الدعاء على الكافرين بين منع الاستعجال وشرعية الاستنصار

4 دقائق
19 جمادى الثاني 1447 (10-12-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الدعاء على الكافرين بين منع الاستعجال وشرعية الاستنصارسليمان النجران

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسعد الله مسائك صاحب الفضيلة، أحسن الله إليكم، هل يُنهى عن الدعاء بتعجيل العذاب على الكفار؟ كأن يقول الداعي (اللهم أهلك الكفار عاجلًا غير آجل)؟

رأيت ابن عاشور والشنقيطي يريان ذلك، ولكل منهما مأخذ، فالأول قال لأن طلب تعجيل العذاب ينافي العزم. والثاني يقول أنهم معذبون لا محالة.

وهذا تفصيل قولهما:

قوله تعالى: {ولا تستعجل لهم}

يقول ابن عاشور رحمه الله: وأعْقَبَ أمْرَهُ بِالصَّبْرِ بِنَهْيِهِ عَنْ الِاسْتِعْجالِ لِلْمُشْرِكِينَ، أيْ الِاسْتِعْجالِ لَهم بِالعَذابِ، أيْ لا تَطْلُبْ مِنّا تَعْجِيلَهُ لَهم وذَلِكَ لِأنَّ الِاسْتِعْجالَ يُنافِي العَزْمَ ولِأنَّ في تَأْخِيرِ العَذابِ تَطْوِيلًا لِمُدَّةِ صَبْرِ الرَّسُولِ بِكَسْبِ عَزْمِهِ قُوَّةً.

وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله.

قوله تعالى: {ولا تستعجل لهم}.

نهى الله نبيه في هذه الآية الكريمة أن يستعجل العذاب لقومه، أي يدعو الله عليهم بتعجيله لهم، فمفعول (تستعجل) محذوف تقديره: العذاب، كما قاله القرطبي، وهو الظاهر.

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن ‌طلب ‌تعجيل ‌العذاب لهم جاء موضحا في آيات آخر، كقوله تعالى: {وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا (11)}، وقوله تعالى: {فمهل الكافرين أمهلهم رويدا (17)}.

فإن قوله: {ومهلهم قليلا (11)} وقوله: {فمهل الكافرين أمهلهم رويدا (17)} موضح لمعنى قوله: {ولا تستعجل لهم}.

• والمراد بالآيات: نهيه عن ‌طلب ‌تعجيل ‌العذاب لهم؛ لأنهم معذبون لا محالة عند انتهاء المدة المحددة للإمهال، كما يوضحه قوله تعالى: {فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا (84)}، وقوله تعالى {نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ (24)}، وقوله تعالى: {قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار} الآية، وقوله تعالى: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد (196) متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد (197)}، وقوله تعالى: {قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (69) متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون (70)}، إلى غير ذلك من الآيات. ا. ه

وقد يعارض هذا المعنى أن النبي دعا على قريش في مكة وفي بدر ودعا على يهود. والذي يظهر انه دعا بوقوع العذاب عليهم عاجلًا، هذه مباحثة. فما رأيكم سلمكم الله؟

الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. حياكم الله أخي الفاضل. الدعاء على الكافر مقام على أصلين، ومنهما يظهر حكم الاستعجال:

الأصل الأول: من جهة الداعية ذاته، وهذا يبنى على مقصدين:

الأول: أن يكون بقصد إهلاكهم لما فيهم من الشر المستطير والضرر العميم على الدعوة وأهل الإسلام فهذا جائز كما في دعاء موسى على فرعون: {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا}. وكما في دعاء نوح عليه السلام: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} وكما تكرر في دعائه عليه الصلاة والسلام وقنوته شهرا على الذين قتلوا القراء وغيرهم.

الثاني: أن يكون من الضجر وعدم الصبر والاحتساب، واستعجال الحساب والعقاب عليهم ففيه معاني التسخط والتضجر، والخروج عن مسار الدعوة بما أمر به الداعية بالصبر على أذى المخالفين وإطالة أمد البيان والبلاغ وتصريف النذر لهم لعلهم يرجعون، ويكون فيه اتبدل وظيفة الداعية أو النبي من كونه مبلغا إلى كونه محاسبا فهذه ليست له إنما وظيفته البلاغ دون الحساب فالحساب له سبحانه وتعالى ليس لأحد غيره فيجب أن يحفظ العبد مقامه لا يتعداه في هذا، فلكي لا يتسلل إلى النفس مثل هذه المعاني جاء النهي والتحذير عن طلب واستعجال العذاب عليهم.

جاء هذا في ثلاث إشارات له في ثلاث آيات كريمات كما في قوله تعالى: {فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون}، وقوله تعالى: {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}، وقوله تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون}، وعليه يحمل ما سبق من النهي الوارد في الآيات التي ذكرت في السؤال.

فالضابط: هنا التفريق بين استنزال النصر من الله، وبين الضجر وقلة الصبر، كما قال تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128].

الأصل الثاني: من جهة الكافر ذاته: وهذا منظور فيه من مقامين:

المقام الأول: المحاربون المعاندون فالدعاء عليهم بكف شرهم عن أهل الإسلام ودفع أذاهم عن المؤمنين بإهلاكهم وإبادتهم فهذا هو المشروع في الدعاء بنصر المؤمنين وخذلان الكافرين. وهذا الذي دعا به عليه الصلاة والسلام عليهم.

المقام الثاني: من غير المحاربين ممن يعاند ويكابر ويجادل بالباطل فهؤلاء يمهلهم الله ويقيم عليهم الحجة ويوالي البراهين فإن آمنوا وإلا جاءهم العذاب لا يتأخر ولا يتقدم، ليس لأحد هنا طلب العذاب أو موتهم على الكفر، بل المشروع الدعاء لهم بالهداية والتوفيق للرشاد، والمقصود بالعذاب هنا موتهم على الكفر ولا يلزم تعذيبهم في الدنيا لأن من مات على الكفر استحق العذاب فهذا من المجاز لإقامة السبب مقام المسبب، كما في الآيات الكثيرة.

فالضابط هنا بحسب الشر المتعدي والقاصر: فمن كان شره ومفاسده قاصرة على نفسه من الكفار لم يشرع الدعاء عليهم بالعذاب بل شرع الدعاء لهم بالهداية، ومن كان شره طائلا منتشرا متعديا لأهل الإسلام شرع الدعاء عليهم بالعذاب في الدنيا والآخرة، سواء كان تعديه بالفكر أو بالسلاح ومن هنا شرع الجهاد فهو ضرب من عذاب الله لهم في الدنيا: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 14، 15].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق