهم، ولم يكل التشريع إلى أحد، فهو المشرع ورسوله المبلغ.

 

لذا نرى لزاماً إحالة كل نزاع إلى المحاكم الشرعية، فهي التي من حقها أن تقوم بفض النزاع، وفصل الخصومات، أما ما عداها فهي عرضة للانتقاد، وعدم القناعة، وسخط الجمهور، ولها عاقبة سيئة ووخيمة، فالذي نعتقده وسائر علماء المسلمين وجوب إلغاء الغرفة التجارية). 1

 

هذا وبالنسبة للدول الأخرى التي ارتضت التحاكم للقوانين الوضعية المستمدة من الدول الكافرة، فقد ناشد مجلس مجمع الفقه الإسلامي حكام المسلمين بتطبيق شرع الله على رعاياهم في أحد اجتماعاته، حيث جاء فيه: (إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في رحاب مكة المكرمة وعلى مقربة من الكعبة المشرفة ليناشدكم الله مالك الملك الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أن تبادروا إلى تطبيق شريعة الله، لتنعموا وتنعم رعيتكم بالأمن والطمأنينة في ظل الشريعة الإسلامية، كما حدث ذلك لسلف هذه الأمة الذين وفقهم الله لتطبيق شرعه، فجمع لهم بين النصر على الأعداء والذكر الحسن في هذه الحياة الدنيا، وما أعده الله لهم من الأجر والثواب خير وأبقى.

 

ولا شك أن الحالة التي وصل إليها العرب والمسلمون من ذلك أمام الأعداء نتيجة حتمية لعدم تطبيق الشريعة الإسلامية.

والله المسئول أن يوفق المسلمين جميعاً حاكمين ومحكومين إلى ما فيه عزهم، وفلاحهم، ونصرهم على أعدائهم إنه سميع مجيب).  

من الآثار السالبة السيئة التي نتجت عن التحاكم لغير شرع الله ونبذه والتحاكم لقوانين وضعية، الظلم الفادح الذي وقع على بعض ملاك العقار، سيما في بعض الدول، بوضع قانون إيجار ناتج عن ردة فعل عنيفة للنظام الرأسمالي، مستصحباً النزعة الاشتراكية التي اغتربها بعض الحكام، حيث أعطى القانون الجائر هذا للمستأجر مطلق التصرف في العقار، ويتمثل ذلك في بعض:

 

1. ثبوت الأجرة مهما تغيرت الأحوال وتبدلت، وغلت الأسعار أو رخصت.

2. للمستأجر أن يورث العقار.

3. ليس للمؤجر أن يطالب المستأجر بزيادة ولا بخلو العقار.

4. أعطى المستأجر إن رغب عن العقار أن يؤجره لمن شاء، وأن يأخذ على ذلك ما يعرف بخلو الرجل أو القدم، تحت شبهة بيع السمعة التجارية للمكان.

ونحو ذلك من الإجراءات الجائرة التي سلبت المالك حق التصرف في ملكه، ودفعت بأصحاب الأموال أن يصرفوا النظر عن الإيجار، حيث اتجهوا إلى التمليك، ومن ثم آلت جل العقارات المستأجرة قديماً إلى خرابات.

 

وبعد..

فهل لخلو الرجل أو القدم مستند في شرعنا، أو دليل فيما جاء به نبي الرحمة؟

معلوم في دين الله - عز وجل - أن الأصل في العبادات أنها توقيفية، وفي الفروج والأموال أنها محرمة، وفيما سوى ذلك الإباحة، ولهذا كان موضوع خطبة الوداع الأساس التركيز على حرمة دم المسلم، وماله، وعرضه، وأن المسلم كله حرام، لا يحل لامرئ أن يتصرف في مال أخيه المسلم إلا بطيب نفس، ومعلوم أن حكم القاضي إذا خالف الشرع لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً، فكيف باللوائح والقوانين الوضعية؟

قال - صلى الله عليه وسلم -: \"كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله\".

وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"لا يحل لمسلم أن يأخذ مال أخيه المسلم بغير حق\".

وعن عمرو بن يثربي قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: \"ألا لا يحل لمرء من مال أخيه شيئاً إلا بطيب نفس منه\"، فقلت: يا رسول الله، أرأيت إن رأيت غنم ابن عمي أجتزر منها شاة؟ قال: \"إن لقيتها نعجة تحمل سفرة وزناد بجنب الجميش\".  

وعن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"حرمة مال المسلم كحرمة دمه\".

وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"لا ضرر ولا ضرار\".  

هذه الأحاديث وغيرها من الأدلة تبين حرمة مال المسلم، وأنه لا يحل لأحد أن يتصرف فيه من غير وجه حق شرعي، وإلا فقد ارتكب حراماً، وأكل في بطنه ناراً.

ومن جملة ذلك التغول الذي يحدث من بعض المؤجرين من أخذ عوض من مؤجر آجر نتيجة لإخلائه لعقار لا يملكه ولا يملك التصرف فيه إلا في حدود الإجارة الشرعية، وهو ما يعرف بـ\"خلو الرجل أو القدم\"، وهو لا شك داخل في جملة أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه ورسوله: \"وَلاَ تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ\".

وبهذا أفتى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية، حيث قال: (نقل القدم وهو الخلو لا نعرف له مستنداً شرعياً، فإذا تمت مدة الإجارة فلا نعلم مانعاً يمنع صاحب الملك من ملكه).

وما قاله هو الحق، فليس هناك حائل يحول بين الملك وصاحبه إذا استغنى عنه المؤجر، فهو أولى بجميع المنافع المرتبطة بعقاره.

وعليه لا ينبغي لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتجرأ على منع صاحب العقار أن يؤجره لمن يشاء، ولا أن ينال من إجاره لشخص آخر منفعة إلا برضى صاحب العقار.

والله أعلم بالصواب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الأبرار.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply