بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
السؤال:
كثُرَ بين الشباب الراغب في الحصول على جنسية غربية أن يتزوج من فتاة غربية نصرانية كانت أو غير نصرانية، ويتم هذا الزواج أمام قاض بحيث يكون الزواج مجرد ورقة أمام المحكمة أي: زواجاً صورياً فلا يوجد معاشرة، وذلك مقابل أن تحصل تلك الفتاة على مبلغ من المال، وحجتهم في ذلك أن هذا ليس زواجاً أصلاً فالعقد يتم في محكمة، والشاب لا يلمس تلك الفتاة، إنما هو اتفاق بينهما على تبادل مصالح فقط فما حكم هذا الأمر؟ هل هو جائز؟ وهل يعد هذا زواج؟ نفعنا الله بعلمكم وجزاكم الله خيراً.
الجواب:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..أما بعد..فعقد النكاح من أخطر العقود لتعلقه بإنشاء أسرة، والصحيح منه هو فرق ما بين الحلال والحرام، والله -تعالى- إنما شرعه ليؤتى به على وجهه الذي شرعه لأجله، لا أن يُتخذ وسيلة إلى مقاصد أخرى للناس، ولهذا سماه الله -تعالى- "الميثاق الغليظ".
ويسعى بعض الناس إليه لتحصيل جنسية بلد المرأة، أو حق الإقامة فيه، أو أن يكون مَحرماً للمرأة إذا أراد أن يسافر بها إلى الدول التي تشترط ذلك.
فإذا كان النكاح بينهما مقصوداً مع هذا الغرض بحيث ينويان كلاً من الزواج وهذا الغرض فهو جائز لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"رواه الشيخان عن أبي هريرة.
أما إذا اتفقا أن هذا العقد مجرد صورة فإنه لا يجوز لما فيه من إجراء العقد على غير المقصد الذي أرادته الشريعة، وما يتضمنه من الاستخفاف بها، ولو فُعل هذا ببعض أوامر البشر لعُدَّ ذلك استخفافاً به.
وهو ينطوي أيضاً على مفاسد كثيرة:
منها: عدم ظهور اعتبار آثار العقد أو إلغائها فإن شاءت لم تكن زوجة، وإن شاءت كانت كذلك.
ومنها: دخول الزوج مدخل الريب فتُنسب إليه امرأة لا ترى حرمة لهذا العقد لاعتقادها أنه صوري.
ومنها: أن ما تُنجبه هذه المرأة من الولد يُنسب إليه.
فبالجملة تمحض النية في النكاح للأغراض المذكور، وعقده على هذا الأساس لا يجوز.. ولا يُستثنى من المنع إلا إذا كان ذلك خوف ضرر جسيم كمن يعيش في بلد يُحارب فيه الدين، ويُلاحق أهله، ولا سبيل له إلى عبادة الله -تعالى- والخلوص من نيران الطاغية إلا بالهرب إلى بلاد أخرى، ولا سبيل له إلى ذلك إلا بمثل هذا المخرج فلا حرج على من هذه حاله، ولا على أمثاله في ركوب هذا المركب، وذلك بعد استفراغ الجهد في البحث عن امرأة يعقد عليها بنية صحيحة للنكاح ولو مع شيء من هذه الأغراض.
وإذا وقع العقد مجرد صورة محضة فهل يُعتبر صحيحاً تترتب عليه آثاره؟:
فيُقال في الجواب: إذا خرجناه على نكاح الهازل بجامع عدم إرادته فأكثر أهل العلم يرون أن العقد يُعتبر صحيحاً، وله معاشرتها، وذهب المالكية إلى اعتبار مقاصد المكلفين في العقود والألفاظ فلا ينعقد، وهو قولٌ للشافعي، وهذا أصح القولين لأن القصد إذا تخلف لم تترتب الآثار على الصورة كما هو معلوم من سنَن الشريعة باعتبار المقاصد. وهذا في حال تصادق الطرفين على ذلك، أما إذا وقع نزاع فالأصل اعتبار الظاهر دون الباطن.
وأما حديث: " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة". فقد رواه أبو داود عن أبي هريرة وهو ضعيف، وقد جاء من أوجه أخرى لا تخلو من مقال، وضعفه جمع من العلماء منهم ابن العربي وابن الملقن، وابن حجر وغيرهم.
والله -تعالى- أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد