تهذيب اللحية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 السؤال

سؤالي لفضيلة الشيخ / سليمان الماجد..- حفظه الله -: أحيانا يا شيخ بعض الناس ينمو له شعر في خده أسفل العين هل هو تابع للحية؟ وما حكم حلق مثل هذا الشعر؟ و أيضا تخفيف اللحية بشكل عام لأني سمعت أن لك رأياً في ذلك؟ و لكن أرجو أن يكون بالدليل والتعليل وإن كان اجتهاداً فعلى ماذا بُني هذا الاجتهاد؟

 

الجواب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعدهº أما بعد..

اللحية في لغة العرب ما نبت على اللحيين طولاً وعرضاً، وما ذكرته خارج عن حدود اللحية فلا حرج في إزالته بأية طريقة.

وأما الأخذ من اللحية وتركها فهي مسألة اجتهادية، وتحقيق القول في ذلك أن أخذ ما زاد على القبضة جائز، وهو قول جماهير السلف والخلف، ونص عليه فقهاء المذاهب الأربعة، وأخذ منها ابن عمر وأبو هريرة، وروى ابن أبي شيبة في \"مصنفه\" (21277) أن الحسن بن يسار البصري قال: كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها.

وأما من حيث الدليل والتعليل فإن الأصل هو جواز الأخذ منها، والذي عرض لهذا الأصل عند بعضهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: في حديث ابنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَالِفُوا المُشرِكِينَ أَحفُوا الشَّوَارِبَ وَأَوفُوا اللِّحَى». رواه مسلم في \"صحيحه\" (3 /122).

والتوفير والتوفية والإرخاء والإعفاء وغيرها من الألفاظ محتملة لحرمة الأخذ مطلقاً، أو تحريم حلقهاº فلما ورد الاحتمال نظرنا إلى هدي الصحابة - رضي الله عنهم -º لنفهم الحديث من خلالهº كما هو المنهج الصحيح في فهم الكتاب والسنةº فوجدنا أن أبا هريرة وابن عمر قد أخذا منهاº دون أن يُنقل نكير من أحد منهم على فعلهماº فدل ذلك على أنهم فهموا من الإعفاء منع الحلق لا حرمة الأخذ منها.

كما أن الأخذ من اللحى وتهذيبها مما يفعله بعض العرب، ومما لا ريب فيه أن هذه العادة بقيت بعد الإسلامº ولو كان مطلق الأخذ محرماً لنُقل إنكار ذلك على الخصوصº كما يُروى اليوم إنكار من يرى هذا الرأي، ولو كان واقعاً لنُقلº لأنه مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، وكان الصحابة أحرص الناس على هديه - صلى الله عليه وسلم - عملاً به ونقلاً له.

وقد كان هذا الهدي السكوتي عند أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - معتبراً في ما هو أعظم من هذه المسألةº حيث أُصِّلت مسائلُ الدين الكبار بناء على مثل هذا السكوتº كقول أهل السنة: إن نصوص الصفات يراد بها الحقيقة، وكان من أقوى الأدلة على ذلك سكوت الصحابة على ظاهرها، وتركهم طلب تأويلها.

فهل يُظن أن يتركوا الإنكار مع وجود عادة الناس عليها قبل الإسلام وبعده، وتحقق فعل بعض الصحابة لذلك إلا لمعنى جواز ذلك؟

كما أن الأمر بالتوفية جاء في أكثر الأحاديث في سياق التعليل بمخالفة اليهود والنصارى والمجوس، وكانوا يحلقون لحاهمº فدل ذلك على أن النهي موجه إلى الحلق.

وهذا مذهب الحنيفة كما في جاء في \"حاشية مراقي الفلاح\" (1/272): (.. وأما اللحية فذكر محمد في الآثار عن الإمام أن السنة أن يقطع ما زاد على قبضة يده، قال: وبه نأخذ، كذا في محيط السرخسي، وكذا يأخذ من عرضها ما طال.. ).

وعند المالكية جاء في \"التمهيد\" (24/142) لابن عبد البر: قال ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول: لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية وشذ. أهـ. ونسب في \"الاستذكار\" (4/315) القول بجوازه إلى جمهور العلماء.

وعند الحنابلة قال في الفروع (1/125): (.. ويعفي لحيته، وفي \"المُذهَّب\" ما لم يُستهجن طولها، ويحرم حلقها ذكره شيخُنا. ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة، ونصٌّه لا بأس بأخذه، وما تحت حلقه لفعلِ ابنِ عمر.. وأخذ أحمد مِن حاجبيه وعارضيه.. ).

وقال الإمام ابن تيمية في \"شرح العمدة\" في إعفاء اللحية: (.. فلو أخذ ما زاد على القبضة لم يكره.. ).

ولم تكن هذا الإطالة النسبية في الجواب إلا لما رأيته من بعض الأحبة من جعل موضوع الأخذ من اللحية فيصلاً بين الملتزم وغيره، والتشنيع على القائل بالجواز أو الفاعل له، وقد رأيتَ سهولة الخلافº بل ظهر أن الأرجح دليلاً وتعليلاً هو الجواز، وأن السلف من الصحابة والتابعين على هذا، ولم يأت المخالفون بأثر واحد يتضمن أن أحداً من الصحابة قال بالتحريم.

والله - تعالى -أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply